فلسفة رعي الغنم والنبوة ..
قراءة في قصيدة ” أغنام قزحية ” للشاعر المغربي محمد بو غنيم البلبال ..
الحديدة نيوز / هايل المذابي
أولاً : النص
أغنام قزحية
” من هواياتي رعي الغنم
اريد ان ارعى غنمي
والنقش على الحجر
كالأنبياء
احب العزف
على الناي كالغجر
انا الراعي
اين غنمي
احبها في ممشاها
اهوى القمر
غنمي غنمي
ما احلاها
تهوى الشعر
والعزف على نايي والوتر
هل لك هناك في الجبل مستقر
غنمي غنمي
ارعاها
اهشها بعصاي
لا صخب لا ضجر
علبي البيضاء
تنبيني
ممرات تعز واسوان وجذع نخلات تعلو تعلو
علو الصفصاف سمو الالهة انانا
ضوء قمر
غنمي غنمي
ارعاها
كالنبي
كآلهة أولمب
ﻻللنوم في مقلتي مستقر
وهذا السعد خط ميازب
في اعماق
ماء خرافي
لا الناي استوى
ولا عصاي رقت
ونبي الشوق أغواني
بصلعة
الغيم
ورمش
ايقونة زنت يوم لقائي بها
يا غنمي
وزعي موسيقاي بالتساوي
فوطني جرعة
أحلام
لن يبددها ثغاء الخريف
ولا سفر الاوهام
غنمي
غنمي
موج الذكريات
حين اتقن
مخابئ
الجرح
في طلعة صفيري
ونباح
وفي القطيع
غنمي غنمي
متى القاك غنمي “
************************
ثانيا : القراءة
• ثمة علاقة وطيدة تربط بين سلوك الإنسان وطبيعة عمله، وهي علاقة تتطور وتتعمق وتُسيطر على سلوكيات الإنسان بوعي منه وبدون وعي، هذه العلاقة تندرج في إطار العلاقات الإنسانية السلوكية المحضة ، والتي لا تحتاج إلى مرجعيات أو استنادات أو مسوغات لإثبات صحتها وفاعليتها وحقيقة وجودها، بل تقتضي التأمل لأنها لا تتحقق إلا مع المدى البعيد غالباً أو مع بدايات الإنسان التكوينية التي تشكل وعيه وثقافته، فالمعلم – مثلاً- له علاقة سلوكية تربط بينه وبين طبيعة عمله ، حيث يصبح منطقهُ في تعاملهُ مع من حوله وفي محيطه منطق الأمر والنهي ولغة ” أفعل ولا تفعل ” ….، والأمر بالمثل مع المخبر أو المحقق الصحفي ، والذي يصبح منطقه بوعي وبلا وعي غالباً ، في التعامل مع من حوله ومع محيطه منطق الأسئلة الستة التي تقتضيها طبيعة عمله ..! وكذلك الجندي الذي يصبح منطقه – وهي حالة تحددها وتحدد طبيعتها الرتبة والجهة المنتمي إليها ، ولكن الخضوع هو السائد ، وكذلك المهندس والمحامي والمحاسب والتاجر ….و…..و…..وهلم جرّا.
• لحكمة عظيمة اشتغل مُعظم الأنبياء بمهنة رعي الأغنام، وهي مهنة من أشرف المهن وأنبلها وأكثرها إنسانيةً ، وإذا تأملنا علوم العصر الحديثة من إدارة أعمال وتنمية بشرية وما إلى ذلك، وتأملنا طبيعة مهنة رعي الأغنام لوجدنا أن هذه الأخيرة تترجم وتختزل في تفاصيلها كل تلك العلوم كما تلخص وتختزل صفات القائد الناجح ، فطبيعة رعي الأغنام تعني السير بالقطيع في منهج واحد حتى يصل بها الراعي إلى سهل الكلأ. قال نيلسون مانديلا في ذات خطابٍ له :” على القائد الناجح أن يكون كالراعي الماهر الذي يقود قطيعهُ من الخلف بكل مهارة واحتراف ..” وقبله قال عليه الصلاة والسلام مؤكداً على ما نحن بصدده بشمولية :” كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته ……………….” .
الشاعر البلبال يؤكد في قصيدته طبيعته المتأصلة في أعماقه أو حلمه على الأقل إن لم يكن الأمر كذلك وموهبته أيضا في القيادة على أساس أنه راعي ومالم يفصح عنه صراحةً فقد ورد في النص تضميناً بما في ذلك الصفات التي يمتاز بها باعتباره راعٍ للأغنام عدا ذلك الطموح الجوهري لدى الرجل الشرقي ..
إن الطموح الجوهري للشرقي العظيم هو أن يصير نبياً، والألماني أن يكون فاتحاً والروسي أن يكون قديساً والإنجليزي أن يكون شاعراً كبيراً والفرنسي أن يكون فناناً قديراً ..
يقول الشاعر :” اريد ان ارعى غنمي
والنقش على الحجر
كالأنبياء”
– ماذا تقتضي رعاية الأغنام ؟؟
– إن طبيعة الرعي تقتضي الصبر والتضحية والحب وإنكار الذات والأمانة والإنسانية ، ولا تتوفر كل هذه الصفات إلا بتوفر عنصر الإخلاص كما أنها تنمي الشعور بالمسئولية وعظمتها لدى الإنسان ، وجديرٌ بنا أن نلفت إلى أن اشتغال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وآخرهم محمد بمهنة الرعي في مراحل تكوينهم ونشأتهم كانت من أجل تأهيلهم أولاً على ما سيصير لاحقاً وكانت مع نبينا الكريم بمثابة النبوءة التي تحققت فيما بعد ولخصت الرسالة الشريفة والدور الكبير والمهمة الجسيمة التي كانت على عاتقه إذ جمع الناس ووحدهم ومضى بهم في منهج واحد ليصل بهم من ثمّ إلى “سهل الكلأ”/ المحجة البيضاء “..!!
محمد البلبال هذا الشاعر الذي يسكنه هاجس النبوة لأنه شرقي وهذا ما أجده في النص وللنبي خاصيتان متلازمتان في التقليد الديني، الأولى هي أن نبوءته مفهوم جديد أو رؤيا جديدة للإنسان والكون..
والثانية هي أنها تنبئ بالمستقبل وتتحقق ويشير المعنى الذي اتخذته كلمة نبي في العربية إلى أن النبي يتلقى الوحي أي أنه ليس فعالاً بل منفعل، يُعطى رسالة فيبلغها ولذلك يسمى رسولاً، إنه مستودع لكلام الله، وليس فيما يقوله شيءٌ منه أو من فكره الخاص، بل كل ما يقوله موحى من الله، والنبي راء وسامع لما لا يرى ولا يسمع، يرى المجهول والمستقبل ويسمع أصوات الغيب..
وللنبوة مستويات أيضاً، فمن الأنبياء من يكمل مهمات تاريخية عظيمة كأن يحرر بلاده، أو يفتح بلاداً أخرى..
والنبوة بهذا ليست كلاماً فحسب، وإنما هي عمل كذلك، فالنبي هو أيضاً يقاتل ويحارب في سبيل العدالة، ومن الأنبياء من يرى ملاكاً يكلمه ناقلاً إليه الوحي، ومنهم كموسى من يكلمه الله مباشرة وهذه الحالة حالة نبوية فريدة..
وفي موضع آخر من القصيدة يقول البلبال :” ضوء قمر
غنمي غنمي / ارعاها كالنبي / كآلهة أولمب / ﻻللنوم في مقلتي مستقر ..”
الضوء القمري يدل على يقظة قوى الخيال التي تعيد صياغة العالم وعلى ماهو أنثوي فينا، على الربة البيضاء التي جعلت زرقاء اليمامة تكتحل بنثار الحجر الأسود ..
كانت نساء العرب ورجالاتها قديما تدق الحجر الأسود ” الأثمد ” وتكتحل به تقرباً إلى الربة القمرية ” عشتار” وكانوا يرون أن ذلك نوع من الصلاة للربة القمرية بأن تمنحهم بُعد الرؤيا ، البصيرة أو العرافة..
تلك الربة القمرية هي ذاتها آلهة أولمب التي يذكرها الشاعر وهي عبارة عن نجمة خماسية تظهر كل أربع سنوات يسميها العرب ” الزهرة ” وقد تم تأسيس قيام الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات بناء على هذا الظهور لها واحتفاء به وحتى الرمز الخاص للألعاب الأولمبية كان عبارة عن نجمة خماسية لكن السبب في اختراع خمس دوائر متداخلة بناء على الرؤوس الخمسة للنجمة هو من قبيل عدم الالتباس والتمييز للألعاب الأولمبية عن بقية الأخويات والمنظمات السرية التي اتخذت رمز النجمة الخماسية بكثرة كرمز لها ..
ذلك ضوء القمر وتلك آلهة أولمب ويبقى سهر الليل الذي يؤرق الشاعر ولايستقر بمقلتيه ونعلم مطلقا أن من يجافيه النوم عاشق وهذه دلالة أخرى تتساوى في النص مع فن رعي الغنم والحلم بالنبوة وهي ثلاثية متداخلة يتسع بها رمز الأغنام في النص ويقترب من فكرة الحقل الدلالي، بمعنى أن كل شيء نحبه سيحتاج منا رعاية دائما فيصبح العشق أساسياً وجوهرياً في القصيدة وهو ماء الحياة ومن دونه لن يبقى سوى الغبار ..
وأخيرا أؤكد أن الشعر كالماء والماء يظل ماء في أي وعاء كان ولذلك كانت الفكرة والعمق هو الشرط الوحيد لهذه القراءة .
اتمنى لك المزيد من التفوق
نص ردئ لا يستحق القراءة
لكن هذا الكاتب يبحث عن تلميع نفسه ويظن ان هذا هو الشعر