أطفال اليمن… وقود الحرب وضحاياها !!
الحديدة نيوز / عمار الأشول – بيروت
مقدمة :
لم تعد المشكلة في اليمن تتمثّل في تجنيد الأطفال فحسب، بل الزج بهم في المعارك دون تجنيد أو تأهيل أو تدريب، فإذا كان تجنيد الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون، فإن الزج بهم دون تأهيل هي أم الجرائم، حيث يشارك أطفال اليمن بنسبة كبيرة في الحرب الدائرة الآن، هذا ما أثبتته تقارير المنظمات الإنسانية المعنية.
في اليمن يدفع الأطفال الثمن الأغلى، لقد وثّقت الأمم المتحدة مقتل أكثر من 1339 طفل يمني بين مارس 2015 وأكتوبر 2016 ما دعا المدير التنفيذي لليونيسف، أنتوني ليك، أن يقول “هذا أمر مرفوض، وينبغي أن يتوقف فوراً”، مضيفاً أن “من حق الأطفال جميعهم في كل مكان في اليمن أن يتمتعوا بالحماية والرعاية الكاملة”، لكن للأسف، فإن أطراف الصراع لا تكترث لنداء المنظمات الإنسانية.
ومع احتدام الصراع في اليمن؛ اتّسعت دائرة تجنيد من هم دون سن الثامنة عشرة، وتزايد تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال المسلحة من قبل الجيش النظامي اليمني المنقسم، وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) و .”القاعدة” وغيرها من الميليشيات والجماعات القبلية
من المؤسف جداً، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن عدد الأطفال المجندين في اليمن، وذلك بسبب استمرار الصراع والمخاطر الأمنية التي تتهّدد عمل موظفي المنظمات الإنسانية، ولكن من الواضح، أن جماعة الحوثي هي أكثر الأطراف استخداماً للأطفال في الحروب، حيث يشكل الأطفال ثلث ميليشيا الجماعة، ويتوزّعون على جبهات القتال، وعلى المواقع والمقار العسكرية والمدنية، التي يسيطرون عليها في أرجاء البلاد.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قالت في بيان لها في مايو الماضي، إن “الأطفال يشكّلون حوالي ثلث مقاتلي جماعة الحوثي في البلد، وإن أعمار الأطفال الذين يشاركون في القتال قد لا تتجاوز الـ17 سنة”.
تُعرّف الأمم المتحدة الطفل الجندي، على أنه “أي شخص دون سن الثامنة عشرة من العمر، ولا يزال أو كان مجنّداً أو مُستخدَماً بواسطة قوّة عسكرية أو جماعة مسلحة في أي صفة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر؛ الأطفال والغلمان والفتيات الذين يتم استخدامهم محاربين أو طهاة أو حمّالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية”.
وصادقت الحكومة اليمنية والبرلمان عام 20044م على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، كما يحظر القانون اليمني رقم 67 لسنة 1991م بشأن الخدمة في القوّات المسلحة واﻷمن، تجنيد اﻷطفال دون سن الثامنة عشر، إلا أن هذه القوانين في الواقع مجرّد حبر على ورق، ولم تمنع تجنيد الصغار، بل تزايد عدد المجندين منهم مع اتساع رقعة الحرب، ومن قِبل جميع أطراف النزاع المسلح بما فيهم القوات المسلحة والأمن.
– غياب المنظمات:
لا توجد منظمة يمنية اليوم مهتمة بقضايا الطفولة ورصد الانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال والتوعية بحقوقهم. ففي العام 2014 أوقفت منظمة سياج لحماية الطفولة عملها بسبب الاضطرابات الأمنية وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى افتقارها للدعم المالي بحسب حديث رئيس المنظمة، أحمد القرشي، والذي قال إنه “بين عامي 2004 و2011 رُصدت خمسمئة وستون حالة قتل من الذين جرى تجنيدهم من الأطفال خلال النزاعات المسلحة، لكن بعد هذه الفترة حصلت أعمال عنف كبيرة جداً، وللأسف الشديد لم تكن سياج موجودة لتوثيقها، ولا توجد مؤسسة معينة تقوم برصد وتوثيق العنف ضد الأطفال سوى منظمة سياج التي أُغلقت بعد ذلك بسبب افتقاد الدعم المالي”.
وبحسب القرشي: “تم التأكد من تجنيد ما يزيد عن ألف ومئتي طفل حتى العام 2013 في صفوف الجماعات المسلحة مثل الحوثيين وتنظيم القاعدة أو ما يعرف بأنصار الشريعة، بل وفي القوّات النظامية كالفرقة الأولى مدرّع، ولا توجد حتى الآن تدابير وإجراءات لمنع تجنيدهم”.
كما يشير القرشي إلى أن “مفهوم التجنيد أوسع من حمل السلاح والقتال، حيث يتم استغلال الأطفال من كافة أطراف الصراع في الكثير من الخدمات والأعمال المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمليات القتالية، والتي تعدّ تجنيداً بما في ذلك جمع المعلومات وقيادة السيارات”.
ويخلص القرشي إلى أن “النسب الأعلى من تجنيد الأطفال تتمركز في المناطق الجبلية شمال اليمن، تحديداً في محافظات صعدة، حجة، عمران، المحويت، صنعاء، وذمار”.
وكما يغيب دور المنظمات اليمنية المهتمة بحقوق الطفل، فإن الحكومة الشرعية، التي تقيم غالباً في المنفى في السعودية، يتركّز حضورها على الأرض حول العمليات العسكرية، وتكاد تكون القضايا الإنسانية غائبة عن نشاطها الميداني، وبالتالي لا توجد أيّة إجراءات من الطرف الحكومي لضمان حماية الأطفال في البلاد في ظل خروج الوضع الأمني من أيديهم في أغلب المناطق.
وبالنسبة لسلطة الأمر الواقع في صنعاء المتمثلة في “أنصار الله” (الحوثيين) وكذا بقية الميليشيات والفصائل المتصارعة، فهي غير مهتمة بحقوق الطفولة، ولا ترى في تقارير المنظمات الإنسانية وبياناتها المندّدة بتجنيد الأطفال ما يستدعي تداركه.
– الأسباب:
مع زيادة معدلات الفقر في اليمن، بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تضطر الكثير من الأسر إلى إلحاق أطفالها بالأعمال المسلحة حتى يساعدونها في تدبير لقمة العيش، في بلد يعيش أكثر من 80 % من سكانه تحت خط الفقر، بحسب تقارير حديثة للأمم المتحدة، خاصةً أن عدد أفراد بعض الأسر يصل إلى خمسة عشر شخصاً.
يقول المتحدث باسم اليونيسيف في اليمن، محمد الأسعدي، إن “بعض المجنّدين يعتبر التجنيد مصدر دخل يعيل به أسرته”، لافتاً إلى أن “تحديد المرتّب يعتمد على الجهة، فمثلاً في الجيش النظامي لا يتجاوز راتب المجند 45 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 150 دولار شهرياً، وبالنسبة للجماعات المسلحة فمن الطبيعي ألا يكون هناك راتب منتظم، والأمر متروك لتقدير زعيم الجماعة”.
من جانبه، يشير رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، إلى سبب آخر لتجنيد الأطفال، حيث يقول إن “تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، يعدّان مشكلة كبيرة في اليمن، لأنها تُستمد من الثقافة القبلية والاجتماعية التي ترى في حمل السلاح والتجنيد والدفاع عن القبيلة وشرف القبيلة فضيلة وواجباً أيضاً”.
بينما أرجعت الناشطة اليمنية في الدفاع عن حقوق الأطفال، مها صلاح، تجنيد الأطفال في اليمن والزج بهم في جبهات القتال الأمامية إلى عوامل عدة، أهمها “الفقر وتوقّف العملية التعليمية في العديد من بؤر الصراع الملتهبة في محافظات تعز والجوف وصعدة ومديرية نهم بمحافظة صنعاء، فضلاً عن التعبئة والتجييش السياسي والفكري والمذهبي والمناطقي، الذي تمارسه أطراف الصراع المختلفة والدفع بالمقاتلين بما فيهم الأطفال إلى معسكرات التدريب التي تمتلكها الجماعات المتناحرة في معظم المحافظات اليمنية”.
وهذا لا يعني أن “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية بريء من هذه الجريمة بحق الطفولة، فكل مدرسة تُقصف؛ يعني المزيد من الأطفال المجنّدين، هذا ما يؤكّده مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة صعدة، عبدالرحمن الضرافي، حيث يقول إن “التحالف العربي دمّر 83 مدرسة بصعدة، إضافة إلى أربعة مكاتب للتربية في مديريات باقم وحيدان وشدا ورازح”.
كما أن “التحالف” حين يستهدف المدنيين العزل، يوّلد ردّة فعل غاضبة لدى أفراد المجتمع، بمن فيهم الأطفال، تجعلهم يحملون أسلحتهم للرّد عليه، من خلال الانخراط في جبهات القتال.
ونقلت شبكة إيرين الإنسانية، أنها التقت في أكتوبر الماضي بعدد من الأطفال المجندين منهم الطفل “أحمد” وعمره 15 عاماً، ويتولّى حراسة حاجزاً أمنياً في العاصمة صنعاء، والذي قال لمراسل الشبكة، إنه لا يحصل على أجر من الحوثيين، وهو عضو متطوّع في اللجان الشعبية، فقط يحصل على الطعام و”القات”، ويتمنّى أحمد، تجنيده في الجيش أو الأمن.
كما تحدث لشبكة “إيرين” الطفل “صادق” الذي أكّد مراسلها أنه في الرابعة عشر من عمره، وأنه انضم إلى الحوثيين أثناء الحرب في مدينة عمران، معتقداً أنه يشارك في الحرب ضد أمريكا وإسرائيل وأنصارهما في اليمن، وهو الآخر قال إنه لا يتقاضى أجراً.
من جانبه يرى المواطن محمد بادي، من أبناء محافظة صنعاء، أن “الرغبة بالتسلّح تمثّل عامل جذب إلى معسكرات التدريب وجبهات القتال”.
– حقائق مؤلمة:
خلال 600 يوم من الحرب الدامية في اليمن، تقول “اليونيسف” إن “مئات الأطفال تم تجنيدهم والزج بهم في معارك تعرضهم لخطر الموت أو الإصابة”، كاشفة في تقرير حديث لها عن تسبب الصراع في حرمان أكثر من 370,000 طفل يمني من التعليم.
ويؤكد الكاتب والباحث حسين الوادعي، أن “الحروب الأهلية تخلق ما يمكن أن نسميه (مصيدة التجنيد) لأنها تحتاج لجنود دائمين ورخيصين وبلا حقوق أو التزامات”، مضيفاً أن “كل أطراف الصراع في اليمن تجنّد الأطفال للقتال”.
ولفت الوادعي إلى أن “قادة الحركة الحوثية يتنقلّون من قبيلة إلى أخرى لحشد المقاتلين من أجل مواجهة ما يسمونه العدوان، في حين تم تجنيد الآلاف من الأطفال والشباب في عدن والمحافظات الجنوبية من أجل محاربة الحوثيين وقوات صالح على الحدود السعودية من قبل فصائل سلفية، وبدعم وإشراف من قيادة الشرعية والنظام السعودي”، محذراً من تفاقم إشراك الأطفال في القتال بقوله “لست أبالغ إذا قلت إن حالة التجنيد في اليمن وصلت إلى وضع شبيه بالإتجار بالبشر”.
– المخاطر:
تجنيد الأطفال في اليمن يحمل مخاطر كبيرة، حيث تتزاحم صور قتلى الصراع في شوارع المدن وواجهات المباني والسيارات والأطقم المسلحة، وأغلب صور الضحايا من الأطفال.
كما أن الأطفال الذين يتم تجنيدهم من قبل أطراف الصراع، يتوقفون عن التعليم والكثير منهم اليوم مدمنون لتعاطي “أعشاب القات المنبّه” والمصنّفة في العديد من البلدان كنبات مخدر، إلى جانب ادمانهم على تدخين السجائر ومسحوق مشبع بالنيكوتين يطلق عليه “الشمّة” أو “البردقان”.
ولا تتوقف المخاطر عند هذا الحد الكارثي، فالاطفال المنضمّون لصفوف الجماعات المتقاتلة، يتلقّون محاضرات ودروساً دينية وأيديولوجية تحريضية، تنمّي لديهم مشاعر الكراهية والتعصّب الديني والمذهبي والفكري والمناطقي.
– الآثار النفسية:
إذا كانت الحروب بشكل عام مسؤولة عن الآثار النفسية والاجتماعية التي تلحق بالأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، فإن مشاركتهم فيها كمقاتلين ستترك آثاراً عميقة على حياتهم ومستقبلهم، وبالتالي على حياة المجتمع. يقول أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة صنعاء، عبد الحافظ الخامري، إن “ما يمر به الطفل من صراعات وقتال وحقد ودماء وأشلاء، تنطبع على صفحته الداخلية وتبقى حيّة، وبمجرد تعرّضه لضغوط أو صعوبات ينتكص نفسياً ويصبح متنكراً لقيم ومشاعر الآخرين، مما قد يؤثر على قدراته بتكوين أسرة ناجحة أو يحتفظ بما عاشه ويعكسه على مجتمعه الصغير (زوجته وأولاده)”.
– الحلول:
تناشد اليونيسف في أكثر من بيان لها جميع أطراف النزاع بالتوقّف عن استغلال الأطفال واشراكهم في القتال، وتؤكد أن الحل الأمثل، وضع حد للقتال في اليمن والتوصّل إلى تسوية سياسية.
ويطالب رئيس تحرير مجلة “المثقف الصغير”، رشاد السامعي، المنظمات الإنسانية والإغاثية في اليمن، بـ”تخصيص جانب من مساعداتها للمجتمعات الريفية ودعم الأسر الفقيرة، للمساعدة في إلحاق أطفالها في التعليم”.
كما يطالب بـ”تعزيز التوعية من قبل المنظمات المعنية ووسائل الإعلام، بمخاطر تجنيد الأطفال، والحث على دفع المجتمعات الريفية على توقيع مواثيق برفض إشراك الأطفال في الحروب، وإعادة النظر في سياسات التعليم، وتضمين المناهج قيم ترفض تجنيد الأطفال وتعزز الثقافة المدنية وتجرّم حمل الأسلحة”، ويختتم السامعي بقوله “هناك الكثير من السياسات التي يمكن اتّباعها لحماية حقوق الطفولة، لكن لا وجود لدولة ولا نظام في اليمن”.
ختاماً… نتمنى سن المزيد من القوانين التي تجرّم تجنيد الأطفال وإشراكهم في الصراعات، وادراج المتورطين في القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة.