مع بدء الهجوم الذي شنه «التحالف» على الساحل الغربي والحديدة، يبقى النزوح أشد وطأة على أبناء الحديدة من الحرب نفسها، حيث حصل «العربي» على إحصائية محلية، تفيد بأن قرابة 9 آلاف أسرة نزحت من الحديدة إلى صنعاء والمحويت وإب، أي ما يقارب 221 ألف نازح، أجبروا على النزوح جراء المعارك الدائرة في الحديدة والساحل الغربي.
تحوّلت العاصمة ملاذاً آمناً لكل النازحين من المواجهات العسكرية في الحديدة والساحل الغربي وهجوم طيران «التحالف» المكثف على صعدة، والانفلات الأمني في الجنوب، ما شكل عبئاً إضافياً على سلطات صنعاء في تقديم الخدمات، في ظل الأزمة القائمة التي تشهدها جراء الحرب والحصار الذي يفرضه «التحالف»، والمستمر منذ 3 أعوام ونصف العام، حيث أقدمت سلطات صنعاء على فتح المدارس أمام النازحين، إلا أنها تفتقد إلى أبسط وسائل الإيواء.
حيث باتت صنعاء اليوم، تمثل اليمن بشكل مصغر، حيث تضم آلاف النازحين من مختلف المحافظات والفارين من الانفلات الأمني في المحافظات الجنوبية، ومن المواجهات القائمة في الحديدة والساحل الغربي.
ووفقاً للاحصائيات الأولية، التي حصل عليها «العربي»، نزحت 8 آلاف أسرة من الحديدة إلى صنعاء، أي ما يقارب 40 ألف نازح ونازحة، إضافة إلى نزوح 600 أسرة إلى محافظة المحويث، كما نزحت 400 أسرة إلى مدينة عدن، التي أغلقت أبوابها أمامهم، فضلاً عن نزوح مئات الأسر إلى محافظة إب.
إلى ذلك، أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن «أوتشا»، إن النزوح من محافظة الحديدة لا يزال مستمراً، والشركاء المحليون تحققوا من نزوح أكثر 17 ألف و350 أسرة (أي أكثر من 121 ألف شخص) منذ الأول من يونيو الماضي.
معاناة متواصلة
تتواصل معاناة النازحين في الحديدة والساحل الغربي، بسبب غياب الاهتمام الكافي من قبل المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، واستغلال البعض لهم في صنعاء، فيما تقبع 400 أسرة نازحة على أبواب عدن في العراء.
شكلت عملية النزوح الأخيرة من الحديدة إلى العاصمة صنعاء، أزمة في المساكن، في الوقت الذي اكتظت فيه مدارس العاصمة الحكومية بالنازحين، حيث استغل بعض أهالي صنعاء أزمة السكن من أجل فرض مبالغ مالية كبيرة مقابل إيجار منازلهم، إذ ارتفع مبلغ إيجار الشقة المتوسطة من 30 – 40 ألف إلى 60 – 70 ألف ريال يمني.
وبعد أن فر أبو أحمد مع عائلته من الموت بطيران «التحالف» والمواجهات في الساحل الغربي والحديدة إلى العاصمة صنعاء، لم يجد ملاذاً له مع عدد من عائلات من أقربائه إلا في منطقة في محافظة حجة.
يقول أبو أحمد في حديث إلى «العربي»: «لم نتمكن من الإقامة في المدراس، بسبب اكتظاظها، كما لم ننجح في الحصول على منزل بسبب أزمة السكن وغلاء الإيجار في حال وجد، إذ يطلبون مبالغ تجاوزت 60 ألف ريال يمني للشقة المتوسطة»، مضيفاً «نحن نازحون مهجرون فارون من الموت ولسنا هنا للسياحة».
ويشير أبو محمد إلى أن أعداد النازحين كبيرة، غير أن عمل المنظمات والحكومات والأمم المتحدة في المنطقة لا يرقى إلى مستوى المعاناة الحقيقية التي يعيشها النازحون.
بدوره، يوضح النازح أحمد صالح، في حديث إلى «العربي»: «لقد هربنا من الموت فقط، وتركنا كل ما نملك خلفنا، لأننا لم نكن قادرين على حمله إلى هنا، ومعظم أهالي الحديدة كذلك».
ويضيف «نعم هناك في صنعاء أهل الخير، ومنهم من منحوا منازلهم للنازحين، إلا أن أولئك الذين يطلبون إيجار منازل بمبالغ كبيرة مستغلين النزوح، لا نعلم بماذا يمكن وصفهم، وهم لا يمثلون سوى أنفسهم بجشعهم».
