بقلم ياسمين الصلوي / الحديدة نيوز
الواحدة صباحا بتوقيت الحديدة ، البحر هادئ على غير عادته ، لا يسمع سوى امواج ناعسة ، وصراخ امرأة تعاني من الآم ولادة متعسرة ، ظلام قاتم يحتضن مدينة الفل والحر والصيف ، سماء ملبدة برصاص طائش ، شوارع خالية من المارة ، أعمدة عجزت عن خدمة العامة ، خوف في نفوس السكان من حرب قد تقتل ماتبقى من استقرار ،على اريكة خشبية في حوش منزل هيفاء أجلس بتوجس في الظلام وبجانبي ذكرى تنتظر بقلق هي الأخرى ، تنتظر طفل قادم لعالم ووضع لا يطاق ، حرب ودمار وأزمة خانقة ووجع ، نجلس بصمت ، صوت هيفاء سيد الموقف والمكان والزمان ، الحارة والظلام والمدينة ، يمتزج مع نباح كلاب قادمه من مكانا بعيد … لا ماء ولا كهرباء ، لا غاز واقتصاد متدهور ، هيفاء وأصواتها والوجع والظلام ، اصوات بكاء الأطفال ، تنبعث من منازل الحارة الشعبية ، ، حر كاد يفتك بجلودهم الطرية دون ذنب …لا ارى من ذكرى الا هيئتها وبصيصا من نور قادم من نافذه الغرفة الصادر منها صوت هيفاء ، من تلك النافذة أرى ظل هيفاء وهي تترنح تصرخ وجعا ، على بعد مقعد ، والدتها تحاول اشعال النار بين حجرتين تود بذلك تسخين ماء حسب أمر الطبيبة التي ذهبنا انا وذكرى اليها وتعرضنا لمخاوف، كلاب ، ورجال يفترشون الأرصفة ، منهم نائما ومنهم يرتشفون دخان السجائر ، حمرة روؤس السجائر وهمهمة مشوشة لم نلتقط صدى تفاصيلها بعد.
الساعة الواحدة بتوقيت الساحل واوجاع هيفاء تزداد حدتها وشحوب بدأ يكسو صوتها ، ذكرى بجانبي تبكي ، تنشج دموعا وقلقا …حنفية بجانبي شاحبة هي الأخرى ، فقدت رطوبتها مذ ايام ، لا بنزين لتشغيل مضخات الماء في المؤسسة التي تضخ الماء للمدينة ، شجرة مريمرة عملاقة في حوش المنزل ، اغصانها لا تتحرك ، افتقرت لنسمة هواء تحركها ، وحده صوت هيفاء يزعزع اورقها . صراخ هيفاء ودعائنا لها بالفرج …وصل دعاء هيفاء الينا قالت بصوت خافت:- يارب أحفظ اليمن وعجل بالفرج وانتقم من اللي كان السبب. ظلت تكرر مع كل نفس حسبنا الله ونعم الوكيل . انهارت دموعي ، اخذت نفس بصعوبة ، شعرت بضيق نفس ، اسعفتني ذكرى بكأس ماء حار لا ثلج ولا كهرباء حر صيف فقط وولادة متعسرة في وسط الظلام …صوت الطفل القى طمئنان في قلبي بدأت استعيد انفاسي ، تأخرت هيفاء ، توجعت كثيرا ، كنت فقدت الأمل في يقائه على قيد الحياة .
اقتربنا من باب الغرفة ، رأينا هيفاء تتصبب عرقا وبجانبها طفلها يبكى ، شمعة بجانبهما ، تتنفس بصعوبة وتردد:- حسبنا الله ونعم الوكيل. وجع بجانب الوجع ، وجع الحرب ونهب حقوق المواطن وحرمانه من ابسط الخدمات …وجع لا ينتهي مع إنتهاء ولادة ، وجع مستمر …….