أخبار عاجلة

الفل التهامي .. بديلاً عن الفياجرا في الحديدة

‏  12 دقائق للقراءة        2345    كلمة

     الفل التهامي .. بديلاً عن الفياجرا في تهامة

   الحديدة  نيوز – حسن يحيى- خاص

   مع زحمة التراكمات, وشواهد البؤس والمعاناة اليومية , عندما تجد نفسك محاصراً بين زوايا المعاناة في حياتك اليومية , وأصبح من الضروريات البحث عن مقومات طبيعية من البيئة المحيطة , لتسرح معها في جمال يستعصي على النسيان.

 

    فعلى غير العادة , وبعيداً عن المعاناة المتعددة في محافظة الحديدة , تأخذنا رائحة الفل، لندلف معها عناقاً لبساتين الحسينية والعباسي والمغرس مروراً بواديي زبيد جنوباً ومور ومزارع الزيدية شمالاً لنستمتع بـ”الزهر والقريشي” الذي يطلق عليه ابناء تهامة ولنعرج على مكنونات الجمال في تهامة.

 

الفل التهامي
الفل التهامي

 ليلة خميس

    يجد الزائر لمزارع “أمفل ” في تهامة , يجد نفسه خائضاً في فلسفة ذات نكهة مشرقة بالعشق والحب والصفاء خاصة إذا عرفت ان أكثر مبيعات الفل يومي الخميس والجمعة وهذان اليومان يمثلان محطة الاسترخاء من عناء الحياة ومشاغلها أو يمثلان المناسبة الاكثر اشراقاً في حياة الإنسان وهي الزواج والخطوبة والمعاشرة الأسبوعية حيث يتم نثره على فراش الزوجية , ولا يمكن لاحدهم ان يغادر سوقه يوم الخميس دون الكمية الكافية من الفل التي ستشاطره وأهله الساعة السليمانية وما بعدها من اجواء فرائحيه يغمرها اللقاء والحب الخالص والود , و أصبح ذلك من العادات المتأصلة في تاريخ الإنسان التهامي.

 

   يباع الفل بكميات كبيرة يوميا في مختلف محافظات الجمهورية، وفي محافظة الحديدة الذي يصل اليها الفل يوميا من مناطق زراعته خاصة منطقة تهامة و نلاحظ انتشار بائعي الفل في جولات الشوارع الرئيسية.

 

الفل التهامي
الفل التهامي

 العباسي حاضنة امفل

     كانت أول محطة في رحلتنا “منطقة العباسي” بمديرية بيت الفقيه ,حباها الله بخضرة تكسو جنبات طريق اللاوية الذي يربط الدريهمي بمنطقة المسعودي فهي ارض زراعية واسعة مترامية الأطراف ، وتشتهر بمزارع الفل والذي يتم إنتاجه وتسويقه إلى مختلف مناطق اليمن والدول المجاورة .

 

    يقول الشاب “هبه أحمد” من ابناء منطقة العباسي أن هذه الأيام يعتبر موسماً لبيع الفل أو ما يسمى أمـ”قريشي” عند ابناء تهامة, ويعتمد معظم المزارعين في المنطقة على زراعته كونه يجني ارباحاً لهم , ويعتبر مورد اقتصادي أساسي إلى جانب المزروعات الأخرى.

 

    وعن المساحات المزروعة فيقدرها “هبه” بحوالي 800 إلى 1000 معاد ويتم بيعه إما بالوزن أو بالحبة أو بما يسمى بـ”الكباش ” أو “الهمش” على أشكال عقود يتم تجهيزه يدوياً من خلال تنظيم زهرات الفل في خيط دقيق والذي يبلغ طوله من “100”سم إلى “180” سم ويحتوي أكثر من ثلاثة الاف زهرة فل وباستعمال الابرة الخاصة بالفل بحيث تدخل الابرة في الربع الاسفل من الزهرة، الجزء الرفيع وباتجاه متعامد مع محور الزهرة بحيث يكون أعلى الزهرة إلى الخارج واسفلها إلى الداخل., بأسلوب منتظم وأشكال مختلفة , يصل قيمة العقد الواحد أحياناً والذي يعمل بحسب الطلب ما بين 4000 إلى خمسة آلاف وهذه الانواع غالباً يتزين بها العرسان في حفلات زفافهم, وأصبحت من العادات والتقاليد التهامية.

