السخنة.. أنموذج للاستثمار السياحي الفاشل..! ومن يستحم بمياهها المعدنية لا يعود إليها ثانية
الحديدة ة نيوز-الحديدة- – توفيق حسن آغا
السخنة إحدى مديريات محافظة الحديدة التي تتمتع بمزايا طبيعية في هذه الرقعة والامتداد الجغرافي على سفح جبل (برع) وتقع جنوب شرق مدينة الحديدة على بعد63 كم، وبقدر ما هي مقصد الكثيرين من الناس من الداخل والخارج باعتبارها مكانا للاستشفاء بالمياه الساخنة العلاجية التي تصل درجتها الحرارية 72 درجة مئوية الغنية بالمعادن والكلوريد والكبريتات القلوية وتعالج الكثير من الحالات مثل التهاب المفاصل والأمراض الجلدية والتناسلية وغيرها من الأمراض.. إلا أنها مع هذا الرواج والصيت على المستوى المحلي والمنطقة أمام الزائرين في جميع النوايا والمقاصد ليست كذلك.
صيت دون مكسب
مدينة السخنة.. ليست بهذا الحجم التي توصف به في كل الأرجاء. وخصوصاً عندما يراها ويأتيها الزائر اليوم ويقع فريسة هذا المستوى المتدني من الخدمات التي تقدمها في مجال السياحة العلاجية، التي تفتقد لكل المعايير والمقومات وتغيب فيها البنية التحتية إلى حد لا يوجد فيها عنوان واحد للوكندة أو فندق للمبيت ليوم واحد للسائح أو الزائر اليمني والعربي القاصد الاستشفاء عن طريق المياه المعدنية الكبريتية في حمامات السخنة, والتي ربما قد نصح بها من مراكز طبية أن تكون له بإذن الله شفاءً لألم مفصلي يعاني منه، أو لوجع يعاني منه، ولا سبيل في علاجها إلا الحمامات الطبيعية في السخنة أو في أي بلاد مماثل يمتلك نفس مقومات السياحة العلاجية أو يمتلك مثل هذه الحمامات الطبيعية التي تمتلكها وتتميز بها مديرية السخنة والتي يوصي فيها الكثير من الأطباء مرضاهم للاستحمام والبقاء فيها لعدة أيام..
– وهنا يقطع المرضى مئات الأميال للوصول إلى السخنة، ولكن عندما يصلون إليها للأسف يجدون في السخنة ما لا يسرهم، وما لا يأخذ من سفرهم ذلك العناء مما يجعلهم فور وصولهم إلى هناك في هم العودة من هذه الطريق التي أتوا منها دون تردد من مكوث حتى ولو لساعة واحدة في هذه المدينة الرائجة الصيت وخصوصاً عندما يصطدمون في هذا الواقع التي لا تقدم فيه (السخنة) الذائعة الصيت أي مستوى من الخدمة السياحية التي قد تمنح السائح على الأقل خدمة لائقة ومقبولة تمكنه من البقاء حتى لنصف ساعة في حماماتها وفي رحابها المتميزة بطبيعة خلابة بقرب محمية (برع) مما منحها أن تكون في هذا الجوار مقصدا للاستشفاء والتنزه والاستمتاع بجوها الرائع طوال العام، مع ما تمتلكه من طبيعة خضراء تتعدد فيها أعشاش العصافير والطيور المغردة النادرة على هذه الأغصان المتعددة بأصنافها بتعدد هذه الأشجار المعمرة كشجرة(الظبر) التي تضيف حالة إضافية للإنسان في التمتع بمزايا طبيعية للغطاء النباتي الذي يكسو الأراضي الزراعية في هذه المديرية بتميزٍ عن المديريات المجاورة لها بطبيعة متنوعة وجذابة دائمة.
استثمار(المتهبشين) المحلي
السخنة اليوم ليست كما كانت في عقد الأربعينيات من القرن العشرين الماضي إمارة وقصرا ملكيا وواحة استجمام ومركز استشفاء ومتنزهاً شتوياً لكبار الشخصيات والوجاهات في الدولة والمجتمع اليمني.. ورغم ذلك مازالت تمتلك هذه الينابيع من المياه الساخنة والتي تتوزع في ثلاثة أحواض في حمامات القصر والثلاثة الأحواض هنا في مقصورة واحدة هي في عمارتها جزء من عمارة القصر، وهي في هذه الأروقة والممرات السرية المغلقة والمفتوحة تتحد في تعدد مداخلها إلى مخرج واحد أمام المستحمين يخرجهم إلى هذه الاستراحة والقاعة الملكية المفتوحة على أروقة وأفنية القصر من الداخل والخارج.. مما يوحي أن هذا القسم من حمامات السخنة كانت في الزمان حماما ملكيا خاصا وبامتياز.
– طبعاً الخدمة هنا في هذا القسم هي تحت إدارة مجموعة من الموظفين قد يكونون حكوميين وقد يكونون غير حكوميين, ولكنهم في الأصل هم من كان آباؤهم في فترات سابقة ممن كانوا موظفين أو ممن كانوا خداما في القصر ومعظمهم من النساء والأطفال والخدمة هنا في دخول حمامات القصر هي غير محددة برسوم كما هي محددة في الحمامات الأخرى خارج القصر، وإنما هنا قابلة للتفاوض.
تهبش آخر خارج القصر
أما الينابيع الأخرى تتوزع ما بين ستتة أحواض في حمامات خارجية تقع خارج حرم قصر السخنة وهي في طبيعتها قد جزئت إلى قسمين.. خصص منها القسم الأول للرجال والآخر للنساء، وإدارتها طبعاً تحت إدارة أحد المتهبشين المحليين والذي على ما يبدو كان له اليد الكبرى في تشويه كل المعالم الأثرية المعمارية لهذا القسم الخارجي، وذلك عندما استحسن تجديدها وترميمها من مادة الصفيح والبردين بدلاً من الياجور وأعمال القضاض لما يمنحه تقديم هذه الخدمة في هذه الحمامات مقابل (1000) ريال للفرد الواحد كان صغيرا أو كبيرا.
بديهيات سيف الإسلام
السخنة هي المنطقة التهامية التي تمدنت وتحصنت بفضل تلك الصراعات والأحداث والحروب التي خاضتها وشهدتها اليمن إبان الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية في ظل تلك الحقبة التي تكالبت فيها المطامع الاستعمارية للدول الاستعمارية الكبرى على اليمن، وخصوصاً هذه الأحداث التي خاضها سيف الإسلام أحمد بن حميد الدين في الحديدة وعلى امتداد أراضي السهول التهامية لقمع الانتفاضات الشعبية ضد حكم أبيه وإخماد كل التمردات حين اتخذ من مدينة باجل مركزا لتجمع جيوشه ومؤيديه حتى توالت المتغيرات والأحداث لتجبره على تغيير مركز تجمع جيوشه ومكان تواجده في بأجل إلى مكان آخر.. هذه الأحداث التي جعلته يهتدي منها إلى السخنة، ويتخذ منها مركزا بديلا من بأجل بعد أن وجده الأقرب له في هذا الجانب من مدينة الحديدة، إلى جانب ما وجد من السخنة هذا المكان الذي يمنحه الاحتراز من رصد العيون له فيما يخفيه من أموال وغنائم كان يحصل عليها في الغارات والحروب التي كان يخوضها في تلك الفترة قبل أن يتولى ولاية العهد ومن ثم الإمامة والولاية بعد أبيه باعتباره قائدا للجيش الإمامي، وفي هذه الأحوال التي مرت بها اليمن اتجه سيف الإسلام أحمد في تعمير مدينة السخنة فيها عام1373 ه – 1940م عشية الحرب العالمية الثانية، وأنشأ قصر السخنة بهذا الطابع العمراني والذي عمارته تقوم بنفس طابع عمارة وطراز القلاع والحصون الحربية، كما أنه أنشأ إلى جوار القصر مطارا ترابيا مازال موجودا حتى اليوم إلا أنه غير صالح للاستخدام ومساحته في جوار القصر تبدو مغرية جداً لناهبي الأراضي، وهناك حكايات وأساطير كل واحدة منها تروي جانبا من خفايا وأسرار أروقة هذا القصر المنيع والعجيب الذي كما تقول الأسطورة إن أروقته وأجنحته الملكية كانت تحفة لما كانت تحتوي أو ما تقتني رفوفها من مقتنيات ذهبية وفضية نادرة لا يوجد مثلها لا بقصر العرضي في تعز والبشائر ودار الحجر بصنعاء، وإن آخر نهب تم لأبواب وأثاث قصر السخنة يعود إلى النصف الأول من عقد الثمانينيات ليأتي عقد التسعينيات ويكمل ما أفسده الدهر بالسخنة.
الجمهوريه