الحديدة نيوز / إعداد / أحمد حسن عياش يعقوب
نسبه:
هو: الأستاذ القدير والأديب الكبير والمناضل الجريء اللواء يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن حسن الشحاري ، من بيت علم كبير ، اشتهر أهله في الحديدة بالعلم ، وقول الحق ، وكانوا ممن لا يخافون أحداً من أرباب الدولة فمن دونهم ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فقد كان جده أحمد بن محمد الشحاري المتوفى – رحمه الله – سنة 1328ه / 1910م من كبار مشايخ العلم في مدينة الحديدة ، ممن يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وهو ما ورثه الأستاذ يوسف عنهم .
ميلاده ونشأته:
ولد – الأستاذ يوسف – سنة 1932م /1351ه ، ونشأ ، وترعرع في كنف والديه ، ثم توفيت والدته وهو في الثانية عشر من عمره ، وهي زوجة أبيه الثانية ، فقد تزوج قبلها بامرأة وأنجب منها ولده الأكبر ، وكانت وفاتها – رحمها الله – بعد ولادتها بحسن شقيق الأستاذ يوسف الأصغر .
عاش الأستاذ يوسف طفولته في حارة السور من مدينة الحديدة حيث كان والده الحاج محمد الشحاري بسيط الحال ، يعمل محاسباً لدى أحد تجار الحديدة وهو الحاج هاشم شريف الرفاعي ، ولايزال السكن الذي عاش فيه قائما ، وجزء من الممتلكات والدكاكين والمحلات في السوق القديم هناك ، التى كانت تملكها عمته ، وبعد وفاتها زهد يوسف في تلك الثروة ، وتركها لأخيه الأكبر ، فقد كان شغله الشاغل العلم والدراسة ، وكان شديد الاطلاع يقرأ كثيراً من مختلف الكتب ، والمعارف الدينية ، والأدبية ، والتاريخية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية منذ صغره .
دراسته الأولية ومشايخه:
تلقى دراسته الأوليّة على يد والده ، حيث تولى والده رعايته ورعاية أخيه الأصغر حسن ، فتعلما منه القرآن وأصول الفقه والدين كما تلقاه هو عن والده العلامة أحمد بن محمد الشحاري ، ذلك العلامة الفذ الذي تتلمذ علي يديه العديد من كبار علماء تهامة .
كما تتلمذ الأستاذ يوسف أيضا على السيد العلامة أحمد محمد الوزير – رحمه الله .
التحاقه بالمدرسة السيئة الحكومية وكبار مدرسيه وأساتذته فيها:
ألحقه والده بالمدرسة الحكومية الوحيدة التى كانت بالحديدة وهي المدرسة السيفية ، التي سميت بعد الثورة السبتمبرية بمدرسة الوعي التربوي ، وتعرف اليوم بمدرسة خولة بنت الأزور للبنات ، فأكمل بها دراسته ، حتى تخرج منها سنة 1954م / 1373ه .
وكان من أساتذته ومدرسيه في هذه المدرسة أستاذ الأجيال الكبير والمربي القدير العزي بن سعيد البريدي ، والذي يعرف بالعزي مصوعي ، والأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ محمود الكثري ، والفقيه عايش بن حسن مدني ، والأستاذ الكبير صغير بن
سليمان بن حميد حكمي ، والأستاذ أحمد لقمان ، والأستاذ حسن الكنجوني ، إضافة إلى ثلة من المدرسين المصريين الذين كان لهم الأثر في تربيته وتنشئته ، وصقل موهبته ، فضلاً عن أساتذته في توجهه السياسي .
ترشيحه للدراسة العسكرية في كلية الشرطة بتعز:
وقد تخرج من المدرسة بامتياز ، وعرف عنه الذكاء والنبوغ المبكر ، ولذلك كان محل اهتمام أساتذته وحبهم وتقديرهم له ولجهوده ، ولذلك تم ترشيحه من قبل البعثة المصرية بقيادة الرائد عبد الله حامد ضمن مئة طالب ، لتمثيل تهامة في المؤسسة الأمنية والعسكرية ، في سنة تخرجه من المدرسة 1954م ، فتم ابتعاثه للدراسة في كليه الشرطة بلواء تعز ، فالتحق بها ، وتخرج منها سنة 1956م / 1379ه ، برتبة ملازم وبتقدير امتياز ، وكان ترتيبه الثاني علي دفعته بسبب تعرضه لحادث كسر في يديه أثناء التدريبات العسكرية في فتره الامتحانات .
ولنباهته وفصاحته وجهورية صوته تم اختياره لإلقاء كلمة الخريجين في حفل التخرج بكلية الشرطة بتعز نيابة عن زملائه ، فألقى كلمة أغضبت بعض مفرداتها الإمام أحمد الذي حضر الحفل ، ومما جاء في تلك الكلمة:
«إن هذه المجموعة من الشباب الخريجين هم أمل الامة وصمام أمان أمنها وتطورها وتقدمها» فغضب الإمام غضباً شديداً ، ولم يتمكن الأستاذ يوسف من إكمال كلمته في ذلك الحفل .
ثم عين في سنة 1957م مديرا لأمن مدينة اللحية بالحديدة ، فلم يستنم بها عاما ، حتى التحق بمدرسة الأسلحة ، بالكلية الحربية في صنعاء سنة 1378هـ / 1958م .
تعدد مواهبه وقدراته:
كان في شبابه شابا متعدد المواهب والقدرات ، فقد عشق كرة القدم كغيره من شباب الحديدة ، فأنشأ معهم الفرق الرياضية ، وشارك في فريق الشرق المدرسي ، وفريق الاتحاد آنذاك ، ثم في فريق الجيل العريق .
وشارك في العديد من الأنشطة الثقافية ، ومنها مشاركته ضمن فريق التمثيل في إحدى المناسبات ، وقام حينها بدور القائد اليمني المعروف سيف بن ذي يزن في مواجهة الغزاة ، وبدأ يقول الشعر آنذاك .
وكان عاشقا للبحر يجيد السباحة فيه والغوص في أعماقه .
وكان ناشطا سياسيا وحقوقيا ، حيث انضم للمؤسسة العسكرية ، وانخرط في تنظيم الضباط الأحرار ، وكان أحد أعضائه .
زواجه من المناضلة عيشة بنت سعيد عبادي:
تزوج من الأستاذة والمربية الفاضلة عيشه بنت سعيد عبادي ، وهي أخت صديقه في كليه الشرطة ، ورفيق نضاله اللواء على سعيد عبادي ، التي شاركته نضاله وكفاحه .
وانتقل بعدها للعيش بحاره الهنود إلى جوار أهلها وأسرتها هناك .
وكانت الأستاذة عيشة عبادي أول من طالب بتعليم الفتاه وضرورة إلحاقهن بالمدارس ، وطالبت بأنشاء مدارس خاصة للفتيات ، فناضلت مع زميلاتها ، حتى تم افتتاح مدرسة التعاون بحارة اليمن الخاصة بالفتيات ، وهي أول مدرسة أنشأت للفتيات .
وأنجب الأستاذ يوسف منها عشرة من البنين والبنات: ثلاثة أولاد ، وسبع بنات .
حبه وتولعه بمجالس الذكر والعلم:
كان – رحمه الله – يجل العلماء ، ويقدرهم ، ويحترمهم ، ويحب مجالسهم ، ويحضر مقايلهم في دواوينهم ، وكان آثر مجلس لديه هو مجلس شيخنا العلامة القاضي محمد بن علي بن محمد العقيلي – رحمه الله – في حارة الحوك السفلى من مديرية الحوك ، فإذا كان في الحديدة لا يطيب له مجلس غير هذا المجلس ، لما كان يكنه من حب ومودة للشيخ ، وهو أيضا من أبرز أصدقائه ، ورفاق نضاله الذين كان يلتقي بهم في صيدلية السقاف كما ذكره بعضهم .
إسهاماته ومشاركاته النضالية ضد قوى الظلم والاستبداد:
اشتهر عنه – رحمه الله – نبذه وكرهه للظلم والتسلط والاستبداد ، ومجاهرته لأرباب الظلم والتسلط بكلمة الحق ، دون خوف من أحد ، ودون تملق أو مجاملة على حساب الوطن ، فقد كان الوطن لديه فوق كل المصالح ، لا يسمح لمخلوق قطَّ أن يساومه عليه .
ولم يكن يوسف مجرد اسم ، بل اقترن اسمه بالنبل ، والشرف ، والنزاهة ، والعفة ، وصدق الكلمة ، والمواقف الشجاعة والنبيلة ، واتسمت حياته بالبساطة ، والتواضع ، والصراحة .
وكان – رحمه الله – نصيراً للمظلومين والفقراء والعمال من اليمنيين عامة ، وفقراء تهامة على وجه الخصوص .
ويُعَدُّ يوسف الشحاري من أبناء تهامة الأحرار الشرفاء ، الذين انضموا مبكراً إلى المؤسسة العسكرية ، ولذلك آثر النضال من أجل الوطن ، ليعم العدل والسلام في جنباته ، ولينعم الشعب بخيراته ، دون أي تمييز طبقي لفئة دون فئة ، وقد كانت الجمهورية والوحدة والناس ثلاثية ، كان الشحاري مسكونا بها ، على حد تعبير الدكتور عبد الوهاب الروحاني في نعيه له ، ولم يقتصر نضاله على قول الكلمة في مقارعة الظلم ، والحكم الإمامي ، والمستعمر ، ومؤازرة الثورة ، بل شارك في حمل السلاح ، والقلم ، للدفاع عن الثورة اليمنية وأهدافها ، فقد كان له الكثير من المحطات والمواقف النضالية التي ساهم وشارك فيها ، ومنها:
1) قيامه بدور مهم للتحضير للثورة ، والإعداد والتجنيد لها من شباب تهامة وأصدقائه بالحديدة ليلة الثورة ، حيث كان عضوا في تنظيم الضباط الأحرار .
2) إسهامه ومشاركته مع زملائه من الضباط الأحرار في تأسيس كتائب الحرس الوطني بمحافظة الحديدة ، وكان من زملائه الضباط في تأسيسها السايس ، وعلي سعيد عبادي ، وزبارة ، والحيدري ، وغيرهم .
3) مشاركته في تأسيس منظمة شباب الثورة ، في بداية أكتوبر سنة 1962م / جمادى الأولى 1382ه بمحافظة الحديدة ، وهي أول منظمة شبابية ، تم تأسيسها بعد قيام الثورة بأيام قليلة ، وكان من زملائه في تأسيسها الأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ عبد الله الصيقل ، وغيرهم .
4) عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفاؤها كان ضمن المبادرين في إعادة تشكيل المقاومة الشعبية في الحديدة وصنعاء وغير ذلك من المناطق ، إلى جانب عدد من الوطنيين وغيرهم من كافة القوى الوطنية في الحديدة ، ومنهم: عبد الله الصيقل ، والجاوي ، وعثمان عميرة ، ، وإبراهيم صادق ، وعبد الله مجمل ، ومحمد عمر حسن ، ويوسف عبد الودود ، وإبراهيم طاهر ، والخال محمد عزي صالح البتول ، وعلي محمد سعيد أنعم ، وأبو بكر سالم الشماخ ، وعبدالواسع هائل سعيد ، وهائل القرشي ، ويحيى علانة ، وقاسم عواجي ، وعلي إسماعيل ، وغيرهم من كافة القوى الوطنية في عموم الوطن ، وكان ذلك عقب حرب يونيو 1967م ، لإعادة إحياء نشاطها نتيجة الضغوط الكثيرة التي مورست ضد عبد الناصر من قبل تلك القوى الاستعمارية التي أرادت من قبل إسقاط ثورة يونيو الوطنية القومية الإنسانية ، عام 1952م / 1371ه ، التي ساعدت وساندت الثورة اليمنية في كافة المجالات ، وكان غرض تلك القوى إجهاض الثورة اليمنية تماماً وعودة النظام السابق المتخلف .
ولكن القوى الوطنية واجهت تلك المحاولات التي كان آخرها اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم 1967م / 1387ه ، بدعوى السلام والاستفتاء وجاءت إلى صنعاء ، وتم استقبالها بمظاهرة ضخمة وحاشدة وكبيرة ، تضم كل القوى الوطنية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية على مستوى كل المناطق اليمنية ، وكان ليوسف دور بارز في تنظيم هذه التظاهرة مع كافة القوى ، وألقى كلمته المشهورة في التظاهرة قائلاً: (أيتها الجماهير الثائرة والهادرة: ماذا يريدون منا ؟ أي استفتاء يريدونه ؟ على قدرنا ، على مصيرنا ، على نظام اختارته الأمة لنفسها بإرادتها الحرة ؟ بعد أن قدمت قوافل من الشهداء ، وعلى اللجنة أن ترحل وتعود من حيث أتت)
وبالفعل أجبرت تلك اللجنة أمام قيادة القوات العربية المصرية بصنعاء على العودة بعد ساعات قليلة من وصولها صنعاء ، ولكن بعد أن سقط عدد من القتلى والجرحى أثناء محاولة المتظاهرين اقتحام مقر اللجنة ، ورحلت اللجنة إلى الأبد .
5) القيام بدور بارز لإعادة البناء الداخلي الوطني والتنموي ، بعد دحر الحصار عن صنعاء .
ونتيجة لأدواره النضالية الصادقة تعرض الأستاذ يوسف للعديد من الملاحقات ، والاعتقالات والسجن ، إثر قيامه بإلقاء الخطب الثورية والسياسية ، ودفاعه عن الثورة والجمهورية ، وتحريضه على المظاهرات ، والمطالبة بالحقوق والحريات ، لكنه كما قال:
لَمْ يَزِدْهُ السِّجْنُ إِلَّا صَوْلَةً
تُقْلِقُ اللَّيْلَ اللَّعِيْنَ الْأَبْكَمَا
المناصب التي تقلدها:
شغل العديد من المناصب الأمنية ، والعسكرية ، والإعلامية ، والسياسية والثقافية ، ومنها ما يلي:
في المجال الامني:
– مديراً للأمن في مدينة (اللحية) بالحديدة ، عقب تخرجه من كلية الشرطة بتعز ، سنة 1957م .
– مديراً لأمن الحديدة ، سنة 1964م .
– ضابطاً لأمن إذاعة صنعاء .
وفي المجال العسكري:
– مدرساً وكبيراً للمعلمين في كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1965م / 1365ه .
– نائباً لمدير كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1969م / 1389ه .
وفي مجال الصحافة والإعلام:
– مديراً للتحرير في صحيفة (الثورة) اليومية في صنعاء .
وفي المجال السياسي:
– عضوا منتخباً عن مدينة الحديدة ، في مجلس الشورى سنة 1970م / 1390ه ، وتم اختياره وكيلا للمجلس .
– نائباً لرئيس مجلس الشعب التأسيسي ، سنة 1979م / 1399ه .
– رئيساً للجنة العليا لانتخابات المجالس البلدية ، عام 1982م / 1402ه .
– نائباً لرئيس مجلس الشورى ، سنة 1987م / 1407ه .
– عضواً في لجنة إعداد أول دستور للجمهورية اليمنية عقب قيام الوحدة .
– عضواً في مجلس النواب ، ثم عضواً في هيئة رئاسة المجلس ، سنة 1990م / 1410ه .
– مستشاراً لرئيس الجمهورية ، عام 1992م / 1412ه .
– عضواً في المجلس الاستشاري للرئاسة ، عام 1997م / 1418ه .
– ساهم في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام ، وانتخب عضواً في اللجنة الدائمة لهذا الحزب في جميع دورات الحزب ، وفي عام 1416هـ/1995م ، انتخب عضواً في اللجنة العامة لحزب المؤتمر .
وفي المجال الثقافي والأدبي:
فقد كان أديباً وشاعراً ثوريًّا ، وله ديوان شعري بعنوان (رعد وبرق) طبع بعد وفاته ، وكان من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، ونقابة الصحفيين ، وانتخب رئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب في مؤتمره السابع ، عام 1993م / 1413ه .
وأعيد انتخابه في نفس المنصب ، عام 1997م / 1418ه ، واستمر رئيساً للاتحاد حتى توفاه الله سنة 2000م / 1421ه .
مشاركاته وتمثيله لليمن في الوفود الرسمية :
لقد شارك ومثل اليمن في وفود رسمية عضواً ورئيساً لعدد من الوفود البرلمانية إلى دول شقيقة وصديقة ، ومنها:
– المشاركة في أعمال الدورة الثالثة للهيئة العليا لمجلس التعاون العربي ، بالمملكة الأردنية الهاشمي سنة 1990م / 1410ه .
– المشاركة في بحث المستجدات الراهنة على الساحة العربية والقضايا التي تهم البلدين وأمتنا العربية والإسلامية ، في السعودية عام 1990م / 1410ه .
– مرافقته لرئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح في سفره إلى عدن لتوقيع اتفاق إعادة الوحدة في الثلاثين من نوفمبر ، سنة 1989م ، الموافق الثاني من جماد الأولى ، سنة 1410ه ، وحينها صاح قائلاً : «لقد عملها اليمانيون» أثناء التوقيع ومن ثم الإعلان عن قيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م ، الموافق 27 من شوال ، سنة 1410ه .
فقد كان همه الأكبر أن لا تغمض عيناه قبل أن يرى الوحدة حقيقية ماثلة وواقعاً مجسداً ، بعد أن انتصرت الثورة في كل مواقع النضال .
مرضه وفاته – رحمه الله:
ظل حياته مناضلا حرا ، لم يلوث اسمه ما لوث أسماء الكثير من رفاق نضاله وغيرهم ، عاشها وهمُّ الوطن وحبُّه وأهله يسكن داخله ، عاش حياته منافحا عن الحق ، يتقدم الصفوف الأولى دوما للدفاع عن قضايا الإنسان ، وحقوقه ، وحريته ، وأمنه ، ومعيشته ، إلى أن مرض بالقلب ، الذي تسددت بعض شرايينه ، جراء قهره وغبنه على وطنه ، وما يحل به ظلم ، وتسلط ، واستبداد ، واستئثار بالمال ، والسلطة من قبل فئات من الناس المتنفذين ، دون النظر إلى حال الكادحين .
فأجريت له عملية جراحية في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية لإذابة الدهون التي سددت الشرايين ، ثم عاد إلى صنعاء لمتابعة العلاج بمستشفى آزال ، فكانت وفاته بصنعاء ، يوم السبت 17 من جماد الآخرة سنة 1421ه ، الموافق 16 سبتمبر سنة 2000م ، وتم نقل جثمانه إلى مسقط راسه الحديدة ، لمواراته إلى مثواه الأخير في مقبرة بني المطهر تنفيذا لوصيته بدفنه فيها .
وشيعت جنازته في موكب جنائزي مهيب ، شارك فيه جموع غفيرة من الناس البسطاء ، والشرفاء ، والمواطنين المحبين له ، وأصدقائه ، ومن رفاقه ومحبيه العسكريين والأمنيين ، والأدباء والشعراء والكتاب ، يتقدمهم محافظ الحديدة آنذاك وكافة مسئولي الدولة بالمحافظة ، فضلا عمن نزلوا من صنعاء للمشاركة في تشييعه – رحمه الله .
وقبيل وفاته بأيام قال يعاتب نفسه ويحاسبها:
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
بَعْدَ عُمْرٍ يَفِيْضُ بِالْأَوْزَارِ
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
فَتَرَجَّلْ عَنْ صَهْوَةِ الْأَسْفَارِ
وَلْتُوَاجِهْ مَا جِئْتَهُ مِنْ شُرُوْرٍ
نَتِنَاتٍ فَاقَتْ عَلَى كُلِّ عَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَمْعَنْتُ فِيْهَا
فِيْ جُمُوْحْ الْبُرْكَانِ وَالْإِعْصَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَقْذَرُ جُرْمٍ
أَنْ تَعِيْهِ بَعْدَ انْطِفَاءِ الْأُوَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَعْرِفُ أَنِّيْ
ذُقْتُ مِنْهَا الْأَشْهَى مِنَ الْأَوْطَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأُدْرِكُ أَنِّيْ
قَدْ تَصَيَّدْتُهَا بِكُلِّ اخْتِيَارِ
فَلْتُوَاجِهْ حَقِيْقَةَ الْأَمْرِ وَاقْرَأْ
مَا يَضُمُّ الْكِتَابُ مِنْ آثَارِ
لَيْسَ فِيْهِ غَيْرُ الْحَقِيْقَةِ قَالَتْ
وَاضِحَ الْفِعْلِ خَافِيَ الْأَسْرَارِ
حَسْبُ رُوْحِيْ أَنِّيْ أُوَضِّحُ أَمْرِيْ
وَأُزِيْحُ السِّتَارَ عَنْ بَعْضِ عَارِ
كُلُّ مَا جِئْتُهُ أَعِيْهِ وَأَنِّيْ
قَدْ تَخَيَّرْتُ مَقْعَدِيْ فِي النَّارِ
يَا إِلَهِيْ وَأَنْتَ أَدْرَى بِأَمْرِيْ
فَارْحَمِ الرُّوْحَ مِنْ لَظَى الْأَوْزَارِ
لَيْسَ لِيْ غَيْرُ رَحْمَةٍ مِنْكَ تَمْحُوْ
كُلَّ جُرْمٍ أَتَيْتُهُ بِاخْتِيَارِيْ
* * * * *
نماذج من شعره الخالد:
القصيدة التي ألقاها أمام السفير السعودي بصنعاء ، في السبعينات بحضور الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي :
قُلْ لِلسَّفِيْرِ ابْنِ الْأَمِيْرِ
أَخْطَأْتَ تَقْدِيْرِ الْأُمُوْرِ
مَاذَا تُرِيْدُ ؟ أَتَشْتَرِيْ
بِالْمَالِ أَقْدَاسَ الشُّعُوْرِ ؟
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
جِيَفِ الزِّبَالَةِ وَالْقُشُوْرِ
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
الْمُتَعَفِّنِيْنَ مِنَ الْجُذُوْرِ
جَوْعَى نَعَمْ وجَوْعَى وَلَكِنْ
فِيْ صُمُوْدٍ كَالصُّخُوْرِ
مَرْضَى نَعَمْ مَرْضَى وَلَكِنْ
فِيْ شُمُوْخٍ كَالنُّسُوْرِ
هَذِي الْحَقِيْقَةُ لَيْتَهَا
تَحْظَى بِقُرْبَى لِلْأَمِيْرِ
قوله:
يُعْرَفُ الْمَرْءُ بِالضَّمِيْرِ فَإِمَّا
كَانَ خَيِّراً فِي الْحُكْمِ أَوْ شَيْطَانَا
أَوْ عَظِيْماً يَسْمُوْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ
أَوْ حَقِيْراً يُلَوِّثُ الْأَكْوَانَا
قوله:
شَرَفُ الْمَرْءِ أَنْ يَعِيْشَ أَبِيًّا
رَافِعَ الرَّأْسِ طَيِّبَ الْوُجْدَانِ
قوله:
بَاقُوْنَ رَغْمَ شَرَاسَةِ الْإِرْهَابِ
وَخِيَانَةِ الْكُتَّابِ وَالْأَقْطَابِ
قوله:
أَبُوْحُ بِآرَائِيْ بِغَيْرِ تَوَجُّسِ
فَلَا خَوْفُ يُؤْذِيْ مُهْجَتِيْ أَوْ تَوَقُّعُ
قوله:
قَدِّسُوا اللهَ فِي الضَّمَائِرِ كَيْمَا
تَنْعَمُوْا مِنْهُ بِالرِّضَى وَالْجِنَانِ
وَاخْدُمُوا اللهَ خِدْمَةً لَيْسَ فِيْهَا
مَآرِبٌ غَيْرَ مَطْلَبِ الْغُفْرَانِ
قوله:
إِنَّ مَنْ يُقْتَلُ فِيْهِ حِسُّهُ
مَارَسَ الْإِثْمَ وَعَافَ الْقِيَمَا
قوله:
بِاسْمِ شَعْبِيْ تَحْلُو الْمَنَايَا وَيَحْلُو
السِّجْنُ دَاراً وَتُسْتَطَابُ الْقُيُوْدُ
لَنْ أُدَارِيْ مَا دُمْتُ أَشْعُرُ أَنِّيْ
يَمَنِيٌّ بِأَرْضِهِ مَشْدُوْدُ
يَمَنِيٌّ يَهْوَى الْحَيَاةَ صِرَاعاً
وَعِرَاكاً يَشِعُّ مِنْهُ الْجَدِيْدُ
قوله في قصيدته (اللصوص):
يَا لُصُوْصاً بِقَرَارِ
شَنَقُوْا حُلْمَ النَّهَارِ
فَقـَؤُوْا وَمْضَ الْأَمَانِيْ
الْزَغْرَدَتْ فِيْ كُلِّ دَارِ
فَقَرَأْنَـا مِنْ جَدِيـْدٍ
صَفَحَاتِ الْإِنْهِيَارِ
وَرَأَيْنَا مِنْ جَدِيـْدٍ
أَمْسَنَا الْمَطْعُوْنَ عَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ سَقَطْتُمْ
جَهْرَةً بَيْنَ الْمَجَارِيْ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
اللَّيْلَ يَلْهُوْ بِالنَّهَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَهُمْ فَوْقَ الْحِمَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَكُمْ دُمْيَةَ شَارِ
نَسِيَ الْمَاضِيْ عَرِيْقاً
كَقَضِيْبٍ مِنْ نُضـَارِ
قوله:
مَنْ يَرُمْ فِي الْحَيَاةِ عَيْشاً نَبِيْلاً
وَاحْتِرَاماً وَعِزَّةً فِي الزَّمَانِ
فَلْيَدُسْ بِالْإِبَاءِ لَحْنَ رِيَالٍ
سَافِلٍ لَمْ يَجْنِ غَيْرَ الْهَوَانِ
قوله عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفائها:
قَتَلُوْهَا وَأَمْعَنُوْا فِي الْبُكَاءِ
وَأَحَالُوا الرَّبِيْعَ فَصْلَ شِتَاءِ
قوله في وصف العملاء:
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
يَا لِلْخَسَاسَةِ وَالنَّذَالَةْ
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
مِثْلَ الذُّبَابِ عَلَى الزِّبَالَةْ
وقوله فيهم أيضا:
ذَلَّ مَنْ قَيَّدَ الضَّمِيْرَ وَقَضَّى
عُمْرَهُ يَرْشُفُ الْمَخَازِيْ دِنَانَا
وقوله فيهم:
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي التَّقَارِيْرِ يَقْتُلُوْنَ النَّهَارَا
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي الْحِرَاسَاتِ لَا يَصُوْنُوْنَ عَارَا
قوله للسجن والسجان:
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ أَسْرَارُهُ
وَنَحْنُ الْأَلْحَانُ وَالْقِيْثَارُ
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ مَهْمَا فَعَلْتُمْ
نَحْنُ مَضْمُوْنُهُ وَنَحْنُ الْإِطَارُ
قوله في حفل تخرج دفعة ضباط الأمن عام 1962م:
كَيْفَ يَحْلُوْ عَلَى الشِّفَاهِ النَّشِيْدُ
وَطَنِيْ وَالْجِرَاحَاتُ مِنْكَ لُحُوْدُ
وَالْقَدَاسَاتُ لِلْمَبَادِئِ أَضْحَتْ
مِزَقاً دَاسَهَا هُنَا رِعْدِيْدُ
قوله في اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم سنة 1967م:
وَكَتَبْنَا مَصِيْرَنَا يَوْمَ ثُرْنَا
وَسَنَحْمِيْ مَصِيْرَنَا بِالدِّمَاءِ
وَمِنَ الْعَارِ وَالنَّذَالَةِ أَنَّا
نَنْحَنِيْ لِلْوَسِيْطِ وَالْوُسَطَاءِ
نَحْنُ شَعْبٌ يَأْبَى الْوَسَاطَةَ حَتَّى
لَوْ أَتَتْ مِنْ أَحِبَّةٍ أَوْفِيَاءِ
قوله:
وَلَيْسَ وَحْدِي الَّذِيْ يَمُوْتْ
اَلْكُلُّ فِيْ تُرَابِ (ذُوْ يَزَنْ) يَمُوْتْ
فَبَعْضُنَا فِيْ خِسَّةِ السُّكُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذَيْلِ بَنْكَنُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذِلَّةِ الْقَوَافِلِ
الَّتِيْ تَشُقُّ مُهْجَةَ الْخُبُوْتْ
قالوا عنه:
١) وصف المؤرخ المفتي زبارة الضابط يوسف محمد الشحاري أنه: (من الضباط الأحرار ، وأمثاله قد جمعوا الدنيا ، وهو عفيف نزيه ، لم يجمع شيئاً ، وهو أديب ، شاعر ، خفيف المؤنة ، متواضع ، انتخبته الحديدة بأغلبية ساحقة مراراً لمجلس الشورى والشعب)
٢) قال شيخنا العلامة القاضي أحمد بن عثمان مطير – مفتي الحديدة عنه: (… وهو رجل غيور على دينه ووطنه ، وله جملة قصائد حماسية ، شجاع لا يخاف في الله ووطنه لومة لائم)
٣) ذكر الأصبحي في مذكراته أنه من الأحرار القدامى فقال: (وزملاء الإذاعة منهم الأستاذ القدير يوسف الشحاري ، الذي كان مديرا للإذاعة ، والأستاذ الشحاري من ضباط كلية الشرطة ، ومعلم ، وشاعر ، إلى جانب أنه يعتبر من الأحرار القدامى ، ولا يزال شريفاً نظيفاً ، تولى عدة مناصب ، وسافرت معه مرتين: مرة عندما كان وكيلاً لمجلس الشورى أولاً ، وأخرى عندما صار وكيلاً لمجلس الشعب التأسيسي ، لم أجد مثله أحداً في أخلاقه في سفره)
الألقاب التشريفية التي لقب بها في حياته وبعد وفاته:
لم يجتمع لمناضل وحدوي من مناضلي ثورة سبتمبر ما اجتمع له من الألقاب ، رغم بساطته ، فقد لقب بعدد كبير من الألقاب ، التي تدل على مكانة الرجل العليا وقدره الرفيع ، ومن تلك الألقاب ما يلي:
١- (حكيم الأدباء) لأنه سخر أدبه ونضاله لصالح الإنسان ، وقضاياه ، وهمومه ، وآماله ، وطموحاته .
٢- (آخر نجم اهتدى به اتحاد أدباء اليمن)
٣- (آخر العمالقة الراحلين)
٤- (رمز الطهارة)
٥- (العاشق الفريد للأرض والحرية)
٦- (ضمير الفلاسفة ، وفيلسوف الضمير)
٧- (أبو ذر الشحاري)
٨- (آخر الرجال المثاليين)
٩- (صوت الشعب)
١٠- (رجل بلا حدود) لأنه أعطى بلا حدود ، ولم يأخذ شيئا ، وكان صادقا ، ووطنيا ، ومخلصا بلا حدود .
