الحديدة نيوز / خاص_ كتب / بليغ السامعي
مررت أمام بوابة الكلية.. كانت أيام وسنوات رائعة أمضيتها وكنت طالبا بلا أضواء. الأن فقط يمكنني تذكر القروي الذي كنته وقد التحق بقسم بلا شهية مسبقة: البدايات والشعر الأجعد والحذاء المسحوق والتعارف البطيء وطفل القسم المدلل، الأن وقد بعث المكان ذكريات طلاب مرّوا من هنا يمكنني كتابة تقرير قد يكون متأخرا قليلا لكني أزعم أنه يروق، وهو رد على خربشات صديقي حمدان.
أنا أمام بوابة الكلية وأرتجل وضعية لك يا بن حمدان على مقعد يفتقدك حقا لكني على سبيل العناد أأكد بصدفة الحب، فيأتي صوتك من أقاصي الأيام وأروقة المكان بنبرة تصحيح “صدفة، يجب صنعها أو صناعتها”.
الحب صدفة يا صديقي وما أزال اعتقد بذلك، وقد تكون صائباً أيها الناصح انه يجب صناعة الصدفة تلك، لكن، ألا يعني هذا ان ننصب شراكا للمحبوب وبذلك نكون هواه طرائد ومؤذيين. لكن، أليس هذا تبرير مكشوف لمن لا يملكون موهبة الحب؟. حسنا،، أعرف جيدا أني لست براقا كفاية لجذب الفتيات، ولا أفكر في التدرب على ذلك، كائن قلق دوما وبلا حضور رومانسي، وكنت أدلف البوابة بعفوية قروي ما من أحد ينتظره عدا رفقة وجد فيهم كل ما يحب ويرغب ومصدر اطمئنان، كانوا كبارا حقا لكنني وجدت أنه لا مانع ان أسأل وأفصح عن قلقي الدائم إزاء الكتابة لهم.
مظهر قروي وياقات متعبة ، لا ترف ولا صرعات موضة، لا عطر ينث ولا حقيبة حتى، لا كلام معسول، لا شيء يلفت الانتباه عموما، لكنه شكلي أنا، الصدق والحقيقة بلا إدعاء، ولم أكن عارضة أزياء على كل حال، وعندما أبدو مختلف قليلا، فذلك لكون كومة الثياب المتسخة خاصتي صارت رابية تعلو كل يومين برعاية الكسل الأنيق وليس ثمة ما سأرتديه الصباح القادم ، فكنت أتأزم وأسرق من شنط أصدقاء السكن ما أنسجم من الجينز و ساعة اليد الخاصة بالمناسبات وحفلات التخرج المخبأه بحذر ولا بأس في مداعبة الجزمة المتوجسة خلف الباب وذلك لإكتمال الأضواء، وهذا توضيح عن تلك الصباحات التي أبدو فيها على غير العادة أو مشرقا وأنيقا بتعبير حداثي ، تقليعة قروي يختبر المقولات وهل أنه حقا أن اعجاب الآخرين بنا يعتمد على مدى ظروفنا، بالطبع، ذلك إذا لم يسبقك أحدهم لسرقة ذلك كله، فقد كانت أمور مثل هذه تحدث بيننا دونما امتعاض.
مهما بدوت والشكل الذي أطلع فيه فإنني لم أتقصد جذب إحداهن ، وكلما في الأمر أنني كنت أحب التسعك معاً ، التسكع في الأروقة بدافع المرح والإمتلاء لأجل ما سأحتاجه لاحقا ضمن مشروع أو حلم تورطت في أخذه على محمل الجد، الكتابة، حلم بدى جذابا وسهلا ومع الأيام يتكشف أنه مجرد فكرة رمانسية في ذهن مراهق لم يدرك هيبة الكلمات، أدركت فيما بعد ان تلك الجاذبية فخ مبديء، وما أن أجترحت قليل اهتمام وقعت ، أدركت الفخ، لكن وبدلاً من التعقل والتوقف زدت اهتماما وفي الأفق ألمح الإخفاق والضياع ولوم البشر وحياة تنسرب، لعنة يا صاحبي هذه، لكنها الكتابة، تفكيري الأوحد، وكلما حاولت، أفشل تباعاً غير أنني لا أكف، وهذا ما يجعلني مطمئنا ومتصالحا بيني وبيني.
