السرطان في اليمن.. ظلمات بعضها فوق بعض..!!

‏  10 دقائق للقراءة        1841    كلمة

السرطان في اليمن.. ظلمات بعضها فوق بعض..!!

Minfo-131205121723J5gW

الحديدة نيوز / عادل الدغبشي

الشيء المعروف أننا نسمع سنوياً في كل بلد عن إصابات جديدة ونسمع أيضاً عن وفيات حتمية بعد معاناة به وبالآلاف أيضاً، لكن الغريب أنه ومع هول التسمية أصبح تكرارها الشديد يفقدها هولها.. فالناس بدأوا يستخفون وقع الداء ما داموا في منأى عنه حتى إذا ما وقع قريب لهم تحت وطأة الألم وجثمت على أنفاسه أثقال المعاناة أدرك الناس ضعفهم وقوة قاتلهم المتربص بهدوء..
ينتظر ضحاياه لسنوات بلا ملل ويتلف أجسادهم ببطء بلا ملل، ثم يجرعهم كؤوس الموت دون أن يدرك الناس من ومتى وكيف يختار ضحيته.. الأمر المحزن ما أثبتته البحوث العلمية من أن كل الناس معرضون لبطشه ولا يوجد من هو في منأى عنه، وهذا الجزم مبني على معرفة قطعية وأكيدة بأغلب مسبباته، وكشف ذرائعه وأدواته والعثور على جوهر الداء وطرق بطشه، إلا أننا مع ذلك نظل عرضة له، والحقيقة المرة أننا نبيع صحتنا وحياتنا بأيدينا رخيصة له لنهلك من بعدها بحثاً عن سبيل لاستعادة ولو جزءاً يسيراً من صحتنا المفقودة من بعد ما جهلناه أو تجاهلناه..
ظلمة أولى – تناقضات
أنا على يقين بأنه لا يوجد في العالم كله من لم يسمع أو ير مريضاً بالسرطان غير أن في البلدان المتقدمة لو أصيب شخص بالسرطان لا يعني ذلك نهاية العالم وموتاً محققاً ينتظر على الفراش، فلطالما سمعنا عن أناس عاشوا عشرات السنين بعد أن شفوا من المرض.. لكن الأمر في اليمن يختلف كثيرا، فلنا خصوصياتنا حتى في المرض وطبيعة الأمراض التي تصيبنا وفي تعدادها وطريقة التعاطي والتعامل معها..
منذ اكتشاف أول إنشاء المركز الوطني لعلاج الأورام عام 2005بدأت مرحلة فعلية لإحصاء الإصابات في اليمن فتم حينها تسجيل 11 ألف حالة تلاها بعام واحد تسجيل أكثر من 13 ألف حالة ثم تجاوز العدد 19 ألف حالة في عام 2007
ومنذ ذلك الحين يعمد المعنيون والمهتمون وحتى منظمة الصحة العالمية إلى وضع رقم تقريبي للمصابين بالسرطان في اليمن قوامه 22 ألف حالة، بمعدل ألف إصابة لكل مليون نسمة، هذه الأرقام تسجل أحيانا على أنها إصابة سنوية وأحيانا أخرى على أنها إحصائية تراكمية على مدى عدة سنوات، فيما كشفت إحصاءات مركز علاج الأورام بعدن عن إصابة 22 ألف حالة حتى الآن..
وبين تلك الإحصاءات وتناقضاتها تاهت الحقائق ثم تأتي وسائل إعلامية لتنقل عن مدير مركز الأورام الدكتور عفيف النابهي تأكيداته بتسجيل قرابة ستة آلاف حالة إصابة جديدة بالسرطان، فما هي حقيقة المصابين بالداء في اليمن خصوصاً إذا ما احتسبنا المئات من المرضى في المناطق النائية والأرياف والتي تعد بؤر الداء ومكامن المرض والذين غابوا عن مصفوفات الإحصاء وبرامج العد، خصوصاً وأن المرض يقتل قرابة 60 ٪ من المصابين به، فيما تستطيع الجهود الطبية السيطرة فقط على نحو 20 إلى 30 ٪، وهذه الظلمة الأولى في حكاية السرطان في اليمن.
الثانية – اختلالات وفساد
ترددت على مركز الأورام بصنعاء منذ عام 2008وأعتقد أنه كان حينها في ريعان شبابه في ظل الحماس الرسمي والشعبي بصد هجوم السرطان الشرس على أرواح الناس غير أن القائمين على المركز – كونه المركز الرئيسي ويستقبل معظم المصابين – كانوا يشكون شحة الإمكانيات والاعتمادات اللازمة في ظل تزايد أعداد المصابين.
مؤخراً زرت المركز فوجدته بعد سنوات عدة من الكفاح المستميت لامتلاك الأفضل وتحقيق النصر والغلبة على المرض يتجه نحو الأسوأ.. ليس لخلل في الإدارة وإنما كلت جهوده في صراع السرطان في ظل اللامبالاة والإهمال الحكومي لهذه القضية.. والأدلة كثيرة :
– ترفض وزارة المالية وبشدة إطلاق واعتماد الموازنة المقترحة لتشغيل المركز الوطني لعلاج الأورام..
– صفقات فساد كبيرة طالت عمليات استيراد الأدوية الخاصة بالسرطان والتي تصرف مجاناً للمرضى مساهمة من الدولة.. فنافذون كثر يسعون من ورائها إلى تحقيق بعض الكسب الشخصي..
– لطالما قامت كما كما يقال سلطات الجمارك وخصوصاً بمطار صنعاء إلى احتجاز كميات كبيرة من العلاجات المستوردة باسم المركز ولأسباب مجهولة.. وربما تسببت فترات احتجازها في تلف الكثير منها.. فضلاً عن هلاك الكثير من الأرواح التي تنتظر تلك الأدوية..
وفي المقابل تشتت جهود المهتمين بشأن مكافحة السرطان في اليمن سواء المنظمات والمؤسسات الحكومية أو الرسمية فكل منهم في فلكه يسبح، يجمعهم فقط الصوت الشجين والدمعة المؤلمة على خشبات المسارح في احتفالات اليوم العالمي للسرطان..
قال لي مرافق أحد المرضى “حدثت انتكاسة شديدة لقريبتي وبعد إسعافها للمركز شخصت حالتها بتدهور حاد في المناعة وطلب مني توفير إبر مناعة بأكثر من 60 ألف ريال، ونظراً لتعذر وجودها ذلك الوقت في المركز كتبت لي وصفة مع توصيات الطبيب المعالج طلبا لمساعدة مؤسسة مكافحة السرطان، إلا أن طلبي رفض رغم كل توسلاتي، وفي ذات الوقت جاء شخص ميسور بوصفة علاجية بقيمة 70 ألف ريال، ولأنه ميسور دفع نصف المبلغ وصرف له العلاج .. والخلاصة أنه وبعد أكثر من أسبوع وصلت العلاجات إلى المركز في وقت كانت حالة المريضة في أدنى درجات التدهور وشارفت على الموت… فهل أنشئت المؤسسة لخدمة الفقراء أم الأغنياء؟؟ هذه هي الظلمة الثانية..
الثالثة: مسئولية مفقودة
هالة الرعب التي أحاطت باسم السرطان منذ عرف سقطت معها قلوب الأصحاء خوفا بمجرد ذكره رديفا للموت؛ أما من أيقنوا إصابتهم به فقد صاروا رهائن اليأس القاتل ما جعلهم في حاجة ماسة إلى الدعم المجتمعي والمساندة الأسرية لتعزيز قدراتهم النفسية.. فيما المسئولية أكبر على الأطباء والصحيين وحتى الإداريين في المستشفيات والمراكز المختصة وذلك من منطلق الالتزام بالقيم والمبادئ والأساليب المهنية..
