8 دقائق للقراءة 1595 كلمة
الحديدة نيوز/ متابعات
هناك ينبسط جمال الطبيعة ببذخ يفترش الأرض متموجاً وصاعداً إلى المرتفعات بمدرجاتها الساحرة وهابطاً في الوديان بامتداداتها الباسمة ضمن بيئة فريدة يكسوها الاخضرار معظم أيام السنة وتتنوع فيها الخصوصية النباتية والحيوانية، ما يجعلها من أهم المحميات الطبيعية وأجملها ليس في اليمن وإنما في العالم.
في محمية عُتْمَة، الواقعة في مديرية عُتْمَة محافظة ذمار/ وسط اليمن، تزدهي الطبيعة بحُلة فاخرة من الجمال لم يسبق أن ظهرت فيها منطقة في مكان آخر، وهي حُلة تنوعت فرائدها بدءاً من إنسان يعتمد في حياته على خيرات بيئته تلك طوال العام، إلى جبال تمتد ضمن سلسلة مرتفعات طوعها الإنسان لصالحه، فكانت مدرجات زراعية تكتسي معها المرتفعات اخضرارا يزيد من بهاء الصورة، التي تشمل الوديان التي تمثل امتداداً زراعياً، وهي جزء من غطاء نباتي يشمل مناطق الأحراش والغابات التي تضم مراعي للحيوانات الأليفة ومراتع لحيوانات وطيور متنوعة، ترتفع معها مؤشرات جمال هذا المكان، الذي يعتمد نباته على موسم الأمطار بالإضافة إلى العيون والينابيع.
أسرار الطبيعة
قبل إعلانها محميّة طبيعية كانت هذه المنطقة قد خضعت لدراسات من قِبل عدد من المهتمين بخصوصيتها، حتى أعلنتها الحكومة اليمنيّة محميّة طبيعية عام 1999باعتبارها أول محمية طبيعية في البلاد يتم إعلانها رسمياً. وبناء على ذلك تشكّلت إدارة خاصة بها ضمن هيكل وزارة المياه والبيئة، وبموازاة الجهد الحكومي ثمة جمعية أهلية أسسها ثلة من أبناء المنطقة تمثل رديفاً شعبياً مسانداً لأي جهد يصب في برنامج الحماية.
تلا إعلان الحكومة اليمنيّة عُتْمَة محميّة طبيعية إعلان كل من: بُرع في محافظة ريمة/ غرب، وحوف في محافظة المهرة/ شرق محميتين طبيعيتين. وتُعد عُتْمَة من أهم المحميات الطبيعية المعلنة هناك، انطلاقاً من عدة خصائص أبرزها: تمتعها بتكوين طوبوغرافي خاص عزز من خصوصيتها المناخية وخصوبتها تربتها وبيئتها المتنوعة والفريدة، وهو ما كرّس جمال طبيعتها النباتية والحيوية، وتفرد تلك الطبيعة بسمات من أبرزها: جبالها الشاهقة المزدانة بالمدرجات الزراعية الوفيرة بالمراعي، علاوة على تميزها بالغابات الكثيفة والأحراش الواسعة والوديان الكبيرة، والمنتشرة في معظم أجزاء المديرية، وتميزها بنباتات متنوعة منها العطرية والسامة والطبية، ومنها ما تمثل هذه المنطقة موطنه الأصلي، وغيرها من العناوين التي نقرأ في تفاصيلها الكثير من أسرار جمال وكرم الطبيعة هنا.
روائح وأصوات
تبعد عُتْمَة عن صنعاء نحو 158 كيلومتراً جنوباً، عبر مدينة ذمار/ وسط، ومن ذمار تقطع السيارة صوب المحمية نحو 55 كيلومتراً تلتهم فيه السيارة طريقاً معبداً. وخلال وقت قصير يجد الزائر نفسه في وسط جنة يكسو الاخضرار كل شيء فيها: رائحة النبات تملأ الأرجاء، وأصوات الطيور والحيوانات تُضاعف من سحر المكان.
تستمر في الطريق، وأنت مستغرقاً بما تشاهده على يمينك ويسارك وعلى مرمى بصرك من مناظر تفيض معها روحك بالبهجة من فرط ما فيها من جمال أعاد الاعتبار لأهمية المكان وخصوصية الريف، بل وروعة البلاد (اليمن) في ظل ما يعانيه اليوم من احتراب داخلي وخارجي. وأنت تنتقل من مرتفع إلى منخفض، وتتأمل الينابيع والمزروعات والحيوانات وتفاصيل كثيرة تتذكر معها التسميات التي أُطلقت على اليمن قديماً، مثل: العربية السعيدة، اليمن الخضراء…ألخ، فتشعر كأن كل تلك التسميات قد جاءت من هنا: هكذا ستتحدث إلى نفسك، وأنت تتنقل بين ربوع المرتفعات والوديان ذاهلاً من فرط السحر الذي يغمر كل شيء هنا، ويكون باذخاً في فصلي الربيع والصيف.
نحاول هنا، قراءة بعض السطور في كتاب خصوصية هذه المنطقة، معرجين على معاناتها جراء الأحداث التي تشهدها البلاد منذ عام 2011م وصولاً إلى الحرب التي اقتربت من هذا المكان.
بلا شك أن محمية عُتْمَة تمثل مستودعاً طبيعياً ساحراً وثرياً بما يحويه من عناصر تمثل، من خلاله، هذه المحمية واحدة من أهم المنتجعات الطبيعة وبالتالي تمثل الحرب الراهنة بتداعياتها تهديداً كبيراً لخصوصيتها التي ما زالت بكراً في معظمها.
تبلغ مساحة مديرية عُتْمَة حوالي 441 كم مربع، وقد يتجاوز عدد سكانها حاليا المئتي ألف نسمة، موزعين على خمسة مخاليف حسب تقسيم تقليدي يمنيّ، وهي: سماه، وحمير، وبني بحر، والسمل، ورازح.
وحسب البيانات الطوبوغرافية، تتكون المحمية من سلاسل جبلية تمثل امتداداً للمرتفعات الغربية المتجهة نحو المناطق السهلية الساحلية، والتي يتراوح ارتفاعها بين 920 ـ 2800 متر عن مستوى سطح البحر. ونتيجة لموقعها وتكوينها فقد تميز مناخها الذي يساعد على سقوط الأمطار في فصل الصيف بكميات وفيرة، وهو الموسم الوحيد الذي يعتمد عليه السكان في ري مزروعاتهم التي يعتمدون عليها في معيشتهم طوال العام.
وبالتالي تمثل الجبال بمدرجاتها الزراعية أبرز معالم هذه المنطقة بما تحويه من أراض زراعية ومراعٍ وغابات وبينها الوديان المنتشرة. ويزرع في وديانها ومدرجاتها القمح والشعير والدخن والبقوليات والذرة الشامية بنوعيها البيضاء والصفراء بالإضافة إلى أنواع من الخضار والفواكه إلى جانب البن وغيرها من المحاصيل.
تمتاز المنطقة وفق البيانات الرسمية المتداولة، بغطاء نباتي واسع يغطي ما نسبته 90 في المئة من مساحة المديرية والمحمية، كما تمثل المدرجات ما نسبته 50 ـ 60 في المئة منها، والباقي تغطيه الأحراش والغابات والمراعي الطبيعية، والتي تمثل 30 في المئة منها.
غطاء نباتي
ما يميز غطائها النباتي بالإضافة إلى إتساعه وتغطيته لمساحة كبيرة، أنه يضم أنواعاً من الأشجار المُعمّرة والشجيرات والنباتات الطبية والعطرية النادرة، كما تضم تلك البيئة حيوانات وطيور نادرة، أيضاً، وهو ما أكده لـ«القدس العربي» عبده مهدي صلاح، رئيس جمعية محمية عُتْمَة، متحدثاً عن خصوبة التربة وإنتاجيتها الوفيرة، ما ساعد الناس هناك على زراعة محاصيل الحبوب وغيرها بما فيها المحاصيل النقدية بالإضافة إلى طبيعة المراعي وكثافة الغابات وكمية الأمطار الجيدة، علاوة على ما تتميز به المنطقة من غيول وعيون وينابيع مائية تتدفق من منحدرات الجبال على مدار العام.
وعلى ذكر النباتات النادرة، فثمة نباتات تمثل هذه المنطقة موطنها الأصلي، وحسب مصادر إخبارية، فان دراسة علمية أولية في جامعة ذمار، أكدت إن محمية عُتْمَة تحوي ما بين 600 ـ 800 نوع من النباتات الطبية والعطرية والسامة والأشجار المعمرة. ووفق تلك المصادر فان دراسة بيئية أُجريت عام 2007 كشفت عن 267 نوعا نباتيا في أربع مناطق حددت مبدئياً لنطاق الحماية البيئية من بينها عدة أنواع من النباتات النادرة وفي مقدمتها، نبات الرمان البري النادر، «الذي يمكن استخدامه كلقاح للأمراض التي تتعرض لها ثمار الرمان في مختلف أنحاء العالم».
وفي حديثه لـ «القدس العربي» قال عبده صلاح رئيس جمعية عُتْمَة «إنه بالإضافة إلى أن هذه المنطقة هي الموطن الأصلي للرمان البري، فهي أيضا الموطن البري للزيتون أو الزيتون البري أو ما يسمى تقليدياً (العُتم)، ولعل اسم المنطقة جاء من هنا، وهناك نباتات كثيرة وأعشاب عطرية وطبية متنوعة وثقتها دراسات. كما تشتهر هذه المحمية بانتشار الأشجار العملاقة والمُعمّرة وبعضها يصل عمرها إلى ثلاثة آلاف سنة».
وتحتضن المحمية أنواعاً من الحيوانات والأحياء البرية ومنها حيوانات أليفة كالأبقار والجمال والبغال والحمير والأغنام والماعز بالإضافة إلى حيوانات وأحياء برية بعضها نادر أو مهدد بالانقراض كالأسود والنمور والضباع والذئاب والثعالب والقرود والسناجب والوشق والأرانب البرية، فضلاً عن أنواع من الزواحف والحشرات والعديد من الطيور البرية الأليفة والداجنة والجارحة وفق مصادر علمية.
تحديات وتهديدات
وكانت ندوة درست واقع هذه المحمية، وحددت بؤر ومناطق ونطاقات الحماية، وحسب عبده صلاح، فهناك نطاقات حماية مئة في المئة وهناك نطاقات حماية أقل، معتبراً أن وعي المجتمع المحلي بأهمية المكان كان العامل الأساسي في الحفاظ على المحمية قدر الإمكان حتى وقوع أحداث 2011م وما تلاه وصولاً إلى الحرب الراهنة وما نتج عن كل ذلك من انكماش اقتصادي وتدهور معيشي انعكس سلباً على وعي الناس ووضع المحمية.
«نتيجة الوضع المعيشي الصعب، فقد تساهل مجتمع المحمية بعدما كان حازماً في الفترة الماضية تجاه الحماية. ونتيجة تراجع الوعي الشعبي اتسعت زراعة القات (نبتة يتعاطها بعض اليمنيين) على حساب بؤر رئيسية في المحمية، بالإضافة إلى انتشار حفر آبار المياه، وانتشار التحطيب الذي تسبب منذ 2011م وحتى الآن في استهلاك نحو تسعين في المئة من الأشجار المُعمّرة في المحمية مع أزمات انعدام وارتفاع أسعار غاز الطهي، وفي ظل الفشل الرسمي في توفير بدائل، بالإضافة إلى ما تعرضت له بعض المدرجات الجبلية من تجريف نتيجة السيول في ظل العجز عن القيام بمهام الترميم لهذه المدرجات، كما لجأ الناس إلى رعي حيواناتهم في نطاقات الحماية في ظل عدم توفير بدائل» يقول عبده صلاح رئيس الجمعية.
الحرب
إلى ذلك شهدت وتشهد هذه المنطقة مواجهات مسلحة بين أطراف الحرب الدائرة في اليمن، وهذا أثر بشكل كبير وسيؤثر كثيراً لو استمر الوضع كما هو عليه اليوم.
لقد كشفت الحرب الراهنة عن مدى هشاشة البرامج الحكومية في مختلف المجالات، فكل شيء تراجع وتأثر سلباً في مختلف مجالات العمل والإنتاج والحياة العامة بما فيها المحميات الطبيعية، وخاصة هذه المحمية التي تتعرض لتهديدات كثيرة ومخاطر مختلفة وفق الصحافي عصام البحري، وهو من أبناء المحمية المهتمين بوضعها وجهود الحماية فيها، والذي تحدث لـ«القدس العربي» عن تهديدات وتحديات كثيرة تواجه المحمية حالياً، منبهاً من خطورة ترك المحمية على ما هي عليه اليوم من تدهور جهود الحماية في ظل تمدد التأثيرات السلبية للحرب وانعكاساتها على الوضع العام، مشيراً إلى ما تشتهر به المنطقة من معالم تاريخية تعزز من قيمتها السياحية، وتضاعف من المخاوف عليها جراء تداعيات الحرب الراهنة، وتتمثل تلك المعالم في عددٍ من القلاع والحصون المنتشرة في أرجاء المحمية.
وتطلّ تلك القلاع والحصون المنتصبة في قمم الجبال على المنخفضات بما فيها من قرى متناثرة تبدو كفصوص بيضاء في فسيفساء خضراء. ومن أبرز تلك القلاع والحصون: قلعة ابزار، قلعة بني أسد، قلعة السيد، وحصن حيدر، حصن خطفة، حصن المصنعة، حصن الحدادي، وحصن البحري…ألخ، والتي تؤكد عراقة الحياة الإنسانية والحضارية في هذه المنطقة.