١١- (صاحب أعظم مشروع وطني في تاريخ اليمن)
١٢- (الإنسان والقصيدة المتحركة)
١٣- (الأجمل والأشجع في كل الأزمنة القبيحة)
١٤- (أعظم الرجال ، وأروع الوحدويين)
١٥- (الرجل الذي لم ولن يتكرر)
١٦- (أمة في رجل ، وأمة وحده في شعره وتواضعه وشجاعته وبساطته ونزاهته واستقامته)
١٧- (الرجل الذي ترجل ، والهامة التي لم تنحن)
١٨- (الإنسان الاستثنائي بكل المقاييس)
١٩- (القامة الوطنية الشامخة)
٢٠- (الجسد الذي مات ، والمدرسة الباقية)
٢١- (ضمير الأمة النابض)
٢٢- (فقيد الثورة والإبداع)
٢٣- (يوسف الطيب ، ويوسف الصديق ، ويوسف الزاهد)
٢٤- (الأخير في الكنانة)
٢٥- (دوحة الوطن)
٢٦- (قميص العفة)
٢٧- (آخر الأقيال)
٢٨- (أمير القوافي)
٢٩- (الاسم الكبير)
٣٠- (رجل غير قابل للقسمة)
٣١- (داعية العدل والمساواة)
٣٢- (شاعر القول والفعل)
ورغم ذلك قال عن نفسه لأمته:
نَسِيْتُ أَنَّنِي اكْتَوَيْتُ وَذُقْتُ أَقْذَرَ الْكُؤُوْسْ
وَذُبْتُ فِيْ حَرَائِقِ الْأَنِيْنِ وَتَحْتَ زَحْمَةِ الْفُؤُوْسْ
نَسِيْتُ أَنَّ نَظْرَتِيْ تَقَيَّأَتْ بِأَنْتَنِ الصَّدِيْدْ
وَأَنَّ خَطْوَتِيْ تُعَاقِرُ الْقُنُوْطَ وَالْحَدِيْدْ
ومنها:
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ الشُّعُوْرُ بِالْأَسَى وَقَسْوَةِ التَّهَتُّكِ الْعَظِيْمْ
وَيُقْبَلُ اعْتِرَافٌ وَيَرْأَفُ التَّارِيْخُ حِيْنَ يُنْشَرُ الْغَسِيْلْ
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ اعْتِرَافٌ بِأَنَّنِيْ الْبَرِيْءُ وَالْمُدَانُ ، وأَنَّنِيْ الشُّجَاعُ وَالْجَبَانُ
يَا شَعْبِيَ الْعَظِيْمْ ًبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سيرة حياة الأستاذ والمناضل الكبير اللواء يوسف الشحاري – رحمه الله:
جمع وإعداد: أحمد حسن عياش يعقوب
نسبه:
هو: الأستاذ القدير والأديب الكبير والمناضل الجريء اللواء يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن حسن الشحاري ، من بيت علم كبير ، اشتهر أهله في الحديدة بالعلم ، وقول الحق ، وكانوا ممن لا يخافون أحداً من أرباب الدولة فمن دونهم ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فقد كان جده أحمد بن محمد الشحاري المتوفى – رحمه الله – سنة 1328ه / 1910م من كبار مشايخ العلم في مدينة الحديدة ، ممن يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وهو ما ورثه الأستاذ يوسف عنهم .
ميلاده ونشأته:
ولد – الأستاذ يوسف – سنة 1932م /1351ه ، ونشأ ، وترعرع في كنف والديه ، ثم توفيت والدته وهو في الثانية عشر من عمره ، وهي زوجة أبيه الثانية ، فقد تزوج قبلها بامرأة وأنجب منها ولده الأكبر ، وكانت وفاتها – رحمها الله – بعد ولادتها بحسن شقيق الأستاذ يوسف الأصغر .
عاش الأستاذ يوسف طفولته في حارة السور من مدينة الحديدة حيث كان والده الحاج محمد الشحاري بسيط الحال ، يعمل محاسباً لدى أحد تجار الحديدة وهو الحاج هاشم شريف الرفاعي ، ولايزال السكن الذي عاش فيه قائما ، وجزء من الممتلكات والدكاكين والمحلات في السوق القديم هناك ، التى كانت تملكها عمته ، وبعد وفاتها زهد يوسف في تلك الثروة ، وتركها لأخيه الأكبر ، فقد كان شغله الشاغل العلم والدراسة ، وكان شديد الاطلاع يقرأ كثيراً من مختلف الكتب ، والمعارف الدينية ، والأدبية ، والتاريخية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية منذ صغره .
دراسته الأولية ومشايخه:
تلقى دراسته الأوليّة على يد والده ، حيث تولى والده رعايته ورعاية أخيه الأصغر حسن ، فتعلما منه القرآن وأصول الفقه والدين كما تلقاه هو عن والده العلامة أحمد بن محمد الشحاري ، ذلك العلامة الفذ الذي تتلمذ علي يديه العديد من كبار علماء تهامة .
كما تتلمذ الأستاذ يوسف أيضا على السيد العلامة أحمد محمد الوزير – رحمه الله .
التحاقه بالمدرسة السيئة الحكومية وكبار مدرسيه وأساتذته فيها:
ألحقه والده بالمدرسة الحكومية الوحيدة التى كانت بالحديدة وهي المدرسة السيفية ، التي سميت بعد الثورة السبتمبرية بمدرسة الوعي التربوي ، وتعرف اليوم بمدرسة خولة بنت الأزور للبنات ، فأكمل بها دراسته ، حتى تخرج منها سنة 1954م / 1373ه .
وكان من أساتذته ومدرسيه في هذه المدرسة أستاذ الأجيال الكبير والمربي القدير العزي بن سعيد البريدي ، والذي يعرف بالعزي مصوعي ، والأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ محمود الكثري ، والفقيه عايش بن حسن مدني ، والأستاذ الكبير صغير بن
سليمان بن حميد حكمي ، والأستاذ أحمد لقمان ، والأستاذ حسن الكنجوني ، إضافة إلى ثلة من المدرسين المصريين الذين كان لهم الأثر في تربيته وتنشئته ، وصقل موهبته ، فضلاً عن أساتذته في توجهه السياسي .
ترشيحه للدراسة العسكرية في كلية الشرطة بتعز:
وقد تخرج من المدرسة بامتياز ، وعرف عنه الذكاء والنبوغ المبكر ، ولذلك كان محل اهتمام أساتذته وحبهم وتقديرهم له ولجهوده ، ولذلك تم ترشيحه من قبل البعثة المصرية بقيادة الرائد عبد الله حامد ضمن مئة طالب ، لتمثيل تهامة في المؤسسة الأمنية والعسكرية ، في سنة تخرجه من المدرسة 1954م ، فتم ابتعاثه للدراسة في كليه الشرطة بلواء تعز ، فالتحق بها ، وتخرج منها سنة 1956م / 1379ه ، برتبة ملازم وبتقدير امتياز ، وكان ترتيبه الثاني علي دفعته بسبب تعرضه لحادث كسر في يديه أثناء التدريبات العسكرية في فتره الامتحانات .
ولنباهته وفصاحته وجهورية صوته تم اختياره لإلقاء كلمة الخريجين في حفل التخرج بكلية الشرطة بتعز نيابة عن زملائه ، فألقى كلمة أغضبت بعض مفرداتها الإمام أحمد الذي حضر الحفل ، ومما جاء في تلك الكلمة:
«إن هذه المجموعة من الشباب الخريجين هم أمل الامة وصمام أمان أمنها وتطورها وتقدمها» فغضب الإمام غضباً شديداً ، ولم يتمكن الأستاذ يوسف من إكمال كلمته في ذلك الحفل .
ثم عين في سنة 1957م مديرا لأمن مدينة اللحية بالحديدة ، فلم يستنم بها عاما ، حتى التحق بمدرسة الأسلحة ، بالكلية الحربية في صنعاء سنة 1378هـ / 1958م .
تعدد مواهبه وقدراته:
كان في شبابه شابا متعدد المواهب والقدرات ، فقد عشق كرة القدم كغيره من شباب الحديدة ، فأنشأ معهم الفرق الرياضية ، وشارك في فريق الشرق المدرسي ، وفريق الاتحاد آنذاك ، ثم في فريق الجيل العريق .
وشارك في العديد من الأنشطة الثقافية ، ومنها مشاركته ضمن فريق التمثيل في إحدى المناسبات ، وقام حينها بدور القائد اليمني المعروف سيف بن ذي يزن في مواجهة الغزاة ، وبدأ يقول الشعر آنذاك .
وكان عاشقا للبحر يجيد السباحة فيه والغوص في أعماقه .
وكان ناشطا سياسيا وحقوقيا ، حيث انضم للمؤسسة العسكرية ، وانخرط في تنظيم الضباط الأحرار ، وكان أحد أعضائه .
زواجه من المناضلة عيشة بنت سعيد عبادي:
تزوج من الأستاذة والمربية الفاضلة عيشه بنت سعيد عبادي ، وهي أخت صديقه في كليه الشرطة ، ورفيق نضاله اللواء على سعيد عبادي ، التي شاركته نضاله وكفاحه .
وانتقل بعدها للعيش بحاره الهنود إلى جوار أهلها وأسرتها هناك .
وكانت الأستاذة عيشة عبادي أول من طالب بتعليم الفتاه وضرورة إلحاقهن بالمدارس ، وطالبت بأنشاء مدارس خاصة للفتيات ، فناضلت مع زميلاتها ، حتى تم افتتاح مدرسة التعاون بحارة اليمن الخاصة بالفتيات ، وهي أول مدرسة أنشأت للفتيات .
وأنجب الأستاذ يوسف منها عشرة من البنين والبنات: ثلاثة أولاد ، وسبع بنات .
حبه وتولعه بمجالس الذكر والعلم:
كان – رحمه الله – يجل العلماء ، ويقدرهم ، ويحترمهم ، ويحب مجالسهم ، ويحضر مقايلهم في دواوينهم ، وكان آثر مجلس لديه هو مجلس شيخنا العلامة القاضي محمد بن علي بن محمد العقيلي – رحمه الله – في حارة الحوك السفلى من مديرية الحوك ، فإذا كان في الحديدة لا يطيب له مجلس غير هذا المجلس ، لما كان يكنه من حب ومودة للشيخ ، وهو أيضا من أبرز أصدقائه ، ورفاق نضاله الذين كان يلتقي بهم في صيدلية السقاف كما ذكره بعضهم .
