|
 7 دقائق للقراءة 1307 كلمة
والدي العزيز… نعم الأب انت
كتب- ياسمين الصلوي -الحديدة نيوز
يسمع صوت الاذان يعطر حارتنا الشعبية الكبيرة الواسعة التي تتفرع منها طرق كثيرة، يستيقظ على الفور ويردد ما يقوله المؤذن ،يتوضا ثم يفرش سجادته وسط صالة المنزل مكبرا مهللا ، يقراء بصوت مرتفع تفوح منه اصالة القدم ، رحمة ربي تغشاك محمد حسين عامر لصوت أبي نصيبا كبيرا من صوته، نستيقظ على وقع نغمته المعهودة وصوته المبحوح الشجي ، نصلي ونغادر من يذهب للعلم ، ومنا من يذهب للعمل.
يرتدي الزي التعزي (فوطة ، شميز ) يعتمر قبعته الشعبية ، نحيل ، متوسط القامة مبتسماً ، تظهر على وجهه تجاعيد الكبر، وملامح مرسوم عليها تعب اليمني الأصيل وكفاحه ، صوت رقيصه يتبع خطواته كسمفونية خالدة( الرقيص نوع من انواع الأحذية المطاطة) سبعيني العمر ، عروق يديه بارزه ، يعمل على توفير لقمة عيش لأسرته الكبيرة ، يقاوم كبر السن من أجل اسعاد ابنائه.
وفي ايام الزمان الجميل ايام دراستي الجامعية كان قبل أن يغادر المنزل يعطيني مصروفي ، -مصروف الجامعة – ويوصيني أن انتبه على نفسي ،وان لا اعود متأخره ويدعو لي بالتوفيق دائما، كنت أرافقه وصولا لسكة الأربعين هو ينحدر نحو السوق حيث بعده عمله وانا أصعد الباص حيث كليتي ببشاشة ورضى وسعادة .
يأخذ بردته ويلفها حول كوفيته ويتوكل على الله نحو محله الذي يتوسط المدينة :- توكلت على الله ، يارزاق ياكريم أنعم علينا.
يغادر الصباح المنزل ، يمشي بين أروقة الحارة ويتغنى بملاله من التراث القديم ،يفوح صوت أبي في أروقة حارتنا التي تتوسط المدينة يردد اهازيج من تراث ابائه :- بكرا ساري.. فوق الأباري ، بكره سرسر.. زوجة المدبر ،بكره محتار … راكز المشفار ، وصباح امي … بكره تحمي ، وتفت بالسمن.. وتغديني ، من غداء عمي .. عمي زوج امي … .
في الصباح الباكر لا يسمع الا اصوت احذية كبار السن المكافحة من أجل البقاء ، وصوت أبي ومهاجله البلديه الكثيرة وبائع السمك المتجول بسلته ومواه القطط التي تتبعه:- حوتو…حوتو..حوتو .
تصبح اجواء حارتنا خليطاً من ثقافة مدينتين – تعز وتهامة- ويصبح الصباح صاخبا بمرور أبي وسط الحارة ، اعشق طلتك أبي ، أحب صوتك ، ويعجبني مهاجلك الجميلة ، حين تغادر المنزل ذاهبا باحثا عن أمانا لنا أشعر براحة ومرح وسعادة مفرطة ، أخبرتني صديقة ذات يوم من أيام الدراسة ، ذهبت لمنزلها لغرض المذاكرة ، أخبرتني وهي تجهز خبز طاوة ، كانت وجبة عشاء لي ولها ولأطفالها الثلاثة وأنا اجلس بجانبها القرفصاء :- ما أحلى أن تعيش الفتاة الاستقرار والمرح والحياة وهي لازلت شابة وتعيش العزوبية ، حينها تتذوقن حلاوة الحياة فعلا ، تدرسن، تسافرن ، تعملن ،تخرجن مع صديقاتك المنتزه ، على الشاطئ ، تجتمعن مع صديقاتك في وجبة عشاء في أحدى مطاعم المدينة ، تجتمعين في جلسة بناتية صاخبة ، تمرحن ، تضحكن ، ترقصن تشعرن بسعادة مفرطة ، لكن لا تعيش الفتاة تلك الفترة من عمرها قبل أن تتزوج الا اذاكنت تمتلك أبا عظيم ، لا تعيش الفتاة فترة العزوبية بتلك الطريقة الا أذا كان بجانبها اب يبيع سعادته من اجلها ، يقدم تنازلات من أجل أن تبتسم بالطريقة تلك . تنهدت وأكملت :- ياسمين صحيح أني تزوجت وزوجي يمنحني كل السعادة والأهتمام وبجانبي دائما ، لكن ليتني وجدت كل ذلك تحت كنف الأب ، حياة العزوبية غير ، غير تماما .
كانت أحلام تتحدث وأن أجد نفسي بين ماتتحدث به ، اشعر بالسعادة أبي ، أشعر أني أفضل فتياة العالم ، أشعر أني وجدت كل شيء ، بأشعر براحة لم تعيشها فتاة قط ، أشعر أني بخير ، لا رجلا قبلك ولا بعدك قط ، أنت فقط ،أطال الله عمرك أبي.
مالك عربة الخضار المركونة في زاوية الحارة ، إن لم يمر أبي صباحا ويشرب كأسا من قهوتة يشعر بملل طول ساعات ذلك اليوم ، اسوء يوم تمر على البائعين في سوق الخضار حين يغيب أبي عن السوق وغالباً ما يكون غيابه بسبب مرضه،في سوق الساعة تعود اصحاب الخضار على نغمة أبي ، تلك النغمة التي يداعب بها احدهم :- السعيد ياناس.. من معه ثنتين ، ومن معه ثنتين.. هو السعيد ياناس ، ويتبعه بضحكه صاخبة، ليثير نقاش بينهم في وسط السوق ، العم حيدر على ذمته زوجتين وأبي هو الذي يثير النقاش بين اصحاب العربيات عن حياة المزوجين أثنتين ليغدو الصباح شيقا.
أنتظر بفارغ الشوق وصول أبي قبل الظهيرة،أجمل شيء انتظره هو أن اعطر أنفاسي برائحة عرقه المتصبب على جسده من شدة حر المدينة،رأئحة الكفاح من أجل البقاء والسعادة ،أبي الذي يصل صوته قبل وصوله ، صوته الذي عندما يرن في مسامعي انهض من مكاني مسرعة لفتح الباب قبل أن يدق ، أسمعه يتحدث مع من وجد في الطريق ، مع الجيران ، والكبار ،والصغار، يسأل عن الغائب منهم ، عن المريض ، گعادته دائما،يصل المنزل ، يشتكي من شدة شمس وحرارة ذلك اليوم :- اللطف بنا ياارب ،رحمتك ياارب بسكان الحديدة ، حسبنا الله ونعم الوكيل ،وبداخلي صوت يناديه بشغف : يوجعني وجعك ايها المسن ، ياصاحب القدر الرفيع وياجنتي، وسعادتي ،أستقبله اخذ مابيده مخففة من وجع ذلك الكيس البلاستيكي الذي أرتسم على أطراف يده ، وبداخله الخضروات ودجاجة التي يفضل لحمها على السمك الذي نحبه نحن ، وقليلا من الفاكهة التي تكتظ بها اسواق المدينة وخصوصا سوق الساعة الذي يمر به أبي من محله ظهرا أثناء عودته للمنزل،اقبل رأسه وادعو له بطول العمر ودوام الصحة، ويدعو لي بالتوفيق والستر وأن يستحي الرجال من وجهي، لم يأتي الوقت المناسب لامزح مع أبي متسائلةً مامعنى أن يستحي الرجال من وجهي؟ ، احب كلام أبي كثيرا ، كلام رجل ليس عاديا ، كلام رجل عظيم ،احدث شقيقاتي في المنزل ونستعد لأعداد الغداء :-بنات أبي الله يحفظه ، بفتح الباب… .
يبتسم رغم تعبه ، يكافح من أجلي ومن أجل شقيقاتي الأربع ، يقاوم حرب عصفت بالوطن والمواطن ، ينازل جر ضربة اقتصادية لعينة تنال من المواطن والوطن ، يدحرها بكفيه الحجرية التي تقاوم قسوة الزمان والمكان، واهل الفساد، ومستنزفين الثروات ومحتلين الأوطان، لحساب جيوبهم !وعندما أشعر بوجوده معنا حينها اشعر بكتفاء من كل الدنيا ، ابي معي وبجانبي لست بحاجة لأحد ، أشعر اني بخير ، يغنيني والدي عن رجال ، عن حبهم ، عن عطائهم ، عن كرمهم ، عن خدمتهم ، حتى عن أبتسامتهم . أبي ليس تاجرا ، ليس ثريا ،ليس مغتربا ، ليس لصا، يمتلك محلا صغيرا وسط المدينة ، يعيش نفس الوضع الذي يعيشه المواطن ، فقط مكافحا .
ابي ايها العزيز على قلبي ، يافرحي اللذيذ ووطني الأمن وقدري الجميل وسندي وقوتي شكرا لانك أبي …
ابي كل العالم بكفة وانت وحدك بكفة أخرى ، انت عالم بأكمله ، عالم من الكفاح ، عالم من التضحية ..
دمت أبي ، دمت لي وطناً باذخ الحب ، دمت لي السعادة والأمان والهناء والأستقرار
للحكاية بقية…