طريق العبور الى#عدن..مسرح لإهانات اليمنيين تشمل الجنسين
الحديدة نيوز / المصدر اونلاين
في نقطة تفتيش تقع بين مدينتي الضالع والحبيلين (جنوبي اليمن)، استوقف أحد أفراد النقطة حافلة للنقل الجماعي في طريقها إلى صنعاء، وأشهر عصا غليظة طرق بها زجاج نافذة السائق، مخاطباً إياه بلهجة صارمة: «اسمع انته.. بلغ المكتب حقكم لا يحجزوا لأي شمالي إلا الذي معه تذاكر سفر للخارج، وأي واحد بدون تذاكر بيرجع».
تعليمات تلك النقطة، تشير لمضايقات مهولة، يصفها البعض بأنها عنصرية، يتعرض لها المسافرون من محافظات شمال اليمن إلى العاصمة المؤقتة عدن، من قبل نقاط تفتيش تتبع ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وأذرعه الأمنية والعسكرية، وأبرزها الحزام الأمني، الذي يحظى بدعم إماراتي.
تقسيمات النفوذ.. العلم اليمني يتيماً في مُريس:
يضطر المسافر من صنعاء إلى عدن أن يمر بنقاط تفتيش؛ تتوزع على النحو التالي:
نقاط ترفع شعار جماعة الحوثي، وتمتد من صنعاء إلى مدينة دمت التابعة لمحافظة الضالع.
تليها بضع نقاط تقع في إطار مديرية قعطبة، وخصوصاً منطقة مريس، وترفع علم الجمهورية اليمنية، وتسيطر عليها المقاومة الشعبية هناك.
ثمّ؛ ابتداءً من منطقة سناح على مدخل الضالع وصولاً إلى عدن تنتشر عشرات النقاط التي ترفع علم دولة الجنوب قبل الوحدة، وتديرها ميليشيات أمنية وعسكرية تتبع المجلس الانتقالي والحزام الأمني.
أسماء المسافرين في كل نقطة:
اعتادت شركات النقل الجماعي طباعة كشوفات بأسماء المسافرين على رحلاتها، لتسليمها في عشرات النقاط المتناثرة على الطرقات سواءً كانت تابعة للحوثيين أو لغيرهم، وقليل منها لا تكترث لطلب ذلك الكشف.
بين صنعاء ودمت تنتشر عشرات النقاط الحوثية التي تستوقف المسافرين إلى عدن.. في إحدى النقاط تقع بين صنعاء ونقطة (يسلح) الشهيرة، يُطلب من المسافرين الذكور النزول من الباص، على أن تبقى النساء.
«زينبيات» لتفتيش النساء
تتولى امرأة من اللائي بِتْن يعرفن بـ «الزينبيات» تفتيش النساء فوق الحافلة والتحقق من هويتهن، وبعد أن تنتهي يقف أحد أفراد النقطة في باب الحافلة، ويسمح للركاب بالصعود بعد إشهار هويتهم الشخصية أو جوازات سفرهم، الأمر الذي يكتمل في حدود ربع ساعة، إن لم تكن هناك عوائق.
يتكرر الأمر في نقطة يسلح الرئيسية على مدخل صنعاء، وبضع نقاط أخرى في ذمار وإب ودمت، إذ يصعد أحد الأفراد ليتحقق من هويات الذكور (دون النساء)، ويسألون أحياناً عن سبب السفر إلى عدن.
وفي بعض النقاط ينتقي المفتشون شخصين إلى ثلاثة للتحقق منهم بشكل عشوائي ثم يغادرون.
مُريس وقعطبة.. نموذج مختلف
لا شيء يستحق الإشارة في مناطق سيطرة المقاومة الشعبية في مريس وقعطبة.. يأخذون كشفاً بالمسافرين، وبالنسبة لوسائل النقل الصغيرة يفتشون عن وجود أسلحة، ولا شيء أكثر من ذلك غالباً.
