التصالح والتسامح.. الإرادة أولاً
بقلم/
عبدالله الدهمشي
ربما يكون التسامح عملاً مؤسساً للتصالح ومكملاً له فيما يتبعه من إجراءات ترسّخ السلم وتضمن التعايش, فالتصالح يبدأ من التسامح, أو يتم به ويقوم عليه في مسار حركته للخروج من مآسي الصراع في الأمس إلى مجتمع الأمن والسلم في الغد، وفي كل فإن التسامح والتصالح رهن الإرادة المؤمنة بهما والملتزمة بهما والساعية إلى إقامتهما في الأرض وبين كل الناس.
لنبدأ أولاً من عقلية التدابر والقطيعة ونفسية العلو والاستكبار اللتين تريان في اللين والعفو عن الناس وكظم الغيظ ومواجهة الغضب بالمغفرة ضعفاً وذلّة ومهانة تجعل الخصم يستمرئ العدوان ويستهين بالعافين عنه, الصابرين على طيشه وحماقاته, وعلى هذا المنطق وأهله نرد بالتذكير أن القرآن الكريم امتدح العفو عن الناس وكظم الغيظ وغفران ما يغضب، وأمر بالالتزام بالتي هي أحسن في المجادلة ودفع العداوة ومخاطبة الناس.
ولنتوقف ثانياً عند أولوية الدخول في السلم وأولوية الصلح وكونهما – أي السلم والصلح – سبباً للقتال وغاية له, حتى يجنح المعتدون على السلم إلى أمره, ويفيء البغاة على الصلح إليه في سياق من القسط وبأمر العدل والإحسان.
ومن هذا الإطار المرجعي وبمرجعيته ننظر إلى واقع الصراع المسلّح بين فئات من الشعب اليمني, ووقائع التدابر والتقاطع والغلاظة في القول المتبادل بين هذه الفئات وبعضها وما يحمله هذا القول من خطاب مشحون بالكراهية والبغضاء وإثارة الفتن والتحريض على التباغض والتدابر والاقتتال.
ثم نتوقف بهذه النظرة عند أولوية البداية لنقول إنها لحظة القرار الآن لنقف بمسؤولية تقرّر التوقف عن مصائب فتنة عامة, ونتجه نحو التسامح والتصالح كالتزام ذاتي واتجاه مبدئي, لا يشترط قبول الآخر ولا يعتذر به في التأجيل أو الامتناع.
نحتاج إلى هذا الموقف الآن وإلى المبادرة به فوراً, وخاصة تجاه القضية الجنوبية وما يرتبط بها من حراك وصراع, ثم تجاه قضية صعدة وما يتصل بها من حروب وفتن طائفية, وفي هذا لن نحدّد طرفاً يتحمل مسؤولية المبادرة إلى هذا والتنادي به مع الآخرين, وإن كانت المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية من مهام القيادة السياسية وشركاء التسوية والعملية الانتقالية, فنحن نطالب به «الحراك الجنوبي» ونريد منه أن يعيد صياغة مطلب الانفصال في خطاب تسامحي وتصالحي، ونطالب جماعة «أنصار الله» بالمثل, ثم بقية القوى الوطنية المسؤولة عن القضيتين للتعامل معهما بمنطق الإحسان ولغة التسامح وأسلوب التصالح, فهل نبدأ..؟!.