في منتصف أحد الليالي في أواخر العام الماضي وبينما صفية وزوجها وأطفالها ينامون في منزلهم الواقع بالقرب من المطار بمدينة الحديدة هزت انفجارات شديدة تلتها اشتباكات عنيفة استيقظت على إثرها الأسرة مفزوعة ليقرروا ترك منزلهم خوفاً على حياة أطفالهم باحثين عن سيارة تنقلهم من المدينة إلى مدينة أخرى
غادرت صفية وزوجها وأطفالها مدينة الحديدة متجهين إلى مدينة (تعز ) ودموعها تنهمر قهرا على مدينتها التي عاشت بها طوال عمرها وكذا على منزلها وما تمتلك فيه فهم لم يأخذوا شيئاً معهم غير ملابسهم التي يرتدونها ….
وصلت صفية مع زوجها وصغارها بسلام بعد مشقة ومعاناة ظلت يومين دفعت تكاليف سفرها مع زوجها وصغارها( 44 ) الف ريال……
لم تنتهي معاناة صفية وزوجها وأطفالها بعد وصولهم لتعز بل بدأت معهم معاناة جديدة بعد أن استقرت في منزل استئجروه بمبلغ (33) الف ريال حيث أن ما يمتلكون من مال قد نفذ ولم يعد يمتلكون حتى ريالاً واحداً يشتروا به رغيف خبز لأطفالهم وهو ما جعل زوجها (مهدى ) يقترح عليها بأن يسافر لمدينة عدن للبحث عن عمل ….
في الصباح الباكر خرج زوجها (مهدي ) ولم يمتلك في جيبة فلس وأحد سار على بركة الله وجد في الطريق (طقم) تعلق فية من الخلف وذلك بهدف الوصول إلى مدينة (عدن ) وبسرعة كبيرة وتجاوز الطقم عددة نقاط أمنية بدون توقف سقط مهدى على الرأس ووقع في اسفلت الشارع أصبح ضحية السرعة الزائدة وتوفي في الطريق ….
كان هدف المرحوم ( مهدي ) البحث عن وظيفة شاغرة في (عدن ) لكي يسد رمق جوع صغارة وزوجته شاءت الأقدار وتوفي وترك خلفه طفلين (روى ) و( رهف ) رن الهاتف وتلقت (صفية ) الإتصال من رقم مجهول يقول صاحب هذا الرقم توفي بحادث سقط التلفون من يديها و نزل العرق من جسدها النحيل أمسكت صغارها (رهف ) و (روى ) وبصوت عالي ابوكم مات ابوكم مات سمع الجيران صوت صرخاتها سقطت (صفية ) في الأرض إغماء عليها و( رهف ) تبكي ماما فوق رأسها قومي قومي. …..
أصبحت صفية وطفلتيها بدون عائل لهم وأصبحوا يعيشون وضعا صعباً لولا جيرانها الذين تبرعوا لها بقليل من الدقيق تسد به رمق جوعها مع صغارها …..
بصوتها المنخفض المنكسر تقول ل ” الحديدة نيوز ” مافيش من يعول بناتي صغار يحتاجون الملابس والغذاء وحلويات الأطفال واني من فين اعطيهم مش متعلمة علشان أخرج اشتغل وذحين جالس طارح يدي على خدي” …
(صفية ) تقول بدموعها الصامتة من شدة البرد تعبت عليا (روى ) تبلغ من العمر (5 ) سنوات ما قدرت أخذها إلى المستشفى مافيش معي حتي (200 ريال ) مواصلات. …
نزحت( صفية ) على أمل أن تعيش بأمان بعيدة عن تلك الأصوات المخيفة من صواريخ وتحليق مستمر في سماء مدينة الحديدة وما حدث كان العكس عاشت وحيدة في بيت صغير يحتاج إلى دفى وحنان زوجها. …
تقول” لا مفر من الموت المكتوب هربنا من الحديدة وهنا مات زوجي “وتضيف ” ( تعز ) حلوة بجوها النقي والوضع مستقر لكن الحديدة ثاني ناسها طيبين والعيشة سهلة حتي لو معك( 500 ) ريال تشترى سمك وتأكل عكس هنا كل شي غالي والله كل يوم نموت قليل من الجوع والبهذلة وهم البنات أصبحنا جسد بدون روح من شدة المرض والجوع معنا الخبز والماء والحمدلله”
تعيش صفية كغيرها من سكان الحديدة النازحين أوضاعاً معيشية صعبة بعد ان أجبرتهم الحرب على النزوح وترك منازلهم وفقدان وظائفهم
حيث نزح ما يقارب من 750 الف شخص من المدينة حسب إحصائيات لمنظمات دولية ومحلية ..
ولاتزال صفية كغيرها من الأسر لا يستطيعون العودة إلى منازلهم بسبب قربها من مناطق الاشتباكات في الحديدة…