مناجم الملح والجبس ثروة مكنونه في تهامه
تقرير / حسن يحيى
تتميز آراضي تهامه عموما ومحافظة الحديدة (غرب اليمن) على وجه الخصوص بتعدد ثرواتها وخيراتها إلا أنه لم يتم استمثارها بصورة صحيحة بل تعرضت لنوع من النهب والعبث خلال عقود مضت، ولعل من ابرزها مناطق الجبس والملح على امتداد الساحل (اللحية -المنيرة – الصليف).
فشركة الملح والجبس واحدة من الشركات التي كانت تعمل في استثمار الملح الذي يمتاز به ساحل تهامة الممتد شمالاً الصليف والمنيرة واللحية والتي يوجد بها ما يزيد عن أربعة وثلاثين منجماً للجبس والملح بحسب الوثيقة الصادرة في العام 1993م والتي تأتي ضمن مراسلات شركة إنتاج وتسويق الملح والجبس ومجلس الوزراء حينها, وتنامت المكاسب والأرباح لشركة إنتاج وتسويق الملح الامر الذي أدى إلى فتح شهية المتنفذين آنذاك وتسليط عيونهم على مناجم الملح في القمه واللحية والتي كانت ضمن امتياز شركة الملح والجبس بالصليف , وتزايد طلب الشركات العالمية لمادة الملح والتنامي لحركة الإعمار التي زادت معه مبيعات الشركة من مادة الجبس مما جعل الشركة تستوعب أكثر من 5000 آلاف موظف وأضعاف هذا العدد من العمالة ذات الأجر اليومي وهو ما أدى إلى قيام جماعات مسلحة بإيقاف حركة التعدين في عدد من المناطق بحجة شرائها من ملاكها الأصليين وقيامهم باستيراد معدات حديثة وانخفاض طن الملح من 15ألف ريال إلى2000ريال وهو ما أثر سلباً على إيرادات الشركة ونفقاتها التشغيلية.
قانون الخصصة ومرحلة الانهيار
في يناير2004م صدر قرار من مجلس الوزراء رقم (214) الخاص بخصخصة الشركة وتضمن تحويل شركة انتاج وتسويق الملح والجبس بالصليف إلى شركة مساهمة يتملك أسهمها جميع العاملين فيها بالتساوي وبيع أصول الشركة بمبلغ (53243000) مقسمة إلى (106486) سهماً قيمة السهم الواحد (500) ريال ووقع على عقد البيع علوي السلامي نائب رئيس الوزراء وزير المالية حينها وعادل حسين الكميم رئيس مجلس إدارة الشركة ومحمد أحمد بلغيث جندس عن عمال الشركة، وتؤكد الوثائق أن الشركة دخلت في صراعٍ مع المتنفذين حينها الذين قوضوا مناجم الشركة بسبب دخولهم في صراعٍ معهم في الأسواق المحلية والخارجية…وهو ما وصفه الكثير من المراقبين إيذاناً بانهيار الشركة بعد استيلاء تلك المتنفيذين على أكثر من شحنة وتقويضها إضافة إلى العجز عن سداد اجور الموظفين وآلاف العمال ومطالبة مكتب أراضي وعقارات الدولة للشركة دفع ما عليها من مستحقات متراكمة من رسوم إيجار الأرض التي لم تكن تحت يد الشركة أصلاً.
وكان قانون الخصخصة الخطوة الاولى لانهيار عدد من الشركات والمصانع حيث أوقع شركة الملح بالصليف سوء الطالعة تحت سيطرة قانون التأهيل للخصخصة (وهو قانون لئيم يبتدئ بالتسيب إدارياً فالتراجع إنتاجاً, ثم التدهور والعجز فالإنفاق لإعادة التأهيل وقبل الوصول للتعافي الكلي تتداركه لجنة الخصخصة بالرحمة بيعا على المستثمرين الجدد) ولقد تعلمت مافيا الفساد هذا القانون من فضيحة صوامع الغلال حين اعترضت شخصيات رسمية في المحافظة بشدة وصعدت الموضوع إلى رئاسة الجمهورية بعد عام 2000 م باعتبار الموضوع مؤامرة على منشأة وقلعة اقتصادية في أوج الازدهار, وفي حينه لعب مكتب الرئاسة دور الذكي الأول في تمريرها, ولعل براعة اختراع هذا القانون سجلت لدهاة المكتب من ذلك الحين ,في دهليز قانون الخصخصة عبرت شركة الغزل والنسج بمصانعها واسمنت باجل وغيرها كثير.
المناجم في قبضة الناهبين
تعرضت مناجم الملح والجبس بجبل القمة في المنيرة خلال الفترة من 2000 إلى 2010م التي تعد ضمن امتياز شركة الجبس والملح بالصليف لاستنزاف جائر من نافذين في ذلك الوقت وبشكل عبثي وتمت المتاجرة بها لمصانع يمنية واجنبية من قبل هؤلاء الاشخاص دون رقابة حكومية , وتطرق تقرير عن اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق حول الاعتداءات على مواقع شركة تصنيع وتسويق الملح والجبس في مديريات (الصليف – المنيرة- اللحية) والتي زارت المنطقة يوليو من العام 2009 م حيث تطرق التقرير لعدد من الاسماء الذين استولوا على مناجم الملح والجبس بالقمه واللحية وكان لهم يد في عملية استنزاف الجبس والملح بالمنطقة كما استولوا على مساحات شاسعه منها في المنطقة.
حرمان
ثمة معالم وبقايا أثار سكنية في جبل القمة لا تزال شواهد حية على أهمية المنطقة حيث يقول المواطن “حسن محمد” من ابناء الصليف أن الأتراك سكنوها اثناء تواجدهم في اليمن وكانت تعتبر من أهم مراكزهم , ويتابع بقوله أن الناهبون لمناجم الملح والجبس في الجبل واثناء عملية الحفر عثروا على كنوز نقدية قديمة , ويضيف أن جميع المناطق القريبة من من هذه المناجم في المنيرة والصليف محرومة من المشاريع الخدمية في التعليم والصحة والكهرباء رغم احتضانها لثروة هائلة تقاسمها ناهبون دون رقابة حكومية.
مراحل التطور
و مرت مناجم ملح الصليف التي تعد من أشهر المناجم المعروفة في الجزيرة العربية بمراحل مهمة بعد الاستقلال و رحيل العثمانيين ومن أهمها إنشاء أول شركة لاستثمار الملح الصخري في المنطقة في عام 1371هـ / 1952م باسم ( شركة أملاح الصليف ) ، و ذكر عبد الرحمن الحضرمي في كتابه (( تهامة في التاريخ )) : أنه في عام 1372هـ / 1952م أنشأ (( مشروع ملح الصليف للتصدير )) بوكالة على محمد الجبلي و كيل الإمام أحمد ، و كان مديراً للمشروع حامد المحضار من قبل الجبلي فقال واصفاً الصليف : هذا الصليف قبيل الأمس خاوية و ها هو اليوم بالإنتاج في زحل, و بعد قيام الثورة تأسست مؤسسة الصليف للملح و أصبحت اليابان الدولة المحتكرة لم ترفع من سعره لعدم وجود دولة أخرى منافسة و لما طلبت المؤسسة منها رفع السعر تخلت عنه , و بعد قيام ثورة ربيع الآخر عام 1382هـ / سبتمبر 1962م و ما تم اتخاذه من خطوات في سبيل تطوير الاقتصاد اليمني فقد تأسست شركة يمنية مصيرية في عام 1384هـ 1964م لإستثمار الملح الصخري في مناجم ( القمة و اللحية ) إلا أنه بموجب القرار الجمهوري رقم (36) لعام 1392هـ / 1972م ، و القاضي بإنشاء الشركة اليمنية لصناعة الملح ، و التي تمتلكلها الدولة بالكامل ، فقد حلت هذه الشركة محل الشركة السابقة في استثمار الملح الصخري و تصديره. و في عام 1395هـ / 1975م صدر قرار مجلس القيادة بتحويل الشركة الجديدة إلى مؤسسة عامة سميت ( المؤسسة العامة لملح الصليف ) ، وبصدور قرار مجلس القيادة رقم (7) لعام 1398هـ / 1978م و القاضي بإنشاء المؤسسة العامة للنفط و الثروات المعدنية أصبحت مؤسسة ملح الصليف إحدى وحدات المؤسسة الجديدة ، و تعمل تحت اسم ( شركة إنتاج و تسويق الملح ) ، و مركزها الرئيسي ميناء الصليف .
لم يكن لشركة أملاح الصليف التي تأسست عام 1372هـ / 1952م حق الامتياز سوى على منجم ملح الصليف ، أما بقية الممالح الصخرية أو البحرية فكانت تعمل بشكل فردي ، و قد كان العمل في منجم الصليف يتم بشكل يدوي ، و كذلك عمليات نقل الملح المستخرج إلى البواخر لتصديره إلى الخارج ، إلا أنه في عام 1373هـ / 1954م تم إدخال بعض المعدات و الآلات التي استخدمت في ثقب الصخور و تفتيتها ، و نقل أحجار الملح بواسطة عربات تيسير على سكة حديدية من المنجم إلى جهاز الطحن الذي يقع على بعد (500) متر تقريباً من المنجم ، و يتم نقل الملح المطحون من المطحنة إلى مركبة النقل (كراكة ) التي ترسو على الشاطئ مباشرة بواسطة شريط آلي ، حيث تقوم هذه المركبة بنقل حمولتها إلى الباخرة التي ترسو بعيداً عن الشاطئ لعدم وجود رصيف مناسب لرسوها ، و تتم عملية التفريغ من المركب للباخرة يدوياً ,و في عام 1390هـ / 1970م دخلت تحسينات جديدة على وسائل الإنتاج في الشركة حيث استخدمت في المنجم كسارة لتفتيت صخور الملح المستخرجة ، و تم ربطها مع الشريط الآلي السابق بشريط آلي جديد يبلغ طوله (2800) متر لنقل الصخور الملحية إلى المطحنة مباشرة ، و تابعت الشركة في عام 1392هـ / 1972م تطوير منشئاتها ، و ذلك ببناء رصيف لاستقبال ناقلات الملح بعمق 18- 24 متراً أمكن استخدامه فيما بعد لتفريغ البضائع الأخرى الواردة إلى الجمهورية اليمنية ، و تجدر الاشارة إلى أن الشركة حصلت في عام 1397هـ / 1976م على حق امتياز استثمار الممالح الصخرية في الصليف و اللحية و القمة بصورة مباشرة ، و كذلك الممالح البحرية التي أجرتها للغير مقابل أجور سنوية مقطوعة. و قد بلغت الطاقة الإنتاجية للمنجم (300) طن يوميا ، بلغت طاقة التفريغ للباخرة في حدود (1000) طن خلال 24ساعة عمل ، و استمر هذا الأسلوب في الإنتاج و النقل و التفريغ حتى عام 1398هـ / 1978م حيث استبدلت عربات السكة الحديدية بالسيارات ، كما استخدمت الغرافات بدل التفريغ بالأيدي بالإضافة لاستخدام السيارات في نقل الملح المطحون إلى جانب الشريط الآلي ، و بقيت الطاقة الإنتاجية في حدود (300) طن يوميا بينما ارتفعت طاقة التحميل و التفريغ للبواخر إلى ( 1500) طن خلال 24ساعة عمل ,و بعد بناء رصيف لاستقبال ناقلات الملح بعمق 18- 24 متراً ، فإن ذلك ساعد على التخفيف من أزمة التفريغ في ميناء الحديدة عام 1398هـ / 1978م ، و عام 1399هـ / 1979م ، و كذلك أضيفت مجموعة من السيارات الناقلة و الغرافات و أدوات الثقب و كسارة إلى تجهيزات و آليات الشركة بهدف رفد الطاقة الإنتاجية إلى (250) طناً بالساعة ، و طاقة التفريغ و الشحن إلى ( 1000) طن بالساعة ، و بسبب الصعوبات التي واجهت الشركة في تسويق إنتاجها في الأسواق الخارجية و الداخلية فإن الطاقة الفعلية بقيت في حدود (150) طناً بالساعة ، و طاقة التفريغ و الشحن في حدود (500) طن بالساعة ، و قد تم تمويل تلك التحسينات من أصل القرض البالغ (47) مليون ريال الذي حصلت عليه الشركة من الصندوق الكويتي للتنمية ، و من القرض البالغ (5) مليون ريال الذي حصلت عليه من البنك المركزي اليمني .
كانت السوق اليابانية هي السوق الوحيدة تقريباً لصادرات اليمن من الملح الصخري و ذلك حتى عام 1397هـ / 1977م حيث تمكنت الشركة من فتح أسواق جديدة لها في كوريا الجنوبية و الكويت و اسبانيا .
و في عام 1399هـ / يناير 1979م صدر إلى أمريكا بحدود (30) ألاف طن , إلا أنها عادت لتحضير علاقات الشركة بشركة يابانية ، و في حدود إنتاجية أقل مما كانت عليه عام 1400هـ / 1980م و عام 1401هـ / 1981م ، و ذلك بسبب استهلاك منشآتها ، و عدم الاهتمام بالصيانة ، إلا أن هناك اتجاها الآن لإعادة النظر في كل منشآت الشركة بهدف تحسين أدائها و تنمية علاقتها بالأسواق الدولية,و تقدر كمية الاحتياطي بحوالي 115مليون طن , على عمق 80متراً ، و يبلغ الإنتاج السنوي أكثر من مائتي ألف طن , و قيل : أنه تقدر كميات الاحتياطات منه بحوالي (150) مليون طن ، يتم استخراجه و تصديره إلى مختلف بلدان العالم , حيث تقوم باستغلاله شركة إنتاج و تسويق الملح و الجبس , وتقول مصادر أنه جلبت إلى الصليف معدات حديثة لاستخراج الملح و طحنه ، و تصديره ,و الملح الذي نستخدمه اليوم في حيتنا اليومية هو ملح الصليف .
وبالنسبة للجبس فإنه يستخدم محلياً في تليس و زخرفة الجدران الداخلية و صناعة العقود ، وكما يستخدم في صناعة الإسمنت ، و يصدر جزء منه إلى السعودية للغرض نفسه ، كما يمكن أن يستخرج منه الكبريت و الفسفور لصناعة الأحماض و يبلغ الاحتيياطي منه في الصليف 13مليون طن تقريبا وكانت تقوم باستغلاله شركة إنتاج و تسويق الملح و الجبس .
اتفاقيات خفية
وبعد النشاط والحركة والازدهار لهذه الشركة بدأت بالانهيار تدريجياً بعد إقرار قانون الخصخصة الذي اعتبره عمال الشركة بوابة عبور لنهب مستحقاتهم أدت إلى نشوب خلافات بين أعضاء مجلس الادارة تلاشت معها عملية الانتاج وسهلت عملية النهب والعبث لمجموعة ناهبين على مناجم الملح في القمة والصليف واللحية بعيداً عن الرقابة الحكومية سوى اتفاقيات غير معلنة ومن خلف الكواليس بين هؤلاء الناهبين ومسؤولين تمثلت في دفع مبالغ والتي تذهب لجيوبهم وتنامت معها عملية الاستيلاء والنهب للمناجم وانهيار الشركة في آن واحد.
مناجم الملح والجبس بمديريتي اللحية والمنيرة من اهم الثروات التي تكتنزها تهامه، غير ان الأنظمة السابقة سهلت عملية النهب والعبث لعدد من النافذين، دون ان يستفيد منها ابناء تهامة الذين يعيشون تحت خط الفقر.
ويأمل ابناء تهامة من الحكومة الحالية ان تعمل برامج وخطط من شأنها الاستفادة من هذه الثروات واستثمارها بصورة صحيحة لعل وعسى ان تسهم في تحفيف معاناة المواطن التهامي خصوصا والاقتصاد الوطني بشكل عام.