معرض دبي للطيران: عاصفة تلوح في أفق أكبر شركات الطيران
بالشرق الأوسط
الحديدة نيوز/خـــــــــــــــــاص
تبت ثلاث شركات طيران في الشرق الأوسط قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين. فعلى مدار أعوام، بدا أنه لا يوجد ما يوقف طيران الإمارات، والاتحاد للطيران، والخطوط الجوية القطرية.
وأصبحت هذه الشركات مرجعا في الخدمة والجودة. وفي ضوء نطاق التغطية حول العالم، نالت لقب “عظماء التوصيل”.
لكن الرياح المعاكسة تزداد شدة.
وتعهد القائمون على معرض دبي للطيران، الذي تنطلق فعالياته الأحد، بأن تكون هذه الدورة أكبر وأفضل في كل ما يتعلق بالطيران والفضاء والدفاع من سابقتها في عام 2015.
غير أن أكبر ثلاث شركات للطيران في المنطقة، وكذلك السياقات الاقتصادية والسياسية والتنافسية التي تتحرك فيها، تبدو مختلفة بشدة عما كانت عليه قبل عامين.
فقد أثر تراجع أسعار النفط على الأرباح والتجارة في المنطقة. وأدت المخاوف بشأن الإرهاب، خاصة في الولايات المتحدة، إلى إلغاء بعض خطوط الرحلات. كما تتواصل منذ فترة أزمة دبلوماسية وتجارية بين السعودية وحلفائها من جانب، وبين قطر من جانب آخر.
وأثار النمو السريع لسنوات طويلة مخاوف بشأن الطاقة الزائدة، وهو ما يأتي مع اشتداد المنافسة من شركات الطيران منخفض التكلفة، سواء للرحلات القصيرة أو الطويلة.
“ضغوط”
ويسلط تقرير لاتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) الضوء على تأثر أرباح شركات الطيران في الشرق الأوسط.
ويتوقع التقرير أن تحقق شركات الطيران في المنطقة مجتمعة أرباحا بقيمة 400 مليون دولار في العام الحالي، نزولا من 1.1 مليار دولار في عام 2016.
ويقول اتحاد النقل الجوي الدولي إنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام “تراجعت بشدة” أوضاع التجارة و”تعرضت بعض نماذج العمل إلى ضغوط”.
ويضيف الاتحاد “المنطقة تعاني مع زيادة الضرائب/الرسوم على البنية التحتية وازدحام الحركة الجوية”.
ومما زاد الطين بلة تأثر عمليات الشحن التي كانت صاعدة بقوة في السابق.
وتسلط متاعب شركة طيران الإمارات الضوء على الأمر.
ففي مايو/ أيار، أعلنت أكبر شركة طيران في الشرق الأوسط أول تراجع سنوي في الأرباح خلال خمس سنوات. فقد هوت الأرباح بنسبة 82 في المئة إلى 1.3 مليار درهم (340 مليون دولار)، وذلك بعد ما وصفه رئيس الشركة، تيم كلارك، بأنه كان واحدا من “أكثر الأعوام تحديا حتى اليوم”.
وأعلنت طيران الإمارات خبرا أفضل يوم الخميس حين قالت إن صافي الأرباح نصف السنوية زادت بأكثر من الضعف إلى 1.7 مليار درهم. وكان هذا نتيجة تخفيضات في الطاقة التشغيلية وكذلك فرق سعر الصرف مقابل الدولار.
لكن المعاملات التجارية مازالت صعبة. ويقول اتحاد النقل الجوي الدولي إن شركات الطيران في الشرق الأوسط مرت في سبتمبر/ أيلول بأبطئ وتيرة للنمو الدولي الشهري منذ ثمانية أعوام، حيث ارتفع الطلب بنسبة 3.7 في المئة فقط.
ويقول ديفيد اوكسلي الخبير بالاتحاد إنه من الواضح أن الخدمات من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة تعاني بالرغم من رفع الحظر على اصطحاب الركاب أجهزة الكترونية كبيرة إلى المقصورة.
ويوضح اوكسلي أن الرحلات بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة “هي السوق العالمية الوحيدة التي لم تنمو على أسس سنوية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام”.
والوضع أسوأ بالنسبة لشركة الاتحاد للطيران، ومقرها أبو ظبي.
ويقول المحلل سيث كابلن، وهو شريك إداري بمجلة “افياشن ويكلي” ومقرها الولايات المتحدة، إن “طيران الإمارات تعاني في ضوء تاريخها الخاص، لكنها مازالت قادرة على تصريف شؤونها. أما الاتحاد فمن الواضح أنها غارقة في المشاكل”.
وأعلنت الاتحاد للطيران خسائر بقيمة 1.9 مليار دولار في العام الماضي، شملت شطبا بقيمة 800 مليون دولار لقيمة استثماراتها في شركات الطيران الأخرى.
وأنفقت الاتحاد مئات الملايين من الدولارات لشراء حصص في شركات طيران أخرى، منها فيرجن أستراليا، وطيران صربيا، وطيران جيت. وكان أحد مبررات هذا الاستثمار هو المساعدة في توجيه المزيد من الرحلات عبر أبو ظبي.
لكن هذه الاستراتيجية قيد المراجعة حاليا، وهو ما أحدث صدى في أوروبا، إذ أشهرت شركتا أليطاليا واير برلين إفلاسهما وذلك بعدما قررت شركة الاتحاد ألا تستثمر المزيد في الشركتين المتعثرتين.
تعاون
شركات الطيران منخفض التكلفة، مثل طيران إنديجو و”سكوت” للطيران التي تتخذ من سنغافورة مقرا و”اير” النرويجية التي تنمو بسرعة، تضعف منافسيها الأكبر على نحو تدريجي.
وفي الآونة الأخيرة، عرضت اير النرويجية رحلات من أمستردام إلى دبي بأسعار تقل عن أسعار طيران الإمارات بأكثر من النصف.
وساهمت شركات الطيران الخليجية في استعادة مستوى من الرفاهية إلى الرحلات الجوية. لكن الأسرع نموا حاليا بين شركات الطيران هو سوق الرحلات الطويلة منخفضة التكلفة.
وفي الشهر الحالي، عززت طيران الإمارات تحالفها مع شركة فلاي دبي للطيران منخفض التكلفة، والذي أُعلن لأول مرة في يوليو/ تموز. وستقوم الشركتان بالتنسيق بينهما في الجداول والتسويق والمزايا المتبادلة الممنوحة للمسافرين الدائمين.
لكن ثمة صفقة أكبر تلوح في الأفق. فقد قال كلارك رئيس طيران الإمارات إنه منفتح على التعاون الاتحاد للطيران.
ومن شأن الاندماج أو التحالف تقليل الطاقة والتكاليف بصورة كبيرة، نظرا لقربهما. لكن مثل هذا الأمر سيكون محفوفا بالعراقيل السياسية، وليس التجارية فقط، حسبما يرى كابلن.
حتى إبرام اتفاق محدود على القيام بعمليات شراء أو صيانة مشتركة، على سبيل المثال، سيكون أمرا معقدا، وذلك مع محاولة الطرفين إجراء مفاوضات بشأن المعايير المشتركة وتوزيع حصص الأعمال وحماية قواعد المطارات الكبيرة الخاصة بهما.
وفي ما يتعلق بـ”التعاون” مع طيران الإمارات، قالت الاتحاد للطيران إنها ستبحث أي فرص تبدو عقلانية من الناحية التجارية.
ومن بين الشركات الثلاث، مازالت الخطوط الجوية القطرية صامدة على نحو جيد نسبيا. وارتفعت الأرباح الصافية للشركة في العام المالي الماضي بنسبة 22 في المئة إلى 1.97 مليار ريال.
كما أن الشركة أقدمت على استثمارات أكثر ذكاء من الاتحاد، حيث زادت حصتها في الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية إلى 20 في المئة، واشترت 10 في المئة وخطوط لاتام في أمريكا الجنوبية.
لكن هذا قبل أن تفرض الإمارات والسعودية ومصر والبحرين حظرا على قطر في يونيو/ حزيران، لاتهامها بدعم الإرهاب، وهو ما دأبت الدوحة على نفيه.
وأدى هذا إلى تكاليف إضافية هائلة على شركة الخطوط الجوية الوطنية، لأسباب ليس أقلها الحاجة إلى تغيير مسارات الرحلات. وفي سبتمبر/ أيلول، اضطرت الدوحة لضخ 38 مليار دولار في اقتصادها لتخفيف وطأة المقاطعة
وتتراكم مشاكل أكبر ثلاث شركات طيران في الشرق الأوسط بينما يشهد بعض من ألد خصومها في الولايات المتحدة مؤشرات على الانتعاش.
وطالما اشتكت شركات طيران أمريكية من أن نجاح الشركات الشرق أوسطية الثلاث جاء مدعوما بمساعدات حكومية، وهو ما ينتهك اتفاقية السماوات المفتوحة التي أتاحت لشركات الطيران الخليجية الوصول إلى الولايات المتحدة. وتقول الشركات الأمريكية إن الشركات الشرق أوسطية الثلاث حصلت مجتمعة على مساعدات حكومية بقيمة 42 مليار دولار منذ عام 2004.
وبدا من المستبعد اندلاع نزاع تجاري، حتى تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. أما الآن تجد هذه المسألة صدى في شعار “أمريكا أولا” الذي ترفعه غدارة ترامب.
وتنفي الشركات الثلاث تلقي مساعدات غير عادلة، كما تشير إلى أن البند الحادي عشر من القانون الأمريكي للحماية من الإفلاس هو الذي ساعد شركات الطيران الأمريكية على إعادة الهيكلة بعد سنوات من الخسائر.
من الممكن أن تواجه الشركات الثلاث الأسوأ قبل أن تتحسن الأوضاع. لكنها ستحتفظ بمزايا كبيرة في المدى البعيد.
ومع وجود الخليج على بعد نحو 8 ساعات من ثلثي دول العالم، سيبقى منطقة طيران فعالة من حيث الوقود ومن حيث الوقت.
كما أن رغبة المنطقة في بناء صناعة السياحة وتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط ستستمر في دعم شركات الطيران المحلية.
أضف إلى هذا أن غياب اتحادات العمال المثير للقلاقل وجماعات الضغط التي تشكو من ضوضاء الرحلات الجوية يجعل من منطقة الخليج مكانا مميزا جدا لاتخاذه مقرا لشركة طيران.