الأعمال التصعيدية تهدّد التسوية السياسية
بقلم/محمد عبده سفيان
مثّل مؤتمر الحوار الوطني الشامل والذي اختتم أعماله أواخر شهر يناير مطلع العام الجاري بعد عشرة أشهر متواصلة من جلسات الحوار بين ممثلي مختلف المكوّنات السياسية والاجتماعية والشبابية والمرأة؛ محطة تاريخية مهمّة في حياة الشعب اليمني تم التوقف فيها لمراجعة فترة خمسين عاماً مضت من مسيرة اليمن الجديد، يمن ما بعد الحكم الإمامي في الجزء الشمالي والغربي من الوطن والحكم السلاطيني والاستعمار البريطاني في الجزء الجنوبي والشرقي، وما حدث فيهما من صراعات وتناحرات دموية وحروب طاحنة على السلطة والتي كان آخرها الأحداث المؤسفة التي شهدها الوطن في العام 2011م.
وقف أعضاء مؤتمر الحوار الوطني بمسؤولية وطنية أمام كل القضايا التي تهم الوطن اليمني أرضاً وإنساناً، وخلصت تلك النقاشات والحوارات الجادة والمسؤولة التي جرت بين المتحاورين برعاية مباشرة من فخامة الأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية إلى الخروج بمصفوفة وطنية متكاملة حول مجمل القضايا والمواضيع التي تلبّي آمال وتطلُّعات أبناء الشعب اليمني في بناء اليمن الجديد وقيام الدولة المدنية الحديثة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وسيادة النظام والقانون على جميع اليمنيين دون استثناء.
لقد شكّلت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في مجملها خارطة طريق للسير نحو المستقبل، واستبشر اليمنيون خيراً عندما شاهدوا المتصارعين على السلطة يجلسون إلى جوار بعض وعلى طاولة واحدة داخل قاعة مؤتمر الحوار وظلّوا ينتظرون بفارغ الصبر لحظة اختتام أعمال المؤتمر وإعلان مخرجاته، وما أن عقدت الجلسة الختامية وتم إعلان المخرجات التي تمخض عنها المؤتمر حتى تنفّسوا الصعداء.
وقد تفاءلنا جميعاً ببدء عهد جديد، وهلّلنا فرحاً بالخروج من عنق الزجاجة، ولكن للأسف الشديد ما يحدث اليوم ومنذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أطرافاً لها حساباتها وأجنداتها الخاصة، ولذلك فهي لا تريد لليمن واليمنيين الخروج من عنق الزجاجة ودوّامة الفوضى والدمار وحالة اللا أمن واللا استقرار لكي تتمكّن من تحقيق أجنداتها وأهدافها في ظل استمرار هكذا وضع.
فالمواجهات المسلّحة في أكثر من منطقة وخصوصاً في عمران وحجة وصعدة والجوف وبعض مناطق محافظة صنعاء بين الحوثيين من جهة والقبائل من جهة أخرى، والعمليات الإرهابية وجرائم الاغتيالات التي تحدث بشكل شبه يومي في أرجاء متفرّقة من الوطن، واستمرار الاعتداءات على أنابيب النفط والغاز وأبراج وشبكة نقل التيار الكهربائي في مأرب ونهم، واستمرار عمليات التقطُّع وحجز ناقلات المشتقات النفطية في أكثر من منطقة، وكذا عودة الأعمال التصعيدية سواء من خلال نصب الخيام وقطع الشوارع وإغلاق المؤسسات الحكومية كما هو الحال في محافظتي إب وعمران أو من خلال العودة لأداء صلاة الجمعة في الساحات والشوارع كما هو الحال في شارع الستين وأمام الجامعة في العاصمة صنعاء أو ساحة الاعتصام بشارع الهريش وشارع جمال عبدالناصر في مدينة تعز أو من خلال الخطب المنبرية في المساجد والساحات والشوارع، وكذا الخطاب السياسي والإعلامي غير المسؤول.
كل هذه الأعمال التصعيدية تشكّل تهديداً خطيراً على التوافق الوطني والتسوية السياسية، حيث تنذر بكارثة كبيرة على الوطن والشعب إذا لم يتم العمل على احتوائها قبل أن تستفحل بشكل أوسع مما هي عليه حالياً، ولذلك فإنه يتوجّب على كل العقلاء في هذا الوطن العمل على وقف كل الأعمال التصعيدية، وعلى كل شرفاء الوطن الوقوف بمسؤولية وطنية صفّاً واحداً ضد كل من يريد العودة بالوطن والشعب إلى المربّع الأول الذي كان عليه في العام 2011م.
وعلى القيادة السياسية ممثّلة بفخامة الرئيس هادي اتخاذ القرارات الوطنية المناسبة لوقف كل أعمال التصعيد، وعدم السماح لأي طرف كان بتقويض العملية السياسية والعبث بالأمن والاستقرار، وسيقف كل أبناء الشعب اليمني الشرفاء إلى جانب الرئيس في تنفيذ قراراته التي تجنّب الوطن العودة إلى مستنقع الصراعات والحروب والفوضى والتخريب والتدمير.