الحديدة نيوز – متابعات
تلقى محبو المطربة فيروز ألبومها الجديد (رقم 99 في مسيرتها الفنية الطويلة) بتعليقات وآراء متباينة، فبينما عبر البعض عن خيبة أمله بقي الكثيرون على ولائهم وحبهم لأداء المطربة التي عرف جمهورها بالتنوع على كافة المستويات، العمرية والثقافية والاجتماعية والجغرافية.
ويتضمن الألبوم الجديد عشر أغنيات، كانت قد طرحت ثلاثا منها في بداية الصيف في إطار الترويج للألبوم.
ترجمت ريما الرحباني كلمات الأغاني عن أغنيات اوروبية كان معظمها شائعا في ستينيات القرن الماضي.
وجاء الألبوم بعد ترقب طويل لعشاق فيروز استمر سبع سنوات حيث لم تقدم جديدا منذ عام 2010.
وقد أخذت معظم أغاني الالبوم الجديد من أغاني عالمية مثل “قبلني كثيراً” أو (بيسامي موتشو”) التي كانت أول من غنتها كونسويلو فيلازكيز و”تخيل” التي غناها جون لينون.
وكان هذا أحد أسباب اعتراض بعض معجبي فيروز، إذ قالوا إنه لا يجوز أن تغيب سبع سنوات وتعود بأغنيات ليست لها.
ومن الذين رأوا في عودة فيروز بهذه الأغاني المقتبسة مغامرة عبده وازن، المحرر الثقافي في جريدة الحياة، حسب حوار أجري معه في برنامج على تلفزيون “المستقبل” اللبناني.
وبرر وازن ذلك بغياب الملحنين الكبار عن الساحة” في الوقت الحالي.
لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي “تقتبس” فيروز موسيقى وأغاني عالمية، فأغنية “يا أنا يا أنا أنا وياك” مقتبسة من موسيقى السيمفونية الأربعين للموسيقي النمساوي وولفغانغ أماديوس موزارت، و”كانوا يا حبيبي” مركبة على موسيقى الروسي ليف كنيبر، و “حبيتك بالصيف” مأخوذة عن أغنية فرنسية بعنوان “مذنب”، وقد غنت فيروز هذه الأغاني في حياة عاصي ومنصور الرحباني.
بدأت تغني أغنيات من تلحين زياد لم يتغير الأمر، فأغنية “الخريف” مثلا مأخوذة عن أغنية كان أول من لحنها الموسيقي المجري “كوزما يوجيف”، وأغنية “شو بخاف دق عليك” مأخوذة عن أغنية للملحن البرازيلي لويز بونفا.
إذن هذا الموضوع ليس جديدا، لكن الجديد، والذي سبب خيبة أمل للبعض كان مستوى الأداء، فمن الواضح أن صوتها بات متعبا، ولم تعد تسيطر عليه بنفس الاقتدار السابق، بالرغم من أن عبده وازن لا يتفق مع هذا، فهو يرى أن صوتها في الالبوم الجديد ما زال يحتفظ بنضارته و “لوعة الحنين” كما وصفها.
لكن ما الذي دفعها إلى هذه التجربة؟
ليست المفاجأة الأولى
لا تتعجل “فيروز” في العادة اتخاذ قرار بخصوص أي تجربة موسيقية تبدو مختلفة عن النمط الذي اعتاد عليه جمهورها أو ينطوي على مغامرة من أي نوع، وقد بقيت مجموعة الأغنيات التي لحنها ابنها زياد الرحباني والمعروفة “بألبوم الجاز” على طاولتها لسنين قبل أن تقرر الدخول في المغامرة.
وقال زياد في إحدى مقابلاته السابقة إن فيروز كانت في بعض الأحيان تنتظر لسنتين أو ثلاث قبل ان تبت في أمر أغنية تعرض عليها، وكثيرا ما تتحفظ على أغنية كاملة بسبب كلمة أو جملة موسيقية.
لهذا فقد بدا انتقالها إلى أسلوب زياد المغاير تماما لما اعتاد عليه جمهورها من موسيقى الأخوين رحباني وأشعارهما مفاجئا.
وبالرغم من أن فيروز غنت من ألحان زكي ناصيف وفيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب ، إلا أن تلك الأغاني بقيت قريبة في أجوائها من عالم فيروز الذي اعتاد عليه محبوها. لكن موسيقى وكلمات زياد كانت نقلة مفاجئة.
بقيت فيروز لعقود تجسد عالم الحلم، الرومانسية، الخيال، الشعرية، الوجه السحري للواقع المادي.
فجأة تنتقل إلى عالم زياد بفوضويته اللغوية، السياسية، والوجدانية.
تقفز من مستوى وأجواء لغوية إلى أخرى مغايرة تماما، من “من يومها صار القمر أكبر ” إلى “تنذكر ما تنعاد” ومن “قعدوا على مقاعدنا، سرقوا منا المشوار” إلى “ضاق خلقي يا صبي”.
وتحمل فيروز مستمعيها من كافة الأجيال والأذواق الموسيقية وترحل بهم من نسق مكرس خلق للمستمعين عالما موازيا يهربون إلى جمالياته من بشاعة عالمهم المادي، إلى فجاجة الحياة اليومية وتناول حبوب الصداع والنوم والمسكنات (شو بحس الليلة صعبة بسمعها ضربة ضربة بيخطر لي آخد حبة تا اقدر نام، ومن شعرية سعيد عقل في “أنا حبي دمعة هجرت إن تعد لي أشعلت بردى” إلى لغة “كيفك إنتَ ملّا إنتَ”.
نعرف، من ملحنها وابنها زياد أن اتخاذها القرار لم يكن سهلا، فهي التي كانت في أغانيها ترتقي بالواقع إلى مستوى الحلم تقرر فجأة أن ترافق زياد إلى عالمه الكابوسي أحيانا.
اتخذت قرارها أخيرا ووافقت على أن ترافق زياد إلى عالمه، ينقبان معا عن جماليات ذلك العالم أيضا، ويسحران موسيقى من نشاز المشهد، ولا شك أن هذه النقلة سببت خيبة أمل لبعض من كانوا يعيشون في عالم الحلم الذي سحرته أجواء أغانيها السابقة.
لكن هذه المرة كانت المغامرة أكبر.
أين زياد من الألبوم الجديد؟
لم يصدر أي تعليق من زياد على الألبوم الجديد، وقال عبده وازن إنه كان يتمنى أن يكون شريكا فيه ويضع لمساته الموسيقية المميزة عليه.
لكن زياد غائب، بعيد عن الأضواء منذ فترة، ولم يعقب على الألبوم الجديد الذي تولت متابعته شيقته ريما، وبالتالي لا نعرف موقف منه، وإلى أي معسكر سينتمي.
زياد يثق بذكاء فيروز ، كما كرر أكثر من مرة في مقابلات سابقة ويثق بقدرتها على اتخاذ قرارات تتعلق بخياراتها الغنائية، هذا كان الحال قبل سنوات، فهل تغير موقفه الآن.
لم يصدر عنه ما يشير إلى موقفه الحالي.
كابوس المبدعين
لا شكل أن هناك كابوسا في حياة المبدعين، كتابا كانوا أو ممثلين أو مغنين، وهو الزمن.
تبقى ثقة المبدع مرتبطة بكيفية تلقي جمهوره لما يقدمه، وكل مبدع يصل إلى قمته الإبداعية الخاصة التي لا يستطيع تجاوزها، وليس هذا فقط، بل يمكن أن يكون نتاجه اللاحق، إذا أصر على الاستمرار فيه، انحدارا عن المستوى الذي اعتاد عليه جمهوره.
لا شك أن التعامل مع هذه القضية “الكابوس” يتطلب شجاعة خاصة، فبينما امتلك الكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل للآداب ، غابرييل غارثيا ماركيز، الشجاعة الكافية لوضع القلم جانبا حين أحس أنه بدأ يخذله ولم يعد يجود بجديد، استمر نجيب محفوظ، الحائز على نوبل بدوره، في الكتابة إلى أيامه الأخيرة تقريبا، وقد أخذ عليه بعض النقاد، ومنهم الكاتب غالي شكري، السقوط في بعض الهفوات الفنية غير المألوفة منه.
لا بد أن هناك من محبي فيروز من كانوا يودون لو تركتهم يحتفظون بصوتها المخملي القوي الساحر في ذاكرتهم، وأن تتحلى بالشجاعة الكافية لتدرك أن كل جديد تقدمه يعني نزولها عن القمة التي تربعت عليها طويلا.