لكن الواقع يحكي غير ذلك؛ لقد أكدت دراسة بحثية لمجموعة من طلبة كلية الآفاق للعلوم الطبية أن نسبة كبيرة من المصابين بالسرطان والمترددين على مراكز العلاج وخصوصا الأطفال يفتقرون إلى المساندة من جانب الأسرة والأقارب وحتى الفريق الطبي، ما يعني أن المساندة المجتمعية للمرضى فقدت بعد أن كانت جزءا أساسيا ومهما في مجال الرعاية الصحية، وترك المرضى بقسوة لمواجهة قدرهم المحتوم..
دخلت المركز وطرحت الأمر برمته على الدكتور أحمد الباردة وهو استشاري أمراض الدم ويعمل رئيسا لقسم العلاج بالإشعاع في المركز.. من المسؤول عن الاختلالات في علاج المرضى ولماذا يعاني مريض السرطان في اليمن للحصول على حقه من العلاج؟
– رد قائلا: “مريض السرطان في اليمن يعاني معاناة كبيرة، فعدم توفر المراكز المتخصصة الكافية للعلاج فتح الباب واسعا أمام الأخطاء التشخيصية والعلاجية من قبل أطباء غير متخصصين وفي أماكن غير مؤهلة، ولعل هذا الأمر ساهم كثيرا في انتشار المرض..
أما المراكز والوحدات الحالية فإنها تعاني قصوراً كبيراً سواء من الناحية العلاجية أو المعدات أو حتى من ناحية الموازنة المالية والكوادر المتخصصة، حيث تعمل بموازنات محددة رسميا لا تستطيع تجاوزها وفي الوقت نفسه تظل آلاف الإصابات الجديدة تتوافد سنوياً مشكلة عبئاً كبيراً على قدراتها الاستيعابية، خصوصاً وأن المريض الواحد يحتاج إلى علاج مستمر لأشهر عدة بتكلفة باهظة جداً، والمؤلم أن معظم
الحالات التي يستقبلها المركز تصل في وقت متأخر وفي مراحل متقدمة تتدنى معها معدلات الاستجابة للعلاج.
قال لي الدكتور أحمد «التوعية قاصرة أو مفقودة، نأمل من الإعلام نقل صورة صحيحة للناس عن المرض، والتأكيد بأن الإصابة بالسرطان لا تعني الموت المؤكد، فالكثير من الحالات شفيت وتعافت».
في المركز.. رؤية عملية
بمجرد دخولك قسم العلاج الإشعاعي بمركز الأورام يتملكك الرعب مع مشهد الأقنعة المعدة لهذا الغرض، أثير لدي تساؤل هام: أي فيروس هذا الذي يتسبب بهذه الكارثة الصحية ؟؟ أخذني الرعب أكثر بعد أن علمت من الدكتور الباردة أن السرطان يستطيع أن يصيب كل المراحل العمرية حتى الأجنة لم تنج منه.
قال الباردة “” يتكون الجسم من خلايا بحاجة إلى الانقسام والتجديد المتوازن فإذا ما اختل هذا النظام بسبب اعتلال أصاب الخلية فإنها تنقسم بدون سيطرة من الجسم عليها وهذا هو السرطان.. لا فيروسات ولا بكتيريا”.
مازال الخوف مسيطراً علي لجهلي بمسببات العلة فتساءلت: ما الذي يصيب الخلية ويجعلها معلولة؟
“ قد تكون أسباب جينية وهذه غير معروفة، وقد تكون الأسباب خارجية، يعرفها الكثير ولطالما حذر الأطباء منها .. كالمبيدات والسموم المستخدمة في الزراعة، والمواد المسرطنة الموجودة في حفظ الأغذية، وفي التبغ ومشتقاته وأدخنته أو التعرض للإشعاع وغير ذلك”.
وفيما تتسبب عوامل سلوكية وغذائية خطرة بثلث وفيات السرطان.. إلا أننا في اليمن لدينا خصوصية في هذا الجانب .. قال الباردة “ نكاد نتميز بوجود مسببات لانتشار المرض تتمثل في عادات سيئة يمارسها المجتمع ويعرفها معظم الناس.. أعتقد أنه في بعض المحافظات مثل الحديدة لا يوجد بيت و ليس لهم قريب أو حبيب مصاب بسرطان في اللثة أو اللسان أو العنق.. ورغم التحذيرات الشديدة من خطورة (الشمة) إلا أن الأمر هان في نظرهم كثيراً؛ القات أيضاً.. وأعتقد أن أطباء كثراً يأكلون القات.. وبرغم أني لا أعتبره مسرطنا بحد ذاته حيث لا توجد حتى الآن دراسة علمية كشفت أن من بين مكوناته ما يسبب السرطان لكن الأكيد أن السبب غير مباشر ويتمثل في المواد السامة المستخدمة في زراعته”.
آمال في الشفاء
آلاف الأشخاص مصابون وملايين الدولارات تنفق، فضلاً عن معاناة المرضى خلال معركتهم مع المرض، سؤال يطرح نفسه، ما نسبة الأمل في شفاء المصابين بالسرطان؟ وهل يمكن أن يقطف هؤلاء الشفاء ثمرة لجهودهم؟.
قال لي الدكتور الباردة:” نحن في اليمن نقع في أدنى مستويات معدلات الشفاء لكل الأسباب التي ذكرناها. إنما علميا هناك معدلات شفاء عالية جداً من السرطان وخاصة بعض الأنواع مثل الغدد اللمفاوية، وأنواع من اللوكيميا، وسرطان عنق الرحم، خاصة إذا اكتشف مبكراً، وهناك أنواع كسرطان البنكرياس والرئة ونوع من سرطانات الجلد، نسب الشفاء منها متدنية حتى في الدول المتقدمة خاصة التي اكتشفت متأخرة”.
ثم يردف قائلاً” ما نود أن نقوله للناس أن السرطانات أنواع فبعضها لا يجب الخوف منه مطلقا، كسرطان الغدد اللمفاوية والخصية، وبعض سرطانات الدم، والثدي، وهناك أناس لدينا في المركز شفوا منها تماماً، وهنا أنواع أخرى مخيفة بالفعل.
الخلاصة
“لقد توفرت حاليا كميات المعارف حول السرطان والتدخلات اللازمة للوقاية منه وتدبيره علاجياً، حيث يمكن الحد منه ومكافحته بتنفيذ استراتيجيات مسندة بالبيّنات للوقاية والكشف عن المرض في مراحل مبكّرة، والتدبير العلاجي للمصابين به، وتزيد حظوظ الشفاء من العديد من السرطانات بنسبة 30% إذا ما تم الكشف عنها في مراحل مبكّرة وعلاجها على النحو المناسب”.
إن حجم المشكلة يحتاج إلى مواجهة فاعلة وصادقة من قبل كل الجهات تبدأ بالتوجه لعلاج جذور المشكلة من خلال دور فرض الرقابة الصارمة وصياغة القوانين التي تمنع تداول المبيدات الخطيرة والمواد الغذائية الفاسدة، والسعي للحد من انتشار العادات السيئة التي تلعب دوراً رئيسياً في ارتفاع نسبة الإصابة، مرورا بزيادة مخصصات مرض السرطان في إطار موازنة القطاع الصحي وتكثيف المراكز والوحدات المتخصصة وتوفر كل متطلباتها. . وصولاً إلى نشر الوعي اللازم بين المواطنين حول المشكلة وطرق الوقاية منها، وتعزيز دور الإعلام في التثقيف لدفع الجمعيات الخيرية والمؤسسات ورجال الأعمال لتحمل جزءاً من التكاليف الباهظة. ” الجمهورية نت “

عن gamdan

شاهد أيضاً

في ذكرى رحيل الشيخ القاز .. رجل المواقف الحافلة بألق النضال وشجاعة الإقدام

‏‏  3 دقائق للقراءة        469    كلمة الحديدة نيوز // كتب // بشير القاز في مثل هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *