الحرب وآثارها !!
بقلم / رجاء حمود الإرياني
ظاهرة الحرب لها جانبها السلبي ، وآثارها المدمرة على البشر، عسكريين كانوا أم مدنيين، وذلك لما تتركه من تشوهات بدنية ونفسية ووجدانية تفسد على الناس معاني المحبة والتواصل والتعاطف … وغيرها من المعاني التي تجعل للحياة وزناً وقيمة .
أن مظاهر تلك الحروب وآثارها تكاد تكن متطابقة في كل مكان، وذلك لأن الحرب تولّد (ثقافة خاصة) تهيمن بها على كل الثقافات، وتؤثر بها على السلوك البشري الذي يصل إلى مستوى الحضيض بين طرفي الحرب اللذين تجرّعا ( مخدِّر الحرب)، فصارا على درجة واحدة من الهمجية والوحشية والعدوانية.
لكل حرب حسب رأي جانبان، أحدهما: جانب حقيقي، ويتمثل فيما تنطوي عليه الحرب من مخاطر ودمار، وما تخلّفه من مآسٍ وأهوال وقتلى ومصابين، فهي “ليست إلاّ قتلاً منظَّماً”، وثانيهما: جانب مزيف أو (أسطوري)، ويكمن في تضمين الأحداث معاني تروق لنا، وإن كانت كاذبة، ووصف الأشياء بما يتفق مع أهوائنا، وإن كانت زائفة مضللة؛ فالهزيمة تصبح نكسة مؤقتة، والأعداء هم شياطين مجردون من الصفات الإنسانية، بينما نمثل نحن الخير والصلاح المطلقين. وعبر هذا التزييف والتضليل ونشر الأساطير، يتم تبرير الكثير من الأعمال الدموية التي تُرتكب في الحرب، حيث نتوهم أننا نقوم بأعمال بطولية، متناسين الكوارث المحزنة التي تعترض طريقنا.
وتقوم أكثر الحكومات بنشر أساطير الحرب وخرافاتها عبر وسائل الإعلام التي تسخّر بالكلية أثناء الحرب لتلك المهمة وتعتمد فيما تنشره على ما يرد إليها من المراسلين العسكريين، الذين يخضعون غالباً لتوجيه الضباط ومراقبتهم في ميادين القتال التي ينقلون منها أخبار المعارك، ومن ثم فلا يسمح لهم بنقل الجانب الحقيقي للحرب.
ورغم انطلاق معظم الأساطير القومية عن الحرب من أسس عرقية يغذّيها الجهل، إلاّ أنها لابد وأن تُغلّف بما يخفي حقيقتها، حيث تسخّر لها العلوم كالتاريخ وعلم النفس عبر فئة من المثقفين المستعدين لتبني نظريات سخيفة ومضلِّلة لخدمة المآرب القومية التي تروّجها الدولة أو أمراء الحرب.
أن الخرافات الموروثة عن الحرب لها مفعول المخدرات، وبالتالي فهي تُفقد الذين يمارسونها أي مشاعر أخلاقية؛ وعليه فلابد من التمسُّك بتلك الخرافات لتبرير القتل والتدمير الذي يتعرّض له الأبرياء، ولابد من تصوير الحرب وكأنها ملحمة بطولية؛ ولكن هذه الأوهام سرعان ما تتبدد عندما يجد المقاتل نفسه في الميدان يواجه حقيقة الحرب، التي “تتسم بالفوضى الممزوجة بالوحشية”، فتتحول الشعارات الموروثة عن البطولة والشجاعة والمروءة، والكلمات الرنانة التي تمجّد واجب الدفاع عن الوطن والشرف العسكري، إلى مجرد ألفاظ خالية من المعنى، وتتبدّل الإرادة والعزيمة والإقدام إلى حالات من التصرف اللاشعوري، حيث يجهش البعض بالبكاء أو يصاب بالتقيّؤ، فيما يصاب البعض الآخر برعشة في أطرافه أو فقدان لشهيته، أو يشعر بألم متقطع في مؤخرة رأسه. ويبلغ الأمر ذروته في شعور بعض المقاتلين بالهوان عندما يتردد في إنقاذ جريح من رفاقه، خوفاً من تعريض حياته للخطر، وهو شعور شديد القسوة نظراً لرابطة الانتماء القوية التي تجمع بين رفقاء السلاح في المجموعة أو الوحدة “وبذلك نجده يفضّل الموت على فقدان هذا التواصل أو الرباط الذي يشدّه إلى زملائه” أما الشعب فيبقى على تمسّكه وقناعته بالشعارات والأوهام التقليدية التي تبثها وسائل إعلام الدولة أثناء الحرب.
فالشعوب في اي مجتمع كان قبل اندلاع الحرب يشكّلون شعباً متجانساً يصعب تمييزهم عن بعضهم البعض، ولم يكن هناك سبب لإشعال الحرب بينهم سوى رغبة عدد من “القادة المجرمين السياسيين” في التمتع بالسلطة وجني الثروة، حتى لو اقتضى الأمر القتل والتعذيب والإعدامات الجماعية، فلجأ أولئك القادة المجرمون إلى الخرافات والأساطير لتأجيج نار الفتنة وإيجاد مبررات لم تكن موجودة في الأصل، وإثارة قضايا تاريخية وحربية وعنصرية ؛ مما أدى إلى تعميق الكراهية المتبادلة، واشتعال الحرب.
عندما اندلع القتال ،ورأيت بعيني وسمعت بأذني أنّات الجرحى والمصابين وصياحهم من شدة الألم قبل أن يفارقوا الحياة،
“هذه هي الحرب على حقيقتها، وليست الصورة الزائفة التي تقدمها لنا الأفلام السينمائية والكتب التي قرأتها في صباي، إنها صورة مخيفة مفجعة، ولا تمت بصلة إلى الأسطورة التقليدية التي نقرأها. إنها في الواقع صورة خالية مما يمكن أن أسميه بطولة أو مروءة”