إسهاماته ومشاركاته النضالية ضد قوى الظلم والاستبداد:
اشتهر عنه – رحمه الله – نبذه وكرهه للظلم والتسلط والاستبداد ، ومجاهرته لأرباب الظلم والتسلط بكلمة الحق ، دون خوف من أحد ، ودون تملق أو مجاملة على حساب الوطن ، فقد كان الوطن لديه فوق كل المصالح ، لا يسمح لمخلوق قطَّ أن يساومه عليه .
ولم يكن يوسف مجرد اسم ، بل اقترن اسمه بالنبل ، والشرف ، والنزاهة ، والعفة ، وصدق الكلمة ، والمواقف الشجاعة والنبيلة ، واتسمت حياته بالبساطة ، والتواضع ، والصراحة .
وكان – رحمه الله – نصيراً للمظلومين والفقراء والعمال من اليمنيين عامة ، وفقراء تهامة على وجه الخصوص .
ويُعَدُّ يوسف الشحاري من أبناء تهامة الأحرار الشرفاء ، الذين انضموا مبكراً إلى المؤسسة العسكرية ، ولذلك آثر النضال من أجل الوطن ، ليعم العدل والسلام في جنباته ، ولينعم الشعب بخيراته ، دون أي تمييز طبقي لفئة دون فئة ، وقد كانت الجمهورية والوحدة والناس ثلاثية ، كان الشحاري مسكونا بها ، على حد تعبير الدكتور عبد الوهاب الروحاني في نعيه له ، ولم يقتصر نضاله على قول الكلمة في مقارعة الظلم ، والحكم الإمامي ، والمستعمر ، ومؤازرة الثورة ، بل شارك في حمل السلاح ، والقلم ، للدفاع عن الثورة اليمنية وأهدافها ، فقد كان له الكثير من المحطات والمواقف النضالية التي ساهم وشارك فيها ، ومنها:
1) قيامه بدور مهم للتحضير للثورة ، والإعداد والتجنيد لها من شباب تهامة وأصدقائه بالحديدة ليلة الثورة ، حيث كان عضوا في تنظيم الضباط الأحرار .
2) إسهامه ومشاركته مع زملائه من الضباط الأحرار في تأسيس كتائب الحرس الوطني بمحافظة الحديدة ، وكان من زملائه الضباط في تأسيسها السايس ، وعلي سعيد عبادي ، وزبارة ، والحيدري ، وغيرهم .
3) مشاركته في تأسيس منظمة شباب الثورة ، في بداية أكتوبر سنة 1962م / جمادى الأولى 1382ه بمحافظة الحديدة ، وهي أول منظمة شبابية ، تم تأسيسها بعد قيام الثورة بأيام قليلة ، وكان من زملائه في تأسيسها الأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ عبد الله الصيقل ، وغيرهم .
4) عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفاؤها كان ضمن المبادرين في إعادة تشكيل المقاومة الشعبية في الحديدة وصنعاء وغير ذلك من المناطق ، إلى جانب عدد من الوطنيين وغيرهم من كافة القوى الوطنية في الحديدة ، ومنهم: عبد الله الصيقل ، والجاوي ، وعثمان عميرة ، ، وإبراهيم صادق ، وعبد الله مجمل ، ومحمد عمر حسن ، ويوسف عبد الودود ، وإبراهيم طاهر ، والخال محمد عزي صالح البتول ، وعلي محمد سعيد أنعم ، وأبو بكر سالم الشماخ ، وعبدالواسع هائل سعيد ، وهائل القرشي ، ويحيى علانة ، وقاسم عواجي ، وعلي إسماعيل ، وغيرهم من كافة القوى الوطنية في عموم الوطن ، وكان ذلك عقب حرب يونيو 1967م ، لإعادة إحياء نشاطها نتيجة الضغوط الكثيرة التي مورست ضد عبد الناصر من قبل تلك القوى الاستعمارية التي أرادت من قبل إسقاط ثورة يونيو الوطنية القومية الإنسانية ، عام 1952م / 1371ه ، التي ساعدت وساندت الثورة اليمنية في كافة المجالات ، وكان غرض تلك القوى إجهاض الثورة اليمنية تماماً وعودة النظام السابق المتخلف .
ولكن القوى الوطنية واجهت تلك المحاولات التي كان آخرها اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم 1967م / 1387ه ، بدعوى السلام والاستفتاء وجاءت إلى صنعاء ، وتم استقبالها بمظاهرة ضخمة وحاشدة وكبيرة ، تضم كل القوى الوطنية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية على مستوى كل المناطق اليمنية ، وكان ليوسف دور بارز في تنظيم هذه التظاهرة مع كافة القوى ، وألقى كلمته المشهورة في التظاهرة قائلاً: (أيتها الجماهير الثائرة والهادرة: ماذا يريدون منا ؟ أي استفتاء يريدونه ؟ على قدرنا ، على مصيرنا ، على نظام اختارته الأمة لنفسها بإرادتها الحرة ؟ بعد أن قدمت قوافل من الشهداء ، وعلى اللجنة أن ترحل وتعود من حيث أتت)
وبالفعل أجبرت تلك اللجنة أمام قيادة القوات العربية المصرية بصنعاء على العودة بعد ساعات قليلة من وصولها صنعاء ، ولكن بعد أن سقط عدد من القتلى والجرحى أثناء محاولة المتظاهرين اقتحام مقر اللجنة ، ورحلت اللجنة إلى الأبد .
5) القيام بدور بارز لإعادة البناء الداخلي الوطني والتنموي ، بعد دحر الحصار عن صنعاء .
ونتيجة لأدواره النضالية الصادقة تعرض الأستاذ يوسف للعديد من الملاحقات ، والاعتقالات والسجن ، إثر قيامه بإلقاء الخطب الثورية والسياسية ، ودفاعه عن الثورة والجمهورية ، وتحريضه على المظاهرات ، والمطالبة بالحقوق والحريات ، لكنه كما قال:
لَمْ يَزِدْهُ السِّجْنُ إِلَّا صَوْلَةً
تُقْلِقُ اللَّيْلَ اللَّعِيْنَ الْأَبْكَمَا
المناصب التي تقلدها:
شغل العديد من المناصب الأمنية ، والعسكرية ، والإعلامية ، والسياسية والثقافية ، ومنها ما يلي:
في المجال الامني:
– مديراً للأمن في مدينة (اللحية) بالحديدة ، عقب تخرجه من كلية الشرطة بتعز ، سنة 1957م .
– مديراً لأمن الحديدة ، سنة 1964م .
– ضابطاً لأمن إذاعة صنعاء .
وفي المجال العسكري:
– مدرساً وكبيراً للمعلمين في كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1965م / 1365ه .
– نائباً لمدير كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1969م / 1389ه .
وفي مجال الصحافة والإعلام:
– مديراً للتحرير في صحيفة (الثورة) اليومية في صنعاء .
وفي المجال السياسي:
– عضوا منتخباً عن مدينة الحديدة ، في مجلس الشورى سنة 1970م / 1390ه ، وتم اختياره وكيلا للمجلس .
– نائباً لرئيس مجلس الشعب التأسيسي ، سنة 1979م / 1399ه .
– رئيساً للجنة العليا لانتخابات المجالس البلدية ، عام 1982م / 1402ه .
– نائباً لرئيس مجلس الشورى ، سنة 1987م / 1407ه .
– عضواً في لجنة إعداد أول دستور للجمهورية اليمنية عقب قيام الوحدة .
– عضواً في مجلس النواب ، ثم عضواً في هيئة رئاسة المجلس ، سنة 1990م / 1410ه .
– مستشاراً لرئيس الجمهورية ، عام 1992م / 1412ه .
– عضواً في المجلس الاستشاري للرئاسة ، عام 1997م / 1418ه .
– ساهم في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام ، وانتخب عضواً في اللجنة الدائمة لهذا الحزب في جميع دورات الحزب ، وفي عام 1416هـ/1995م ، انتخب عضواً في اللجنة العامة لحزب المؤتمر .
وفي المجال الثقافي والأدبي:
فقد كان أديباً وشاعراً ثوريًّا ، وله ديوان شعري بعنوان (رعد وبرق) طبع بعد وفاته ، وكان من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، ونقابة الصحفيين ، وانتخب رئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب في مؤتمره السابع ، عام 1993م / 1413ه .
وأعيد انتخابه في نفس المنصب ، عام 1997م / 1418ه ، واستمر رئيساً للاتحاد حتى توفاه الله سنة 2000م / 1421ه .
مشاركاته وتمثيله لليمن في الوفود الرسمية :
لقد شارك ومثل اليمن في وفود رسمية عضواً ورئيساً لعدد من الوفود البرلمانية إلى دول شقيقة وصديقة ، ومنها:
– المشاركة في أعمال الدورة الثالثة للهيئة العليا لمجلس التعاون العربي ، بالمملكة الأردنية الهاشمي سنة 1990م / 1410ه .
– المشاركة في بحث المستجدات الراهنة على الساحة العربية والقضايا التي تهم البلدين وأمتنا العربية والإسلامية ، في السعودية عام 1990م / 1410ه .
– مرافقته لرئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح في سفره إلى عدن لتوقيع اتفاق إعادة الوحدة في الثلاثين من نوفمبر ، سنة 1989م ، الموافق الثاني من جماد الأولى ، سنة 1410ه ، وحينها صاح قائلاً : «لقد عملها اليمانيون» أثناء التوقيع ومن ثم الإعلان عن قيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م ، الموافق 27 من شوال ، سنة 1410ه .
فقد كان همه الأكبر أن لا تغمض عيناه قبل أن يرى الوحدة حقيقية ماثلة وواقعاً مجسداً ، بعد أن انتصرت الثورة في كل مواقع النضال .
مرضه وفاته – رحمه الله:
ظل حياته مناضلا حرا ، لم يلوث اسمه ما لوث أسماء الكثير من رفاق نضاله وغيرهم ، عاشها وهمُّ الوطن وحبُّه وأهله يسكن داخله ، عاش حياته منافحا عن الحق ، يتقدم الصفوف الأولى دوما للدفاع عن قضايا الإنسان ، وحقوقه ، وحريته ، وأمنه ، ومعيشته ، إلى أن مرض بالقلب ، الذي تسددت بعض شرايينه ، جراء قهره وغبنه على وطنه ، وما يحل به ظلم ، وتسلط ، واستبداد ، واستئثار بالمال ، والسلطة من قبل فئات من الناس المتنفذين ، دون النظر إلى حال الكادحين .
فأجريت له عملية جراحية في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية لإذابة الدهون التي سددت الشرايين ، ثم عاد إلى صنعاء لمتابعة العلاج بمستشفى آزال ، فكانت وفاته بصنعاء ، يوم السبت 17 من جماد الآخرة سنة 1421ه ، الموافق 16 سبتمبر سنة 2000م ، وتم نقل جثمانه إلى مسقط راسه الحديدة ، لمواراته إلى مثواه الأخير في مقبرة بني المطهر تنفيذا لوصيته بدفنه فيها .
وشيعت جنازته في موكب جنائزي مهيب ، شارك فيه جموع غفيرة من الناس البسطاء ، والشرفاء ، والمواطنين المحبين له ، وأصدقائه ، ومن رفاقه ومحبيه العسكريين والأمنيين ، والأدباء والشعراء والكتاب ، يتقدمهم محافظ الحديدة آنذاك وكافة مسئولي الدولة بالمحافظة ، فضلا عمن نزلوا من صنعاء للمشاركة في تشييعه – رحمه الله .
وقبيل وفاته بأيام قال يعاتب نفسه ويحاسبها:
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
بَعْدَ عُمْرٍ يَفِيْضُ بِالْأَوْزَارِ
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
فَتَرَجَّلْ عَنْ صَهْوَةِ الْأَسْفَارِ
وَلْتُوَاجِهْ مَا جِئْتَهُ مِنْ شُرُوْرٍ
نَتِنَاتٍ فَاقَتْ عَلَى كُلِّ عَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَمْعَنْتُ فِيْهَا
فِيْ جُمُوْحْ الْبُرْكَانِ وَالْإِعْصَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَقْذَرُ جُرْمٍ
أَنْ تَعِيْهِ بَعْدَ انْطِفَاءِ الْأُوَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَعْرِفُ أَنِّيْ
ذُقْتُ مِنْهَا الْأَشْهَى مِنَ الْأَوْطَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأُدْرِكُ أَنِّيْ
قَدْ تَصَيَّدْتُهَا بِكُلِّ اخْتِيَارِ
فَلْتُوَاجِهْ حَقِيْقَةَ الْأَمْرِ وَاقْرَأْ
مَا يَضُمُّ الْكِتَابُ مِنْ آثَارِ
لَيْسَ فِيْهِ غَيْرُ الْحَقِيْقَةِ قَالَتْ
وَاضِحَ الْفِعْلِ خَافِيَ الْأَسْرَارِ
حَسْبُ رُوْحِيْ أَنِّيْ أُوَضِّحُ أَمْرِيْ
وَأُزِيْحُ السِّتَارَ عَنْ بَعْضِ عَارِ
كُلُّ مَا جِئْتُهُ أَعِيْهِ وَأَنِّيْ
قَدْ تَخَيَّرْتُ مَقْعَدِيْ فِي النَّارِ
يَا إِلَهِيْ وَأَنْتَ أَدْرَى بِأَمْرِيْ
فَارْحَمِ الرُّوْحَ مِنْ لَظَى الْأَوْزَارِ
لَيْسَ لِيْ غَيْرُ رَحْمَةٍ مِنْكَ تَمْحُوْ
كُلَّ جُرْمٍ أَتَيْتُهُ بِاخْتِيَارِيْ
* * * * *
نماذج من شعره الخالد:
القصيدة التي ألقاها أمام السفير السعودي بصنعاء ، في السبعينات بحضور الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي :
قُلْ لِلسَّفِيْرِ ابْنِ الْأَمِيْرِ
أَخْطَأْتَ تَقْدِيْرِ الْأُمُوْرِ
مَاذَا تُرِيْدُ ؟ أَتَشْتَرِيْ
بِالْمَالِ أَقْدَاسَ الشُّعُوْرِ ؟
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
جِيَفِ الزِّبَالَةِ وَالْقُشُوْرِ
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
الْمُتَعَفِّنِيْنَ مِنَ الْجُذُوْرِ
جَوْعَى نَعَمْ وجَوْعَى وَلَكِنْ
فِيْ صُمُوْدٍ كَالصُّخُوْرِ
مَرْضَى نَعَمْ مَرْضَى وَلَكِنْ
فِيْ شُمُوْخٍ كَالنُّسُوْرِ
هَذِي الْحَقِيْقَةُ لَيْتَهَا
تَحْظَى بِقُرْبَى لِلْأَمِيْرِ
قوله:
يُعْرَفُ الْمَرْءُ بِالضَّمِيْرِ فَإِمَّا
كَانَ خَيِّراً فِي الْحُكْمِ أَوْ شَيْطَانَا
أَوْ عَظِيْماً يَسْمُوْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ
أَوْ حَقِيْراً يُلَوِّثُ الْأَكْوَانَا
قوله:
شَرَفُ الْمَرْءِ أَنْ يَعِيْشَ أَبِيًّا
رَافِعَ الرَّأْسِ طَيِّبَ الْوُجْدَانِ
قوله:
بَاقُوْنَ رَغْمَ شَرَاسَةِ الْإِرْهَابِ
وَخِيَانَةِ الْكُتَّابِ وَالْأَقْطَابِ
قوله:
أَبُوْحُ بِآرَائِيْ بِغَيْرِ تَوَجُّسِ
فَلَا خَوْفُ يُؤْذِيْ مُهْجَتِيْ أَوْ تَوَقُّعُ
قوله:
قَدِّسُوا اللهَ فِي الضَّمَائِرِ كَيْمَا
تَنْعَمُوْا مِنْهُ بِالرِّضَى وَالْجِنَانِ
وَاخْدُمُوا اللهَ خِدْمَةً لَيْسَ فِيْهَا
مَآرِبٌ غَيْرَ مَطْلَبِ الْغُفْرَانِ
قوله:
إِنَّ مَنْ يُقْتَلُ فِيْهِ حِسُّهُ
مَارَسَ الْإِثْمَ وَعَافَ الْقِيَمَا
قوله:
بِاسْمِ شَعْبِيْ تَحْلُو الْمَنَايَا وَيَحْلُو
السِّجْنُ دَاراً وَتُسْتَطَابُ الْقُيُوْدُ
لَنْ أُدَارِيْ مَا دُمْتُ أَشْعُرُ أَنِّيْ
يَمَنِيٌّ بِأَرْضِهِ مَشْدُوْدُ
يَمَنِيٌّ يَهْوَى الْحَيَاةَ صِرَاعاً
وَعِرَاكاً يَشِعُّ مِنْهُ الْجَدِيْدُ
قوله في قصيدته (اللصوص):
يَا لُصُوْصاً بِقَرَارِ
شَنَقُوْا حُلْمَ النَّهَارِ
فَقـَؤُوْا وَمْضَ الْأَمَانِيْ
الْزَغْرَدَتْ فِيْ كُلِّ دَارِ
فَقَرَأْنَـا مِنْ جَدِيـْدٍ
صَفَحَاتِ الْإِنْهِيَارِ
وَرَأَيْنَا مِنْ جَدِيـْدٍ
أَمْسَنَا الْمَطْعُوْنَ عَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ سَقَطْتُمْ
جَهْرَةً بَيْنَ الْمَجَارِيْ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
اللَّيْلَ يَلْهُوْ بِالنَّهَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَهُمْ فَوْقَ الْحِمَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَكُمْ دُمْيَةَ شَارِ
نَسِيَ الْمَاضِيْ عَرِيْقاً
كَقَضِيْبٍ مِنْ نُضـَارِ
قوله:
مَنْ يَرُمْ فِي الْحَيَاةِ عَيْشاً نَبِيْلاً
وَاحْتِرَاماً وَعِزَّةً فِي الزَّمَانِ
فَلْيَدُسْ بِالْإِبَاءِ لَحْنَ رِيَالٍ
سَافِلٍ لَمْ يَجْنِ غَيْرَ الْهَوَانِ
قوله عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفائها:
قَتَلُوْهَا وَأَمْعَنُوْا فِي الْبُكَاءِ
وَأَحَالُوا الرَّبِيْعَ فَصْلَ شِتَاءِ
قوله في وصف العملاء:
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
يَا لِلْخَسَاسَةِ وَالنَّذَالَةْ
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
مِثْلَ الذُّبَابِ عَلَى الزِّبَالَةْ
وقوله فيهم أيضا:
ذَلَّ مَنْ قَيَّدَ الضَّمِيْرَ وَقَضَّى
عُمْرَهُ يَرْشُفُ الْمَخَازِيْ دِنَانَا
وقوله فيهم:
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي التَّقَارِيْرِ يَقْتُلُوْنَ النَّهَارَا
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي الْحِرَاسَاتِ لَا يَصُوْنُوْنَ عَارَا
قوله للسجن والسجان:
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ أَسْرَارُهُ
وَنَحْنُ الْأَلْحَانُ وَالْقِيْثَارُ
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ مَهْمَا فَعَلْتُمْ
نَحْنُ مَضْمُوْنُهُ وَنَحْنُ الْإِطَارُ
قوله في حفل تخرج دفعة ضباط الأمن عام 1962م:
كَيْفَ يَحْلُوْ عَلَى الشِّفَاهِ النَّشِيْدُ
وَطَنِيْ وَالْجِرَاحَاتُ مِنْكَ لُحُوْدُ
وَالْقَدَاسَاتُ لِلْمَبَادِئِ أَضْحَتْ
مِزَقاً دَاسَهَا هُنَا رِعْدِيْدُ
قوله في اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم سنة 1967م:
وَكَتَبْنَا مَصِيْرَنَا يَوْمَ ثُرْنَا
وَسَنَحْمِيْ مَصِيْرَنَا بِالدِّمَاءِ
وَمِنَ الْعَارِ وَالنَّذَالَةِ أَنَّا
نَنْحَنِيْ لِلْوَسِيْطِ وَالْوُسَطَاءِ
نَحْنُ شَعْبٌ يَأْبَى الْوَسَاطَةَ حَتَّى
لَوْ أَتَتْ مِنْ أَحِبَّةٍ أَوْفِيَاءِ
قوله:
وَلَيْسَ وَحْدِي الَّذِيْ يَمُوْتْ
اَلْكُلُّ فِيْ تُرَابِ (ذُوْ يَزَنْ) يَمُوْتْ
فَبَعْضُنَا فِيْ خِسَّةِ السُّكُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذَيْلِ بَنْكَنُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذِلَّةِ الْقَوَافِلِ
الَّتِيْ تَشُقُّ مُهْجَةَ الْخُبُوْتْ
قالوا عنه:
١) وصف المؤرخ المفتي زبارة الضابط يوسف محمد الشحاري أنه: (من الضباط الأحرار ، وأمثاله قد جمعوا الدنيا ، وهو عفيف نزيه ، لم يجمع شيئاً ، وهو أديب ، شاعر ، خفيف المؤنة ، متواضع ، انتخبته الحديدة بأغلبية ساحقة مراراً لمجلس الشورى والشعب)
٢) قال شيخنا العلامة القاضي أحمد بن عثمان مطير – مفتي الحديدة عنه: (… وهو رجل غيور على دينه ووطنه ، وله جملة قصائد حماسية ، شجاع لا يخاف في الله ووطنه لومة لائم)
٣) ذكر الأصبحي في مذكراته أنه من الأحرار القدامى فقال: (وزملاء الإذاعة منهم الأستاذ القدير يوسف الشحاري ، الذي كان مديرا للإذاعة ، والأستاذ الشحاري من ضباط كلية الشرطة ، ومعلم ، وشاعر ، إلى جانب أنه يعتبر من الأحرار القدامى ، ولا يزال شريفاً نظيفاً ، تولى عدة مناصب ، وسافرت معه مرتين: مرة عندما كان وكيلاً لمجلس الشورى أولاً ، وأخرى عندما صار وكيلاً لمجلس الشعب التأسيسي ، لم أجد مثله أحداً في أخلاقه في سفره)
الألقاب التشريفية التي لقب بها في حياته وبعد وفاته:
لم يجتمع لمناضل وحدوي من مناضلي ثورة سبتمبر ما اجتمع له من الألقاب ، رغم بساطته ، فقد لقب بعدد كبير من الألقاب ، التي تدل على مكانة الرجل العليا وقدره الرفيع ، ومن تلك الألقاب ما يلي:
١- (حكيم الأدباء) لأنه سخر أدبه ونضاله لصالح الإنسان ، وقضاياه ، وهمومه ، وآماله ، وطموحاته .
٢- (آخر نجم اهتدى به اتحاد أدباء اليمن)
٣- (آخر العمالقة الراحلين)
٤- (رمز الطهارة)
٥- (العاشق الفريد للأرض والحرية)
٦- (ضمير الفلاسفة ، وفيلسوف الضمير)
٧- (أبو ذر الشحاري)
٨- (آخر الرجال المثاليين)
٩- (صوت الشعب)
١٠- (رجل بلا حدود) لأنه أعطى بلا حدود ، ولم يأخذ شيئا ، وكان صادقا ، ووطنيا ، ومخلصا بلا حدود .
١١- (صاحب أعظم مشروع وطني في تاريخ اليمن)
١٢- (الإنسان والقصيدة المتحركة)
١٣- (الأجمل والأشجع في كل الأزمنة القبيحة)
١٤- (أعظم الرجال ، وأروع الوحدويين)
١٥- (الرجل الذي لم ولن يتكرر)
١٦- (أمة في رجل ، وأمة وحده في شعره وتواضعه وشجاعته وبساطته ونزاهته واستقامته)
١٧- (الرجل الذي ترجل ، والهامة التي لم تنحن)
١٨- (الإنسان الاستثنائي بكل المقاييس)
١٩- (القامة الوطنية الشامخة)
٢٠- (الجسد الذي مات ، والمدرسة الباقية)
٢١- (ضمير الأمة النابض)
٢٢- (فقيد الثورة والإبداع)
٢٣- (يوسف الطيب ، ويوسف الصديق ، ويوسف الزاهد)
٢٤- (الأخير في الكنانة)
٢٥- (دوحة الوطن)
٢٦- (قميص العفة)
٢٧- (آخر الأقيال)
٢٨- (أمير القوافي)
٢٩- (الاسم الكبير)
٣٠- (رجل غير قابل للقسمة)
٣١- (داعية العدل والمساواة)
٣٢- (شاعر القول والفعل)
ورغم ذلك قال عن نفسه لأمته:
نَسِيْتُ أَنَّنِي اكْتَوَيْتُ وَذُقْتُ أَقْذَرَ الْكُؤُوْسْ
وَذُبْتُ فِيْ حَرَائِقِ الْأَنِيْنِ وَتَحْتَ زَحْمَةِ الْفُؤُوْسْ
نَسِيْتُ أَنَّ نَظْرَتِيْ تَقَيَّأَتْ بِأَنْتَنِ الصَّدِيْدْ
وَأَنَّ خَطْوَتِيْ تُعَاقِرُ الْقُنُوْطَ وَالْحَدِيْدْ
ومنها:
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ الشُّعُوْرُ بِالْأَسَى وَقَسْوَةِ التَّهَتُّكِ الْعَظِيْمْ
وَيُقْبَلُ اعْتِرَافٌ وَيَرْأَفُ التَّارِيْخُ حِيْنَ يُنْشَرُ الْغَسِيْلْ
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ اعْتِرَافٌ بِأَنَّنِيْ الْبَرِيْءُ وَالْمُدَانُ ، وأَنَّنِيْ الشُّجَاعُ وَالْجَبَانُ
يَا شَعْبِيَ الْعَظِيْمْ ًبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سيرة حياة الأستاذ والمناضل الكبير اللواء يوسف الشحاري – رحمه الله:
جمع وإعداد: أحمد حسن عياش يعقوب
نسبه:
هو: الأستاذ القدير والأديب الكبير والمناضل الجريء اللواء يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن حسن الشحاري ، من بيت علم كبير ، اشتهر أهله في الحديدة بالعلم ، وقول الحق ، وكانوا ممن لا يخافون أحداً من أرباب الدولة فمن دونهم ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فقد كان جده أحمد بن محمد الشحاري المتوفى – رحمه الله – سنة 1328ه / 1910م من كبار مشايخ العلم في مدينة الحديدة ، ممن يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وهو ما ورثه الأستاذ يوسف عنهم .
ميلاده ونشأته:
ولد – الأستاذ يوسف – سنة 1932م /1351ه ، ونشأ ، وترعرع في كنف والديه ، ثم توفيت والدته وهو في الثانية عشر من عمره ، وهي زوجة أبيه الثانية ، فقد تزوج قبلها بامرأة وأنجب منها ولده الأكبر ، وكانت وفاتها – رحمها الله – بعد ولادتها بحسن شقيق الأستاذ يوسف الأصغر .
عاش الأستاذ يوسف طفولته في حارة السور من مدينة الحديدة حيث كان والده الحاج محمد الشحاري بسيط الحال ، يعمل محاسباً لدى أحد تجار الحديدة وهو الحاج هاشم شريف الرفاعي ، ولايزال السكن الذي عاش فيه قائما ، وجزء من الممتلكات والدكاكين والمحلات في السوق القديم هناك ، التى كانت تملكها عمته ، وبعد وفاتها زهد يوسف في تلك الثروة ، وتركها لأخيه الأكبر ، فقد كان شغله الشاغل العلم والدراسة ، وكان شديد الاطلاع يقرأ كثيراً من مختلف الكتب ، والمعارف الدينية ، والأدبية ، والتاريخية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية منذ صغره .
دراسته الأولية ومشايخه:
تلقى دراسته الأوليّة على يد والده ، حيث تولى والده رعايته ورعاية أخيه الأصغر حسن ، فتعلما منه القرآن وأصول الفقه والدين كما تلقاه هو عن والده العلامة أحمد بن محمد الشحاري ، ذلك العلامة الفذ الذي تتلمذ علي يديه العديد من كبار علماء تهامة .
كما تتلمذ الأستاذ يوسف أيضا على السيد العلامة أحمد محمد الوزير – رحمه الله .
التحاقه بالمدرسة السيئة الحكومية وكبار مدرسيه وأساتذته فيها:
ألحقه والده بالمدرسة الحكومية الوحيدة التى كانت بالحديدة وهي المدرسة السيفية ، التي سميت بعد الثورة السبتمبرية بمدرسة الوعي التربوي ، وتعرف اليوم بمدرسة خولة بنت الأزور للبنات ، فأكمل بها دراسته ، حتى تخرج منها سنة 1954م / 1373ه .
وكان من أساتذته ومدرسيه في هذه المدرسة أستاذ الأجيال الكبير والمربي القدير العزي بن سعيد البريدي ، والذي يعرف بالعزي مصوعي ، والأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ محمود الكثري ، والفقيه عايش بن حسن مدني ، والأستاذ الكبير صغير بن
سليمان بن حميد حكمي ، والأستاذ أحمد لقمان ، والأستاذ حسن الكنجوني ، إضافة إلى ثلة من المدرسين المصريين الذين كان لهم الأثر في تربيته وتنشئته ، وصقل موهبته ، فضلاً عن أساتذته في توجهه السياسي .
ترشيحه للدراسة العسكرية في كلية الشرطة بتعز:
وقد تخرج من المدرسة بامتياز ، وعرف عنه الذكاء والنبوغ المبكر ، ولذلك كان محل اهتمام أساتذته وحبهم وتقديرهم له ولجهوده ، ولذلك تم ترشيحه من قبل البعثة المصرية بقيادة الرائد عبد الله حامد ضمن مئة طالب ، لتمثيل تهامة في المؤسسة الأمنية والعسكرية ، في سنة تخرجه من المدرسة 1954م ، فتم ابتعاثه للدراسة في كليه الشرطة بلواء تعز ، فالتحق بها ، وتخرج منها سنة 1956م / 1379ه ، برتبة ملازم وبتقدير امتياز ، وكان ترتيبه الثاني علي دفعته بسبب تعرضه لحادث كسر في يديه أثناء التدريبات العسكرية في فتره الامتحانات .
ولنباهته وفصاحته وجهورية صوته تم اختياره لإلقاء كلمة الخريجين في حفل التخرج بكلية الشرطة بتعز نيابة عن زملائه ، فألقى كلمة أغضبت بعض مفرداتها الإمام أحمد الذي حضر الحفل ، ومما جاء في تلك الكلمة:
«إن هذه المجموعة من الشباب الخريجين هم أمل الامة وصمام أمان أمنها وتطورها وتقدمها» فغضب الإمام غضباً شديداً ، ولم يتمكن الأستاذ يوسف من إكمال كلمته في ذلك الحفل .
ثم عين في سنة 1957م مديرا لأمن مدينة اللحية بالحديدة ، فلم يستنم بها عاما ، حتى التحق بمدرسة الأسلحة ، بالكلية الحربية في صنعاء سنة 1378هـ / 1958م .
