متابعات ..
الصداقة
يقول الشاعر:
سلامٌ على الدنيا إن لم يكن بها صديقٌ
صدوقٌ صادق الوعد منصفاً
لطالما تغنّى الشعراء والأدباء بالصداقة، وقالوا فيها شعراً ومجدوها، وأعلوا من شأنها، وكم قيل فيها من الأغنيات والأمثال، فالصداقة الحقة رزقٌ من الله تعالى، ومن ظفر بالصداقة الوفية، فكأنما حيزت له الدنيا، لأن الأصدقاء هم شقائق الروح. الصداقة مدينة مفتاحها الوفاء، وكلمة صغيرة تحمل في جعبتها الكثير من المعاني الإنسانية. الصداقة هي كنز الحياة، وهي البلسم الذي يطيّب جراح القلب والروح، ويجعل الحياة أكثر احتمالاً، فالإنسان بلا أصدقاء، كالشجرة عارية الأوراق، فلا شيء يهون علينا صعب الحياة أكثر من وجود أصدقاءٍ أوفياء في حياتنا، فحتى الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي كان مؤيداً بالوحي، كان له صديق يرافقه ويسانده، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مما يدل على عظم الأثر الطيب، الذي تتركه الصداقة في النفوس.
الصداقة ليست مجرد علاقة قرب بين شخصين أو أكثر، بل هي توافقٌ واتفاق، فليس كل شخصٍ في الدنيا يناسبنا كصديق، بل علينا اختيار الأصدقاء الأوفياء، الذين يصونون حقوق الصداقة، ويلتزمون بواجبها، ويصونون أسرارها، ويحفظون عهد الصداقة دائماً وأبداً، فالصديق الوفي كالأخ الذي لم تلده الأم، وهو السند والناصح الأمين، الذي يأخذ بيد صديقه إلى الخير، ويمنعه من الانحراف، ويبعده عن رفاق السوء فلا يمشي في دروبهم، ومن أهم صفات الأصدقاء الأوفياء، حفظ غيبة الصديق، ومناصرته إن كان مظلوماً، والأخذ بيده إن كان ظالماً ومنعه من الظلم. الصداقة الحقيقية، تدوم على مدى العمر الطويل، ولا تنتهي بسبب موقفٍ عابرٍ، أو وشايةٍ كاذبةٍ، لأن الصديق الوفي، يكون ستراً لصديقهٍ، ولا يسبب له أي نوعٍ من الأذى، ويلتمس الأعذار له، ويستر عيوبه أمام الآخرين، وينصحه سراً، ولا يغضب منه لأي سببٍ كان، بل يعاتبه بحب، ويعامله بإخلاصٍ، ويبقى وفياً له طوال حياته، وحتى في مماته، يبقى على العهد، ويبقى يتذكره في الدعاء والصدقات، ويزور أهله، ويتواصل معهم، ويذكر محاسنه. كثيرة هي الحكم التي قيلت في الصداقة، فيقولون دائماً أن الصداقة عقلٌ واحدٌ في جسدين مختلفين، وهي حياة إضافية تعيشها مع حياتك، وعمرٌ آخر، وخبراتٌ إضافية، وهي كمٌ كبيرٌ من المشاعر الإيجابية، التي تملأ القلب والسعادة، وتبعده عن كل ما هو سلبي وسيء، حتى أن الله تعالى أخبرنا أنّ الأصدقاء المتحابين في الله، سيدخلون الجنة معاً، ويشفعون لبعضهم البعض، فيا لها من عظمة، ويا له من تكريم، ويا لها من سعادة.