التعليم ضحية التعبئة: الحرب بالطلاب!
الحديدة نيوز / عبدالرزاق العزعزي:
ظهر يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة “أنصار الله”، ليقود معركة جديدة ضد العملية التعليمية.
عُيّن الرجل ضمن حكومة “الانقاذ الوطني” التي تم تشكيلها مؤخراً، ليشغل منصب وزير التربية والتعليم في الوزارة التي تتصارع عليها القوى الدينية في اليمن، وتقوم بتنفيذ “استراتيجية ابن خلدون” التي تقول إن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم من خلال العلم والتعليم والإلقاء، ويأخذونها أيضاً بالمُحاكاة والتلقين المُباشر.
هذه الاستراتيجية هي ذاتها التي نفّذها حزب “التجمع اليمني للإصلاح” في المعاهد العلمية التي كان يُشرف عليها حتى العام 2001، ظل الإصلاحيون يُمارسون عملية “غسيل المُخ” للطلاب واستخدامهم سياسياً، وتعبئتهم فكرياً عبر مدرسين يثقون بهم.
نفس الطُرق تتكرر في اليمن، فقط تتغير المعتقدات والاستخدام السياسي للطلاب، كانت المعاهد العلمية تقوم بغسيل مُخ الطلاب عبر تعبئتهم مذهبياً، مع التركيز على فضل الجهاد ونعيم الجنة وثمار الإيمان، ثم استقطابهم إلى حزب “التجمّع اليمني للإصلاح” الذي يقوم باستخدامهم في عمله السياسي كمشاركته في حرب صيف 94 لقتال الاشتراكيين.
الآن تقوم حركة “أنصار الله” في المدارس بغسيل مُخ للطلاب عبر مدرسين يثقون بهم، يغرسون فكرة أن أمريكا هي الشر الأعظم ويجب جهادها وجهاد أدواتها في الداخل والخارج، ويتحدثون عن بطولات المجاهدين في الجبهات، ثم يتم استقطاب الطلاب ورفدهم لقتال “الدواعش والمرتزقة”.
وبعيداً من تجربة المعاهد العلمية التي انتهت بإلغائها، فقد ارتكبت “أنصار الله” الكثير من الأفعال داخل المدارس، بدءاً من طابور الصباح مروراً بالأنشطة المدرسية والوقفات المختلفة والحصص الدراسية، وانتهاء باستقطاب الطلاب إلى الحرب.
ما قبل صنعاء:
قبل دخولها صنعاء، قامت “أنصار الله” بطباعة منهج مدرسي للمدارس الصيفية، وتم تدريسه في المساجد التي تتبع توجّههم الفكري، حصلنا فعلياً على ثلاثة كُتب، منها كتاب الرياضيات الذي يقوم بتدريس الطالب عمليات حسابية تُعزز لديه سلوك عنف، يقول أحد الأسئلة: “إشترى يحيى بندقية بمبلغ 120 ألف ريال، واشترى مالك رصاصاً بمبلغ 26700 ريال، أما عمار فقد اشترى له والده حزاماً من الرصاص بمبلغ 8750 ريال، أكتب بالأرقام ما اشترى كل واحد منهم”!.
سؤال آخر يطلب حساب “عملية استشهادية” نفذها أحد المجاهدين واستهدفت عدداً من الصهاينة، أما في المادة الإسلامية فإن درس تعليم الوضوء ودرس تعليم الصلاة فقد وردت الحركات المُختلفة على هيئة صور حية لطفل تم تصويره يؤدي الحركات، ومن كتفه يتدلى السلاح، لا يتخلى عنه سوى عند الصلاة، وفي كتاب القراءة فإنه يطلب من الدارسين قراءة الجملة المُقابلة وإعادة كتابتها، وترد في الجملة شعار الحركة.
تزامن ذلك مع تهيئة مدرسين ينتمون لذات الفكر ويسكنون أو يعملون في مناطق بعيدة من سيطرتهم العسكرية، وخصوصاً أبناء العائلات التي كانت تعمل ضمن “خدمة الإمامة”، تم تدرسيهم وتهيئتهم في صعدة، ثم قاموا بفرضهم كمدراء مدراس في المحافظات التي أصبحت تحت سيطرة الجماعة، وتم إقصاء المدرسين التابعين لـ”حزب الاصلاح”، وفي نفس الوقت تم إرسال مدرسين إلى صعدة من أجل أن يخضعوا لدراسة لمدة شهرين قبل أن تتم إعادتهم إلى مدارسهم في بداية العام الدراسي الجديد.
المنهج الدراسي:
أصدرت وزارة التربية والتعليم في العام الماضي تعميماً يُلغي تدريس كتاب نهج القراءة المبكرة “أقرأ وأتعلم”، وهو الكتاب الذي يُساعد الطلاب في تخطي مسألة عدم القدرة على القراءة، كانت الجماعة قد قالت إن الكتاب أمريكي لأنه ممول من “الوكالة الأمريكية للتنمية”، وهذا العام رفضت السماح بتدريسه وقامت بتهديد معلمين ومعلمات استمروا بعملية التدريس الواردة في “النهج”، وهناك معلومات تُفيد بأنه تم إحراق المخزون من الكتاب.
