بائع السمك في حارتنا معاكسا
الحديدة نيوز؛ ياسمين الصلوي
كان الوقت صباحا غائما ورصيف حارتنا معطر برذاذ وندى الشتاء ، كنت اخط الحارة بعجل، تأخر الوقت والدرس قد بدأ ، وفي توجس ؛ درس اليوم مهم وربما مشروعي موعد عرضه اليوم وهناك ضيوف قد يحضروا العرض وموضوعه رومانسي للغاية ، قد يحضى باستحسان الجميع وقد تحضر عقول متحجرة في هيئة درويش، وتنتقد فكرة المشروع(ذات صدفة) .
استيقظت التاسعة صباحا بتوقيت إيقاع ضحكات هاشم طفل أخي البالغ من العمر أربعه أشهر ، تعودت ان أستيقظ على ضحكاته وكلامه غير المفهوم ، منذ أنعمنا الله به ونحن سعداء، وكرنفال فرح يلوح في أروقة قلوبنا ، أمي وأبي وأخواني وشقيقاتي الكل يبتسم من أجل هاشم ، الكل يحتفي بوجوده بيننا وكأن أسرتي لم تحضى بطفل من قبل ولم تعرف الأطفال قط ، حين اتأمل الجميع في المنزل واجدهم سعداء من أجل هاشم فقط، واتحسس أهتمامهم المفرط به وحبهم الا محدود له أتعجب :- كم أنت محظوظ ياطفل أخي ، الحب يحف بك من كل جانب ، الكل يحب هاشم ، أبي يأتي من محله لا من أجل والدتي لا من أجل أحد لا من أجل شيء فقط من أجلك هاشم ، رغم أن أبي لا يحبذ أن يترك محله ولو دقائق فقط ،لكن حبه لهاشم جعله يتحجج بالعودة للمنزل من أجل أن يسرق قبله ويخطف ضحكة من ضحكات ذلك الطفل المرح دائما والذي لا يبكي الا حين يقرص معدته الجوع ، أخي الأوسط رزقة الله بخمسة أطفال محبوبين ايضا الا انه كل ما عاد للمنزل من عمله دخل يبحث عن هاشم ، الجميع سعداء به ! كم أنت محظوظ هشومي ، الجميع يحبوك ، الجميع يهتم بك وانا اعشق إبتسامتك المفرحة للقلب !
استيقظت وأبتسمت لهاشم الذي كانت أنفاسه تداعب خصلات شعري ، قبلته ثم اقتربت من هاتفي قليلا لعلي اعرف كم هو الوقت ، لم أكن أتوقع أن الساعة تشير الى التاسعة صباحا ،لمحت ساعة الهاتف وقمت من فراشي بفزع ، نعم قد تأخرت ، على عجلة من أمري غيرت ملابسي ، حاولت أختي ارغامي على تناوم وجبة الفطور بقولها( الصبوح روح ) وهي التي لطالما خاصمني حين اغادر البيت صباحا دون أن اتناول وجبة الفطور ، نبيلة تهتم بي كثيرا وانا احبها أكثر …. قليل من الخبز الطاوة الشهي وكأسا من الشاي باالنعناع الأخضر ، تماولته على عجل ، أنطلقت مسرعة نحو الشارع القريب من منزلنا ، وجدت الحارة جميلة مع جمال ذلك الصباح ورذاذ المطر، ووشوشات الطيور، وضحكات جموع الأطفال وسط حارتنا الكبيرة المبلطة مذ أحتفالات الوحدة في الحديدة عام 2005 م .
يتجمع أطفال الحارة في الساحة الفسيحة وسط حارتنا حيث بوابة مسجد الدعوة ، طفلات الحارة يعتنين بهن امهاتهن بشدة ، سلا تلك الطفلة التي تناديني صاحبتها منذ اتت اول مره منزلنا ولاعبتها في سطح منزلنا ، تلاقيني كل صباح، تناديني من بعيد:- ياصاحبتي أبتسم واذهب لكن هذه المره اجبرني بائع حلوى دلع البنات على البقاء قليلا وشراء حلوى لسلا التي تفرح كثيرا عندما اشتري لها حلوى دلع البنات ، وقفت اخيرها بين الون الوردي والأصفر ، فاختارت الوردي معللة ذلك ان هذا اللون هو المفضل لديها حتى في اختيار الملابس.
جاء بائع السمك ،سبقه صوته من احد الأرصفة المؤدية لتلك الساحة الفسيحة حيث انا وسلا وبائع حلوى دلع البنات الذي يزور حارتنا بإستمرار ، حضر بائع السمك بسلته المملؤة بسمك الباغة الذي يعد ارخص أنواع السمك والذي يفضله سكان حارتنا كثيرا ،كنت اظن ان بائع السمك ذاك مسالما ، هو الأخر يتردد على الحارة كل صباح وظهيرة إن لم يبيع كل اسماكه.
مر بجانبي شعرت انه يود قول شيء وفشل، ذهب وغادرت انا الأخرى الحارة وصلت قاعة الدرس متأخرة ، سألني المدرب سبب تأخري اخبرته أمر سلا سمح لي بالدخول وحضرت الدرس الذي كان ممتعا، كيف تصنع شريط إخباري ،وكيف تعمل حركه في صورة ثابته …الحمدلله المدرب سمح لي بالدخول والا كنت خسرت أهم دروس المونتاج .
في صباح اليوم الثاني صادفت بائع السمك في بوابة الحارة ، كانت سعدية ابنة اختي قد اخبرتني في الليل انها تود ان يكون غداءنا غدا سمك باغة واتفقنا على أن اشتري سمكا ، أوقفته قلت اشتري ست سمكات وأخبر سلا تذهب به لمنزلنا الذي تعرفه كثيرا ، اعطيته النقود وأخبرته أن يعطيني ست سمكات ، بدأ يختار لي من تلك السلة الخزفية ،قال كم تريدي سمكات استغربت من سؤاله لانني قد أخبرته كم اريد من السمك ، رديت على سؤاله باستغراب :- ست لو سمحت .
رد:- انتِ احلى من السمك الطري . حاولت اتصنع عدم سماعه ، في نفس الوقت مرت عجوز ، وهي صديقة والدتي اسمها سردودة هي من احدى قرى زبيد تسكن في حارتنا عند احد ابنائه ، الحجة سردودة تتحدث اللهجة التهامية الدارجة ، وقفت بجانبي تشتري سمك بعد أن سلمت علي وسألتني عن صحة والدتي، كنت احدثها وهي تنظر لحركات ذلك البائع،قالت وانا احدثها دون أن تلتفت لي:- ما سمأت ولا كلمة …هنا في ناسو بلا حياء . لم اكن ادري ما الذي لاحظته خالة سردودة في ذلك البائع ، الذي فهمته هو عندما سلمت عليه، ناديت سلا الذي كانت تلعب واعطيتها السمك، وذهبت الحجة سردوده وبقى صدى صوتها في الحارة مجلجاً وهي تسب ذلك البائع سبا صاخبا ، الذي فهمته أن أن بائع السمك معاكسا ……