الحديدة نيوز _ عبدالرزاق العزعزي
في العُتمة التي يعيشها اليمنيون على مدار ثلاثة أعوام متواصلة، انبثق ضوء طفيف “الإغاثة”، حاول إنارة حياتهم المُتعبة، بما يستطيع. ولعل «النور» الذي دعت إليه #تنمية_لأجل_اليمن، هو ضوء مُهم يُساعد اليمنيين كثيراً، إلا أنه لا يجب بالضرورة إطفاء الأنوار الأخرى المضيئة. قد يتميّز العمل التنموي بالاستدامة وصناعة أشخاص يعتمدون على أنفسهم وليسوا مُتكّلين، لكن العمل الإغاثي يتميّز أيضاً بأنه يمُدّ آخرين بطاقة البقاء أحياء، سواء عبر مساعداته التي وصلت للمناطق النائية كقسائم شهرية أو مياه نظيفة وآمنة، أو عبر الوظائف التي يوفّرها لكل عامل في حقل الاغاثة. اهتمت حملة «تنمية لأجل اليمن» بتحويل الدعم من الإتجاه الإغاثي إلى الإتجاه التنموي، ودعوا الدول المانحة إلى بناء ودعم مشاريع صغيرة لمواطنين بدلاً من توزيع المياه والطعام. لكن حمزة الحمادي العامل في مؤسسات المجتمع المدني يقول ل«العربي» إن الناس تحتاج إلى لقمة عيش: «الشخص الذي لا يقدر أن يوفّر لقمة العيش، لا يمكن أن يفكر بتنمية». الجوع كافر «لا يجدون لقمة العيش» بما تعنيه الجملة حرفياً وبلاغياً، (ر.م.) إمرأة أربعينية تنتمي وأسرتها فئة الملوّنين، الأم وأطفالها الخمسة الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً عدا الابن الأكبر، فقدوا عائلهم الوحيد والعامل في الأجر اليومي بعدما زُج به في المعتقل منذ أكثر من عام ونيف. هي من محافظة «تعز – الضبة – مُديرية الصلو»، لديها طفلين يُعانيان من سوء تغذية حاد يطال ما يزيد عن مليوني طفل، استطاع العمل الإغاثي مد الكثير منهم بالغذاء. يتكوّن منزل الأسرة من غرفة واحدة وحمام صغير يحوي أوعية أصغر، تم ملئها بالماء لاستخدامه في أغراض الطباخة والحمّام. غرفة واحدة تأوي الأطفال الخمسة ووالدتهم، لا غذاء متوفّر في المنزل، لا عائل للأسرة التي تُريد أن تأكل لتعيش. «المال مُقابل الغذاء» دفع الأم للعمل كمزارعة في القرية، قالت لـ«العربي»: «أعمل أنا وابني الأكبر لمدة ست ساعات يومية مُقابل مبلغ قليل، وأحياناً يعطوني بعض القمح والرز لأن أصحاب المزارع يجعلوني أعمل معهم كنوع من مساعدتي، هم أسر فقيرة في الأساس لكنهم أفضل مني قليل». الأجر الزهيد لا يمنحها الكثير، فقط وجبتين، أضف إلى أن العمل الزراعي يكون متوفّر فقط في موسم المطر، أما في الشتاء فلا يتوفّر لديهم عملاً، لذلك يأكلون وجبة واحدة فقط «الغداء» ثم مواجهة الجوع بقية اليوم، لكن هذه المواجهة لم تستمر طويلًا. «مؤسسة تمدين شباب» (TYF) وضمن تدخّلاتها الانسانية، وفرّت قسائم غذائية شهرية لها ولعدد من الأسر، كعمل إغاثي غذائي، أنهت بذلك هم الخوف من الجوع لدى الكثير. يتحدث حسين السهيلي رئيس المؤسسة لـ«العربي» قائلاً: «المؤسسة كانت أول منظمة مجتمع مدني محلية تُساعد في كسر طوق الحصار عن مدينة تعز، بذلنا جهود تنسيق مُكثّفة لإدخال المعونات ومواد الإغاثة والمستلزمات الطبية، أثمرت تلك الجهود عن إدخال سلل غذاء، غسلات مرضى الفشل الكلوي، أسطوانات أكسجين للمستشفيات الحكومية، مواد كيماوية لمواجهة الاحتياجات الطارئة لمرضى السرطان، وضخ مياه صالحة للاستخدام ومياه نقية لمراكز الغسيل». الإغاثة أم التنمية في اليمن، ثمة قصة ومأساة، وثمة أُناس لا يعرف عنهم أحد يواجهون الموت جوعاً بتحدٍ وإصرار وغريزة في البقاء أحياء، بضعهم تنقذهم قسائم الغذاء وبعضهم لا يصل إليهم شيء ويُحدث أضرار بالغة قد تصل إلى الموت جوعاً أو الانتحار، بالمقابل ثمة أناس تعدّوا مرحلة مواجهة الجوع وآمنوا بألّا تعطيني السمك ولكن علّمني الاصطياد. يقول الناشط الحقوقي ريدان عز، إن العمل التنموي يضمن الاستمرارية، ووجوده مهم سواء كانت البلد مُستقرّة أو لا، وليس كما العمل الإغاثي الذي يكون محصوراً أثناء الكوارث، فيما يقول الصحافي صلاح الجندي، إن التنموي يُسهم في تنمية جميع الموارد، بما فيها البشرية، بينما يقوم العمل الإغاثي بإضافة الاتكالية على المجتمع وتعويدهم على انتظار المساعدات بالتالي ازدياد البطالة. مسألة تأييد العمل التنموي على حساب العمل الاغاثي هو أمر يرفضه «حمزة الحمادي»، فبإمكان العملية أن تكون متوازية، وليس التنمية بدلًا عن الإغاثة، إذ أنه لا يمكن أن تأخذ شاب من منطقة نائية وتخبره أنك ستقوم بمساعدته على فتح مشروع، من دون أن تقوم بتعليمه طريقة إدارة المشروع لتضمن الفائدة المجتمعية والاستدامة المالية، سيحتاج ذلك من الشاب أن يتفرغ، وفي حال كان عاملًا فمن غير الممكن أن يتفرّغ، لأن ذلك سيحرمه مصدر دخله الأساسي الذي يعتمد عليه في معيشه وربما إعالة أسرة أو أكثر. .. نقلا عن موقع العربي