الحديدة نيوز / أحمد الحسني
بحسب أحد كبار الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يجب ألاَّ يقترن اسم الولايات المتحدة مع التحالف في حربه اللاأخلاقية على اليمن ويجب أن تقف هذه الحرب الكارثية بشرط ألاَّ يبقى في السواحل اليمنية وباب المندب أية قوة لا تدين بالولاء للولايات المتحدة ..هذه هي معادلة الإدارة الأمريكية في معركة الحديدة والساحل والعدوان عموماً منذ أعلنه الجبير من واشنطن باسم تأمين الملاحة الآمنة أصلاً في البحر الأحمر وباب المندب، وهذه هي المعادلة التي تجعل الإدارة الأمريكية مولعة كالآخرين بالقلق الشديد، ومحذرة مع المحذرين من كارثة إنسانية ومجاعة مريعة في اليمن بسبب استمرار الحرب الحصار، ومؤكدة كالمؤكدين أن العمليات العسكرية لن تمكن التحالف من اجتياح الحديدة وإنما ستقتل مئات الآلاف من سكانها المدنيين وتغلق ما تبقى من مينائها في وجه أساسيات الحياة لأكثر من عشرين مليون يمني آخر، وتصف ذلك كالواصفين بأنه جريمة مريعة ضد الإنسانية وتقوم في نفس الوقت بتقديم الدعم اللوجستي لقوات التحالف التي ترتكب تلك الجريمة، ويغدق وزير دفاعها بطريقة مضحكة على الإمارات لقب إسبرطة الصغرى تثميناً لدورها المهم في تلك الجريمة..
لا وجه للمقارنة بين الإمارات وإسبرطة إلاَّ من حيث أن كليهما مكون من اتحاد أربع قرى، لكن معادلة الفصام الأمريكي هذه تشكل المعطى الرئيس الأول في تفسير استمرار التحالف السعودي الإماراتي ومرتزقتهما في مواصلة العمليات العسكرية في الحديدة والإصرار بكل عنجهية على رفض تنفيذ اتفاق السويد، كما أنه المعطى الرئيسي لمعرفة مستقبل الاتفاق ومدى جدية تصريحات قيادة التحالف واستعدادها لتنفيذه وما الذي يمكن أن يتبلور عنه كل ذلك القلق الأممي والتحذيرات والتشديدات في مواجهة هذا الصلف الذي يراهن في تبجحه الفج على إرادة السيد الأمريكي وحمايته باهظة الكلفة.
المعطى الثاني هو أن الضغط الاقتصادي الذي انتهجه التحالف منذ اليوم الاول للعدوان كعامل مساعد في نجاح الحملة العسكرية تنامى مع كل فشل عسكري ليصبح رهان التحالف الرئيس في حسم المعركة أولاً، ليصبح مع تعاظم اليأس من الحسم رهان التحالف في العملية التفاوضية يؤكد مسار الأحداث أنها النهاية الحتمية لهذه المغامرة التي أخطأ التحالف الصبياني في كل حساباته بشأنها .
إن معركة الحديدة هدفها الرئيسي اقتصادي وليس عسكرياً وتستهدف المواطن اليمني عموماً والضغط أكثر على الجبهة الداخلية ولا تستهدف خطوط إمداد عسكري أو السيطرة على موقع استراتيجي من الناحية العسكرية، إنها حملة عسكرية برية فاشلة أولى للسيطرة على الميناء الحيوي، وهي امتداد لسلسلة محاولات لتعطيله بدأ منذ توجيه رئيس المرتزقة بإلزام السفن المتجهة إلى الحديدة بالتحول إلى ميناء عدن وما تلاه من قرصنة العدوان البحرية على سفن الحاويات المتجهة إلى الحديدة وقصف كرينات الميناء ومنع تركيب الكرينات التي قدمتها الأمم المتحدة، إلى غير ذلك من الاعتداءات التي أثرت كثيراً على الطاقة الاستيعابية للميناء ..
