الحديدة نيوز- متابعات-الحياة
من ثوابت السياسة الخارجية الكندية التنسيق مع الإدارة الأميركية، خصوصاً في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، ويبدو ذلك جلياً من خلال مواقف البلدين في شأن المسألة الفلسطينية، والعلاقة مع إسرائيل، ويتجلى التنسيق اليوم في الموقف من إيران ومن الأزمتين العراقية والسورية.
السياسة الخارجية لكندا مطروحة في معركة الانتخابات العامة هذا الخريف (تشرين الأول/أكتوبر) حيث تتنافس الأحزاب الرئيسية الثلاثة، حزب المحافظين الحاكم بزعامة ستيفن هاربر، وحزب الأحرار الكندي (الليبرالي) الذي يتزعمه جوستين ترودو، (وهو ابن رئيس وزراء كندا الأسبق بيار إليوت ترودو الذي رأس الحكومة الكندية لمدة 15 عاماً ما بين 1968 و1984 على فترتين شبه متصلتين)، وحزب الديموقراطيين الجدد الذي يتزعّمه توماس مولكير، وهو عماد المعارضة الكندية في مجلس العموم الكندي. بدأت الحملة الانتخابية هذا العام بحملة شعواء من الحزبين المعارضين ضد السياسة الخارجية لحكومة المحافظين وكان أبرزها الكلمة التي ألقاها جوستين ترودو في 22 حزيران (يونيو) الماضي حول العلاقات بين كندا والولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن خلال حكم حزب المحافظين في السنوات العشر الأخيرة فقدت كندا أي تأثير لها في واشنطن، ما وصفه المراقبون بالتبعية الكندية للسياسة الأميركية.
لكن المفاجأة كانت عندما أعلن ترودو في 24 من الشهر نفسه في مقابلة أجراها Terry Milewski في برنامج Power & Politics «السلطة والسياسة». الذي يعرض على قناة CBC، إنه إذا فاز حزبه في الانتخابات الاتحادية المقبلة، فإن حكومته ستُنهي مهمة قصف كندا مواقع الدولة الإسلامية في العراق وسورية وتستعيد العلاقات الديبلوماسية مع إيران، ما يعتبر خروجاً كبيراً على مسار حكومة هاربر في سياستها الخارجية.
وقال: «سننأى بأنفسنا عن مهمة قصف طائرات السي اف 18 لداعش في سورية والعراق، وإن هذه الحكومة فشلت في إظهار لماذا كان الأفضل لكندا أن تشارك المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش».
وبينما تعهد ترودو سحب المقاتلات الكندية من الشرق الأوسط، قال انه سيلتزم إرسال المزيد من الأفراد العسكريين للمساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية – إلى أكثر من 70 أو نحو ذلك من أفراد العمليات الخاصة الذين هم حالياً مع البيشمركة الكردية. موضحاً: «أن تنخرط قواتنا في شيء كنا أظهرنا فيه قدرة هائلة في افغانستان وفي أماكن أخرى غيرها وذلك بتدريب القوات المحلية على القيام بمهمات القتال على الأرض»، ولم يفصح ترودو عن عدد المدربين الكنديين الذين سيرسلهم إلى العراق.
ورفض ترودو أن يلتزم، في حال فوز حزبه بالانتخابات العامة، إرسال قوات كندية للقتال في العراق وإن تدهور الوضع الأمني هناك أكثر. وقال: «أعتقد أننا تعلمنا، منذ حرب العراق الأولى، ما يحدث عندما تنخرط القوات الغربية في القتال، لأنه ليس بالضرورة، سواء كان ذلك في ليبيا، أو في العراق، سيقود انخراط هذه القوات إلى نتائج كان الشعب ينتظرها هناك».
بالنسبة الى إيران قال ترودو إنه سيعمل على تطبيع العلاقات معها وأن حكومة هاربر أغلقت فجأة السفارة الكندية في طهران في العام 2012 وطردت الديبلوماسيين الإيرانيين في أوتاوا. «أعتقد أن كندا ستكون قادرة على فتح بعثتها في طهران، وكما أفهم كانت هناك مخاوف أمنية أدت إلى إغلاق البعثة، ولكن، أنا على يقين شبه تام أن هناك طرقاً لإعادة التواصل».
ردود الفعل، جاءت فوراً من حزب المحافظين بإعلان انتخابي يُظهر مجموعة من تنظيم «داعش» تنفّذ حكم الإعدام بالذبح على عدد من المعتقلين، يخلص إلى أن ترودو غير مستعد لمواجهة الإرهاب العالمي. ونشرت الصحف في عناوينها الرئيسية تصريحات ترودو وتعليقات اعتبرته غير مسؤول ويلزمه الكثير كي يتمكن من قيادة البلاد، وورد في إعلان انتخابي آخر لحزب المحافظين أن ترودو لا يحمل من خبرة في قيادة البلاد إلا اسمه الأخير (نسبة إلى والده) كي يفوز بأصوات الناخبين.
رئيس الورزاء ستيفن هاربر وصف تصريحات ترودو بـ «غير المسؤولة»، وقال في تصريح صحافي في مدينة كيبيك «أعتقد أنه أمر غريب جداً، في هذا الوقت بالذات، أن يأتي إعلان ترودو في اليوم الوطني لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب، وأن أوّليته هي قطع العلاقة التي بنيناها مع كل حلفائنا، ومع ائتلاف دولي واسع في المعركة ضد ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وهي المجموعة التي نفّذت وتخطط لهجمات ضد كندا والكنديين».
وأضاف: «أعتقد نيابة عن جوستين ترودو وتوماس مولكير (زعيما حزبي المعارضة في مجلس العموم) أن موقفهما من بعثتنا العسكرية في العراق وسورية والمهمة ضد الدولة الإسلامية هو من السياسة الانتخابية غير المسؤولة، وأعتقد أن معظم الكنديين يتفهّمون هذه الحقيقة.
وكان حزب الديموقراطيين الجدد على لسان زعيمه عارض توسيع مهمة البعثة العسكرية الكندية ضد الدولة الإسلامية، وقال جواباً عن سؤال وجّهناه إليه: إن حكومة هاربر تغرق كندا في حرب طويلة من دون وجود خطة ذات صدقية لمساعدة ضحايا هذه الحرب. وإن حزبنا يشعر بالقلق إزاء تورط كندا في الحرب الأهلية السورية مع غاراتها الجوية الجارية الآن.
وكان هاربر أعلن في كلمة له باللغة الفرنسية أمام الصحافيين إن حزب المحافظين يعتقد أنه من الضروري مواجهة الدولة الإسلامية في العراق وسورية في الخارج، لدرء ومنع وقوع هجمات هنا في كندا.
منذ حوالى سنة كان حزب الأحرار الكندي بزعامة جوستين ترودو الأول في الاستطلاعات التي كانت تجريها مؤسسات استطلاع الرأي في كندا، وكان فوزه في الانتخابات ضد حزب المحافظين، وانخفاض التأييد لحزب الديموقراطيين الجدد، حتمياً ومؤكداً. ولكن، اليوم، وبحسب الاستطلاعات، يبدو أن التأييد للحزب فتر، وخطر المواجهة في حرب ثلاثية مع الحزبين الآخرين أصبح واضحاً، ذلك أن الاستطلاعات أظهرت أن التأييد لحزب الأحرار الكندي بدأ بالتناقص وقد غطى عليه حزب الديموقراطيين الجدد، وخصوصاً بعد فوز الأخير في انتخابات مقاطعة ألبرتا في أيار(مايو) الماضي، ولكن انحدار التأييد للأحرار طال وما زال مستمراً وهو ذو مغزى.
ويقود حزب المحافظين بزعامة ستيفن هاربر الاستطلاعات هذا الأسبوع بحسب مركز الاستطلاع ذي الثقة Three hundred polling بنسبة 31 في المئة من التأييد في مقابل 29 لحزب الأحرار الكندي و29 لحزب الديموقراطيين الجدد، ما يمثّل تحولاً دراماتيكياً في فترة قصيرة. وبحسب الاستطلاعات فإن التأييد لبقاء كندا في التحالف حاز على 76 في المئة من المستطلعين، وأن 63 في المئة من أعضاء حزب الأحرار لا يؤيدون ترودو في مواقفه هذه من الدولة الإسلامية والعلاقة مع إيران. ويحاول ترودو استقطاب أصوات الكنديين الجدد أبناء الجاليات الاثنية الذين في معظمهم يتعاطفون مع المواقف السلمية في السياسة الخارجية الكندية، وعدم انخراط كندا في حروب خارجية. وتذكّر مواقف ترودو اليوم بموقف حزب الأحرار الكندي بزعامة والده بيار إليوت ترودو حين اتخذ قراراً ضد الإرادة الأميركية بمقاطعة كوبا وفرض الحصار عليها بعد أزمة خليج الخنازير.
* كاتب لبناني مقيم في مونتريال