الحديدة نيوز /خاص / شيماء الصلاحي
“تعالوا شلو بنتكم، كان زوجي خائفا جدا على نفسه وعلى وصمة العار التي قد تلحق به وبأهله إذا علم الجيران إصابتي بفيروس كورونا، شعرت كأن سهما اخترق جسدي المنهك ليقضي عليه، أخذوني أهلي وعزلوني بعيدة عنهم وحيدة أعاني آلام المرض والحزن الذي لم يجد متسعا لتفريغه واحتوائه”.
هكذا بدأت سميرة – اسم مستعار- وهي تحكي لنا ما حدث لها أثناء انتشار فيروس كورونا في اليمن منذ إبريل المنصرم، وتواصل: عشرون يوما لم أرى فيه أحد من أهلي فزوجي لم يأتي لزيارتي ولم يطمأن علي حتى هاتفيا، أولادي تم وضعهم عند أختي، أما أمي تم عزلها بعيدا خوفا مني، لم يبق سوى أختي التي لن أنسى فضلها ما حييت فكانت الوحيدة التي تدخل غرفتي وتقدم لي الطعام والدواء والمواساة وصديقتي التي كانت تهاتفني أكثر من ثلاث مرات في اليوم”.
سميرة وهي أم لطفلين تتابع حديثها: “حاصرتني الآلام من كل اتجاه، مرت تلك الأيام القاسية كأنها أعوام، كان المرض يطرحني كجثة هامدة أغيب ساعات عن الوعي وعندما اصحو ارى أربعة جدران تحيط بي والوحشة تلف روحي، كنت مستسلمة للموت وانتظره كل يوم وكل ساعة وكلما اتذكر تخلي زوجي عني يزداد ألمي فلو كان هو المصاب بالمرض لما تركته وحيدا ولما اعتبرته وصمة عار.”
صديقتها المقربة حدثتنا قائلة: “كانت سميرة في حالة يرثى لها، كنت قلقة جدا عليها واهاتفها في اليوم مرتين إلى ثلاث مرات وأقدم لها نصائح عن الاكل والشرب وضرورة التعرض للشمس وأقدم لها الدعم النفسي لكي تتحلى بالأمل، وأن تكون قوية من أجل أولادها”.
وبعد تنهيدة عميقة تعاود سميرة الحديث وتقول: بدأت بالتحسن قليلا وخرجت من الغرفة المعزولة بقيت فترة طويلة في بيت أهلي ولكن كأي امرأة يمنية وكما تقول عاداتنا “المرأة مالها إلا بيت زوجها”.
عدت إلى بيت زوجي لكن الذي انكسر بيننا لم يلتئم، وزادت معاناتي كلما رأيت غرفة سليفتي (أخت الزوج)، مروى المقابل لبابي فأتذكرها وتمر أمامي لحظاتنا الجميلة فتنتكس حالتي وتتدهور صحتي، فما حدث لي كان بعد إصابة مروى بفيروس كورونا وتكفلي برعايتها والاهتمام بها، وبعد مرور سبعة أيام من مرضها الذي يزداد سوءا بدأت أشعر بالتعب وأعاني من حمى وسعال خفيف لكني لم استسلم للمرض فكنت اتناول المهدئات وأقاوم من أجل الاعتناء بها”.
وعندما بدأت مروى بالتحسن بدت تباشير الأمل تلوح، هدء السعال وطلبت الطعام والشوكولاتة، وكانت تلك المرة الأولى منذ مرضها التي تطلب فيه الطعام، قدمته لها وانا اشعر بسعادة وهي تتناوله وتتحدث إلي كما كنا من قبل، وفجأة وفي لحظة توقف فيها الزمن نظرت مروى نحوي وأشارت بأصبعها إلى الأعلى و لفظت أنفاسها الأخيرة”،
*الخوف من موجة قادمة*
تكمل سميرة حديثها والغصة تحترقها “بعد موت مروى أصبت بصدمة نفسية شديدة مازال اثرها ينهش جسدي حتى الآن”.
طرقت سميرة جميع أبواب الأطباء وأجرت العديد من الفحوصات وكل النتائج تظهر سليمه، حتى أخبرها أحد الأطباء أن العامل النفسي هو السبب وأنها لا تعاني من أمراض جسدية.
وتضيف سميرة بسخرية وتهكم: “كما تعلمون من يذهب لطبيب نفسي في مجتمعنا يوصف بالجنون، إضافة إلى أن زوجي لم يوافق على ذلك ويخبرني أن اعالج نفسي بنفسي.”
وتختتم سميرة حديثها والدموع تملأ عينيها قائلة: “أشعر بخوف شديد كلما سمعت عن موجة كورونا القادمة”.
*اضطراب ما بعد الصدمة*
وتخبرنا سما فخرالدين وهي مرشدة نفسية في مشروع الحماية بمؤسسة فور هيومن للتنمية، خلال جائحة كورونا: أن ما حدث لسميرة يسمى كرب أو اضطراب ما بعد الصدمة، مؤكدة: أن ما تعانيه سميرة سببه الجانب النفسي، ولا ملامة عليها فقد لاقت الخذلان في الوقت الذي كان من شأنه تلقي الدعم من أقرب الناس لها، حيث أصيبت بالهلع النفسي والخوف الشديد منذ معرفتها بإصابة أخت زوجها ومع ذلك كتمت شعورها وقاومت.
وأكدت سما أن الاهتمام بالجانب النفسي للأشخاص المصابين بفيروس كورونا أو بمن حولهم لا يقل أهمية عن الجانب الصحي في العلاج، فالدعم النفسي المتمثل بالاحتواء والحب من المقربين بالمريض يقوي من جهاز المناعة ويضاعف من فرص الشفاء لديه.
*ثقافة مجتمعية*
وفي هذا الخصوص تحدثت الينا الأخصائية الاجتماعية حنان البحري بالقول: ما قام به زوج سميرة بتخليه عنها واهمالها يرجع إلى ثقافة المجتمع اليمني الذي يهضم حقوق المرأة ويقلل من قيمتها، إضافة إلى العادات والتقاليد اليمنية التي تلحق العار بالمرأة.
وأشارت البحري إلى أن جائحة كورونا المستجد قد أثرت على النسيج المجتمعي، فوصمة العار التي وصم بها الشخص والأسرة الذين تعرضوا للإصابة بالمرض وتخلي الآخرين عنهم قد أثر على العلاقات والروابط الاجتماعية ويرجع ذلك إلى تدني مستوى الوعي لدى فئة كبيرة من المجتمع، حد قولها.
ونوهت البحري إلى أهمية رفع مستوى الوعي لدى المجتمع اليمني بكيفية التعامل مع المصاب وأسرته وخاصة إذا كانت امرأة، اضافة إلى أهمية تقوية الروابط الاجتماعية كحلول رئيسية ستخفف من معاناة الشخص وأسرته.
وكشف استبيان حديث لقياس العنف ضد المرأة اليمنية أثناء انتشار جائحة كورونا، نفذته شبكة إعلام السلام والمنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني أن 60% من النساء اليمنيات قد تعرضن للعنف بكل اشكاله اثناء الجائحة وبلغت نسبة العنف الجسدي 66% وهي أعلى نسبة، فيما توزعت نسبة 40% على بقية أنواع العنف من لفظي ومعنوي وحرمان من الموارد.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA