أسكتوا صوت الحرب !!
بقلم / ياسمين الصلوي
الوقت صباحا ، تستظل تحت شجرة بجانب منزل لم يكتمل بعد ، رياح تعبث بأشجار المكان وفي الأسفل وادي يضج بالرعاة والفلاحين ، بفضول صحفية جلست القرفصاء وقبلت يدها وسألتها :- ايش تسوي هنا ، كيف حالك ياخالة؟. ظهرت على ملامحها تعب خلفته حرب استنزفت طاقة المواطن وسعادته:- جالس وبنتي ، الله يحفظ لك شبابك ويحرسك من العين . مسحت على رأسي بكفيها الخشنة ، تجاعيد خلفتها اشواك الأشجار جراء التحطيب والحبال المربوطة برجل الماشية جراء الرعي وطفح جلدي جراء ادوات التنظيف ومساحيق الغسيل . حين حطت كفيها تتلمس خدي ، شعرت بحزن عميق شعرت بحجم ماحل بالمواطن والى اين وصلت به الحرب ، وصلت به الى جحيم لا يرحم . صفية من سكان تعز ، بالغة من العمر ٥٤ سنة تركها زوجها في زمن الحرب ،غادرها ثمن الحرب ، تركها تتأرمل مخلفا معها اربعة ابناء . حلت الحرب علينا و سببت أزمة اقتصاديه خانقة ، وغلاء عصف بالمواطن كثيرا ، وانعدمت المشتقات النفطية ومجاعة أمطرت على كثير من مناطق البلاد واصبح الموت ليس مستحيلا. ناقشتها كثيرا فوجدتها تعمل خادمة في احدى البيوت في المدينة ، اطفالها يعملون معها في نفس المنزل ، في خدمة اهله ، يشترون الخضار والفواكة ويرمون بالقمامة ويطيعون اهل المنزل بما يأمرون . لا يوجد اقسى من الضياع والتشرد والبحث عن لقمة عيش في زمن الحرب ، زمن مصائبه كثيرة وسببها حرب من أجل لا شيء . اخبرتني خالة صفية انها كانت سعيدة مع زوجها ، الذي كان يعمل عاملا في احدى مصانع البلاد ، كان كل شيء جميلا ،الا ان الحرب لم تترك كل جميل الا قتلته . قتل زوج صفية بقذيفة سقطت على الحي ، هو وطفلين وامراءة ، توفى وهو يصرخ بأسم أبنه الاكبر علاء ، رحل والد علاء وترك زوجه وابناء يكافحون الوضع ويقاتلون غلاء ويقاومون حرب جثمت على المواطن واجبرته على الصمود وأنتظار نار تشتعل دون دوقف ، الى اين نسير والى اين سنصل ؟! صفية تتحمل مسؤولية ابناء ، تدمر منزلها القابع وسط المدينة والذي تعرض لدمار هو وغيره من المنازل المجاورة ، اخذت أطفالها ورحلت الى قريتها حيث منزل والدها المتهالك الذي يعود لمائة السنين ، ظلت عام ونصف العام تتأقلم مع الريف وطبيعته ، تجلب الماء وتحطب لنسوان القرية مقابل حبوب وحطب ، أطفالها ينافعون الناس ويحصلون على مايحصلون عليه ، حين حل الصيف وكثرت الأمطار بدأ المنزل يتهالك وسقط جزء من المنزل ، اخذت أطفالها ولجأت لسكن يتبع مدرسة القرية لتنجو من سقوط ماتبقى من ذلك المنزل المتهالك المهترئ مافيه من أثاث تعود لأجداد عاصروا غير العصر . كيف لأم ترعى اربعة ابناء لازالوا أطفالا في سكن مدرسة تختبئ في أحضان الجبل ، في الليل يصاحبهم نباح الكلاب وضجيج الليل المخيف .
ياااه لقسوة الحرب ووجع التشرد ، يدمرون البلاد ويتحاربون لا يكترثون مايحل بالمواطن . تكفل خالها باخذها لمدينة اخرى وتكفل تاجر بمصاريف شهرية وتعليم لأبناء ، عام فقط وتوفى خالها وذاك التاجر الذي كانا يعملان سويا بحادث مروري موجع . لتعود صفية مع ابنائه لذلك السكن الذي وجدته قد تحول لثكنة عسكرية ، بقيت صفية مع قريبه لها مايقارب ثلاث اشهر بعدها قررت العودة لتعز وأستأجار منزل صغير والعمل خادمة في احدى المنازل .
هذه حكاية هذه المراءة التي تجلس تحت شجرة تتجول بنظرها المدينة وذلك الوادي الذي يضج بالناس ، هي ذاهبه لعملها الذي ينتظرها في منزل تعمل به خادمة ، تسد رمق أطفالها الأربعة من ماتحصل عليه من مالك المنزل ، تعب حل بها ووجع على أطفال لم يكملوا تعليمهم بعد، وحسرة على مستقبل أطفال تائهون . يطلقون القذائف والرصاص ولا يعلمون ماتخلف بعدها من وجع ، لو كان يعلم من أطلقه القذيفه التي قتلت والد علاء ماحل بعائلته؟! ، ليته يعلم حجم الوجع الذي خلفته تلك القذيفة ! .
اطفئوا نار الحرب …..