من دون أي نتيجةٍ ميدانية تُذكر، يغلق «التحالف» صفحةً أخرى من معارك الحديدة، والتي وصلت في الآونة الأخيرة، الى إعلان انطلاقتها ثلاث مرات في الأسبوع. لكن المختلف هذه المرة، أن انتهاء العمليات يصاحبه مساعٍ غربية، بريطانية وأمريكية، على وجه التحديد، لوقف الحرب في اليمن نهائياً. ما يشي بأن المُهل استنزفت بكامل دقائقها، ولم يعد بالإمكان أكثر مما كان، لجهة الدعم والتغطية الغربيين، لحرب «التحالف».
«الشرعية» و«التحالف» توقفان إطلاق النار
بعد هدوءٍ شهدته جبهات مدينة الحديدة، خلال اليومين الماضيين، وما صدر عن «هدنة غير معلنة» ثبّتها وفد الأمم المتحدة الذي التقى مسؤولي حكومة «الإنقاذ» في المدينة، يعلن «التحالف» وقف العمليات العسكرية، حسب ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤولين عسكريين. وفيما يؤكد «التحالف» أن إعلانه وقف العمليات يأتي استجابةً لـ«مطالب دولية لضمان حضور حكومة الإنقاذ محادثات السلام المزمعة»، فإن وقائع الميدان تبقى عصيةً على تزوير الأسباب، لا سيّما وأن معركة الساحل الغربي، أثبتت أن «الحلّ العسكري» الذي دخلت به السعودية والإمارات الحرب، أصبح خارج التداول دولياً، لعجز «التحالف» عن فرضه، لا لسببٍ آخر.
سبقت تصريحات «التحالف»، تصريحات مشابهة لـ«حكومة الشرعية»، أعلنت خلالها «وقف إطلاق النار، ووقف أي تصعيد عسكري وأي تقدم في مدينة الحديدة»، وفق ما نقلته وكالة «فرنس برس». يأتي ذلك كمحاولةٍ لإيهام الرأي العام اليمني، على وجه التحديد، أن قرار «وقف إطلاق النار» اتخذته «الحكومة» وسار به «التحالف»، في التفافٍ على حقيقةٍ باتت واضحة مفادها أن هذا القرار اتخذته دوائر القرار الغربية وسارت به قوات «الشرعية» و«التحالف».
هل يستهدف «التحالف» الميناء؟
عجزت قوات «الشرعية» و«التحالف» طوال عشرة أيامٍ من تحقيق أي تقدمٍ باتجاه ميناء الحديدة، رغم استهدافه بالعديد من الغارات، حسب ما تؤكده حكومة «الإنقاذ». وكان «التحالف» يهدف من الوصول إلى الميناء، لغرض السيطرة على إمدادات الغذاء والمشتقات النفطية، ومع فشل تلك المهمة، فإن المخاوف تتزايد من إمكانية لجوء «التحالف» إلى شن غارات على الميناء وتدميره، تحت مزاعم عديدة يمكن تدبيرها، إن من جهة «التقليل من أهمية تشغيله على الصعيد الإنساني»، على عكس ما تؤكد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أو من جهة إيهام الرأي العام أن حركة «أنصار الله» تمهّد لتدميره، وهو ما يبقى بعيداً عن الوقائع، بما أنه الميناء الوحيد الذي تستفيد منه الحركة، فكيف تغلق جميع المنافذ على نفسها؟
في جميع الأحوال، فإن تلك العملية، ومع احتمالية وقوعها، تبقى محفوفة بمخاطر عديدة، على كافة الصعد، لا يمكن للرياض تحمّلها في ظلّ الضغوط التي تتعرّض لها بما يخص «قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي»، هذا من دون الدخول بالرد المحتمل لـ«حكومة الإنقاذ»، والذي من المحتمل أن يمهّد لمرحلة جديدة، لما يتمتع به ميناء الحديدة من أهمية سياسية وعسكرية واقتصادية.
مرحلة ما بعد هادي
في غضون ذلك، فإن الإشارات السياسية القادمة من «الشرعية» تنبئ بالتجهيز لمرحلةٍ جديدة، لربما هي مرحلة «ما بعد الحرب»، أو مرحلة «المفاوضات». في الأيام الأخيرة، تداولت عدة مصادر يمنية وأجنبية معنية بالشأن اليمني، خبراً عن «تدهور صحة الرئيس، عبد ربه منصور هادي»، وعن أنه في «في حالة موت سريري بإحدى المستشفيات الأمريكية». وتحدثت مصادر يمنية عن أن ابنه ناصر، المسؤول عن فريق حمايته، هو من يقوم بتصريف أعمال الرئاسة خلافاً للقانون، ويصدر قرارات بتعيينات وزارية ودبلوماسية وعسكرية، وذلك لإظهار أن الرئيس هادي لا يزال يعمل من ناحية، ومن ناحية أخرى أكثر أهمية تتعلق بترتيب البيت الداخلي.
تسعى الرياض وأبو ظبي، إلى إتمام مرحلة ما بعد الرئيس هادي، قبيل الذهاب إلى المفاوضات مع حكومة «الإنقاذ»، فيما تصطدم تلك المساعي بعقباتٍ عديدة، أهمها الشخصيات التي ستستلم الرئاسة بعد هادي. ويُطرح اسم محمد الشدادي، المقرب من الرئيس هادي، كأبرز المرشحين لرئاسة المجلس النيابي، في المرحلةِ المقبلة، بحيث يتولى أيضاً، صلاحيات الرئيس بعد وفاته. وستنفذ تلك الترتيبات، في حال تغييب منصب ودور نائب الرئيس الذي يشغله، اللواء علي محسن الأحمر، المقرّب من حزب «الإصلاح»، والذي عقد في الآونة الأخيرة، حسب مصادر، العديدة من الاجتماعات مع مسؤولين من الرياض وأبو ظبي، للوصول إلى اتفاق.
عقبات وصول اللواء أحمر للرئاسة
تواجه فرضية تولي اللواء الأحمر لمهام الرئاسة تحدياتٍ في أكثر من جانب، لما تثيره تلك الشخصية من التباسات، ليس فقط لدى أطراف «الشرعية» بل لجميع مكونات الجنوب بشكلٍ عام. فهو «شمالي» قاد عمليات السيطرة على «التمرد الجنوبي» عام 1994. وقاد أيضاً الحرب ضد حركة «أنصار الله» بين عامي 2004 و2010. ويعد من الشخصيات القريبة من الحركة «السلفية» في اليمن، إلى جانب تحالفه مع «الإخوان المسلمين» وفرعهم اليمني «الإصلاح». لكنه، وعلى الرغم من ذلك، فإنه حافظ على علاقة جيدة مع السعودية، ويقضي فيها معظم وقته متنقلاً بينها وبين محافظة مأرب، التي تعد مركزاً للعديد من مقاتلي حزب «الإصلاح».
إلى ذلك، يلقى تولي اللواء الأحمر لمهام الرئاسة «معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة على حد سواء»، حسب تقريرٍ مفصلٍ نشره معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، استعرض احتمال تولي اللواء الأحمر للمنصب. ورأى التقرير، أنه «إذا أصبح علي محسن رئيساً للجمهورية، سيؤدي ذلك إلى تعميق الشعور الانفصالي بين الجنوبيين الذين يرونه كواجهة للحرب الأهلية، وسيوحد ذلك جميع الفصائل والمكونات الجنوبية ضده».
تحضيرات «التحالف» رهينة نتائج المفاوضات
في المقابل، فإن تلك التحضيرات لما بعد الرئيس هادي، تبقى رهينة النتائج المترتبة على المفاوضات القادمة في السويد. وتتعدد الأطراف المؤثرة في هذا الجانب، لا سيّما حكومة «الإنقاذ»، التي ستدخل المفاوضات محملة بالعديد من الملفات والطروحات للحلّ، مدعومةً بنقاط قوة عديدة، بعد فشل «التحالف» في الحديدة. في هذه الأثناء، تبقى دعوات العودة إلى «الانفصال» مطروحة أيضًا، تجاريها مخاوف فشل المفاوضات والعودة إلى الحرب.
(العربي)