تحقيق_هل يتّجة العالم نحو شركات التجسس الخاصّة؟!
الحديدة نيوز/خــــــــــــاص
الصراع في العالم أخذ أشكالاً جديدة مع مطلع الألفية الثالثة التي بدأت بأحداث 11 أيلول، ليليها غزو أفغانستان، ومن ثم غزو العراق، وحروب متلاحقة أغرقت المنطقة بالفوضى والقتل والدم، ومن قلب هذه الفوضى بدأت أنظمة التجسس العالمية تأخذ دوراً أكثر فعالية نظراً لأهميتها في عالم يعجّ بالفوضى وانعدام الأمن.
الصراع بين الدول الكبرى تحول إلى نمطين جديدين، الأول: الحرب بالوكالة، أما الثاني: فتجسد بالذكاء الاصطناعي الذي يمكن من خلاله التجسس على دول بأكملها ومهاجمة أنظمة الحواسيب لدى هذه الدول، والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة، فهل نحن على موعد مع بدء حرب عالمية ثالثة يكون الذكاء الاصطناعي عمودها الفقري؟!.
تهديدات الأمن السيبراني اليوم تشغل العالم بأسره وتهدد دولاً بأكملها وتقلق حكامها الذين قد يخسرون مناصبهم نظراً لعمليات التجسس الموجّهة ضدهم، ومؤخراً تصاعدت حدة تهديدات الأمن السيبراني في العالم نتيجة للتطور في تكتيكات وأدوات الاختراق وتزايد خطورة التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية، وفي هذا الإطار ركّزت خبيرة الأمن السيبراني الأمريكية، سوزان لانداو، في كتابها “التنصت: الأمن السيبراني في عصر غير آمن” على الارتباط الوثيق بين التطور التكنولوجي والأمن القومي، كما شددت على أهمية تأمين البيانات والشبكات لمواجهة الاختراقات المُحتملة.
إن التطور السريع في مجال الأمن السايبيري يشي بظهور شركات تنصّت وتجسس خاصّة على شاكلة “بلاك ووتر” التي تأسست في عام 1997 على يد رجل الأعمال وضابط البحرية الأمريكية السابق “إيريك برنس”؛ لتقدم خدمات الحراسات الخاصة والتدريب، لكن مجال عملها ونطاقه اختلف تماماً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم غزو العراق في 2003، وتحولت اليوم “بلاك ووتر” إلى مارد في مجال الأمن، حيث تنفذ هذه الشركة مئات العمليات الأمنية ضد شخصيات وربما دول، مقابل الحصول على كميات ضخمة من المال، وبرز اسمها بشكل كبير خلال غزو العراق، ووصلت نسبة المهام العسكرية التي أسندت للشركات العسكرية الخاصة في أفغانستان إلى 62% من إجمالي المهام، كان لـ”بلاك ووتر” الحصة الأكبر فيها، وتنشط اليوم في الإمارات وإسرائيل بشكل كبير وعندما جرى الحديث عن قوة عربية مشتركة تحلّ محل القوات الأمريكية تم ذكر “بلاك ووتر” التي تضم مرتزقة “يعتبرون أنفسهم فوق القانون” من أمريكا والبوسنة وتشيلي والفلبين.
ولا نستغرب أبداً أن يأخذ الذكاء الاصطناعي مدى أوسع من نشاط “بلاك ووتر” وتأثير أكبر ولكن على نفس النهج التخريبي في حال لم يتم وضع اتفاقيات مشتركة للحدّ من نشاطاته السلبية، وقد توافق الدول على “اتفاقية جنيف الرقمية” المقترحة للحدّ من النزاع حول استخدام الذكاء الاصطناعي فيما يخص الهجمات والتهديدات الإلكترونية، ولكن ذلك لن يمنع الهجمات التي يدعمها الذكاء الاصطناعي من قِبل الجماعات القومية المستقلة والميليشيات والمنظمات الإجرامية والإرهابيين وغيرهم، ويمكن للدول أن تتراجع عن تلك المعاهدات.
وبنفس الطريقة التي بدأت فيها “بلاك ووتر” كشركة حماية، تعمل اليوم بعض شركات على التنقيب في البيانات، إلا أنه كما تحوّلت “بلاك ووتر” لاحقاً للتدخل في الحروب من المتوقّع أن تصبح العديد من الشركات العلميّة رائدة في مجالات التجسس والتنصت.
وخلال العام الماضي تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أهمية الذكاء الاصطناعي معتبراً أن مَن يحقق اختراقاً في تطوير الذكاء الاصطناعي، سيهيمن على العالم، ونبّه من أن تطوير الذكاء الاصطناعي يثير “فرصاً وتهديدات هائلة يصعب التنبؤ بها الآن”، مشيراً إلى أن الطرف الذي “سيتصدّر هذا المجال سيكون حاكم العالم”، وتوقّع بوتين أن تُخاض حروب المستقبل بطائرات بلا طيار، وزاد: “عندما تُدمَر الطائرات من دون طيار لطرف بواسطة الطائرات بلا طيار لطرف آخر، لن يكون أمامه خيار سوى الاستسلام”.
الذكاء الاصطناعي يعدّ الوسيلة الرئيسية لتحليل المعلومات، العصر هو عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تظهر اليوم شركات التنقيب في البيانات data mining بكثرة، وبالتالي يمكن تجيير المعلومات التي تقوم هذه الشركات بجمعها وتحليلها لمصلحة الشركات الأمنيّة والأعمال التجسسية.
هناك بعض الدول لن تكون قادرة على تحمّل تبعات أي عمل تجسسي، وبالتالي تكون هذه الشركات غطاءً قانونياً، وأكثر قضية يمكن ذكرها في إطار التجسس “قضية الانتخابات بين روسيا وأمريكا”، والتي اتهمت فيها أمريكا، روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مؤخراً تم توجيه اتهام لـ 13 روسيّاً وثلاثة كيانات روسية بالتدخل في الانتخابات والعملية السياسية الأمريكية، والغريب في الموضوع أن واشنطن التي تتدخل في شؤون أغلب الدول الداخلية تتهم اليوم 13 جاسوساً روسياً وهم يسكنون في سان بطرسبرغ بالتدخل بالانتخابات الأمريكية.
في الختام؛ أثبتت الشركات الخاصّة، ولاسيّما العلمية منها، قدرتها على النمو والتطور بشكل أسرع من الشركات الحكوميّة، هذا النوع من الشركات يشكّل فرصة لأجهزة الاستخبارات في تنفيذ أعمال أمنية “نظيفة” بالمعنى الأمني، فضلاً عن كونها تسمح لها بترصد النخب لجذبهم بطريقة أسرع.
وسنشهد نشاطاً لهذه الشركات في العالم العربي نظراً لوجود ضعف في أنظمة التجسس في العالم العربي الذي قد يُستغل بغية جمع الأموال، ومن المعروف للجميع أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تجمع معلومات من الشرق الأوسط بمئات الملايين يومياً.