الحديدة نيوز / المحرر السياسي
يستثمر «التحالف» الذي تقوده المملكة العربية السعودية، في المُهلِ الأمريكية الممنوحة لحسم معركة الحديدة، إلا أن هذا الاستثمار يبقى بعيداً عن حصد النتائج وتحقيق الأهداف، لصالح حصدِ المزيد من الخسائر في الأرواح والمنشآت الحيوية اليمنية.
حملة إعلامية خجولة
أعلنت حكومة «الشرعية» المدعومة من «التحالف»، أكثر من عملية عسكرية لـ«تحرير» الحديدة خلال الأسابيع الماضية. وفيما تشدد حكومة صنعاء على فشل «الشرعية» في تحقيق أي تقدمٍ على الجبهات، فإن الأخيرة وضعت تحركاتها العسكرية ضمن نطاقٍ إعلاميٍّ ضيّق، لا يظهر حجم الحشد العسكري الحقيقي، وذلك على خلاف التحركات السابقة لقوات «الشرعية» و«التحالف»، التي رافقها حملات إعلامية واسعة. ويعود السبب في هذا، الى انخفاض التوقعات من قبل «التحالف» لأي «إنجاز» يمكن تحقيقه، لا سيما وأن التضخيم الإعلامي لعب دوراً بارزاً خلال الحملات السابقة، في إظهار التفاوت بين ما هو معلن في الإعلام التابع «للتحالف»، وما هو ظاهر من الوقائع العسكرية.
«هدنة غير معلنة» في الحديدة
انتهت الحملة الأخيرة في الحديدة، بـ«هدنة غير معلنة»، بين قوات «الشرعية» وقوات «الإنقاذ»، سبقها إعلان الأخيرة «تكبيد الشرعية خسائر فادحة في العتيد والعداد وإفشال جميع محاولاتها للتقدم الى داخل المدينة».
بدت أحياء المدينة هادئة، مساء الثلاثاء، في معظم محاور الاشتباك في الحديدة، فيما لم يُسجل أي عمليات قصف المدينة أو المحافظة، باستثناء غارة «للتحالف»، شرق الحديدة، أسفرت، وفق حكومة «الإنقاذ»، عن مقتل تسعة مدنيين. بدوره، أكد المتحدث الرسمي باسم قوات «الإنقاذ»، يحيى سريع، أن «خطوط قواتنا الدفاعية قوية ومتماسكة، ومقاتلونا يمسكون بزمام التفوق الميداني»، مضيفاً أن «قوات العدو لا تزال في حالة حصار جراء قطع خطوط إمدادها». وأشار سريع إلى «مصرع وإصابة أكثر من ألفين و224 مرتزقاً، بينهم 33 سودانياً»، إضافة إلى «تدمير 183 مدرعة وآلية عسكرية مختلفة».
التطورات السياسية أسرع من جمود الجبهة
تشي الوقائع الميدانية، أن «التحالف» يقترب من الإذعان لاستحالة تغيير الواقع العسكري في الساحل الغربي للبلاد، لا سيما وأن التطورات السياسية الداعية الى وقف الحرب باتت أسرع الجمود العسكري على جبهة الحديدة، والذي لم تستطع قوات «التحالف» اختراقه.
تراجعت حدّة المعارك في الحديدة، مؤخراً، تحت «غطاءٍ انساني» سمح «للتحالف» بوقف عملياته، من دون المساس بـ«الهيبة العسكرية». فقد زار وفد أممي الحديدة، للضغط باتجاه وقف القتال، مؤلف من رئيس ومدير تنفيذي لـ«برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة حول العالم»، ديفيد بيزلي، ومنسق «الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة» في اليمن، وليزا غراندي، والمدير الإقليمي لليمن، لـ«منظمة الغذاء العالمي»، ستيفن أندرسون. والتقى الوفد خلال الزيارة لم تستغرق سوى ساعتين، مع مسؤولين تابعين لحكومة «الإنقاذ»، من بينهم محافظ الحديدة، محمد قحيم، قبل أن يتوجهوا لزيارة ميناء الحديدة، وكان اللقاء هناك بحضور، عضو المجلس السياسي في حركة «أنصار الله»، محمد البخيتي. في حين لفتت مصادر إعلامية، إلى أن الزيارة «كانت أمريكية بامتياز نظراً لجنسية أعضاء الوفد، وأن البعد السياسي لها طغى على البعد الإنساني».
القبول بالمفاوضات تحت غطاء «المبادرة الإنسانية»؟
بالتوازي مع الزيارة، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، أن «قوات التحالف ستسمح للأمم المتحدة بالإشراف على إجلاء طبي لجرحى الإنقاذ، الى سلطنة عُمان، قبل سلسلة محادثات سلام جديدة في السويد ستعقد في وقت لاحق هذا الشهر». واعتبرت الوزارة، أن «الخطوة السعودية تقدماً كبيراً في سياق إجراءات بناء الثقة»، التي من شأنها التمهيد لـ«بدء محادثات سياسية في السويد بحلول نهاية نوفمبر». ويذكر، أن قضية نقل جرحى «الإنقاذ» إلى الخارج، كانت أحد أسباب فشل عقد محادثات سلام في جنيف في سبتمبر الماضي، ما يشير الى تطورٍ سياسي معطوف على الواقع الميداني يوحي باستعداد «التحالف» للذهاب في المفاوضات أبعد من أي وقتٍ مضى.
وفي ستوكهولم، قالت وزيرة الخارجية السويدية، مارغو والستروم، إن بلادها مستعدة «لاستضافة الاطراف المتنازعين في اليمن حال جهوزيتهم». بدوره، دعا مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، إلى «وقف إطلاق النار حول مدينة الحديدة اليمنية»، مطالباً «الأطراف التزام وقف إطلاق النار، وخصوصاً داخل وحول جميع البنى التحتية والمنشآت الضرورية لإدخال المساعدات والواردات التجارية».
وسبق ذلك، تحركات أمريكية-بريطانية، دبلوماسية، عل الخط ذاته، تمثلت بزيارة لوزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، إلى الرياض وأبو ظبي، منذ أيام، اعتبر خلالها أن «الحل الوحيد الآن في اليمن هو اتخاذ قرار سياسي بتنحية السلاح والسعي إلى السلام»، ورأى هانت إثر محادثات مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين، أن فرص العودة إلى المفاوضات صارت «أكثر واقعية». بموازاة ذلك، أجرى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اتصالاً بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، دعاه فيه إلى «وقف الأعمال العدائية» في اليمن، وأن «يأتي جميع الأطراف إلى الطاولة من أجل التفاوض على حل سياسي للنزاع».
إشارات متعددة تعطي دفعاً للحل السياسي
تبقى التساؤلات مطروحة، حول مدى جدية الخطوات الغربية، باتجاه الضغط على «التحالف» لوقف الحرب في اليمن، بالإضافة الى جهوزية الأخير للانتقال الى طاولة المفاوضات والتخلي عن الخيار العسكري، إلا أن الإشارات السياسية والعسكرية، تعطي دفعاً للمفاوضات المزمع عقدها في السويد، وما سيترتب عليها من نتائج إيجابية.
في المحصّلة، فإن المشهد اليمني مقبل على تطوراتٍ عديدة، تبعث بعض تفاصيل التحضير لها، على التفاؤل بقرب انتهاء الحرب، إن من جهة الضغوط الغربية، أو من جهة تراجع الزخم العسكري لصالح الحديث عن مفاوضات، إلا أن الساعات المقبلة وما تحمله، تبقى رهينة اقتناع الأطراف اليمنية المتنازِعة، أن الحل السياسي للأزمة، ليس بديلاً عن «الحل العسكري»، بقدر ما هو «الحل الأوحد».
(العربي)