 

الفل التهامي
طفل يبيع الفل التهامي

توقف

     “امفل ..أمفل ” يستقبلك بائعو الفل بلهجتهم التهامية , عندما تتوقف من رحلتك في أحد الأسواق “دير عبدربه , الزيدية , باجل ” شمال الحديدة أو “المسعودي ـ زبيد ـ الجراحي ـ بيت الفقيه” جنوباً, يأخذك عطرية الفل , الذي أصبح جزءً من هوية الحديدة السمراء العامرة بالاخضرار الدائم وبياض الفل الناصع الذي أصبح أساساً في مبيعات أسواق مناطق الحديدة وينشر رائحته العطرية في هذه المناطق المتداخلة مع غنج تعز ودلال حجة وبخورية المحويت وخصوبة ريمة. 

 

    أما في باب مشرف بمركز المحافظة فـ”للفل ” حكاية ومشاهد جمالية ,حيث عقود الفل تتدلى أمام المحلات التجارية وبأشكل فنية مختلفة , فمنها ما يوضع على الرأس ويسمى “العكاوه” أو ما يتم اعداده بصورة قلائد توضع على صدور الفتيات والنساء وتسمى “كباش” أو “همشات”.

 

الفل التهامي
طفلة تتزين بالفل التهامي

   استقبلني فيه بائع الفل”خالد حيدر”, بعقوده التي اخذت طابعاً فنياً فريداً ,وعندما سألته عن العائد من البيع , فأخبرني أنه معتمد عليه في إعالته لأسرته ويجني له ارباحاً لسد احتياجات الاسرة من متطلباتها اليومية , حيث يبيع في اليوم بحوالي 6000-10000 ألاف كمبلغ متوسط حد تعبيره.

 

الفل التهامي
الفل التهامي

تصدير

    وعن أوقات قطفه يحدثنا المزارع / محمد عياش من مديرية بيت الفقيه بقوله “بعد صلاة الفجر يجتمع العمال من أبناء المنطقة كبار وصغار ذكور وإناث في احد المزارع وينقسمون إلى فريقين أحداهما يقوم بقطف وجني حبات أزهار الفل وفرقة أخرى تقوم بتجميعه وترصيف العقود وبعد الانتهاء يقوم صاحب المزرعة بتسليم أجور العاملين وهو عبارة عن عقود من الفل ليبيعوها في السوق.

 

    وأوضح: ان العاملين والمزارعين يبيعون الفل في سوق بيت الفقية الذي يقام يوميا في الصباح، ويشهد إقبالا كبير لشراء وبيع الفل ونتيجة لهذا الإقبال تنفد الكمية.

 

     وأشار إلى ان الفل يصدر بكميات كبيرة كل يوم من هذه المزارع إلى الاسواق المحلية فيما تراجع الصادرات لهذه الثؤوة نتيجة الحرب واغلاق المنافذ إلى دول الجوار وينقل بالسيارات لهذه الأسواق، وعن الأيام التي يلاقي الفل إقبالا على شرائه يقول “عياش” ان يوم الخميس من الأيام المفضلة ويقبل عليه المواطنين وذلك لأهمية هذه الليلة ولرمزية الفل في تحسين العلاقة والمعاشرة الزوجية.

 

 الفياجرا بين يديك

   اما المواطن  حسن هادي فيقول وداعا لحبوب الفياجرا التي يقبل عليها البعض لتحسين المعاشرة الزوجية.

    حيث يرى “هادي ” ان الفل له رمزية كبيرة و يعتبر مهيج جنسي وعامل مساعد في استمرار وتحسين العلاقة الجنسية وذلك بدء من رائحته الزكية ويضيف للمرأة جمالا اكثر عندما تلبس عنقود الفل على عنقها وكل ذلك من المقومات الاساسية للفل الذي يجعله عاملا مساعدة في المعاشرة الزوجية.

 

    من جهته يؤكد الاخصائي النفسي مراد الشميري ان الوضع الأقتصادي المتردي وانقطاع الرواتب وفقدان الكثير لوظائفهم او توقفهم عن العمل تعتبر من العوامل الاساسية في الضعف الجنسي لدى الكثير وفي هذه الحالات يصبح بحاجه إلى ماسه إلى تناول بعض الادوية او العلاجات الطبيعية او الجوء إلى بعض العوامل المساعدة كالفل والروائح واشياء اخرى جمالية والتي قد تساهم في تحسين الاداء الجنسي واستمرار المعاشرة الزوجية.

 

الفل التهامي
أسواق بيع الفل التهامي

      من جهتها تقول الأخت “ف.ع” ان زوجها يحرص كل خميس على شراء الفل وتقوم هي ايضا بعمل البخور والتزين باعتبار ان هذه الليله مقدسه وتتجهز لزوجها من أجل انجاح المعاشرة وتحسين العلاقة بينهما وتعمل جاهدة على ان تنسيه المشاكل اليومية حتى لا تسلبهم الانس والابتهاج في هذه الليلة.

 طرق زراعته وموسم حصاده

     منطقة المغرس واحدة من المناطق التي تشتهر بزراعة الفل , ومنها يتحدث المزارع ” محمد راجحي” عن فترة موسمه فيقول ” موسم أمفل يبدأ في شهر فبراير حتى شهر أغسطس , وفي هذا الموسم يرخص قيمته , لكنه في بعض المزارع يظل طوال العام يعطي الزهر , ففي غير الموسم المعتاد يرتفع سعره ويباع أحياناً الألف حبه بـ1000 ريال أو 1200.

    ويقول المزارعون أن زراعة الفل ليست معقدة , لكنها تحتاج لذوي خبرة بأمور الزراعة , فتتم زراعة شجرة الفل من خلال الغرسة ويتم ذلك عند عقد احد اغصان الام الممتدة على الأرض وتدفن في التربة وتسقى بالماء حتى عمر سنة تصبح غرسة وتفصل عن الأم وتغرس في المكان المحدد لتصبح شجرة مستقلة

    كما أن الارض المستهدفة لزراعة الفل يتم تقسيمها إلى أحواض , يغرس في كل حوض ما بين 5 إلى 10 غرسات وتسقى بالماء بين كل فترة وأخرى حتى يصل عمرها من ثلاث إلى أربع سنوات وتبدأ في الانتاج وبعد نهاية الموسم تترك بدون ماء حتى تيبس وتتساقط أوراقها ويتم تنظيفها تماماً , ثم تسقى مرة أخرى بالماء لأكثر من اسبوع على التوالي حتى تعود إلى خضرتها مرة أخرى وحينها يظهر “الزهر أو أمقريشي” ويقطف هذا الزهر عند اكتمال نموه.

 مصدر إلهام ورزق

    الفل من النباتات العطرية ذات الرائحة الزكية، وبهذه الصفة اكتسب مكانته العالية، حيث أصبح تجارة وحرفة تجذب المئات من الأيادي العاملة التي وجدت فيه مصدر للرزق، وارتبط الفل بالعادات والتقاليد اليمنية خاصة في حفلات الزواج كما هو مصدر بهجة للنفس وعامل الهام لكثير من الشعراء والأدباء الذي ألفوا قصائد تغنى بها الكثير من الفنانين اليمنيين.

    ومما يغنى من الحميني قول عبد الرحمن الإنسي في ذكرياته عن تهامة:

    وابيض الفل ذاك الأزهر شبيه ثغر الرشا الأغر

    ومن صف زهرة ومن تمشقر ورصفه ساعة السمر

    ومن أغاني التراث الشعبي الصنعاني:

    من مشقرك بالفل والياسمين ومن غرس في الخد ورده

   ولا ننسى ما تغنا به الفنان القدير محمد مرشد ناجي في أغنيته المشهورة بعنوان (الفل والورد).وهناك الكثير من المقولات والأهازيج التراثية التي تختلف من منطقة لأخرى فلطالما كان الفل مصدرا للإلهام والرزق الطيب.

ثروة تفتقد المصانع

 

    تأخذك الدهشة عندما لا تجد مصانع خاصة لاستخلاص عطور الفل وروائح الورد المختلفة والتي تمثل قطاعاً واسعاً يمكن ان تنمو عليها مشاريع استثمارية عملاقة تشجع المزارعين وتنهض بزراعة الفل بشكل أكبر في تهامة, وبأساليب حديثة تجعل من انتاجيته قادرة على المساهمة الفعالة في الاقتصاد الوطني, خصوصاً وأن هذه الثروة الهامة التي تتميز بها منطقة تهامة ,تعتبر مصدر رزق لكثير من ابناء تهامة، فقط بحاجة إلى لفتة كريمة من الحكومة لعمل خطط استراتيجية لاستيعاب هذه الثروات المتعددة في تهامة ومنها أمـ”فل” التهامي .

عن arafat

شاهد أيضاً

اعداء النجاح في كهرباء الحديدة !

‏‏  3 دقائق للقراءة        408    كلمة الحديدة نيوز / كتب/ ماجد عمر ثلة قليلة لا تشكل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *