متابعات ..
الحديدة/ نيوز
أنَّ احتِساب الأجر يُسلي عن جَفاء.الأبناء.وتقصيرهم وعقوقهم، ويجعل الأب والأم يستَعِيضان بالآخِرَة عن الدنيا، وبما لهما عند الله -تعالى- ممَّا ينتَظِرانِه من الابن في الحياة الدنيا، فلا يحزن الأب، ولا تحزن الأم ؛ لأنهما سيُوفَّيان حَتْمًا أجرَهما غير مَنقُوص من الله الحَكَم العَدْل، والله لا يُضِيع أجر المحسنين.
وكثيرٌ من الآباء إنما يُؤتَوْن من عدمِ أو ضعفِ احتِسابهم في تربية أبنائهم وقيامهم عليهم، ولو أنهم فعلوا لاطمأنَّتْ قلوبُهم لِمَا عند الله، ولَمَا حزنوا لفَوات شيءٍ من هذه الدنيا كلها؛ بل ولَمَا انتَظَروا ثوابًا أو مقابلا من غيره -عزَّ وجلَّ-.
انه يجعل الآباء أكثر مُراقَبة لله -تعالى- في قيامهم على أبنائهم، فلا يُعطُونهم بدافِع الحبِّ أو الرحمة ما يضرُّهم ، ولا يمنعونهم كذلك ما ينفعهم؛ إذ الاحتِساب لا يكون مقبولاً إلاَّ على العمل الصحيح ، الذي فيه طاعة الله ورِضاه، لا معصيته وغضبه، فهو يُقَوِّم اعوِجاجات رحلة التربية، ويُصفِّيها من كلِّ شائبة.
#وبعد:
فإنّه كما قيل: “ليس شيءٌ أنفعَ لأبناء العُلَماء والصالحين من.كثْرة.الدُّعَاء.لهم.مع تَفوِيض أمرهم لله – تعالى”؛ ذلك أنَّ أمر الهداية والغواية بيد الله – عزَّ وجلَّ – وحدَه؛
﴿ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
[الأنعام: 39].ونحن إنما نأخذ بأسباب الفَلاح والرَّشاد، راجِين رحمةَ الله ومغفرتَه، مُفَوِّضين له كلَّ شؤوننا، مُتضَرِّعين له بأن يُلهِمنا رشدَنا في تربية أولادنا، وأنْ يُحسن نيَّاتنا، ويُعظِم أجرَنا، وأنْ يُنبِتهم نباتًا حسنًا.
وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
وأمَّا.الاحتِساب.في.تربية.الأبنا.فله.
فوائد.عظيمةمنها.:
أولا.:أنَّه يُخَفِّف من مَتاعِب الآباء في رحلة تربية الأبناء الطويلة والشاقَّة، فتَذَكُّرُ الأجر يُنسِي في أحيانٍ كثيرة مرارةَ التَّعَبِ والمشقَّة .
ولهذا قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لعائشةَ -رضي الله عنها-:
(إنَّ لك من الأجر على قدْر نصَبِك ونفقتك)؛
(رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني في “صحيح الجامع”، وأصله في الصحيحين)،
والمرء.إذا.تيقَّن.الأجر.هانَتْ.عليه.المشاقُّ.
.
لم.يبقَ للآباء.في.ظلِّ.شُحِّ.الأبناء.إلا.
أن.يحتَسِبوا.إحسانَهم.وعطاءَهم.
وينتَظِروا أجرَهم من الله الكريم الجَوَاد، فيُخَفِّف عنهم احتِسابُهم جرحَ الأبناء، وآلام الجحود والنُّكران، وضياع الوفاء .
والمؤمن مأمور بالاحتِساب في كلِّ أعماله الدينية والدنيوية، فهو يُؤجَر على المُبَاح بنِيَّته، ونِيَّة المؤمن أبلغ من عمله، وتربية الأبناء تستَغرِق من الجهد والوقت والمال الكثيرَ والكثيرَ، وأجر هذا كله لا شكَّ على قدره.
وإنِّي لأَوَدُّ أن يلتَزِم المُصلِحون والمفتون مع هؤلاء الأبناء قولَ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
(أنت ومالُك لأبيك)،
لا يَزِيدون عليه ولا ينقصون، ولقد كان قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هذا في معرض الردِّ على سؤال رجلٍ أتاه فقال:
يا رسول الله، إنَّ لي مالاً وولدًا، وإنَّ أبي يريد أن يَجتاح مالي؟
فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
( أنت.ومالك.لأبيك.) ؛
رواه أحمد وابن ماجه، والبيهقي وابن أبي شيبة، وغيرهم، وصحَّحه الألباني”
#وانظر: كيف عبَّر السائل بقوله: يَجتاح مالي؟
وفي رواية أخرى:
“يا رسول الله، إنَّ لي مالاً وعِيالاً، وإنَّ لأبي مالاً وعِيالاً يُرِيد أن يأخذ مالي فيُطعِمه عياله”؛
(رواه البيهقي)،
وفي أخرى: “إن أبي غصَبَنِي مالي”؛
(رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلاً)،
وكأنَّه أراد تحفيز المسؤول وكسْب عاطفته ، ومع ذلك لم يَقُل له -صلَّى الله عليه وسلَّم-: لأبيك كذا وليس له كذا، أو أعطه كذا وامنعه من كذا؛ بل يُعرِض -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن تفاصيل السؤال كله، ويُرجِع السائل -الذي هو الابن- إلى أصلٍ تَغافَل عنه، وهو أنه كلُّه لوالديه، وماله تبع له، فهو كذلك مال والديه.