كتاب الإسلامية، ناله الإلغاء أيضاً. الدكتور عبد الله لملس، وزير التربية والتعليم في حكومة هادي، قال إن وزير التربية والتعليم في حكومة صنعاء وجّه بسحب كتب التربية الإسلامية من المدارس، وكذلك إيقاف طباعتها، ويُعد كتاب الإسلامية الذي تم سحبه أحد الكُتب التي تم نقلها من المعاهد العلمية إلى المدارس الحكومية عقب قرار إلغاء المعاهد.
وفي محافظة عمران، تم تسجيل حالات دُرّس فيها قصص بطولات المقاتلين في الجبهات وانتصاراتهم.
الطلاب… جنود المعارك؟
تعمل “أنصار الله” على استقطاب الطلاب كمقاتلين في الجبهات المختلفة. في عمران قام مدير التربية بزيارة المدارس، وحرّض الطلاب على المشاركة في القتال، وتم تسجيل حالات تجنيد لطلاب أطفال ذهبوا للنشاط العسكري دون معرفة والديهم.
حصل الطلاب على وعود باعتمادهم كخريجين من الكُلّية الحربية ومنحهم سلاح كلاشينكوف في حال قضوا معهم فترة التجنيد العسكرية (أسبوعان)، وبعد استقطابهم تم إرسالهم إلى جبهات الحدود. عاد بعضهم إلى والديهم بعد صفقات مالية ووساطات مُختلفة، بينما عاد البعض الآخر ليُمارس مُهمة قص الحكايا وتحفيز أصدقائهم للانضمام في الجبهات.
وفي ذمار، قام مدير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة في مايو 2015 بإصدار تعميم رسمي، موجّه إلى مدير عام مديرية الحدا ومدير مكتب التربية والتعليم فيها، أخبرهما أنه يجب مُخاطبة مدراء المدراس التابعة لهم إدارياً، وإبلاغ الطلاب بضرورة ترديد الهتافات، كشعار “الموت لأمريكا”.
في البدء، تحدث التعميم بلغة وطنية عما يحدث لليمن من “عدوان خارجي”، ثم قال: “هذا التدخل السافر على بلادنا يجعل الجهاد، والدفاع عن بلادنا، فرضاً واجباً على كل من يستطيع حمل السلاح، للدفاع عن كرامة وعزة هذه البلاد”. ثم جاء فيه: “يتم عمل تعميم لمدراء المدراس بتوحيد كل الإذاعات المدرسية والوقفات الطلابية حول لفظ ومواجهة دخول القوّات الأمريكية إلى اليمن، ورفع الطلاب لكل الشعارات والهتافات الوطنية المناهضة لأمريكا والمُعمّقة لروح الولاء والوطنية لدى الطلاب، وكذلك الهتافات المُناهضة لأمريكا، وعدم السماح بتسييس هذه الشعارات أو جعلها خاصة بفئة مُعينة، فمن الواجب على كل إنسان يمني أن يصرخ أمام أمريكا وعدوانها، واحتلالها لبلدنا، ونهب ثرواتنا ومقدراتنا”، ثم ضرورة قراءة هذا البيان في كل الإذاعات المدرسية والوقفات الطلابية.
الصرخة أو الموت:
في مديرية الحدا أيضاً، كانت مؤخراً قد شهدت مقتل طالب في حوش المدرسة، مشعل محمد صالح (12 عاماً)، على أيدي أحد أفراد جماعة “أنصار الله” حين فتح السلاح وأطلق النار بشكل عشوائي على الطلاب. أفراد من الجماعة هجموا على المدرسة (المحفد – قرية كلبة مخدرة) وفرضوا عليها الاحتفال بالمولد النبوي. وافقت إدارة المدرسة على ذلك وتم الاحتفال، وعند اختتامه طلب أحد أعضاء الجماعة من الطلاب ترديد الصرخة، وحين رفض الطلاب ترديدها أطلق عدد منهم وابلاً من الرصاص باتجاه الطلاب، فقتلوا طالباً وأصيب آخرون.
تعمد الحركة إلى ترسيخ شعارها في طابور الصباح والوقفات الطلابية المُختلفة، إنها تُشبه شعار الإصلاحيين “الله أكبر ولله الحمد” الذي كان يتم ترديده في المعاهد العلمية، إلا أن الصرخة يتم فرضها على الطلاب بقوة السلاح. عمران كانت أولى المحافظات التي تشهد عملية ترديد الصرخة في طابور الصباح بدلاً من ترديد شعار “الله، الوطن، الثورة، تحيا الجمهورية اليمنية”، والتي أنتجت ردود فعل عكسية من الطلاب الذين ألقوا أحذيتهم في وجه مدير التربية، كما حدث ذلك في صنعاء وذمار.
