المستأجر والمؤجر.. طرفان أوقع العدوان والحصار بينهما!!
الحديدة نيوز/خــــــــــــاص
أَكْثَر من 1000 يوم على العدوان والحصار الأمريكي السعودي على اليمن ضاقت خلالها كُلّ سُبُل الحياة والعَيْش الكريم بعد انقطاع الرواتب والاستيلاء على كُلّ موارد الدولة، إلا أن ذلك لم يُعفِ المؤجر وأصحاب العقارات من تضييق الخناق على المستأجر في ظل غياب القوانين المنظِّمة لعلاقة المستأجر بالمؤجر في هكذا حالات استثنائية يعيشها الوطن والمواطن.
وصحيحٌ أن بعضَ المؤجرين لديهم عقار صغير يمثل مصدر دخلهم الوحيد، إلا أن هناك الكثيرَ من المؤجرين أصحاب العقارات الكبيرة والمتعددة يتعاملون مع المستأجرين المعسرين؛ بسبب العدوان والحصار دون أية إنْسَانية ومن منطلق تجاري بحت لا رحمة فيه، مستفيدين من انحياز النظام السابق بكل حكوماته للتاجر على حساب المواطن؛ ولذلك كانت أروقة مجلس النواب خلال العقود الماضية تشهَدُ استبسالاً من قبله للدفاع عن المؤجّر وتشريع قوانين لا تنصفُ المستأجر.
تبرز هذه القضية إلى السطح ووزارة العدل شبه غائبة عن أداء واجبها في حماية المواطن وإنصافه, فأعداد كثيرة من الأسر طُردت خارج بيوتها المستأجرة لعدم قدرتها على سداد الإيجار, وأُسَرٌ أُخْرَى باعت كُلّ ما تملك من الحُلي والفراش والأدوات المنزلية لسداد ما عليها من إيجارات, وأُسَرٌ كانت المحاكم والنيابات وأقسام الشرطة أداةَ فصل بينها وبين مالك العقار, إضافةً إلى محلّات أغلقت وانهارت لضعف العمل وقلة الدخل؛ بسبب غياب القُدرة الشرائية للمواطن المعدوم راتبه، ومحلات شارفت على الإفلاس، لا لشيء سوى استمرارها بدفع الإيجارات كاملةً وانعدام الدخل.
على الجانب الآخر هُناك مُلّاك عقارات كانوا عند قدر المسئولية وغلّبوا الطابع الإنْسَاني والوطني على الطابع المادي بعد أن لامسوا المعاناةَ التي يعيشها المواطنون جراء العدوان والحصار وجسّدوا المبدأَ الحقيقيَّ للتكافل الاجتماعي، فكانوا آباءً وإخواناً للمستضعفين من خلال صبرهم وأخلاقهم، معززين بذلك معنى الصمود الشعبي أمام العدوان، فأمثال هؤلاء يستحقون كُلّ الحب واحترام.
وأمام هذه المعاناة الحقيقية.. هل من قانون يحمي الكثير من الأسر الواقعة تحت بطش وجشع المؤجرين، لا سيما واليمن تعيش وضعاً غيرَ طبيعيّ وغير مستقرٍّ جراء استمرار الحرب والحصار؟!!
وحول هذا الموضوع التقت صحيفة “المسيرة” بعددٍ من الأسر المستأجرة المتضررة وكذا بعض أصحاب المحلات التجارية والفنادق والمطاعم التي عجزت عن سداد الإيجار؛ للحديث حول حجم المعاناة التي يعيشونها جراء ما لامسوه من مشاكلَ وقضايا مع المُلّاك والمؤجرين وإجراءات النيابات والمحاكم، ودور القانون في مثل هكذا حالات استثنائية يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم.
المزيد من الإهانات وكَيْل الشتائم يتلقاها المستأجر
وقد كانت البداية مع المستأجر سعد غالب الضبيبي -موظف متقاعد في وزارة المالية، حيث أكّدَ انقطاع الراتب عنه منذ ما يقارب العام ويشكو ضيق العيش وحاجته لما يسد به رمَقَ عائلته.