يعلق سائق حافلة النقل الجماعي: هذي النقاط فقط هي اللي ترفع علم اليمن.. هنا تشعر أنك في بلدك، يتعاملون معنا باحترام ولا يبتزون السائقين ولا المسافرين.
في أطراف قعطبة، قبل دخول مناطق نفوذ ما يعرف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، يستوقفك سائقو الباصات عند محل للتصوير لنسخ صور عن جوازات المسافرين وبطائقهم وتذاكر السفر، وبأسعار مضاعفة.. وعلى كل حال، لا تأخذ نقاط التفتيش أي صور عن الجواز أو تذاكر السفر، ويتم التحقق من النسخ الأصلية.
سَنَاح.. من هنا يبدأ مسلسل الاستفزاز والإهانة
عند أول نقطة تفتيش في منطقة سناح، تبدأ إجراءات أمنية تتفاوت من نقطة إلى أخرى، وكأن توزيع الأدوار قد رسم سلفاً لكل نقطة.
هناك أخذ جندي كشف المسافرين من السائق، وأخذ يطابقه بهويات المسافرين.. هذا الإجراء يستغرق ما بين نصف ساعة إلى ساعة لحافلات النقل الجماعي التي يزيد عدد ركابها عن 40 راكباً.. لكنه لا يتكرر بهذه الصيغة في أي نقطة أخرى.
وفي حال عدم وجود اسم المسافر ضمن كشف الشركة الناقلة أو اختلف الاسم فإن ذلك يكون مدعاة للتحقيق مع المسافر، وأحياناً لا يسمح له بمواصلة الرحلة.
النساء.. لا استثناءات
وفي خمس نقاط تقريباً من أصل ثمان نقاط تفتيش هي الأكثر تدقيقاً من الضالع إلى عدن، يفتش الجنود هويات وجوازات الرجال والنساء بلا استثناء.
في إحدى النقاط قالت إحدى النساء إنه ليس لديها بطاقة شخصية فرد عليها الجندي: ضروري بطاقة وإلا بترجعي.. فاضطرت لإشهار بطاقة الضمان الاجتماعي الخاصة بالمعونات التي تصرف للفئات الأشد فقراً.
بعد أن تتجاوز مدينة الضالع، تستوقفك نقطة تفتيش أخرى ويصعد أحد أفرادها الباص ويتحقق من الهويات والجوازات وتذاكر السفر، ويستفسر عن أسباب الانتقال إلى عدن، ويشكك في إجابات المسافرين وصحة تذاكرهم أو أسباب سفرهم.
سأل الجندي صحفياً في «المصدر أونلاين»، كان جواز سفره يشير إلى مهنته، بأنه يعمل صحفياً في قناة المسيرة، وتمكن بصعوبة من اقناعه بأنه صحفي مستقل لا يتبع أي طرف، وأنه في رحلة خاصة إلى القاهرة.
نقطة الحبيلين.. الأكثر أذيةً وعنصرية
في نقطة أخرى تقع قبل مدينة الحبيلين، كان التفتيش أكثر دقة، بعد الهويات والجوازات وأسباب السفر. تم إنزال ثلاثة ركاب على الأقل من على الحافلة بينهم صحفيان في «المصدر أونلاين» للتحقيق معهم.
كان هناك شخص بزي مدني (الفندم) في بداية الثلاثينات من العمر يجلس في خيمة صغيرة على يمين الطريق، وإلى جواره يكتظ المسافرون على وسائل نقل مختلفة للمراجعة واستيضاح أسباب إيقافهم.
أبرز صحفيا «المصدر أونلاين» ما يثبت سفرهم خارج اليمن، وتم تأخيرهم مع شخص ثالث نحو نصف ساعة قبل أن يتم السماح لهم بالعودة إلى الحافلة لمواصلة رحلتهم.
من هذه النقطة تحديداً يتم إرجاع العشرات يومياً، إذا لم يقتنع ذلك الفندم بأسباب توجههم إلى عدن.
قبل أسابيع تم إرجاع صحفي ينحدر إلى مديرية القبيطة بلحج، بدعوى أن القبيطة تتبع تعز وليست لحج (وفقاً للتقسيم الإداري القديم قبل نهاية التسعينات).
وفقاً لذلك التقسيم كانت الضالع مديرية تتبع محافظة لحج، المفارقة أن هؤلاء يتمسكون بذلك التقسيم الذي رفع الضالع إلى محافظة مستقلة، لكنهم يقصرونها على مديرياتها الجنوبية فقط دون الشمالية.
إجراءات تفتيش مبسطة.. أحياناً
بين تلك النقاط ذات الإجراءات المشددة، تنتشر نقاط أخرى كثيرة لا تتحقق من شيء ويكتفي أفرادها بالإشارة للسيارات بالمرور، فيما ترى مركبات شحن مركونة إلى جانب بعض النقاط، للتحقق من حمولتها وفي بعض النقاط يتم أخذ جبايات من سائقيها.
قبل قاعدة العند الجوية تطلب نقطة تفتيش من حافلات نقل الركاب المتوسطة (15 راكباً) والكبيرة (30 إلى 50 راكباً) الدخول إلى حوش مجاور للنقطة.
في الرحلة التي استقلها صحفيا «المصدر أونلاين»، كان التفتيش روتينياً للتحقق من الهويات فقط خصوصاً بعدما أبلغ مسافرون الجندي أنهم مرهقون جراء كثرة التفتيش.. وفي رحلات أخرى تكون الإجراءات مختلفة في هذه النقطة حسب ما يرويه يسافرون على ذات الطريق بشكل متكرر.
في أطراف لحج من اتجاه عدن، صعد جندي بزي أمني مهندم، وطلب التحقق من الهويات – للرجال دون النساء – وغادر في غضون خمس دقائق، دون أن يستفسر من شيء.
أخيراً.. تفتيش دقيق للحقائب
على مدخل عدن، كانت نقطة الرباط التي استغرقت وقتاً طويلاً، في ايقاف المسافرين، لكنها كانت آخر نقطة تفتيش إلى آخر موقف لحافلات النقل الجماعي.
بدأ جندي بالتحقق من هويات المسافرين بشكل مرتب، وحينما أبرز له أحد المسافرين هويات تخص قريباته من النساء، أبدى انزعاجاً كبيراً، وطلب منهم عدم إبراز هويات النساء في أي نقطة، مؤكداً أنه لا توجد لديهم تعليمات بالتحقق من هويات النساء.
وأضاف «هذا عيب لا تظهروا بطائق عوائلكم.. كلنا معنا عار.. وأنتم عارفين إنه أكثر الحريم بلا بطائق».
كان هناك أفراد من النقطة في الأسفل يطلبون من المسافرين النزول لتفتيش الحقائب المشحونة.. يقول سائقو الباصات إن تفتيش الحقائب يحدث أحياناً وليس دائماً.
طُلب من كل شخص فتح حقيبته، وتم قلب عاليها سافلها والتحقق من محتوياتها بالكامل.. حتى حقائب النساء تم فتحها وتفتيشها.
أنتم احتلال!!
كان هناك حقيبتين مقفلتين مرسلة مع الباص، ظل الجنود يسألون عن صاحبها دون أن يردوا، في النهاية قرروا كسر الأقفال، ووجدوا بداخلها ملابس ودرع واقي من الرصاص وخوذة كتلك التي يستخدمها الصحفيون في تغطية الحروب.
استفز الأمر جنود النقطة، فيما كان سائق الباص يؤكد لهم أنها رسالة تخص صحفياً في عدن وأنه سيتصل به ليأتي لتخليص حقائبه وأغراضه.
كان ضابط النقطة يصرخ «أيش هذا دروع واقية.. أنتم نازلين احتلال مش مسافرين عاديين»، وأعادوا تفتيش معظم الحقائب التي كانوا فتشوها سلفاً، ولم تغادر الحافلة إلا بعد وصول صاحب الحقائب ليتولى تخليصها بنفسه.
طريق عدن- صنعاء.. لا شيء بالمطلق!
في الرحلة العكسية؛ من عدن إلى صنعاء مروراً بالضالع، لا مضايقات تذكر، ولا إيقاف، ولا تحقيق بعد الهويات، حتى في تلك النقاط المتخصصة في التدقيق في هويات المسافرين الشماليين، لتبدو رحلة العودة نزهة بلا مخاوف.
والحال ذاته، في نقاط الحوثيين.. لا ذكور يتحققون من هويات الرجال ولا زينبيات يتحققن من النساء.. في ثلاث نقاط فقط يجري التفتيش بشكل سطحي للتأكد من عدم وجود بضائع تستحق الجمارك، أو استلام إتاوات مقابل دخولها صنعاء.
الجنوبيون.. لا مضايقات شمالاً وجنوباً
بالنسبة لكبار السن، الذين تبدو عليهم ملامح الشيخوخة، يتم الاكتفاء باستعراض هويتهم غالباً، دون مزيد من التحقيق.
كذلك، لا يتعرض المسافرون من أبناء المحافظات الجنوبية للمضايقات سواء من نقاط الحوثيين أو من النقاط التي ترفع علم الجنوب، وإن حدث فهو استثناء.
في عدن كان (ي.ع) سائق باص نقل داخلي صغير يشتاط غضباً من الإجراءات التي يصفها بـ«العنصرية» ضد أبناء الشمال: «هذا كله شغل أصحاب الضالع.. شلال وعيدروس وجماعتهم.. إحنا نشتي نعيش.. أكثر شغلنا مع أصحاب صنعاء وتعز وإب.. لا يمكنوناش الحوتي وعفاش.. عيييب.. إحنا نعرفهم عبيد مأمورين.. جاءت لهم تعليمات استقبلوا طارق عفاش وأتباعهم كأنهم فاتحين، وجالسين يبهذلوا بالمسكين اللي معه شغل بعدن والا مسافر الخارج».
من المستفيد أكثر من التنقل؟؟
يضيف الشاب العدني العشريني، مطلقاً سباباً عدنياً حانقاً «اشتي اقلك حاجة.. وربّي (مقسماً) إحنا محتاجين للشمال أكثر مما هم محتاجين للجنوب.. أعرف واحد من اللي يبهذلوا بالشماليين بالنقاط، وصّلت أخوه وأمه لموقف الحافلات.. سألته لاوين.. قام يزنط ويقلي: أخي بيطلع أمي تتعالج صنعاء عند مغربي (مستشفى للعيون).. قلت له: مش إلا ما تشتوش شماليين.. طيب أيش رأيك لو يبهذلوا بأمك وأخوك مثلما تبهذلوا بالشماليين.. والله إني قلت لوجهه إنهم أوسخ وأقذر من الحوتيين».
تغريبة اليمني في وطنه
رحلة طويلة ومضنية تعكس حجم معاناة أو «تغريبة» اليمني في بلده.
رحلة الساعات الست أو السبع أحياناً باتت تستغرق 15 ساعة يذهب كثير من وقتها في التفتيش المقلق والمهين لليمني الذي لم يعد يتنقل في بلده من رفاهية بحدها الأدنى بقدر ما هي ضرورة تحتم عليه مغامرة السفر بكل تفاصيلها المستفزة والمرهقة، والمهينة للكرامة أحياناً كثيرة.
ولا يبدو أن هناك تغيراً سيطرأ يسهل إجراءات سفر اليمني في بلده في ظل استمرار الانقسام أكثر وخاصة في المناطق التي تخرج عن سيطرة الحوثيين.
«المصدر أونلاين» توجه بسؤال إلى مسؤول رفيع في الحكومة اليمنية حول هذه المعاناة، فرد قائلاً «للأسف لا يمكن إيجاد حل جزئي لهذه الجزئية المؤلمة، ولن تحل إلا في إطار حل شامل للوضع المختل في عدن وبقية المناطق المحررة».
يقول رجل مسن أنهكه السفر إلى عدن «الحرب يا ابني.. هذه البهذلة والمهانة المصاحبة للحرب.. ولن تنتهي معاناة اليمنيين إلا بانتهاء الحرب».