لطالما قرأتُ لِكُتاب شجعان كتبوا محاولاتهم وعن إخفاق وارتباك البدايات، و ربما التقطتَ ذلك التأكيد الذي توحي به هذه “سأحتاجه لاحقا” في الأسطر الأولى، وأعترف انه ليس أكثر من مجرد تطمينات ربما لغواية الانتحار لبعض الوقت، غير أنك مؤخرا تلتقط صورا لا ايماءات، تتنقل بين الأزهار مثل فراشة ، والحقيقة أنك كنت مزارا تتحلق حوله الفراشات ، دب ثقيل بخفة دم تتواجد وبصفة الأب تمنح الفرشات زواية وخبرة الاصطياد وعصارة السنوات “تعال يا بنتي، ركز يا بنتي، هكذا يا بنتي” ذلك مؤخرا ، وفي زمن المنتديات كنت الشاعر الهجاء والمشاكس.. كان التسكع مغريا لأشياء كثيرة ليس من ضمنها الاصطياد.
أتلفت فلا أكترث إن لم يلتفت إليّ أحد، أحدق في عيون الجميلات فلا أهتم لصورة العاشق في انعكاس سواد العيون أنه لست أنا، التسكع الأن يذكرني بك يا صاحبي وأننا كنا يوما معاً، وكان هكذا بدافع المرح وإدراك ما تبقى من زمن الكلية والأصدقاء، نمضي ونتسكع ونتلفت على عتبة الأيام الأخيرة، نتشبث ونعيش التفاصيل ونصبح أجمل كعادة الراحلون، لذلك ربما بدوت في السنة الأخيرة أكثر تعلقًا.
ما يزال الحب صدفة يا صديقي، لكن ومن خلال خربشاتك الودودة تذكرني بنبرة كانت قبلاً تحريضية وصارت المزيج من أسف متحسر وندم من أقترح لك ولم تذعن له، على أن ذلك أصبح متأخراً الأن و أنه “كان” يتوجب صناعة الصدفة تلك، وكأنني مأسوف أتيتك متحسراً، لا يا صاحبي، ولم أكن أعرف كيف يمكن فعل ذلك، لكني أتذكر في أحد تدريبات التصوير “السفرية” وكان حول تصوير البورتريه، كانت ليلى حاضرة بقوة افتتان متحدٍ للتهور وابقاء أحدنا طبيعيا، شعرت بذلك التأثير الذي لا يمكن وصفه أمام الجمال الطبيعي، الخالص من “الڤيير” و “كريم حواء” وتمويهات العصر، رائحة القرية والمشاقر والطين، دهشة الروح والتأمل فحسب. كان المدرب يشرح وطلب مني تصوير بورتريه لها لتعزيز الشرح.
فكرة جيدة. هللت الأصابع لملامسة الكاميرا. كان الوغد يعرف كل شيء، سبب تواجدي، بل خططنا لذلك معا. كنا متحلقين فواتتني انتهاز فرصة النظر إليها بحرية.
صوبت الكاميرا بإحساس المصورين الكبار ولم أكن مصورا بحال. خفت على الحياة عندما أطبقت شفتيها ، فقط حركة إضافية وسيهطل الظلام ويعم الأرجاء ورويدا تبدأ الأشياء بالإحتضار.
وعبر عين الكاميرا والضوء لامست وجنتيها المتوردتين ولبثت هناك دهرا، ألقيت القصائد ولم أكن شاعرا، استعرضت كل الجميلات اللواتي صادفتهن وفاتنات الستلايت و فتاة الإغريق هيلين وروز الحلوة صديقة وحبيبة الطفولة، استحلن جميعهن إلى محض كذبة مقارنة بها، أمعنت في العيون فتذكرت الطفولة، علاقتي بالأشجار، وتقافزي في برك ماء المعزاج يصنعها السيل الغضوب، كانتا تنضحان ببراءة طفلة، وأنا أحب الطفولة حقا لكني لا أؤمن في براءة عيون الفتيات، شأن ادعاء وغالبا تخفي خلاف ما تظهره، لكنها هي، الفتاة والطفلة والمزيج الذي أحب. أغنية كان ثغرها وطري يبتسم كأن ثغر مول