الحديدة نيوز / صوت إنسان / غمدان أبوعلي –
مع ساعات الفجر الأولى من كل يوم يخرج الشاب النازح (فتحي البغومي، 35 عاماً) من منزله المُستأجر في صنعاء؛ بغية تقديم العون والمساعدة للمرضى الوافدين من مدينة الحديدة، ممن تقطعت بهم السبل أثناء سعيهم للعلاج. ليبدأ معهم مشواره اليومي كدليل ومرشد يعمل على متابعة وتسهيل إجراءات علاجهم في المستشفيات المتنوعة بتنوع حالاتهم. مقدما بذلك صورة تختصر أبرز معاني الإنسانية.
إشتهر البغومي بين أهالي قريته بلقب “صديق المرضى النازحين” نظرا” لمواقفه الإنسانية تجاه المرضى ومساهمته في مساعدة مئات المرضى من أهالي قريته الفقراء الذين لا مسكن لهم في العاصمة اليمنية صنعاء ، والذهاب بهم إلى المستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير الأدوية للمحتاجين منهم، بما في ذلك جلسات العلاج الكيماوي والطبيعي…
هو أحد أبناء مديرية الدريهمي محافظة الحديدة التي صارت منطقة اشتباكات مستعرة منذ عامين بسبب موقعها الملاصق لمدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، وبسبب ذلك فقد نزح من قريته في الربع الثالث من عام 2018 بعد اشتداد المواجهات العسكرية هناك، متوجها مع أسرته إلى صنعاء بحثا عن ملاذ آمن.
ونظراً لحالة الفقر الشديد لدى غالبية أبناء محافظته؛ طرأت بباله الفكرة منذ بداية نزوحه، وهي تسخير كل وقته وجهده لمساعدة المرضى النازحين للعلاج في العاصمة صنعاء، بعد أن لاحظ مدى معاناتهم وكثرة الصعوبات التي يواجهونها مع المستشفيات الخاصة، خصوصاً الفقراء منهم وهم يتنقلون من مستشفى إلى آخر بحثاً عن الرعاية والعلاج ، كونهم غرباء لا يجدون من يرشدهم ويقف إلى جانبهم. هكذا تبلورت الفكرة التطوعية والإنسانية ليجسّدها على أرض الواقع، بتسخير نفسه لمساعدتهم وتسهيل شؤون علاجهم، و السعي لجمع التبرعات من فاعلي الخير لمن لا يملكون تكاليف العلاج.
يتحدث البغومي لمنصة {صوت إنسان} قائلا: “استاجرتُ شقة سكنية صغيرة، خصصتها لاستقبال المرضى الوافدين من محافظة الحديدة، بحيث تكون مأوى لهم في ظل الارتفاع الهائل لقيمة إيجارات الشقق الفنادق في العاصمة صنعاء بدرجة تفوق إمكانيات ذوي الدخل المحدود.”
يوميا، يتلقى البغومي عشرات المكالمات من نازحي مديرية الدريهمي أو غيرها من مديريات الحديدة، طالبين منه المساعدة والوقوف إلى جانبهم. فيتحرك لنجدتهم وتسهيل حصولهم على الرعاية الصحية، وهو في ذلك يعطي الأولوية دائماً للمرضى الذين يعانون من الأمراض المستعصية، وبالأخص الأطفال، لأنهم بحسب تعبيره “يحتاجون للرعاية والاهتمام أكثر من غيرهم”.
الحرب فاقمت من معاناة النازحين
أدّت المواجهات العسكرية التي اندلعت في أطراف مدينة الحديدة منذ شهر يونيو/حزيران 2018 إلى موجة نزوح للسكان نحو العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات والمدن اليمنية، حيث اضطر مئات الآلاف من أهالي تهامة إلى النزوح بحثا عن ملاذ آمن، تاركين منازلهم ومصادر رزقهم وكل ممتلكاتهم؛ الأمر الذي فاقم من معاناتهم في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وازدحام صنعاء بالنازحين من عدة محافظات أخرى.
ظروف الاشتباكات المستمرة حول مدينة الحديدة المحاصرة جزئيا، خلقت أوضاعا كارثية لأهلها، وبالطبع سيكون الوضع أسوأ بالنسبة لمن يعانون من مشاكل صحية، إذ تتزايد معاناة مرضى الحديدة جراء تردي الخدمات والرعاية الصحية في المدينة المعروفة بكونها بؤرة انتشار لكثير من الأمراض والأوبئة، في ظل ازدحام مستشفيات المدينة بجرحى الاشتباكات، مع صعوبة انتقال المرضى إلى المحافظات الأخرى للعلاج بعد إغلاق طريق كيلو 16 الذي هو المنفذ الأساسي للمدينة.
