طفلة الحرب والفقر !

‏  3 دقائق للقراءة        589    كلمة

طفلة الحرب والفقر !

الحديدة نيوز/ خاص

بقلم /أمة الرزاق القزحي

مما لا شك فيه أن الفقر موجود في المجتمع اليمني، ومنتشر منذ عقود مضت، ولكنه لم يكن منتشرا بهذا القدر الذي انتشر خلال الثلاث السنوات الماضية وحتى الأن، فالفقر هو الوجه الآخر للحرب فهما وجهان لعملة واحدة، في حين تكون الأسرة هي الضحية الأولى.

ولكن الضحية الأكثر تضررا في الأسرة هم الأطفال، فقد يتحملون مسئولية إعالة الأسرة في وقتٍ مبكر، بحيث يتم الزج بهم في سوق العمل سواءً عند أرباب العمل أو في الشوارع كي يبحثون عن لقمة العيش بطريقة أو بأخرى، فمن الملاحظ أنتشار الباعة المتجولون في الشوارع، والذين معظهم إن لم نقل كلهم من الأطفال، فأحدهم يحمل ميزانًا يزن به المارة مقابل عشرون ريالا، وآخر يحمل مثلجات الآيسكريم ويتنقل من مكان إلى آخر، علّه يجد في الأرجاء ألسنةٌ جفّت وتبحث عن ما يسيل اللعاب ويمنح الجسد برودة تخفف عنه حرارة الشمس.

هكذا هي معظم الأعمال التي يعيش عليها آلاف الأسر، ومن خلالها يوفرون لقمة العيش الضرورية.

إلا أن الحرب أرادت غير ذلك فقد ساهمت في زيادة معاناة الحصول على لقمة العيش، وأصبح من الصعب أن تجد عملا يوفر لك ولأسرتك ما يسد حاجتك، ما جعل الأطفال في اليمن بين فكيّ الحرب والفقر.

إلتقيتُ بفتاةٍ صغيرة تبلغ السابعة من العمر، كانت تمرُّ بجانب الطالبات في الحرم الجامعي وتطلب منهن المساعدة والعون، فدعوتها وجلست معها وبدأت أبادلها الحديث، فسألتها عن اسمها وعن المكان الذي وُلدت فيه فخذلها، فأجابتني بوجهٍ يعلوه حزن الكبار ” أنا اسمي فاطمة من مديرية حرض – محافظة حجة، نزحنا إلى صنعاء حين اجتاحت الحرب مناطقنا وأحرقت كل ما فيها، فنجونا بأرواحنا فقط وأنتقلنا إلى صنعاء ونحن لا نملك شيئًا، وليس لنا إلا ما جمعناه من مال من فاعلي الخير كل يوم أنا وأخوتي، حين نأتي إلى الجامعة.

شدني حديثها فأطلت معها الحديث لعلي أعرف عنها أكثر، فقد أخبرتني أن أبيها مات في هذه الحرب العبثية التي لم تترك صغيرًا ولا كبيرًا إلا وسرقت منه الحياة أو جزء منها، فأبوها الذي كان يعيلها هي وأخوتها رحل عن الحياة وتركهم في جُب الفقر والبؤس.

فاطمة الطفلة التي يعلوها الحزن وتبدو عليها ملامح الفقر من ملابسها القديمة الرثة، أعطيتها ما استطعت من النقود، وأطلت معها قليلا في الحديث، فعرفت من خلال ذلك أنها البنت الوحيدة بين أخوانها الأربعة، الذين باعت أمهم قطعة ذهب صغيرة كانت تملكها لتشتري لكل واحد منهم ميزان إلكتروني يعمل من خلاله بوزن الناس في الشارع مقابل عشرين ريالًا ، وذلك من أجل توفير احتياجات البيت الأساسية من الماء والغذاء والإيجار، فقد حُرِمُوا من التعليم كي يعملوا ويقوا أنفسهم الموت جوعًا فليس هناك من يعولهم.

يعيشون على أمل الرجوع إلى مدينتهم حرض التي تركوها قسرًا بسبب الحرب، ولكن لا سبيل إلى ذلك حاليًا فقد صارت حرض مجرد مدينة أشباح، يسكنها الوجع وتهيمن عليها الرصاص من كل اتجاه.

هؤلاء الأطفال ليسوا سوى نموذجًا أليمًا لما يعيشه الأطفال في اليمن من ضياع لأبسط الحقوق المعيشية التي يفترض أن يتلقونها ولكن الحرب قد سرقت منهم كل شيء، الحياة الكريمة، التعليم، حتى من يعولهم سرقته منهم الحرب، فأصبحوا يتمنوا أن يعيشوا حياةً كريمةً كغيرهم من الأطفال الذين لا زالوا بحال أفضل.

فمن حديثي مع الطفلة فاطمة وجدت أن كلامها المفعم بالذكاء والفطنة المتداخل بالوجع والبؤس، ينبؤ بأنها قد سبقت الزمن بعشرين عامًا وأكثر، ففاطمة وأقرانها من الأطفال ضحايا الحرب والفقر في اليمن.

فإلى متى ستظل هذه المعاناة الإنسانية؟ ومن سيرجع حقوق هؤلاء الأطفال ممن سلبهم؟

عن gamdan

شاهد أيضاً

نتنياهو واستراتيجية الديماغوجيا .. 

‏‏  2 دقائق للقراءة        335    كلمة الحديدة نيوز – كتب – بشير القاز في أول تصريح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *