“لكل واحد منا من اسمه نصيب” و”الاسم سفير صاحبه” مقولتان شهيرتان اعتبرهما كثيرون مؤشراً على الشخصية والحظّ في الحياة، والبعض منا على اقتناع تام بأن الأسماء وما تحمله في طياتها من معانٍ تحكم على الأفراد بأخذ نصيب منها، بل إن هناك من يعتقد أنه ينساق في مستقبله وحياته الاجتماعية باتجاه معين تبعاً لما يعكسه هذا الاسم على شخصيته. تغيير الأسماء له أسباب عديدة، لكن أحدث تلك الأسباب لجوء فتيات في دول عربية بعينها إلى التغيير تحت ضغط الحرب الطائفية، كما في العراق أو سوريا، حتى لا يكون نصيبهن من أسمائهن هو القتل أو الأسر، ومن ثم هربن من ألقابهن وتخلين حتى عن أصولهن لما تحمله أسماؤهن من مدلولات طائفية ومذهبية كفاطمة أو عائشة، وبدلن تلك الأسماء بأخرى غير إسلامية أو غير دالة على انتمائهن خوفا من التصفية الجسدية على خلفية الهويّة. لكن الجديد هذه الأيام أن البعض من الفتيات تلجأن إلى تغيير الاسم من منطلق أن نصيبهن منه هو العنوسة والحظ العاثر والتعرض للحسد أو للحياة التعيسة. أوضح محمد صالح باحث في الحضارات القديمة أنه يوجد في المعتقدات والموروثات الشعبية الكثير من المقولات والممارسات التي تشير إلى العلاقة الوثيقة بين الشخص واسمه، فالاسم جزء مهمّ من هوية الإنسان وكيانه ونتاج لثقافة البيئة التي يعيش فيها. وقد كان إنسان الصحراء يتفاءل ببعض الكائنات أو المواسم أو الأماكن أو الآلهة فيحضر هذا التفاؤل في اسم مولوده. وحدث بعد ذلك أن أدى تغير العادات الاجتماعية إلى تسمية المواليد بأسماء غير مرغوبة، بل ومخجلة أحياناً، من واقع الإيمان بأن هذا الاسم “القبيح” يصرف عن صاحبه العين والحسد والشيطان ويطيل العمر، ولم تكن الأمهات يفكرن في المستقبل وكيف ستكبر البنت لتسخر منها صديقاتها. شجّع على تبنّي هذا الفكر قنوات فضائية روّجت لذلك، فهناك برامج حول الأسماء ومدى ملاءمتها لأصحابها زعمت أنها تقدّم حلولاً جدية، وقدمت تجارب لسيدات من دول عربية في السعودية ومصر والإمارات وفلسطين والعراق قمن بالفعل بتغيير أسمائهن ما جلب لهن الحظ. رِزقة محمود (حاصلة على دبلوم زراعة) اتصلت بأحد البرامج التي أعلنت أنها تخلص الفتيات من حظهن السيء، وذلك بعد أن أرسل البرنامج لها أكثر من مرة رسالة على هاتفها المحمول كنوع من الدعاية. في البداية ردّ عليها أحد الأشخاص وطلب منها التنسيق مع إدارة البرنامج وأن تحول مبلغا ماليا بقيمة 150 جنيها (ما يقارب تسعة دولارات) كثمن للمكالمة قبل الكشف لها عن سبب معاناتها، وهنا تشككت رزقة في أنها تتعرض لعملية نصب ولكن “ما باليد حيلة”، فهي بلغت من العمر 38 عاما ولم تتزوج إلى الآن ولجأت إلى تلك الوسيلة لعل وعسى أن تتحقق آمالها في الحصول على زوج، وبالفعل حوّلت المبلغ فتم تحويلها على مقدّم البرنامج الذي أقنعها أن اسمها هو السبب في عنوستها وعليها تغييره بأسرع وقت. كان المبرر الذي ساقه لها مقدّم البرنامج، كما قالت، هو أن اسمها محسود لأنه يشير إلى سعة الرزق وأنها “مرزوقة” ولها حظ من اسمها ما جلب لها الحظ السيء وتسبب في عنوستها، وأكد لها أن استبدال اسمها سوف يغيّر حظها إلى الأفضل، سواء على صعيد العمل أو الزواج وحتى الإنجاب، وحتى الآن لم تغير رزقة اسمها لكنها أكدت أنها تسعى الآن إلى معرفة الإجراءات الإدارية لتحقيق هذا “التبديل”. وأشار مصدر أمني بمصلحة الأحوال المدنية (جهة حكومية مصرية) إلى أن أي شخص يتقدم لتغيير اسمه لا بد أن تكون لديه أسباب مقنعة تقبلها اللجنة التي تعرض عليها الأوراق، ومن بين تلك الأسباب أن يكون الاسم مُحرّما أو مكروها أو سيئا يجلب لصاحبه السخرية والاستهزاء، مثل الأسماء القديمة التي لا تتناسب مع العصر. ولفت إلى أن الجهات الرسمية على اقتناع بأنه إذا كان الاسم شاذا فإنه يؤثر في نمو الشخص الاجتماعي ويجعله انعزاليا عن التواصل مع الآخرين، لكنهم في اللجنة لا يقتنعون بما يدعيه البعض بأن الاسم يحمل “الفأل السيء” أو “الحظ العاثر” لصاحبه. هنّومة علي (ليسانس آداب) قامت بالفعل بتغيير اسمها إلى هانم بعد أن قالت لها إحدى الخاطبات إن عليها أن تغير اسمها إن أرادت زوجًا مناسبًا، فالخاطبة عندما تتوسط لها للحصول على زوج يبدي الخُطاب استياءهم عندما يسمعون الاسم. قالت هنومة إنها عانت منذ الصغر بسبب اسمها القديم، وعندما كبرت وذهبت إلى المدرسة كان اسمها مصدر خجل دائم بالنسبة إليها لتظارف أصدقائها وتندرهم عليها، فسألت أمها لماذا أطلقت عليها هذا الاسم؟ فكان ردها أنه كان تكريماً لجدتها التي رحلت وتخليدا لذكراها. وشعرت هنومة بأن الاسم غير متوافق مع سنها أو عصرها، وكلما ناداها أحد تحس بمرارة في حلقها فطلبت من والدتها تغييره لكن والدتها رفضت في البداية، إلا أنها عندما شعرت بأن الاسم سيكون سببا في عنوسة ابنتها توجهت إلى السجل المدني وغيرته لها واستخرجت بطاقة رقم قومي (بطاقة هوية) باسمها الجديد بعد شهرين من الإجراءات. وقال حامد عبدالواحد أستاذ الطب النفسي، إن التسمية تؤثر في نفسية صاحبها خاصة الفتيات نظرا لحساسيتهن، فإذا كانت جيدة فهي تؤهلهن جزئياً للقبول الاجتماعي من الآخرين وتحقق لهن التوازن والاستقرار النفسي، والعكس صحيح. ولذلك من السهل أن تقتنع الفتاة عندما تكبر بأن اسمها هو سبب حظها السيء، حيث تتولد عندها في اللاوعي عقد نفسية منه، كالخجل والانطواء وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي وأحيانا الاكتئاب. قانون الطفل في مصر في المادة 5 ينصّ على أن (لكل طفل الحق في أن يكون له اسم يميزه، ويسجل هذا الاسم عند الميلاد في سجلات المواليد وفقاً لأحكام هذا القانون، ولا يجوز أن يكون منطوياً على تحقير أو مهانة لكرامة الطفل أو منافياً للمعتقدات الدينية).
لهذا السبب يلجأن الفتيات لتغيير اسمائهن
 5 دقائق للقراءة 880 كلمة
رابط مختصر