كلا المعطيين يجعل توقع تنفيذ التحالف لاتفاق السويد في المستقبل القريب احتمالاً ضعيفاً، فلا يوجد ما يوحي أن ثمة تحولاً في الإرادة الأمريكية يساند حقيقة اتفاق السويد ما دام الساحل اليمني يدوي بصرخة الرفض للهيمنة الأمريكية والصهيونية، وما دام بقر الخليج تدر بالنفط والمال مقابل الحماية الأمريكية المعطيين، كما أنه لا يوجد في الوقت الراهن ما يدل على أن قيادة التحالف تملك ما يكفي من العقل للتعاطي بموضوعية والجلوس إلى طاولة تفاوض جاد للخروج من مأزق هذه الحرب، وليس لديها الحدود الدنيا من الجرأة لاتخاذ القرار المناسب بمنأى عن إرادة السيد الأمريكي، كما أن التنامي المطرد في فشل الحسم العسكري يغلب أكثر رهان التحالف على الضغط الاقتصادي كورقة تفاوضية يعزز من إمكانية تشبث التحالف السعو إماراتي بموقفه الرافض لتنفيذ اتفاق السويد والإبقاء على الحديدة مسرحاً للعمليات العسكرية بما يكفل المزيد من خنق تدفق حاجيات اليمنيين الأساسية كآخر وسيلة ضغط اقتصادي على جبهة الصمود الوطني يمكن استغلالها في أي عملية تفاوضية .. لكن ثمة معطيات أخرى تقول:
– إن تكاليف طاعة السيد الأمريكي صارت أكبر تكلفة ومرهقة أكثر للاقتصاد الخليجي بقدر ما أصبحت مجاراة صبية التحالف محرجة حتى لأساطين الوقاحة والبلطجة من مرابي القيم الزائفة في بورصة البترودولار وموضع انقسام حاد وعلني في دوائر القرار وإدارات الحلفاء الغربيين .
ـ إن الضغط الاقتصادي الذي لم يحقق الغاية منه كعامل مساعد في إنجاز الحسم العسكري قد خسر كرهان في انهيار جبهة الصمود اليمنية، وإنه كما كان صمود حامية الحديدة ونجاحها في التصدي لمحاولة اجتياح الحديدة قد حرم التحالف من تحقيق غاياته من الحملة العسكرية، فإن مرور الزمن يقضي على فرص استثمار بقاء المواجهات كورقة ضغط اقتصادي على طاولة التفاوض، وهذا يجعل من التمسك عبثاً وعبئاً لا طائل تحته .
ـ إن العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في المرحلة الأخيرة عكست تطوراً غير مسبوق في المدى والنوع والحجم يفترض به أن يفتح نظر قيادة التحالف على حقيقة فشلها الذريع وفداحة التمادي أكثر في المكابرة، ويدفع بتلك القيادة مهما اشتد غباؤها نحو مفاوضات جدية للخروج من مأزق الحرب عموماً وليس فقط التسويات الجزئية .
ـ إن تنامي التبرم الدولي من استمرار بن سلمان وبن زايد في مغامرتهما التي تقصف وتدمر منذ ما يقارب الخمسة أعوام اليمن وكل منظومة القيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية قد تجاوز خانة الامتعاض السلبي وبدأ يدخل مرحلة من الرفض الجدي، خصوصاً بعد قصف ابقيق والخريص وشعور العالم أن أثر هذه الحرب على اليمن قد تعدى فائض ترفه القيمي وبدأ يطال مصالحه المادية المباشرة وأن كلفتها ستدخل في فاتورة تدفئة منزل فنلندي في شتاء الشمال، وحساب القيمة المضافة في تكاليف إنتاج سلعة منافسة في مصنع في الشرق ..
ثمة عجرفة مُتخمة بالغباء والمال برعاية إرادة إمبريالية تجعلنا نفترض استمرار التحالف في التملص من تنفيذ اتفاق السويد حول الحديدة، والرهان على مواجهة تفقد مع كل يوم جدواها، وهناك بالمقابل تحولات في مسار الأحداث تجعلنا نتوقع أن يتم تنفيذ اتفاق السويد ضمن تسوية شاملة توقف الحرب وترفع الحصار، أما ما نستطيع الجزم به فهو أن عدالة قضيتنا والإيمان الذي يملأ أبناءنا المجاهدين في الجبهات وصبرنا في هذه المعركة هو التحالف الذي لن يُقهر ..