عدن تغلق أبوابها
تقبع عشرات العائلات النازحة من الحديدة على مداخل عدن منذ أيام، في العراء، بعد قيام قوات أمنية موالية للإمارات، بمنعهم من الدخول لأسباب مناطقية.
وأوضحت مصادر في عدن، أن قوات «الحزام الأمني» التابعة للإمارات، «انتشرت بشكل مكثف في مداخل مدينة عدن لمنع نازحي الحديدة من دخول المدينة بحجة أنهم شماليين»، بعدما فروا من التصعيد العسكري الذي يقودة «التحالف».
وأوضحت المصادر، لـ «العربي»، أن أكثر من 400 أسرة نازحة، تضم المئات من الأطفال والنساء، يقبعون في العراء، من دون خيام لإيوائهم، بعدما أوقفتهم قوات «الحزام الأمني» في منطقة العند، قرب مصنع الإسمنت في مدخل عدن، حيث أوقفت النقطة الأمنية هناك عشرات السيارات، ووجهت شتائم للنازحين، مبررة منعهم من الدخول بحجة أن هناك توجيهات عليا بمنع دخول الشماليين إلى المحافظات الجنوبية.
حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، أقرت بمنع النازحين من دخول عدن، من دون أن يصدر عنها مواقف تنهي معاناة النازحين. جاء ذلك على لسان رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، في تغريدة في حسابه بموقع «تويتر» قائلاً: «ليس من القانون في شئ منع الأسر من المحافظات الشمالية من دخول عدن».
وأضاف أن «تعريض الأطفال والنساء والشيوخ للأذى عمل محرّم». متابعاً أن «على الجميع القيام بواجبه كل من موقع مسؤوليته، وعلى نقاط الأمنية أينما وجدت، الانصياع للقانون. افسحوا طريقهم وسهلوا واحموا دخولهم للعاصمة المؤقتة عدن».
منظمات تتاجر
من جانبه، قال مستشار وزارة حقوق الانسان، حميد الرفيق، في حديث إلى «العربي»، إن «دول التحالف السعودي تسعى إلى تهجير وإبعاد المدنيين قسرياً في مختلف مناطق الجمهورية، عبر استهداف منازلهم وأماكن تجمعاتهم».
وكشف مستشار وزارة حقوق الانسان، عن أن «عدد النازحين بشكل عام، يقدر تعدادهم تقريباً 4 ملايين نازح ونازحة، معظمهم من الأطفال والنساء».
وأضاف الرفيق لـ «العربي»، أن «المئات من أهالي الحديدة، اضطروا إلى النزوح إلى صنعاء بعد تصعيد دول تحالف العدوان من هجماتهم العسكرية من الفرار من قراهم ومنازلهم، تاركين كل أمتعتهم وأثاثهم المنزلي، ولم يأخذوا منها شيئاً سوى الهرب مع أولادهم من وحشية الإستهداف التي تباشره طائرات التحالف».
وأكد الرفيق، على أن «النازحين يمرون في ظروف صعبة تثقل كاهلهم»، منوهاً أن «بعض الأسر النازحة لا يوجد لهم سوى امرأة تقوم براعية أطفالها أو بقيه أسرتها».
وأضاف أن «التحالف فقد أخلاقياته وإنسانيته، فقد تعمد استهداف سيارات عدد من أسر النازحين، غالبيتهم من النساء والأطفال، بغارات هستيرية أودت بحياتهم، وحولتهم إلى أشلاء متقطعة ومتناثرة».
وأكد مستشار وزارة حقوق الانسان، أن «ما تقدمه المنظمات الإنسانية للنازحين، لا تسد حاجات عدد تقدر بأصابع اليد، بينما تقاريرها الإنسانية وخطتها الإنسانية تنذر بحدوث كارثة إنسانية جراء نزواح الأسر إلى أماكن أخرى، بالإضافة إلى انتشار الأمراض الحديثة، كالكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك وغيرها».
وكاشف لـ «العربي»، أن «بعض منظمات المجتمع المدني تستغل حاجيات النازحين للاستيلاء على تمويلات ومساعدات باسم النازحين وتوزيع الجزء اليسير»، مشيراً إلى «وجود عجز كبير لدى الحكومة في توفير المساعدات من الغذاء والدواء وغيرها كالإيواء».
وأوضح الرفيق، أن «مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية لا تصل إلى الميدان، إلا ما يقارب 5% فقط، والباقي للخبراء والنقل فقط، فيضيع النازح في الرجلين»، بحسب تعبيره.