اليمني وعاداته القبيحة
بقلم/جمال حسن
كم ستكون الحياة أجمل، بدون تلك الوجوه ذات الملامح الكئيبة، التي اعتدنا طوال حياتنا السابقة ابتلاعها قسراً. شيخ، عسكري، سياسي، كلهم يجرون وراءهم تاريخ كوارثنا ذات الطابع المحلي. حتى عندما تحدث ثورة، تعود نفس الوجوه المثقلة بتاريخ من الفشل، والتي أعمت فرص التغيير الممكنة. في اليمن، تزدهر المشاريع المُثبت فشلها. بل إننا نعتمد كثيراً على الصيت. عندما يفتح مطعم، يستطيع جذب الكثير من الزبائن، بعد فترة من الصيت القوي تسوء نكهة الأكل، لكن مازال لديه الصيت الكافي لجلب مزيد من الزبائن. واليمنيون حين يذهبون إلى مكان للمرة الأولى لشراء شيء، يبحثون عن المكان الأكثر ازدحاماً. وعندما نريد أن نكون الأكثر ظرافة، عن خطأ تهتاج أصواتنا علواً، والكارثة أن تلك الرعونة تجد لها من يضحك.. لا توجد في العالم مطاعم بهذا القدر من الضجيج كما اليمن، ذات مرة كنت وأجنبياً سألني: لماذا كل هذا الازعاج في مطاعمكم، وهج النار، أصوات المباشرين، كما نسميهم، أصوات الزبائن وكأنهم في مزادات للأعلى صوتاً. وهكذا تعمل هذه الطريقة على كل أشكال الحياة: يمتلك شيخ مثل صادق الأحمر صيتاً يجعله يقف أمام ميكرفون ويصرخ بترهات، ثم هناك من يصفق له. فطالما هناك زحمة، فلا ضير أن يقدم المطعم وجبات، حتى لو فيها شعرة، أو أجنحة لكائنات ما.
على العموم، لنا اليمنيون إصرار عجيب في اقتفاء عاداتنا الأكثر قبحاً. في مصر يقولون نعرف اليمنيين من كم الجاكيت. فهم يصرون على إبقاء قماش الليبال، المكتوب عليها ماركة الجاكيت على الكم الأيسر. ومؤخراً التقى صديقي فرنسية في تركية وأخبرته انهم يعرفون اليمني لأنه دائما يحمل كيساً. لكن لماذا يذهب اليمني إلى أوروبا ويصر على حمل الكيس البلاستيكي. ونتساءل لماذا نبالغ في الاصرار على أسوأ عاداتنا. ينتمي صادق الأحمر إلى النخب، وهو اليوم أكبر مشائخ حاشد، لكن لو جردناه من كل هذا الارث الذي وضعه في منصة الوجاهات اليمنية، ماذا يمكن أن نعطيه؟ ما الذي يستحقه؟ لست مخولاً لإطلاق أحكام، لكن لكل منا بالتأكيد وجهة نظر. أتذكر في العام الماضي، أحد الاشخاص تحدث، أن من مزايا الثورة، أنها عرفتنا على صادق الأحمر. واليمنيون يحبون الطبيعة العفوية. لكن العفوية آنذاك لم تكن نتائج قولها تستدعي مواضيع بحساسية اليوم، مثل الجنوب.
في موسم الرياح، ومع دخول الخريف، تتساقط أوراق الشجر في العالم، أشجار الزان تُذهب أوراقها بلون الأرجوان، اما في اليمن، تنتفخ أكياس بلاستيكية في سمائنا. لاحظت هذا الموسم شجيرات من أزهار الخباز تنمو على أحد الأركان، شعرت بسعادة، أن أرى الوان زهر وردية وقرمزية، لأن بيئتنا بلون الرمل، وإذا ظهرت أزهار فهي باللون الأصفر، كما هي زهر العطاس، أو النرجس البلدي. لكن ما علاقة الالوان بالحديث عن شيخ، أو رجل عسكري، كل علاقتهم بالحياة، تتمركز حول النهم. واحدة من التعليقات التي ظهرت ضد صادق الأحمر في النت، أن عليه قبل الحديث عن الجنوب، إعادة منزل علي سالم البيض، الذي كان نصيب عائلته بعد حرب 94. وعدا شجرة القات فليس هناك كثير من المفاهيم حول أهمية اللون الأخضر في حياة بهذا الجدب.
كنت اتساءل، بعد ظهور صادق الأحمر، وهو يتوعد الانفصاليين بالحرب. إذا قلنا أن اشارته للحوثيين قد نبررها بما أن هناك احتكاكاً مباشراً، ومسلحين حوثيين قادرون على إثارة معركة في معقل آل الاحمر، أي حاشد وبالتحديد خمر. لكن حين يعلن الحرب من موقعه كشيخ في حاشد، وضمن اجتماع قبلي، ماذا نسمي ذلك: إنه استفزاز المكونات الطائفية، وكأنها إعلان حاشدي، وليس وطنياً. كما أن إعلان الحرب، من موقعه كزعيم قبلي يمتلك ميليشيا مسلحة، أياً كانت الغاية، اعتداء على وجود الدولة، التي يزعم أنه يريد دولة مدنية. في اليمن يعلن الزنداني أنه اخترع علاج للايدز، دون خجل، والسبب هو هذا الكم من البلاهة التي تحيط وجود الزنداني بالكثير من المناصرين. كمية البلاهة التي فرضت علينا قروش الاراضي كحاميي ثورة. في اليمن نبحث عن عاداتنا القبيحة أينما كانت، نجدها في الازدحامات والاختناقات، ولا نبالي بالأوبئة.
عندما يتحدث شيخ من موقعه الحاشدي، بإعلان الحرب على منطقة معينة، ويطلب منهم إما الحوار أو الدم، فهو يستفز هذا الطرف، يستفز حتى الأصوات المعتدلة فيه، لأنه كما يحمل الليبل في الكم الأيسر تاريخ اليمني، فإن صورته المتجهمة المعممة بحاشد، فهو استدعاء للطائفي، والمناطقي. وكأنه يقول للجنوبيين إن حاشد مازالت لكم بالمرصاد. لكن المضحك، أن مسلحي الحوثي، على حدود منطقته. وذات يوم قال لي صديق سأذكرك أن عائلة الأحمر، سيأتي لها يوم لا تجرؤ الدخول حاشد. وبصراحة لا يمكن أن يكون الحوثي، هو عقاب يناسب الطموح اليمني، فالحوثي أيضاً كارثة بطريقة أكثر اعتباطية طالما تحدثنا عنها. والأحمر اليوم بدون الاصلاح، غير قادر على حماية معقله. فالأفضل أن لا يتحدث عن الجنوب، أو عن الوحدة، فالدم اليمني بالنسبة له، يساوي عدد المصالح التي تمتلكها عائلته في الجنوب. واليمنيون اليوم ليسوا بحاجة لهنجمة رجل، خارج وجاهته الموروثة، لا يمكن أن يضعه أي تاريخ أمام ميكرفون. إلا في برنامج انثربولوجي. واذا ذهبنا باريس علينا أن نترك حمل الاكياس البلاستيكية.