الحديدة نيوز / فايز الأشول
يواجه جيل كامل من الأطفال في اليمن، مستقبلاً قاتماً بعد أكثر من 3 سنوات من الصراع الدامي، الذي تقول منظمة «اليونيسف»، إنه أوصل 11 مليون طفل إلى الحاجة لمساعدات إنسانية، ودفع بـ 2 مليون طفل إلى خارج المدارس، كما حرم 4,5 مليون طفل آخر من الحصول على تعليم جيد، بسبب إنقطاع مرتبات المعلمين لما يقارب العامين، في ثلاثة أرباع البلاد.
جيل كامل يرتسم مستقبله بين وقود لصراع الكبار والتشرد والضياع والأعمال الشاقة بجهود بدنية وأجور زهيدة، وحتى هذه الأعمال، سيحرم الكثير منها، فالمنظمة الدولية تقول إن «400 ألف طفل في اليمن مصاب بسوء التغذية الحاد، و8,6 مليون طفل حرموا من الوصول إلى المياه المأمونة والصرف الصحي، ما يزيد من خطر إنتشار الأمراض».
يستعر القتال جنوب مدينة الحديدة، التي يسكنها 600 ألف شخص، وتخشى الأمم المتحدة أن يفقد 250 ألف شخص – بينهم 100 ألف طفل – كل شيء بما فيها حياتهم.
في مدرسة أبو بكر الصديق، في منطقة عصر، في صنعاء، تم تسكين 25 أسرة نازحة من محافظة الحديدة. المدرسة مغلقة طوال العام الدراسي الماضي، بسبب انقطاع مرتبات المعلمين، والأسر النازحة إليها، تختزل مأساة تهامة وإنسانها، وتحكي مرارة فقدان الأمل والنزوح إلى دروب الضياع والمجهول. الطفلة ندى محمد هليبي، تقول لـ«العربي»: «أنا الآن في المدرسة في صنعاء، لكن حقيبتي المدرسية وحقائب إخواني الخمسة تركناها في منزلنا في مدينة التحيتا». تنهمر الدموع من عيني ندى، وتختم حديثها بتساؤلات بريئة: «متى ستتوقف الحرب؟ وهل سنعود إلى منزلنا؟».
كانت لنا أحلام
كم هو مؤلم فقدان الأمل والشعور بالضياع، عندما تقابل عشرات الأطفال في مدينة حوث، في محافظة عمران، في ساعات الصباح الأولى، بملابس رثة وأجساد هزيلة، لا يتجهون إلى المدارس، فمعظمها مغلقة منذ أكثر من عامين، ولكنهم في طريقهم إلى مزارع القات، بحثاً عن عمل بأجور زهيدة، لا تتعدى الألف ريال في اليوم. المئات من الأطفال تركوا مدارسهم في محافظة عمران والمحافظات المجاورة، ويعملون اليوم في المزارع، في مديرتي حوث وحرف سفيان، والكثير منهم أدمنوا تعاطي القات، ينامون في «لوكندات» شعبية، ولا يحملون بطائق هوية، ولم يعد لديهم أحلام سوى الحصول على فتات المال، لتوفير ثمن الغذاء لهم ولأسرهم الفقيرة. كهلان الخدري، البالغ من العمر 16 عاماً، يظل لأشهر بعيداً عن أسرته، فهو يعمل في مزارع القات، يقول لـ«العربي»: «أبي مدرس ولكنه لا يستلم مرتب، ولم يجد عملاً آخر، وأنا تركت المدرسة في الصف التاسع، بسبب الوضع المعيشي السيء لأسرتي، كان لدي طموح في إكمال دراستي، وأن أصبح طبيباً في المستقبل، لكن من سيوفر متطلبات تعليمي وعيش أسرتي؟».
لعقود قادمة
إنتهاكات حقوق الأطفال في اليمن لا تتوقف عند الحرمان من التعليم، فما هو حقيقي وكارثي ولا يمكن تجاهله، أن الآلاف من أطفال اليمن يخوضون الحرب، فهم مقاتلين سقط المئات منهم في جبهات الصراع، وتعرض الكثير منهم للإصابة، شاهدوا الجرحى، ووقعوا في الأسر.
تغيب الإحصائيات الموثوقة عن الأطفال الملتحقين بالحرب في اليمن، بسبب العبث بهذه القضية من قبل أطراف الحرب والصراع، الذين يخضعونها للتوظيف السياسي، وتبادل الإتهامات، لكن الجميع مساهم في قتل الأطفال والزج بهم في القتال، ومن نجا منهم فقد شاهدوا قصف المدن، الأشلاء والجثث، حرمتهم القذائف من النوم، جاعوا، تقطعت السبل بأسرهم، فقدوا الاتصال بجيرانهم وأصدقائهم، خسروا أناساً يحبونهم…
أستاذ علم الإجتماع في جامعة صنعاء، الدكتور حمود العودي، يقول لـ«العربي»، إن «مآسي الحرب لا تنتهي بتوقفها، فآثارها وتبعاتها ستظل لعقود قادمة، فالحرمان من التعليم يخلف جيل جاهل ليس لديه القدرة على التخطيط لمستقبله، يتزوج مبكراً ويواجه صعوبة في الحصول على وظائف وأعمال، يظل عرضة للإستغلال وانتهاك حقوقه، ويجتر معه إعاقات جسدية وتشوهات ذهنية واضطرابات نفسية. أما الأطفال العائدون من جبهات القتال، فسيواجهون صعوبة في الإندماج مع المجتمع».
لعبتهم الوحيدة
تتركز المأساة الإنسانية، وفي المقدمة مأساة الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة «أنصار الله»، حيث يتركز القتال وقصف الطيران وشدة الحصار. تعجز حكومة «الإنقاذ» في صنعاء، عن صرف مرتبات المعلمين، وتمارس حكومة الرئيس هادي، عقاباً جماعياً بحق الموظفين المدنيين في معظم محافظات الشمال. تتهم «الإنقلابيين» بتجنيد الأطفال، والزج بهم في القتال، ولا تقوم بواجبها كحكومة «شرعية»، ورئيس منتخب، لتصرف مرتبات المعلمين للحفاظ على انتظام التعليم، فالأطفال خارج المدارس أكثر عرضة للإنخراط في القتال.
وإلى جانب عجز «الإنقاذ» وتمييز «الشرعية»، إمتد قصف طيران «التحالف» إلى المدارس والمنشئات التعليمية. ففي محافظة صعدة، ووفق إحصائية حديثة ومحايدة، فإن «التحالف» ومنذ مارس العام 2015، وحتى نهاية مايو الماضي، استهدف 136 مدرسة في صعدة، بغارات جوية خلفت دماراً كلياً وجزئياً، حرمت 22 ألف طفل من التعليم.
يتسابق الأطفال في محافظة صعدة على جمع شظايا الصواريخ والقذائف لمبادلتها بالآيسكريم من البائعين المتجولين، يحرمون من التعليم ويفتقدون لحديقة ألعاب، ويعيشون تحت القصف ووسط الحطام، لذا، فإن لعبتهم الوحيدة بنادق محشوة بطونها بالرصاص الحي، وأخرى خشبية يصوبها الصغار منهم نحو السماء، كلما سمعو أزيز الطائرات، وكأن لسان حالهم: «نحن جيل الحرب الضائع في البلد المنسي». المصدر : العربي .