لكن رحلته الآسيوية لم تجلب السعادة والابتسامة لوجه شعب كان بأمسّ الحاجة إليهما، بسبب الظروف الإنسانية التي يعاني منها نظير الحرب المدمرة، التي يعيشها منذ سنوات عدة، إذ خرج المنتخب اليمني خالي الوفاض من دور المجموعات، إثر تعرضه لثلاث هزائم متتالية أمام إيران والعراق وفيتنام في المجموعة الرابعة، بعدما تلقت شباكه 10 أهداف ولم يستطع لاعبوه تسجيل أي هدف في أول مشاركة لهم في المسابقة القارية.
وعانى لاعبو المنتخب اليمني أثناء التصفيات من التنقل والترحال، بسبب ظروف الحرب من قصف جوي وحواجز عسكرية برية، إذ لم ينسَ نجوم “أسود سبأ” تلك الرحلة البحرية على متن سفينة مخصصة لشحن البضائع، وليس لنقل الأشخاص، عندما انطلقوا من ميناء الحديدة إلى جيبوتي، إذ استغرقت رحلتهم 18 ساعة، بسبب عاصفة بحرية كادت تغرق السفينة، التي يستقلونها.
وبعد الخروج الآسيوي، تواصل الجماهير اليمنية سؤال نفسه عن الوقت الذي سيعودون به إلى المدرجات لمتابعة أنديتهم المفضلة، حتى يتابعوا الدوري الذي توقف في موسم 2014/ 2015 لأول مرة منذ اتحاد الشمال والجنوب في 22 مايو/ أيار عام 1990، بسبب الحرب.
وتجمّدت الدوريات المحلية اليمنية، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، والغارات الجوية للتحالف، حيث توقف النشاط الرياضي لأربعة عشر نادياً في الدرجة الأولى، و20 بالدرجة الثانية، و300 فريق في الدرجة الثالثة في وطن يشتهر بالمواهب الشابة، التي تعشق الساحرة المستديرة، وتطمح إلى الاحتراف الكروي مثل نظرائها في الدول العربية، كونها دخلت بلادهم مع نهاية القرن التاسع عشر.
ويعدّ اليمن من الدول العربية الأولى التي دخلتها لعبة كرة القدم، بعدما شاهد اليمنيون الجنود البريطانيين الذين كانوا موجودين فيه يلعبونها في معسكراتهم، لتنتشر بسرعة في أحياء وأزقة المدن اليمنية، وليصبح نادي الاتحاد المحمدي أول فريق يتم تأسيسه في منطقة الخليج العربي عام 1905، إذ تم دمجه فيما مع أندية الأهلي والأحرار عام 1975.
وعلى الرغم من عراقة الكرة اليمنية في تاريخ المنطقة، فإنها تعاني بشكل مستمر بسبب الحروب، التي شهدها البلاد على مر التاريخ، إلا أن الحرب الأخيرة الشرسة أوقفت الدوري اليمني لأول مرة منذ سنوات، خاصة أنه كان مستمراً قبل توحد اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي في عام 1990.
وتسببت الحرب العسكرية الشاملة بوقف برامج التطوير، التي تم وضعها بعد الاستضافة الناجحة لخليجي 20، الذي فازت به الكويت على السعودية بهدف وليد جمعة في الدقيقة (94) على ملعب “22 مايو” في مدينة عدن في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول عام 2010، إذ بقيت الخطط حبيسة الأدراج، بالإضافة إلى ضعف الإمكانات المادية والبنى التحتية الرياضية المدمرة، التي وصلت إلى نحو 90 في المائة من إجمالي المنشآت الرياضية، وخصصت الحكومة اليمنية مبلغ 500 مليون ريال يمني، ما يعادل مليون دولار أميركي، كدعم سنوي للمنتخبات، وهو رقم بسيط للغاية، مقارنة بالمنتخبات العربية الأخرى.
ولم تقتصر معاناة لاعبي المنتخب اليمني على حرمانهم لعب كرة القدم مع أنديتهم في الدوري المتوقف، بل تشكّل قضية الاحتراف هاجساً كبيراً أمامهم، إذ لديهم محترفان يلعب أحدهما في صفوف نادي السيلية في دوري نجوم قطر وهو علاء الصاصي البالغ من العمر (31) عاماً، بعدما فسخ عقده مع فريق شباب العقبة الأردني في الانتقالات الشتوية قبل الماضية.
أما المحترف الآخر، فهو النجم الشاب أحمد السروري صاحب الـ(20)، الذي انضم إلى نادي سنترال سبورت بير نامبو مامنو البرازيلي المصنف في دوري الدرجة الثانية في بلاد السامبا خلال الانتقالات الصيفية الماضية، لكن في فترة الانتقالات الشتوية الماضية استطاعت إدارة نادي المرخية القطري الحصول على توقيع اللاعب المهاجم الواعد.
وعلى مر التاريخ لعب المنتخب اليمني العديد من المباريات، لكن تظل مباراته الدولية الأولى التي انتصر فيها على ماليزيا بهدف نظيف عام 1990 محفورة في ذاكرة الجماهير، بالإضافة إلى فوزه الساحق على بوتان 11-2 في الكويت، ضمن منافسات التصفيات المؤهلة لبطولة كأس الأمم الآسيوية التي أقيمت في لبنان عام 2000، إذ يحتل المركز 147 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الصادر في شهر فبراير/ شباط الحالي.
ومنذ تأسيس المنتخب اليمني في عام 1962 استمر في لعب دور مبعوث السلام بين أبناء الشعب، إذ أخذ دور إدخال الفرحة والسرور في قلوب الشعب العاشق للساحرة المستديرة، على الرغم من انتماءاته السياسة والدينية المختلفة، والحروب الشرسة التي عانى منها طوال تاريخ دولته في العصر الحديث.