لهذه الاسباب يضطر المرضى في الحديدة لتكبد مشقة أكبر وتكاليف أعلى للسفر إلى صنعاء من أجل العلاج، في حين أن أغلبهم هم من الفئات الفقيرة.
يقول البغومي: “هناك الكثير من الحالات الإنسانية، وأسعى جاهداً إلى مساعدة كل من يطلب مني العون. وقد تمكّنت بفضل الله ثم بفضل أهل الخير من تسهيل إجراء العديد من العمليات الجراحية لعدد من الأطفال المصابين بالعمى، وعدد من المرضى المصابين بالأورام السرطانية، واستخراج جلسات غسيل كيماوي مجاناً لعدد من المرضى.
يشعر “البغومي” بالسعادة إثر ما يقوم به من اعمال تتجسد فيها معاني الانسانية الخالصة لوجه الله الكريم ، حيث يسعى إلى توفير المساعدات المالية للمرضى والمحتاجين، بما يعينهم على إجراء الفحوصات والعمليات الجراحية ومواجهة غلاء المعيشة في العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى مساعدة الشباب العاطلين عن العمل، بتوفير مصدر رزق لهم، وإيجاد قنوات للتنسيق مع الخيرين في الداخل والخارج لمساعدة من يحتاجون للعون والمساعدة…
لكن مساعدته للنازحين الذين يتوافدون للعاصمة صنعاء بحثاً عن الشفاء والعلاج لم تكن بالأمر السهل، فهو يشكو من غلاء إيجار وسائل النقل (سيارات التاكسي) لإيصال المرضى للمستشفيات، فأقل مشوار يكلِّفه مابين 1000 – 1500 ريال. وعندما يضطر أحياناً إلى أخذ الحالات المرضية للمبيت في مسكنه مراعاةً لظروفهم المادية الصعبة؛ لا يجد وسيلة مواصلات للتنقل بالمرضى بين المستشفيات والمراكز الصحية. وهو يحلم أن يمتلك وسيلة مواصلات لإيصال المرضى بكل سهولةٍ ويُسر وبالمجان ليتغلَّب على هذا العائق الذي يواجهه دائماً.
يتحدث ” فتحي البغومي لـ {صوت إنسان} عن لحظات يأسٍ مرَّ بها خلال فترة عمله التطوعي في خدمة وإعانة المرضى، كان سببها الرئيسي عدم تجاوب أحد فاعلي الخير مع حالة إنسانية صعبة لطفل من ريف الحديدة لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، كان بحاجة إلى إجراء عملية سريعة وعاجلة لإزالة الورم من عينه لاستعادة بصره، لكنه لم يستطع توفير تكلفة العملية الباهظ لهذا الطفل الذي سيفقد النظر إن لم يتم إجراء العملية له في الوقت المحدد.
يقول “لقد حاولت مراراً التواصل مع أكثر من فاعل خير طالبا المساعدة في إنقاذ بصر الطفل لكن كل المحاولات باءت بالفشل. وليس أمامي غير أن ألجأ إلى الله كما أفعل في كل أموري، فهو المسخر لكل شيء “.
الشاب الفقير فتحي البغومي يعمل ليلا ونهاراً بلا كلل أو ملل، ويسخر كل جهده ووقته لخدمة المرضى من النازحين كي يحصلوا على الخدمات العلاجية أو العمليات الجراحية المنقذة للحياة، مراعاةً لظروفهم المادية الصعبة وبدون أي مقابل أو أتعاب، بعد أن تخلَّت الدولة عن القيام بواجبها الإنساني في ظل الحرب التي تمر بها البلاد.
وهو يؤكد أنه لا يتقاضى أي مقابل مادي نظير ما يقوم به من أعمال إنسانية في مساعدة أهالي قريته، مؤكداً أنه يبتغي الأجر من الله، ويكفيه الحصول على الدعاء ممن يقدم لهم يد العون والمساعدة. كما أنه يقوم بمتابعة الحالات المرضية الصعبة التي لا تحتمل التأخير وتحتاج الى تدخل علاجي عاجل، مؤكداً أن ما يقوم به من مساندة ومساعدة ما هو إلا أقل واجب يقدمه لأبناء قريته لأنهم يستحقون ذلك كونهم تضرروا من الحرب وتركوا منازلهم وممتلكاتهم، معتبرا أن ذلك بمثابة رد الجميل لأهالي قريته ومحافظته.
ويختم حديثه بالقول “أعتبر نفسي بأني محظوظٌ جداً كوني حصلت على فرصة عمل هي خدمة وإعانة المرضى من أبناء جلدتي، وقد ساعدتني كثيراً على تجاوز مرحلة من أصعب مراحل حياتي بعد أن فقدت منزلي الذي تعرض للدمار في الدريهمي بسبب الحرب” .
المصدر : موقع صوت إنسان ..