جاء القرن الواحد والعشرون وجاء معه المحافظون الجدد واغلبهم من الصهاينة المتعصبين وعلى راسهم رئيس مخمور اسمه جورج دبليو بوش أدعى أنه قد تاب وأنه اصبح يحكم عبر اتصال مباشر مع رب العالمين . اثناء الحملة الانتخابية سُؤل إن كان يعرف من هي طالبان فأجاب بعد تفكير انه يعتقد انها فرقة روك اند رول، ولكن كانت اول حروبه على طالبان والتي اصبحت اطول حرب بالتاريخ الامريكي . ليس غريباً في الولايات المتحدة أن تنتخب السلطة الدائمة و الخفية رؤساء من امثال جورج دبليو بوش و دونالد ترامب . ولكي لا يعتبر كلامي مبالغة دعني ابقى ضمن معايير البحث العلمي . بيّن البروفسور سوارتز SWARTZ أنه لو تم تطبيق المعايير DSM-IV في المرجع المعتمد في الطب النفسي (the Diagnostic Statistical Manual of Mental Disorders) على الرؤساء الأمريكيين السبعة والثلاثين من جورج واشنطن حتى ريتشارد نيكسون ، مستعملين سائر المعلومات المتوفرة عنهم ، لتم تصنيف 18 منهم معانين من بعض الاضطرابات و الأمراض النفسية. كما بين البروفيسور سوارتز أن المعايير المستعملة لو تم التشدد بها لكانت النتيجة أسوأ بكثير. فهل يا ترى كون الإضطراب النفسي هو أحد مكونات الوصف الوظيفي حين يختار بارونات المال رجالهم في البيت الأبيض والكونغرس؟
كانت زمرة الصهاينة المحافظين الجدد قد أتت من مؤسسة (القرن الامريكي الجديد) والتي تدعو الى الاحادية الامريكية والهيمنة الكاملة على العالم وأن على دول العالم كله قبول وتطبيق فكر الرأسمالية الانغلوساكسونية التي تدّعي أن النموذج الامريكي وحضارته يجب أن تُعمم على العالم كله وانها صالحة لكل زمان ومكان . وأن من معها فهو من الاخيار ومن لا يتقبلها فهو من الاشرار الذين ينبغي تغيير انظمتهم وقادتهم .
كان هذا المبدأ يتنافى تماماً مع دراسات ونظريات البروفيسور صامويل هانتغتون الاستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف الكتاب الشهير (صراع الحضارات ).كان هانتغتون يدعو السياسة الامريكية ان تتعايش مع الحضارات الاخرى لانها ستكون المحرك الرئيسي للدول بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . لهذا عارض هانتغتون الحرب على العراق لانه مهد الحضارات الانسانية وراى ان محاولة فرض النموذج السياسي الامريكي سيكون اهانةً الى حضارة العراق الاسلامية . وراى هانتغتون أنّ أحد اركان السلم العالمي هو التعايش بين الحضارات المختلفة عبر دول تلك الحضارات المحورية وهي روسيا بالنسبة للارذودكس والصين بالنسبة للبوذية والهند بالنسبة للهندوسية . ولكنّ الاشكالية كما رآها هي فقدان الحضارة الاسلامية اليوم الى دولة محورية .
راى هانتغتون أن الدولة العثمانية كانت هي دولة المسلمين المحورية لعدة قرون .
في محاضرة له في تركيا سنة 2005 خلُص الى القول أنّ اتجاه النخب التركية لتحقيق انضمامهم الى الاتحاد الاوروبي هو اتجاه خاطئ ذلك لان الحضارة الاسلامية هي مرجع الجماهير التركية ولا تتماشى مع حضارة الغرب .لذلك اعتبر أن محاولة اتتاورك الحداثة عبر حضارة هي ليست الحضارة المرجعية للاتراك قد جعل من تركيا طوال القرن العشرين مثالاً نموذجياً لما اسماه ( بالبلد الممزق (Classic Torn State)).
ولا يستطيع المرء الا أن يستنتج أن جميع الدول العربية والاسلامية هي دول ممزقة لان الاستعمار ألبسها حضارة هي ليست حضارتها وهذا يفسر إنعدام وزن هذه الدول في مسرحها الاقليمي والدولي.وفك الإرتباط بين الحضارة العربية الاسلامية هو هدف دائم للاستعمار وما حمْلتهُ على هذه الحضارة عبر حربه الارهابية إلا لتثبيت فك الارتباط بين العالم العربي والاسلامي وحضارته لتبقى دوله دول ممزقة.
رأى هانتغتون أن تركيا بحزبها وتوجهها الاسلامي يمكن لها أن تصبح الدولة المحورية التي يفتقدها العالم الاسلامي خصوصاً وأن الدولة العثمانية كانت دولة الاسلام المحورية لعدة سنوات . وراى ان بُعْد تركيا هو العالمي العربي والاسلامي وليس الاتحاد الاوروبي وأن الارتباط بين تركيا والعالمين العربي والاسلامي سيزيدها قوة لانها تسبح في بحرها .
وأن التحالف التركي العربي الاسلامي سيكون عنصر استقرار خصوصاً بتواجد الاحزب الاسلامية والتي هي الاكثر شعبية في عديد من الدول العربية . ويرى ان دولة او تحالف كهذا مع عضو في حلف الاطلسي سينشأ شراكة مفيدة للولايات المتحدة والدولة العثمانية الاسلامية الجديدة خصوصاً اذا بقيت ضمن نظام السوق والديمقراطية كما الحال في حزب العدالة والتنمية في تركيا.
وجد هذا المشروع قبولاً من اردوغان لانه كان يؤمن بمثل هذا التوجه . وكان اثناء دراسته قد كتب مسرحية تصل الى نتيجة انّ الماسون واليهود هم اعداء تركيا . و من المعلوم ان كمال آتتاورك كان ماسونياً ومن يهود الدونمة وأن حركته ( الاتحاد والترقي )التي كانت تدير شبكة ماسونية يهودية ضد الدولة العثمانية كما وصفها السفير البريطاني لوثر في كتاب منه الى وزارة خارجيته .
عندما تصالحت تركيا مع نفسها عندما حكمها حزب العدالة والتنمية واصبحت مرجعيتها هي حضارة الجماهير التركية عملت المعجزات فتم سداد كافة ديونها الخارجية بل واصبحت الدولة ذات الاقتصاد السابع عشر في العالم. كذلك بقيت إيران دولة ممزقة طيلة حكم النظام الشاهنشاهي إلى أن جاءت ثورتها الاسلامية فتصالحات مع نفسها فاصبحت قوة إقليمية سياسياً ودفاعياً بل واقتصادياً بالرغم من الحصار والعقوبات.
بدأت تطبيقات نظرية هانتغتون فاستلم الحكم خلال أول سنة من سنوات الربيع العربي الجماعات الاسلامية في تونس والمغرب ومصر بالاضافة الى السودان وظنّ الاخوان المسلمون انهم قاب قوسين او ادنى من استلام الحكم في سوريا . جعلت هذه الاحداث صهاينة تل ابيب يرون نجوم الظهر ويعيشون في مسلسل الرعب . هم يريدون تفتيت البلد الواحد حسب خطط كبيرهم بيرنارد لويس وها قد اصبحت عدد من الدول العربية تتحد عقائدياً وماذا لو اعلن هؤلاء الجهاد ضد الكيان الصهيوني وماذا لو تمّ استغلال مصادرهم الطبيعية لبناء اقتصادهم كما حصل في تركيا بدلاً من استعمالها في تدمير الذات ؟ فبدأت الغرف السوداء بالعمل للانقلاب على الربيع العربي ليصبح خريفاً مشغولاً بحروبه الداخلية والقطرية . ولم تسلم تجربة اردوغان من الهجوم عليها فتم ادخاله في متاهات الحرب على سوريا بل وتمت محاولة الانقلاب عليه بل واغتياله.
فإنجازات اردوغان وحزبه هي اكثر مما يتحمله اصحاب النظام المالي العالمي وصهاينته.
ماذا يخبئ المستقبل للمنطقة . ارادوا دولة محورية للاسلام بقيادة تركيا ولكن نشأت دولة اسلامية محورية يمتد نفوذها من حدود افغانستان وحتى شاطئ البحر الابيض المتوسط وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية. ارادوها من الشمال فجاءتهم من الشرق فأمريكا تريد والله فعال لما يريد . فكيف حدث هذا ؟
لا ينقص الولايات المتحدة العلماء في السياسة والاقتصاد بل وكل العلوم ولكن هؤلاء لا يحكمون . فمثلاَ تم الانقلاب على توصيات هانتغتون . ومثلاً اثبت استاذين من اعرق الجامعات الامريكية في هارفارد وشياغو أن الساسة الامريكيين يتبعون ضغوط اللوبي الاسرائيلي والتي تتعارض سياسته مع مصالح الولايات المتحدة.
فالمؤسسة الخفية الدائمة تخطط لمصالحها مع أنها اقل من 1% من عدد سكان الولايات المتحدة لكنها تمتلك اكثر من 50 % من ثروة امريكا ولا تهتم بمصالح الاغلبية والذين يمتلك 90% منهم 7% فقط من الثروة الامريكية . وهنا يكمن السبب الرئيسي لخسارة الامبراطورية الامريكية أكثر معاركها ومما سيوصلها الى مصير الاتحاد السوفياتي السابق بالرغم من جبروت قوتها فهي اليوم تناصب العداء مع الدول المحورية للحضارات كلها والتي ذكرها هانتغتون .
في ادارة ترامب قطاع النفط يدير الخارجية الامريكية بشخص رئيس مجلس ادارة اكبر شركاتها ويدير وزارة الحرب (البنتاغون) جنرال يحب ان يسميه احبائه بالكلب المسعور ويدير البيت الابيض صهاينة متعصبون ورئيس عمل ثروته مع المافيا وكازينوهات القمار فأي شرق اوسط عربي / اسلامي سينتج عن هذا الكوكتيل العجيب.
والسؤال هنا ما العمل؟ والجواب واضح جداً . اذا كانت احدى مشاكلنا هي ان دولنا ممزقة لانسلاخ نخبها عن حضارة شعوبها وعندما تنسجم وتتصالح مع نفسها اولاً ستندثر عوامل الفرقة الاثنية والمذهبية والطائفية والمناطيقية والقومية وستلفظ تلك الدول نُخبها التي ارادت ان تلبسها لبوس حضارة هي ليست لها وهي فاشلة في عقر دارها .
في محاضرة له في جامعة هارفارد سنة 2007 قال من يُدعى مؤرخ القرن العشرين اريك هوبسوم أن الامبراطورية الأمريكية ستفشل ولكنها في طريق إنحدارها ستسبب الكثير من الفوضى والبربرية ويبدو أن عالمنا العربي سيكون له نصيب الأسد منها خصوصاً وأن دوله ممزقة.