الحديدة نيوز- سالي اسماعيل
بدأت البنوك المركزية في كافة أنحاء العالم تغيير اللهجة الخاصة بها لتصبح أكثر حذراً وأقل تشدداً، وهي السمة التي كانت في صدارة أهم الأحداث حول العالم في الأسبوع الماضي.
ويأتي التحول في نبرة كبرى المصارف المركزية العالمية في سياق القلق المتزايد بشأن تباطؤ التضخم وسط تباطؤ أداء الاقتصاد العالمي.
وفي الواقع، تسيطر السياسة الحذرة على اجتماعات البنوك المركزية حول العالم منذ بداية العام الحالي، ليتجه الجميع شيئاً فشيئاً نحو سياسات نقدية أقل تشدداً بل لجأ البعض إلى العودة نحو أساليب تحفيزية من جديد.
وفي الأسبوع الماضي، أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بأنه يجب البقاء في نطاق سياسة “الانتظار والصبر” حيال إدخال تعديلات جديدة في معدلات الفائدة.
وبعد أن قام المركزي الأمريكي بتثبيت معدل الفائدة للمرة الثانية في العام الحالي، خفض توقعات زيادتها إلى الصفر خلال 2019 بعد أن كان يتوقع في السابق أنه سيقوم برفعها مرتين.
وفي نفس السياق، قرر الفيدرالي البدء في إبطاء وتيرة خفض الميزانية العمومية للبنك في مايو المقبل على أن يتم وقفها نهائياً في سبتمبر القادم.
وتتماشى هذه القرارات مع تعديل البنك رؤيته للوضع داخل البلاد خلال العامين الحالي والمقبل، حيث خفض توقعاته للنمو الاقتصادي إلى 2.1% و1.9% على الترتيب بدلاً من 2.3% و2% تقديرات سابقة كما قلص تقديرات التضخم بالفترة نفسها.
جدير بالذكر أن النشاط الاقتصادي في الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر حول العالم سجل أدنى مستوى في 6 أشهر خلال مارس الماضي.
وفي تعليق على تحركات الفيدرالي الأخيرة، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي طالما انتقد البنك المركزي على سياسته بشأن رفع معدلات الفائدة، إن تحذيراته السابقة أثبتت أنها “صحيحة”، مطالباً بعدم القيام بالتشديد النقدي الآن.
ودفع هذا التحول في لهجة البنوك المركزية العالمية عوائد السندات الحكومية حول العالم إلى مستويات متدنية جديدة، وعلى رأسهم هبوط العائد على الديون الألمانية دون مستوى صفر للمرة الأولى منذ عام 2016.
وشهد الأسبوع المنقضي، تراجع منحنى العائد بين السندات طويلة الآجل (لمدة 10 سنوات) وبين قصير الآجل (يحين موعد سدادها بعد 3 أشهر) لمستويات هي الأدنى في سنوات عديدة لينتهي به الحال وهو في وضع انعكاس للمرة الأولى في 12 عاماً.
ويعني انقلاب منحنى العائد (أيّ عندما يكون العائد على السندات قصيرة الآجل أعلى من العائد على نظيرتها طويلة الآجل) أن المستثمرين يتوقعون حدوث ركود اقتصادي في المدى القريب.
ولم يكن الفيدرالي هو قائد هذه المسيرة، بل أن البنك المركزي الأوروبي بدأ هذا التحول نحو التيسير النقدي مجدداً من خلال تأجيل خطط رفع الفائدة إلى جانب اعتزامه طرح برنامج تحفيزي للقروض الرخيصة للبنوك.
وقرر المركزي الأوروبي خلال اجتماعه الأخير الإبقاء على معدلات الفائدة في منطقة اليورو دون تغيير حتى نهاية العام الجاري على الأقل وهو الوضع الذي يختلف عن لهجة البنك التي كانت تتوقع بقاء الفائدة حتى صيف 2019 فقط.
وفي ظل ما اعتبره المركزي الأوروبي بمثابة حالة من عدم اليقين تتطلب الخطوات الحذرة، أعلن البنك نيته لطرح سلسلة جديدة من عمليات إعادة التمويل طويلة الآجل رخيصة للبنوك من سبتمبر 2019 وحتى مارس 2021.
وفي الأسبوع الماضي، أضافت بيانات تتعلق بالنشاط الاقتصادي نظرة قاتمة حول أداء اقتصاد منطقة اليورو، حيث تراجع المؤشر الصناعي في هذا الشهر لأدنى مستوى في 6 سنوات.
وفي مفاجأة تخالف التوقعات، انكمش النشاط الصناعي في فرنسا خلال الشهر الحالي لأدنى مستوى بـ3 أشهر كما هبط القطاع الخدمي دون 50 نقطة، وهو الحد الفاصل بين التوسع والانكماش.
ومن جهة أخرى، واصل مؤشر النشاط التصنيعي في ألمانيا الانكماش في مارس الجاري ليكون عند أدنى قراءة في 79 شهراً مع إخفاق أداء القطاع الخدمي كذلك.
وفي الوقت نفسه، لا يزال يتبع بنك إنجلترا نظرة حذرة وسط حالة عدم اليقين بشأن البريكست، حيث ذكر أنها تلقي بظلالها على التوقعات الاقتصادية قصيرة الآجل.
ويأتي قرار تثبيت المركزي البريطاني لمعدل الفائدة الرئيسي وسط استعداد المملكة المتحدة لمغادرة عضوية الاتحاد الأوروبي في ظل حالة اليقين التي تخيّم على البريكست بعد طلب رئيسة الوزراء تريزا ماي تمديد المادة 50.
وأبدى الجانب الأوروبي موافقة مشروطه على هذا الطلب، والتي من شأنها إقرار تأجيل البريكست حتى 22 مايو القادم حال قبول البرلمان صفقة تريزا ماي أو حتى 12 أبريل المقبل حال رفض مجلس العموم هذه الصفقة، والتي من شأنها أن تكون المرة الثالثة التي تتلقى فيها الحكومة الهزيمة.
وداخل بلاد الدب الأبيض، فإن البنك المركزي الروسي لا يزال يقف في المنتصف، حيث أنه أبقى على معدل الفائدة (7.75%) في اجتماعه بالأسبوع المنصرم لكنه ألمح لإمكانية التحول نحو خفض الفائدة في هذا العام.
وكان البنك المركزي في سويسرا قام بزيادة معدل الفائدة مرتين في العام الماضي في ظل محاولات كبح التضخم.
ولم تُبدِ سويسرا اختلافاً كبيراً خلال اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي، حيث قرر إبقاء معدل الفائدة كما هو في نطاقه السالب عند -0.75% لكنه حذر من بيئة الاقتصاد العالمي التي يراها أضعف من المتوقع.
وفي أكبر اقتصاد داخل الشرق الأوسط، أعلن المركزي التركي تعليق اتفاقيات إعادة الشراء “الريبو” لمدة أسبوع لفترة غير محددة وذلك في خطوة غير متوقعة أرجعها البنك إلى رصد التطورات بالأسواق المالية.
وعانت الليرة التركية من خسائر حادة في ذاك اليوم مع عودة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وتركيا من جديد، وذلك بعد أن ضرب الركود اقتصاد البلاد.
وعلى صعيد آخر، يسبح “نورجس بنك” ضد التيار، حيث قرر زيادة معدل الفائدة الرئيسي في النرويج مع الإشارة لاحتمالية تنفيذ قرارين مماثلين بالرفع في بقية العام الحالي.
ويتزامن قرار المركزي النرويجي مع توسع اقتصاد البلاد بوتيرة قوية إلى جانب بقاء التضخم الأساسي أعلى قليلاً من المستهدف لكن البنك أبدى في الوقت نفسه المرونة حيال تعديل مسار السياسة النقدية استجابة للتطورات الاقتصادية.
المصدر- مباشر