لماذا تكلم أردوغان في هذا الوقت بالذات عن “إطاحة الأسد”؟
الحديدة نيوز / خاص
لاحظت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” أن “إطاحة الأسد” كانت لدى الرئيس التركي “السبب الرئيس” الثالث بالعدد لغزوه سوريا.
جاء في المقال:
عم تتحدث كلمات أردوغان بشأن الأسد؟ من أجل فهم المغزى الكامل لهذه الكلمات، من الضروري معرفة أين قيلت، ومعرفة ماذا حدث في الأيام الأخيرة.
في البداية، لنتذكر ماذا قيل بالضبط: “في سوريا قتل قرابة مليون شخص. ولا يزال الناس يقتلون هناك حتى الآن، من دون تمييز بين الأطفال، النساء أو الرجال. لقد صبرنا طويلا، ولكن صبرنا في النهاية نفد ولم نعد نحتمل ودخلنا إلى سوريا. لماذا دخلنا إلى سوريا؟ ليس لدينا أطماع بالأراضي السورية، نحن هناك من أجل إقامة العدالة، وإنهاء حكم الطاغية الأسد، الذي يرهب بلاده. وهذا هو السبب الوحيد، (الذي من أجله توجد تركيا في سوريا)”.
وفي الحقيقة، فإن هذا هو “السبب الرئيس” الثالث بالعدد للغزو، الذي كان يسميه الرئيس التركي قبل ذلك “مكافحة الإرهاب” – المتمثل بتنظيم “داعش”، وحزب “الاتحاد الديمقراطي” وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب”. ثم بدأ أردوغان الحديث بعد ذلك عن “منطقة عازلة” إلى الجنوب من الحدود التركية، لاحتواء اللاجئين الذين يقصدون تركيا، أو حتى لعودة ثلاثة ملايين لاجئ موجودين على الأراضي التركية.
وفي وسط الخبراء يوجد من يعتقد أن “إطاحة الأسد” كانت في الواقع الهدف الرئيس لأردوغان منذ بداية الأحداث في سوريا. وعلاوة على ذلك، إنها كانت “طلبية” (أو “طلبا”، أو “اتفاقا”) بين أردوغان والشيوخ العرب، الذين دفعوا له مقابل ذلك ثمن حملته الانتخابية للرئاسة التركية. لكن القادة العسكريين في الجيش التركي كانوا يمنعونه من الدخول إلى سوريا. فأين هؤلاء العسكريون الآن؟ لقد اختفوا وأصبحوا بكل بساطة غير موجودين. ويهلكون وراء جدران السجون المحصنة، “كخونة للوطن”.
ولكن هنا بالذات تبرز نقطة مركزية هامة يجب النظر إليها بعين الاعتبار، وهي العلاقة الجيدة بين موسكو وأنقرة.
فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ومساندة بوتين لأردوغان خلافا لشركاء أنقرة وحلفائها الغربيين، أقيمت بين الطرفين علاقة جيدة ولكن يصعب وصفها بالموثوقة، فقد سادها نوع من الشعور “بالامتنان” لموسكو. وانطلاقا من هذا جاءت التصريحات التركية حول الرغبة بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون والرسائل التي وجهت إلى أوروبا، مثل: “أنتم لا تحبوننا، ولكن يوجد من سيكون سعيدا بوجودنا معه”. هذا، إضافة إلى لقاءات زعيمي الدولتين، والمكالمات الهاتفية المتبادلة، واجتماعات رئيسي هيئتي الأركان العامة ومسؤولي استخبارات الدولتين، وكل ذلك كان يقول إن مؤشر السياسة التركية يكشف عن تغير كبير.
وهذا التغير في السياسة التركية حدث بسبب مسألة الكرد السوريين، حيث لم يحسب الأمريكيون أي حساب للرأي التركي. وعلى الرغم من أن موسكو لم تتخل عن علاقاتها الجيدة مع الأكراد السوريين، فإنها تلاقت مع تركيا هنا على هدف مشترك وهو وحدة سوريا.
وبالمناسبة، إن حزب “الاتحاد الديمقراطي” السوري و “وحدات حماية الشعب” يشكلان السبب الرئيس في الخلاف بين أنقرة وواشنطن. فالأمريكيون يرون أن هذه القوة الكردية، هي الأكثر فعالية في الحرب ضد تنظيم “داعش”، في حين أن تركيا ترغب في أن تقطع الولايات المتحدة علاقاتها كافة مع الأكراد، والتوقف عن دعم تقدمهم من شرق نهر الفرات إلى الغرب. ولكن الأمريكيين بالنتيجة تجاهلوا الموقف التركي كليا، واستمروا في تقديم الدعم إلى الحركات الكردية. وعبر الأكراد نهر الفرات ودخلوا منبج ويكفي أن يتقدموا مسافة 90 كم أخرى نحو الغرب في جنوب تركيا ليصبح من الممكن إنشاء كردستان السورية. وتركيا لم تستطع تحمل ذلك واضطرت إلى الدخول إلى سوريا بموافقة ضمنية روسية، وحتى سورية. وهذا تحديدا يؤكد الاعتقاد بأن أنقرة لن تتجاوز حدود الرؤية الروسية لحل الأزمة السورية. ولن يحدث مع الأسد أي شيء؛ لأن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قال: “سواء أعجبنا ذلك أم لا، فالأسد هو اللاعب الرئيس في الأزمة السورية ويجب أخذه بعين الاعتبار”. ومن الممكن أن نسمع تصريحات شبيهة بعد زيارته إلى موسكو قريبا.
وبالنظر إلى كل ما سبق، نصل إلى المكان الذي قيلت فيه الكلمات عن “نية إطاحة الأسد”.
لقد جاءت هذه الكلمات في كلمة ألقاها أردوغان في ندوة حول قضية الشرق الأوسط في مدينة اسطنبول، وكان موضوعها الرئيس فلسطين. وأردوغان شخص يعرف كيف يجير مثل هذه الفعاليات لحسابه السياسي الشخصي، وخاصة عندما تصغي له الغرفة العربية المتعاطفة معه، إذ لا يمكن أن يفوت الفرصة ليقول لها ما ترغب بسماعه.
ويوجد رأي آخر – من الممكن أن يكمن السبب في استباق اجتماع وزيري خارجية روسيا وتركيا يوم 01/12/2016 في مدينة ألانيا التركية، وبعد ذلك لقاء رئيسي وزراء البلدين يوم 06/12/2016، حيث تحاول أنقرة تأكيد استقلالية موقفها والتلميح إلى أنها تملك القدرة على المناورة في “أهدافها الرئيسة”، وبالتالي من الضروري التفاهم معها.
وبعد مقتل الجنود الأتراك إثر الغارة الجوية التي نفذها الطيران الحربي السوري في الأسبوع الماضي، من الممكن أن تكون تركيا قد أرادت التذكير بنفسها. ..