الحديدة: الطلاب في المواجهة:
في 25 أكتوبر المنصرم، انطلقت “الحملة الوطنية: معلّمون وطلّاب في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي”، تم تدشين الحملة بحضور رسمي لافت على مسرح مدرسة خولة بنت الأزور بمديرية الحوك بمدينة الحديدة. إنطلقت الحملة بخطة سير اعتمدتها الإدارة التعليمية والنشاط المدرسي، وكلّفت أشخاصاً بالجلوس مع مدراء المدارس وإبلاغهم بتنظيم فعاليات تستهدف طلاب المدارس. تم تنفيذ الفعاليات المختلفة؛ وقفات احتجاجية يُصاحبها برنامج إذاعي وعمل مسرحي وأعمال أخرى، كلها تتحدث عن “العدوان السعودي”، وتعمل هذه الفعاليات على التغيير الفكري وبرمجة الطلاب، وخاصة الأطفال.
مركز الإعلام التربوي لمديرية باجل نشر صورة في صفحته على “الفيسبوك” للطالبة مارينا مروان (طالبة في ثانوية الخنساء)، قال إنها تتدرب على الإلقاء بنفسها في المنزل دون أن يُساعدها أحد، وأضاف: “تحلُم وتطمح لدخول كلية الطيران من أجل أن تصبح طيّارة ماهرة بهدف اعتراض مريم المنصوري ومن هم على شاكلتها وتدميرهم جوّاً، ودحر الغزاة، ودك أوكارهم، وتحصيناتهم الدفاعية، وقطع دابر وأيدي كل من تسول له نفسه العبث بأمن يمن التاريخ والحضارة، هذا هو الحلم وهذا هو الطموح ببساطة شديدة… فلله درك أخت الرجال ومنجبة الرجال، ولله درك يا بنت أروى وبلقيس”.
وخلال الفعاليات التي ما زالت حتى اليوم، يتم عرض أنشطة الطلاب، لكن الأنشطة لم تعُد تهتم برسم “الجدول الدوري الحديث” أو “نظرية الانفجار العظيم”، لكنها تهتم برسم الدماء وكتابة الكلمات والشعارات المُتعددة مثل: “معاً ضد العدوان، صامدون رغم القتل والحصار”.
مُسلّحو “الشرعية” يحولون المدارس إلى سجون:
في المناطق الخاضعة للقوّات التي تُحارب تحت لواء “الشرعية اليمنية” المدعومة من “التحالف السعودي”، ليس الأمر أكثر تعقيداً، لكنه لا يخلو من تعريض الطلاب للخطر وانتهاك حقهم في التعليم، وتعريض منشآتهم التعليمية للدمار واستخدامها لأغراض الحرب.
الجماعات المُسلحة قامت بتحويل المدارس إلى سجون وأماكن تدريب ومراكز للعمليات العسكرية وأماكن للتعبئة المُتطرّفة، واقتحمت أماكن التعليم لتمنع الاختلاط بين الجنسين، وتم تسجيل حالات انتهاكات عديدة لمنشآت التعليم، فقد تم استخدام المدارس لأغراض الحرب، وتحوّلت بعضها إلى ثكنات عسكرية تخدُم فصيلاً مُحدداً من المسلحين المُعارضين لـ”أنصار الله” وحلفائها. في تعز، تُسيطر “كتائب أبو الصدوق” على ثانوية تعز الكبرى، وتُسيطر “كتائب حسم” على مدرسة الشعب، وتُسيطر “كتائب أبو العباس” على مجمع هائل للبنات. فيما يُسيطر “حزب التجمع اليمني للإصلاح” على النصيب الأكبر من منشآت التعليم الحكومية.
“الإصلاح”… نصيب الأسد:
معهد المعلمين والمعهد التنقي والمعهد الوطني ومكتب التربية بالمحافظة، وعدد من المدارس، تدخل ضمن سيطرة مُسلحي “حزب الاصلاح” في المدينة، قاموا بإغلاق بعضها، وحوّلوها إلى ثكنات عسكرية ومراكز للعمليات العسكرية، كمدرسة “نعمة رسام”، وأوقفوا الدراسة في مدرسة “باكثير” بعد أن قاموا بتحويلها إلى سجن.
تم إغلاق بعض المدارس لأسباب غير معروفة، مع أنها تقع في مناطق آمنة وليست في منطقة نزاع كمدرسة “زيد الموشكي – بنات” مثلاً، التي تقع مُقابل الأمن المركزي، في الحي الذي يُسيطر عليه مُسلّحو حمود المخلافي، وسبق أن تعرّضت لصاروخ كاتيوشا، أدت لمقتل أحدهم، وإصابة طالبة، ومع ذلك لم يتم نقل الطلاب إلى المدارس المُغلقة في الأماكن الآمنة، ولكن بقي التعامل معهم بشيء من اللامسؤولية.
يعتقد ناشطون في تعز أن إغلاق المدارس في المناطق الآمنة وفتحها في المناطق المشتعلة تتعلق بأسباب تُجبر أهالي الطلاب على تحويل أبنائهم إلى المدارس الخاصة التي يمتلكها قيادات في “حزب الإصلاح” المسؤول الأول عن هذه التصرفات.
لم يعُد التعليم جواز سفر نحو المستقبل يا “مالكوم إكس”، لكنه أصبح وسيلة للانتصار في العمل السياسي!