الحديدة نيوز / كتب / حسين علي غالب
في أواخر التسعينيات قررت عائلتي الذهاب إلى اليمن، بعد أن خرجت البلاد من حرب طاحنة بين اليمن بشقيه، في حينها اليمن والذي يطلق عليه اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء الذي كان يحكم تحت حكم علي عبدالله صالح وكلنا يعلم نهايته، واليمن الجنوبي الذي كان يحكمه علي سالم البيض والذي مازال حيا يرزق حتى يومنا هذا ويعيش بالمنفى وانتهت الحرب بانتصار علي عبدالله صالح وبات اليمن بلدا واحدا.
كانت اليمن كأي دولة خارجة من حرب ثقيلة حيث البنية التحتية المتهالكة والبطالة المتفشية والفقر يطل بوجهه في كل مكان، وهذه الأمور متوقعة بالنسبة لي، لكن كان “القات”هو ما يلفت انتباهي، حيث كل فئات المجتمع “إلا من رحم ربي” إلا ويشتري القات ويمضغه بفمه لساعات طويلة دون ملل أو كلل.
و”القات” لمن لا يعرفه نوع من الأوراق التي تنبت وله مضر، له أول وليس له آخر، كما أن منظمة الصحة العالمية اعتبرته عقارًا ضارًا من الممكن أن يتسبب في حالة خفيفة أو متوسطة من الإدمان، لكن الحق يجب أن يقال إنه أقل من الكحوليات والتبغ.
في دول إفريقية كثيرة نجد “القات” متداول لكن في تقلص وتراجع واضح حسب ما تذكر الدراسات الطبية الرصينة وحكومات الدول الإفريقية بالقريب العاجل سوف تقضي على “القات” بالضربة القاضية، لكن اليمن السعيد هو الوحيد الذي مازال محافظا على الصدارة والتميز باستهلاكه المفرط لـ “القات”.
اليمن المعروف بأرضه الخصبة وإنتاجه لأنواع لذيذة وشهية من الفواكه والبن كلها اختفت نهائيا، وبات ما يقارب أكثر من نصف الأراضي من المساحات الزراعية مزروعة فقط بـ”القات” حسب ما تذكر منظمة الأغذية والزراعة الفاو التابعة للأمم المتحدة، ومعها كميات هائلة من المياه لأن القات يستهلك الكثير من الماء حتى ينمو.
السواد الأعظم من الشعب اليمني بعد معاشرتي لكل شرائح المجتمع مجمع بأن “القات” ضار، لكن “القات” بالنسبة لهم بات جزءا من الحياة الاجتماعية للفرد، فإن كنت ناجحا وثريا عليك أن تشتري أنواعا محددة من “القات” الثمين، وهذا نوع من الثراء، والإنسان الذي توده وتحبه وتعتبره جزءا من العائلة أو صديقا مهما، فتعبيرا منك على اعتزازك به يجب أن تكرمه بكمية من “القات”، وقس على ذلك كل فعل يقوم به الفرد يجب أن يكون مصاحبا له “القات”.