وأوضح الضبيبي في حديث لصحيفة “المسيرة”، بأن عليه إيجاراتٍ متراكمةً لأربعة أشهر، فيما مالك المنزل يدق عليه الباب كُلّ يوم ليكيلَ في وجهه كُلّ أنواع السب والشتم والإهانة, ما اضطره لنقل أسرته لمنزل أحد أقربائه، ومكوثه هو في دكانه الذي يبيع ويشتري فيه وهو عبارة عن محل إلكترونيات، مشيراً إلى أن معاناته تتمثل في صاحب المحل؛ كونه عاجزاً عن دفع الإيجارات؛ بسبب تدني العمل وعملية الشراء صارت ضعيفة، مطالباً الجهات المختصة بإنشاء قوانين من شأنها التخفيف من حجم المعاناة التي يعيشها الغالبية العظمى من الناس؛ بسبب انقطاع الراتب ومصادر الدخل.
غياب الإنصاف من قبل أقسام الشرطة والانحياز لصالح المؤجر
من جهته لفت منير الوصابي -صاحب مطعم في شارع مأرب بالعاصمة صنعاء-، إلى أن العمل في المطعم لا يستطيع من خلاله دفع الإيجار، مبيناً أنه اضطر لبيع بعض الذهب من أجل سداد إيجار المطعم وتوفير معاشات العمال، لا سيما والعمل ضعيف وغير مستقر، بينما صاحب المحل يريد إيجاره كُلّ شهر أولاً بأول.
ونوّه الوصابي في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى غياب الإنصاف من قبل أقسام الشرطة وفي غالب الأوقات يتم الانحياز لصالح المؤجر ويتم حبس المستأجر، ما يؤدي إلى إغلاق المحلات وفقدان مصدر العيش، مطالباً القيادةَ السياسيةَ ممثلةً بقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، والمجلس السياسي والحكومة والبرلمان، النظرَ بعين الإنْسَانية تجاه المستأجرين المعوزين والمعسرين؛ نظراً لصعوبة الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد في ظل العدوان والحصار وبما يحفظ للناس كرامتهم.
وأضاف: نحن لا نطلب أَكْثَر من قانون يقف إلى جانب الضعفاء والمساكين في هكذا حالات، ولو بالحد الأدنى حتى يتم الانتهاء من العدوان وعودة الاستقرار الاقتصادي واستتباب الأمن في البلد، معبراً عن أمله بحكمة وإنصاف السيد القائد ووقوفه إلى جانب المستضعفين.
الدعوة إلى سن قوانين عاجلة لحل مشاكل المستأجرين مع المؤجرين ولو بشكل مؤقت
بدوره يوضّح الضابط بندر الجماعي –أحد موظفي وزارة الدفاع بجزيرة سقطرى، أنه مستأجر بمبلغ 30 ألف ريال ولم يتمكن من ممارسة عمله؛ بحكم وقوع سقطرى تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي؛ ولكونه يتواجد مع أسرته في العاصمة صنعاء فقد عجز عن دفع الإيجارات المتراكمة عليه لصاحب العقار منذ أَكْثَر من 8 أشهر.
وقال الضابط الجماعي الذي انقطعت رواتبه منذ عام ويعمل حالياً في مجال السعايات، بأنه أعطى سلاحه الآلي لصاحب المنزل كرهن حتى يتمكن من الحصول على المبلغ، “ولكن ذلك لم يشفع لي وأَصْبَحت مطالباً الآن بالخروج من المنزل؛ بسبب تأخر الإيجارات”.
ودعا الجماعي في تصريح لصحيفة “المسيرة” كُلّ المعنيين والمسئولين في البلد إلى سن قوانين تعمل على حل مشاكل المستأجرين مع المؤجرين، ولو بشكل مؤقت، تراعي ظروف العدوان والحصار حتى تنفرجَ الأوضاع وتُصرَفَ المعاشات.
ضعف العمل جعل المستأجرين عاجزين عن توفير إيجار محلاتهم ومعاشات العمال
ويشير عَبدالحبيب الصلوي – صاحب كافتيريا في شارع جمال بالعاصمة, إلى أن العمل ضعيف جداً وإقبال الزبائن ليس كما كان في السابق، الأمر الذي جعله عاجزاً عن توفير إيجار المحل وإيجار منزله ومعاشات العمال.
وناشد الصلوي عبر صحيفة “المسيرة” كُلّ الملاك وأصحاب العقارات أن يراعوا الظروفَ الصعبةَ التي يعيشها المواطن، كما ناشد الجهاتِ المختصةَ بسن قوانين عاجلة تخفِّفُ العبءَ قليلاً على شريحة المستأجرين بحيث تكون هذه القوانين منصفة للطرفين وتوائم ظروف العدوان، مؤكداً ثقته بسيد الثورة القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي الذي لا يظلم عنده أحد بإيجاد حلولٍ لمثل هكذا قضايا وأخذها بعين الاعتبار.
الحاجة إلى الصبر والتعاون من قبل ملاك العقارات حتى تتحسن الأمور
إلى ذلك طالَبَ المواطنُ العزي محمد – صاحب فندق قصر السعادة بالعاصمة صنعاء, وزارة العدل والجهات القضائية بوضع حلولٍ عاجلة تكفل حماية المستأجر وحل الخلاف القائم في العلاقة بين المؤجر والمستأجر نظراً للوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور وصل حد عدم قدرتهم دفع الإيجارات.
وأضاف متحدثاً لصحيفة “المسيرة”: نحتاج نوعاً من الصبر والتعاون من قبل ملاك العقارات حتى تتحسن الأمور، وستظل حقوقهم محفوظة، الأمر الذي يمنحنا الاستمرارية في ممارسة العمل وتوفير لقمة العيش لأسرنا.
قانون المؤجر والمستأجر إجحاف بحق الأخير
وفيما تشهَدُ المحاكمُ العديدَ من القضايا المنظورة المتعلقة بمشاكل العلاقة بين المؤجر والمستأجر في ظل العدوان والحصار وانقطاع المرتبات، فإن صحيفة المسيرة في سعيها لإضاءة هذه القضية من مختلف الجوانب، فقد لجأت إلى القضاة والمحامين ورؤساء أقسام الشرطة؛ لمعرفة ما يدور حول هذه القضية وآرائهم حولها واقتراحاتهم لإيجاد الحلول المناسبة.
في هذا السياق أكّدَ محمود المنصوب – قاضي بمحكمة سنحان الابتدائية، أن أغلبَ القضايا المنظورة أمامهم متعلقةٌ بالمؤجرين والمستأجرين، والسبب أن مصادرَ دخل المستأجرين هي من الإيجارات وهم معتمدون عليها، وقد صبر الكثير منهم لفترة معينة، ولكن عندما طالت المدةُ اضطر المؤجرون؛ لأن يقدموا دعاوى.
وأشار القاضي المنصوب في تصريح لصحيفة “المسيرة” إلى أن بعض القضايا كانت تُحَلُّ في الأقسام والبعض كانت تُرفع إلينا للقضاء ونحن نعمل على حلها بطرق ودية؛ لأن المستأجر كان ملتزماً، لكن الظروف القاهرة هي التي أَدَّت إلى عدم التزامه بالإيفاء أَوْ تأخير، فالبعض يقتنع بعمل سند إلى دفع الرواتب، ومن ثم موافاته بما تيسر منها.
وأوضح القاضي المنصوب، أن على الدولة العمل على حل إشكالية الرواتب بالنسبة للموظفين؛ كون أَكْثَر الدعاوى التي قُدمت هي على الموظفين المستأجرين الذين لا يملكون أي دخل سوى الراتب، وبالإمكان أن تقومَ الدولة بدراسة هذه القضية بجدية والبحث لها عن الحلول المناسبة في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشُها؛ بسبب العدوان، وبالإمكان أيضاً أن تبحَثَ عن كيفية صرف ما أمكن من الراتب ولو النصف أَوْ ضمان الإيجارات للمؤجرين بسندات تلتزمُ الدولةُ بسدادها.
وأضاف المنصوب، بأن الإيجاراتِ تتزايدُ في الوقت الحالي دون مراعاة للظروف التي نعيشُها، وعلى الدولة النظر في هذه المسألة، وعلى مجلس القضاء إصدار تعاميم للقضاة للحكم في هذه القضايا ومراعاة مَا تمر به البلاد، مطالباً مجلس النواب بتعديل قانون المؤجِّر والمستأجر ؛ لأن النصوص القانونية فيها إجحافٌ بحق المستأجر.
إرتفاع المشاكل بشكل كبير جداً خلال العام المنصرم 2017
بدوره أكّدَ العقيد عبدالملك القارة – مدير شرطة هبرة في مديرية شعوب بالعاصمة، ظهورَ الكثير من المشاكل بين المؤجر والمستأجر منذ بداية العدوان وتفاقم الأوضاع الاقتصادية للبلاد وانقطاع الرواتب ومصادر الدخل وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن، ما أَدَّى إلى تضرر شريحة كبيرة من المجتمع.
وأوضح العقيد القارة في تصريح لصحيفة “المسيرة” أن ما جعل الوضع أَكْثَر سوءاً هو انقطاع الراتب، وهذا السبب الذي زاد من كثرة الشكاوى بين المؤجر والمستأجر؛ ولكون قسم الشرطة جهة ضبط فقط فإنها تقوم بإحالة هذه القضايا إلى النيابة، وَالمشاكل ارتفعت بشكل كبير جداً خلال العام المنصرم 2017.
ودعا مدير قسم هبرة بمديرية شعوب الجهات المختصة إلى إيجاد حلول وبدائل؛ كون الموظف بدون راتب وبعض المواطنين انقطع دخلهم ومنهم من فقد عمله ومصدر عيشه وأَصْبَح اليوم معتمداً بشكل رئيسي على المنظمات الإنْسَانية في توفير المأكل والمشرب، ويبقى الإيجار حجرَ عثرة أمام كُلّ الموظفين والمواطنين، ويجب إيجاد قوانين تنظّم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بحيث تتناسب مع الوضع القائم.
القاضي يستطيع أيضاً الرجوع للظروف القاهرة
وحول دور القضاء في حل مثل هذه الإشكاليات قال المحامي أمين عبدالخالق حجر، بأن القاضي يلعب دوراً في تحقيق روح العدالة وهناك قانون خاص ينظّم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وهو قانون سارٍ على القانون العام والخاص، مضيفاً أن القانون يفرِضُ على المستأجر أن يؤدِّيَ التزاماته بدفع الأجرة، وعليه أن يخلي العقار المؤجر في حال لم يلتزم بتسليم إيجار ثلاثة أشهر.
ولفت المحامي حجر في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن القاضي يستطيع أن يرجعَ للقانون العام بحكم استثنائي؛ كوننا في ظروف استثنائية، وهو لمعرفة عدم استطاعة المستأجر على سداد الأجرة، هل هو متعلق بإرادة أَوْ هناك تدخل، وسنجد أن الظروفَ القاهرة هي التي منعته من الالتزام.
وأوضح أن القاضي يستطيع أيضاً الرجوع للظروف القاهرة ويربطها فيما إذَا كان المستأجر موظفاً وليس له دخل إلا المرتب ويقول بأن عدم قدرته على الوفاء؛ بسبب عدم صرف الراتب ومتى صُرف الراتب ولم يتم منه الوفاء أخل بالتزامه.
ودعا المحامي حجر، الحكومةَ إلى التدخل في هذا الموضوع، كما ينبغي على مجلس القضاء أن يصدرَ تعميماً بهذا الكلام وكيف يجب على القضاة التعامل في مثل هكذا إشكاليات.
القاضي المؤيد: القانون المدني يعطي القاضي التعديلَ على العقود؛ بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية
وقال هاشم أحمد المؤيد -قاضٍ شخصي في محكمة شمال الأمانة-: إن مشاكلَ المؤجِّر والمستأجر أَصْبَحت من أَكْثَر القضايا المرفوعة أمام المحاكم، بمن فيهم أصحاب المحلات التجارية في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع الراتب وضعف القيمة الشرائية.
وأشار القاضي المؤيد في تصريح لصحيفة “المسيرة” إلى أن هناك نصاً في القانون المدني يُعطي القاضي التعديلَ على العقود؛ بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية, “ونحن في المحكمة نسعى لعقد صُلح بين المؤجر والمستأجر، فمنهم من يقبل نصفَ الإيجار، ومنهم من يعفي مقابلَ الخروج”, مضيفاً أن هذا الموضوع باتت مشكلةً تؤرِّقُ معظمَ أبناء الشعب اليمني وكابوساً يعاني منه غالبية موظفي القطاع الحكومي بعد انقطاع الراتب وفقدان مصادر دخلهم جراء الحرب والحصار.
وطالب المؤيدُ السلطةَ التشريعية والمجلسَ السياسي وحكومة الإنقاذ بسرعة إصدار قانون بهذا الخصوص، داعياً الجهاتِ المعنيةَ أن تتعاملَ مع هكذا مواضيع بمسئولية تقدّر معاناة الشعب.