7 دقائق للقراءة 1267 كلمة
مجزرة بساطور أممي !
الحديدة نيوز/خــــــــــــــاص
جريمة شنيعة ارتكبها تحالف العدوان في مديرية الحالي بمدينة الحديدة، صباح الاثنين الماضي، حين أغارت طائرات العدوان على مجمع مدينة الصالح السكنية، الذي تم تخصيصه لإيواء النازحين من مدينة حيس.. ووفق آخر حصيلة فقد أسفرت المجزرة عن استشهاد وإصابة 30 شخصاً من المدنيين النازحين.. وإذ يستخدم لفظ (مجزرة) لوصف ما حدث فليس استخداماً مجازياً، بل هو توصيف حرفي دقيق، فإلى العدد الكبير من الضحايا، فإن كل جثث الشهداء قد تمزقت أشلاء إلى درجة تعذر معها التعرف على كثير منهم، بحيث تم تسجيل أسمائهم باعتبارهم (مفقودين) في إحصائيات اليوم الأول.
القصف كقتل عامدٍ مترصد
تفاصيل الواقعة تؤكد أن الجريمة كانت استهدافاً متعمداً للنازحين، حيث إن إحداثيات المجمع السكني كانت قد سلمت لغرفة عمليات تحالف العدوان عبر منظمات الأمم المتحدة المعنية، باعتباره موقعاً يحوي مدنيين نازحين، وذلك بهدف تأمين الموقع وتجنيبه احتمالات القصف. وهذا ينفي أية إمكانية لقبول ادعاء أن الموقع هدف عسكري أو أن القصف حدث بالخطأ، وهو ما يثبت أن الواقعة هي جريمة قتل متعمد استهدفت مدنيين يعلم تحالف العدوان مسبقاً أنهم نازحون ضعفاء.
غارات تحالف القتل الخليجي اعتمدت أسلوبها التسلسلي المعتاد لحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح، إذ بدأت بقصف أحد مباني المجمع السكني المخصص للنازحين، دافعة سكان المجمع للهروب نحو بوابة المدينة السكنية سعياً للنجاة وإيجاد وسيلة مواصلات تنقلهم بعيداً عن الموقع، ومع احتشادهم قرب البوابة محاولين الصعود على متن سيارة نقل صغيرة (هايلوكس)، عادت الطائرات لتقصف تجمعهم بصاروخ آخر كان أشبه بعملية قنص مباشر (ضرب في اللحم)، وتسبب في سقوط كل شهداء المجزرة، في حين لم يسقط إثر الصاروخ الأول سوى بعض الجرحى داخل المبنى.
أكوام من اللحم المفروم والمحروق
مع سيارات الإسعاف التي نقلت الجرحى، وصلت إلى المستشفى أكياس بلاستيكية تضم أكواماً متفاوتة الحجم من اللحم المفروم والمحترق.
أحد الأكياس كان يضم كومة من بقايا جثث مبعثرة في قطع صغيرة من الأذرع والسيقان والرؤوس والأحشاء، وهو ما جعل الكادر الطبي عاجزاً عن فرزها وتحديد هويات أصحابها.
بالنسبة للأطباء فإن المعضلة هي في حتمية التجرد عن مشاعرك الإنسانية كي تتمكن من تنفيذ مهام وظيفتك (التي هي إنسانية أيضاً بطبيعة الحال). يحدث هذا حين تقف متأملاً كومة من الأشلاء المتفحمة، وفي يدك ورقة مدونة عليها أسماء أناس مفقودين يتوجب عليك إيجادهم وإعادة ترتيب جثثهم من بين تلك الأشلاء.
عن الضحايا؛ كبشر لا كمجرد أرقام
زوجتان و8 أبناء:
من بين الشهداء، ثمة 9 شهداء من عائلة المواطن (علي يحيى علي)، وهم أبناؤه الـ8 وزوجته الثانية، بينما ترقد زوجته الأولى (نبيلة) في غرفة الإنعاش بذراع مبتورة وجسد مثخن بالجروح والكسور والحروق والشظايا. ولا بأس بكونها غائبة عن الوعي، فهذا أفضل من صحوها للتساؤل عن مصير أبنائها.
روضة
في غرفة أخرى يبحث أطباء المستشفى عن أجزاء جثة امرأة كانت حاملاً في شهرها السادس، ثم ألجأتها طائرات (خادم الحرمين) إلى مخاض قسري خاطف نثر أحشاءها وجعل جنينها يطير في الهواء ليسقط متفحماً مع ما تبعثر من أشلاء أمه التي لم يفلح الأطباء بعد في تحديد أيها أشلاؤها أو فرز بقايا جثتها.
كان اسمها (روضة)، وها هم يبحثون عنها ليتمكنوا من تثبيت اسمها في قائمة الشهداء إلى جوار اسمي ابنتيها الصغيرتين (ميار) و(ماريا). أما جنينها الصغير فلن يحصل على اسم بعد الآن…
في مستشفى آخر ترقد ابنتها الكبرى (ملاك)، بعد أن وجدت لاسمها مكاناً في قائمة الجرحى، وحصلت على سرير داخل غرفة المصابين التي يحوم حولها والدها (محمود حسن) بخطوات ذاهلة وقلب يتلوى ما بين الألم على بناته والأمل المخادع بالعثور على زوجته المفقودة (روضة) وجنينها الذي لن يحتار أحد بتسميته.
على من تتنزل الصواريخ؟!
في غرفة أخرى من المستشفى نفسه، ترقد الفتاة (انتصار) مستضيفة في رأسها بعض الشظايا والكسور. أما والدها (ثابت محمد) فيرقد في مستشفى آخر.
الأب وابنته يسكنان الشقة التي استهدفها الصاروخ الأول. ويبدو العم (ثابت) بحالة مطمئنة، لذا يستعجل الخروج لمعاينة شقته التي لم يسلم من محتوياتها شيء سوى أسطوانة الغاز وأسمال الثياب المتناثرة تحت ركام الإسمنت. لعله قد زار شقته الآن، واكتشف أن القصف قد حولها إلى غرفة واحدة واسعة متعددة المنافذ وبجدار ناقص لتبدو مثل (بلكونة) مفتوحة على هواء يهب من جهة مدينته (حيس).
أبناء العزي
بملامح مذهولة تحمل كل أوجاع العالم، يبحث (العزي عبادي) بين الأشلاء عن ولديه المفقودين (محمد) و(محمود)؛ لكنه يعجز عن الاستمرار في مهمته الموجعة، لفرط حزنه وإجهاده النفسي، ليعود بعد ساعات لتكرار البحث عدة مرات حتى وصل أخيراً لنتيجة ما، حين استطاع التعرف على ابنه الأصغر (محمد). كل الذي وجده منه هو رأس وساق واحدة لا أكثر. وبعد كثير عذابات لا توصف اضطر للاكتفاء بهذا الجزء المختصر من فلذة كبده، ليقرر دفنه في صمت.
بعد يومين ظهر ابنه الأكبر (محمود) حياً غير معافى، كان قد نجا بأعجوبة من القصف؛ غير أنه أصيب بصدمة هيستيرية أفقدته صوابه، ليهيم بعدها على وجهه في الشوارع مدة يومين قبل أن يعيده فاعلو خير إلى والده.
إلى أين ينتقل النازحون في اليمن؟!
عائلة (إبراهيم حليصي) بكاملها انتقلت إلى المستشفيات. الأب أسعف إلى المستشفى العسكري، فيما أسعفت زوجته (آمنة) مع طفليه (محمد) و(روان) إلى مستشفى الثورة. أما الابن الأصغر (عبدالملك) فقد انتقل إلى الآخرة، هارباً من عالم متوحش أفرط في قذارته وتواطئه ضد الفقراء.
كل هذا الوجع في تهامة، فينا، في يمن الأرقّ قلوباً والألين أفئدة، لم يحقق منه العدوان انتصاراً، ولا استفاد منه شيئاً. فقط أوصلنا إلى حالة نعجز معها عن البكاء. لن نبكي بعد الآن.
حصيلة فورية للمجزرة
الحصيلة الفورية للمجزرة كانت 16 شهيداً (12 طفلاً، 3 نساء، وشاب عمره 18 سنة)، وإلى جانبهم 9 جرحى (4 أطفال، رجلان، 3 نساء إحداهن عمرها 17 سنة)، وفي ما يلي أسماؤهم:
أسماء الشهداء:
روضة أحمد علي زريق (26 سنة)، حامل في الشهر السادس وتوفيت مع جنينها، ميار محمود حسن (5 سنوات)، ماريا محمود حسن (سنتان ونصف)، فاطمة ناصر الهسيلي (35 سنة)، زينب علي يحيى علي (13 سنوات)، حسين علي يحيى علي (9 سنوات)، البتول علي يحيى علي (6 سنوات)، زيد علي يحيى علي (3 سنوات)، خليل علي يحيى علي (13 سنة)، عبدالغني علي يحيى علي (12 سنة)، براءة علي يحيى علي (3 سنوات)، محيي الدين علي يحيى علي (18 سنة)، جُميع محمود طالب الأهدل (20 سنة)، عبدالملك إبراهيم أحمد حليصي (3 سنوات)، محمد العزي محمد عبادي (15 سنة).
أسماء بعض الجرحى:
ثابت محمد صالح (55 سنة)، انتصار ثابت محمد صالح (17 سنة)، آمنة فتيني علي (30 سنة)، محمد إبراهيم أحمد حليصي (5 سنوات)، روان إبراهيم أحمد حليصي (7 سنوات)، إبراهيم أحمد حليصي (30 سنة)، نبيلة محمد محمود (40 سنة)، فادية محمد عباس (12 سنة)، ملاك محمود حسن (7 سنوات).