تعدد مواهبه وقدراته:
كان في شبابه شابا متعدد المواهب والقدرات ، فقد عشق كرة القدم كغيره من شباب الحديدة ، فأنشأ معهم الفرق الرياضية ، وشارك في فريق الشرق المدرسي ، وفريق الاتحاد آنذاك ، ثم في فريق الجيل العريق .
وشارك في العديد من الأنشطة الثقافية ، ومنها مشاركته ضمن فريق التمثيل في إحدى المناسبات ، وقام حينها بدور القائد اليمني المعروف سيف بن ذي يزن في مواجهة الغزاة ، وبدأ يقول الشعر آنذاك .
وكان عاشقا للبحر يجيد السباحة فيه والغوص في أعماقه .
وكان ناشطا سياسيا وحقوقيا ، حيث انضم للمؤسسة العسكرية ، وانخرط في تنظيم الضباط الأحرار ، وكان أحد أعضائه .
زواجه من المناضلة عيشة بنت سعيد عبادي:
تزوج من الأستاذة والمربية الفاضلة عيشه بنت سعيد عبادي ، وهي أخت صديقه في كليه الشرطة ، ورفيق نضاله اللواء على سعيد عبادي ، التي شاركته نضاله وكفاحه .
وانتقل بعدها للعيش بحاره الهنود إلى جوار أهلها وأسرتها هناك .
وكانت الأستاذة عيشة عبادي أول من طالب بتعليم الفتاه وضرورة إلحاقهن بالمدارس ، وطالبت بأنشاء مدارس خاصة للفتيات ، فناضلت مع زميلاتها ، حتى تم افتتاح مدرسة التعاون بحارة اليمن الخاصة بالفتيات ، وهي أول مدرسة أنشأت للفتيات .
وأنجب الأستاذ يوسف منها عشرة من البنين والبنات: ثلاثة أولاد ، وسبع بنات .
حبه وتولعه بمجالس الذكر والعلم:
كان – رحمه الله – يجل العلماء ، ويقدرهم ، ويحترمهم ، ويحب مجالسهم ، ويحضر مقايلهم في دواوينهم ، وكان آثر مجلس لديه هو مجلس شيخنا العلامة القاضي محمد بن علي بن محمد العقيلي – رحمه الله – في حارة الحوك السفلى من مديرية الحوك ، فإذا كان في الحديدة لا يطيب له مجلس غير هذا المجلس ، لما كان يكنه من حب ومودة للشيخ ، وهو أيضا من أبرز أصدقائه ، ورفاق نضاله الذين كان يلتقي بهم في صيدلية السقاف كما ذكره بعضهم .
إسهاماته ومشاركاته النضالية ضد قوى الظلم والاستبداد:
اشتهر عنه – رحمه الله – نبذه وكرهه للظلم والتسلط والاستبداد ، ومجاهرته لأرباب الظلم والتسلط بكلمة الحق ، دون خوف من أحد ، ودون تملق أو مجاملة على حساب الوطن ، فقد كان الوطن لديه فوق كل المصالح ، لا يسمح لمخلوق قطَّ أن يساومه عليه .
ولم يكن يوسف مجرد اسم ، بل اقترن اسمه بالنبل ، والشرف ، والنزاهة ، والعفة ، وصدق الكلمة ، والمواقف الشجاعة والنبيلة ، واتسمت حياته بالبساطة ، والتواضع ، والصراحة .
وكان – رحمه الله – نصيراً للمظلومين والفقراء والعمال من اليمنيين عامة ، وفقراء تهامة على وجه الخصوص .
ويُعَدُّ يوسف الشحاري من أبناء تهامة الأحرار الشرفاء ، الذين انضموا مبكراً إلى المؤسسة العسكرية ، ولذلك آثر النضال من أجل الوطن ، ليعم العدل والسلام في جنباته ، ولينعم الشعب بخيراته ، دون أي تمييز طبقي لفئة دون فئة ، وقد كانت الجمهورية والوحدة والناس ثلاثية ، كان الشحاري مسكونا بها ، على حد تعبير الدكتور عبد الوهاب الروحاني في نعيه له ، ولم يقتصر نضاله على قول الكلمة في مقارعة الظلم ، والحكم الإمامي ، والمستعمر ، ومؤازرة الثورة ، بل شارك في حمل السلاح ، والقلم ، للدفاع عن الثورة اليمنية وأهدافها ، فقد كان له الكثير من المحطات والمواقف النضالية التي ساهم وشارك فيها ، ومنها:
1) قيامه بدور مهم للتحضير للثورة ، والإعداد والتجنيد لها من شباب تهامة وأصدقائه بالحديدة ليلة الثورة ، حيث كان عضوا في تنظيم الضباط الأحرار .
2) إسهامه ومشاركته مع زملائه من الضباط الأحرار في تأسيس كتائب الحرس الوطني بمحافظة الحديدة ، وكان من زملائه الضباط في تأسيسها السايس ، وعلي سعيد عبادي ، وزبارة ، والحيدري ، وغيرهم .
3) مشاركته في تأسيس منظمة شباب الثورة ، في بداية أكتوبر سنة 1962م / جمادى الأولى 1382ه بمحافظة الحديدة ، وهي أول منظمة شبابية ، تم تأسيسها بعد قيام الثورة بأيام قليلة ، وكان من زملائه في تأسيسها الأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ عبد الله الصيقل ، وغيرهم .
4) عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفاؤها كان ضمن المبادرين في إعادة تشكيل المقاومة الشعبية في الحديدة وصنعاء وغير ذلك من المناطق ، إلى جانب عدد من الوطنيين وغيرهم من كافة القوى الوطنية في الحديدة ، ومنهم: عبد الله الصيقل ، والجاوي ، وعثمان عميرة ، ، وإبراهيم صادق ، وعبد الله مجمل ، ومحمد عمر حسن ، ويوسف عبد الودود ، وإبراهيم طاهر ، والخال محمد عزي صالح البتول ، وعلي محمد سعيد أنعم ، وأبو بكر سالم الشماخ ، وعبدالواسع هائل سعيد ، وهائل القرشي ، ويحيى علانة ، وقاسم عواجي ، وعلي إسماعيل ، وغيرهم من كافة القوى الوطنية في عموم الوطن ، وكان ذلك عقب حرب يونيو 1967م ، لإعادة إحياء نشاطها نتيجة الضغوط الكثيرة التي مورست ضد عبد الناصر من قبل تلك القوى الاستعمارية التي أرادت من قبل إسقاط ثورة يونيو الوطنية القومية الإنسانية ، عام 1952م / 1371ه ، التي ساعدت وساندت الثورة اليمنية في كافة المجالات ، وكان غرض تلك القوى إجهاض الثورة اليمنية تماماً وعودة النظام السابق المتخلف .
ولكن القوى الوطنية واجهت تلك المحاولات التي كان آخرها اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم 1967م / 1387ه ، بدعوى السلام والاستفتاء وجاءت إلى صنعاء ، وتم استقبالها بمظاهرة ضخمة وحاشدة وكبيرة ، تضم كل القوى الوطنية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية على مستوى كل المناطق اليمنية ، وكان ليوسف دور بارز في تنظيم هذه التظاهرة مع كافة القوى ، وألقى كلمته المشهورة في التظاهرة قائلاً: (أيتها الجماهير الثائرة والهادرة: ماذا يريدون منا ؟ أي استفتاء يريدونه ؟ على قدرنا ، على مصيرنا ، على نظام اختارته الأمة لنفسها بإرادتها الحرة ؟ بعد أن قدمت قوافل من الشهداء ، وعلى اللجنة أن ترحل وتعود من حيث أتت)
وبالفعل أجبرت تلك اللجنة أمام قيادة القوات العربية المصرية بصنعاء على العودة بعد ساعات قليلة من وصولها صنعاء ، ولكن بعد أن سقط عدد من القتلى والجرحى أثناء محاولة المتظاهرين اقتحام مقر اللجنة ، ورحلت اللجنة إلى الأبد .
5) القيام بدور بارز لإعادة البناء الداخلي الوطني والتنموي ، بعد دحر الحصار عن صنعاء .
ونتيجة لأدواره النضالية الصادقة تعرض الأستاذ يوسف للعديد من الملاحقات ، والاعتقالات والسجن ، إثر قيامه بإلقاء الخطب الثورية والسياسية ، ودفاعه عن الثورة والجمهورية ، وتحريضه على المظاهرات ، والمطالبة بالحقوق والحريات ، لكنه كما قال:
لَمْ يَزِدْهُ السِّجْنُ إِلَّا صَوْلَةً
تُقْلِقُ اللَّيْلَ اللَّعِيْنَ الْأَبْكَمَا
المناصب التي تقلدها:
شغل العديد من المناصب الأمنية ، والعسكرية ، والإعلامية ، والسياسية والثقافية ، ومنها ما يلي:
في المجال الامني:
– مديراً للأمن في مدينة (اللحية) بالحديدة ، عقب تخرجه من كلية الشرطة بتعز ، سنة 1957م .
– مديراً لأمن الحديدة ، سنة 1964م .
– ضابطاً لأمن إذاعة صنعاء .
وفي المجال العسكري:
– مدرساً وكبيراً للمعلمين في كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1965م / 1365ه .
– نائباً لمدير كلية الشرطة بصنعاء ، سنة 1969م / 1389ه .
وفي مجال الصحافة والإعلام:
– مديراً للتحرير في صحيفة (الثورة) اليومية في صنعاء .
وفي المجال السياسي:
– عضوا منتخباً عن مدينة الحديدة ، في مجلس الشورى سنة 1970م / 1390ه ، وتم اختياره وكيلا للمجلس .
– نائباً لرئيس مجلس الشعب التأسيسي ، سنة 1979م / 1399ه .
– رئيساً للجنة العليا لانتخابات المجالس البلدية ، عام 1982م / 1402ه .
– نائباً لرئيس مجلس الشورى ، سنة 1987م / 1407ه .
– عضواً في لجنة إعداد أول دستور للجمهورية اليمنية عقب قيام الوحدة .
– عضواً في مجلس النواب ، ثم عضواً في هيئة رئاسة المجلس ، سنة 1990م / 1410ه .
– مستشاراً لرئيس الجمهورية ، عام 1992م / 1412ه .
– عضواً في المجلس الاستشاري للرئاسة ، عام 1997م / 1418ه .
– ساهم في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام ، وانتخب عضواً في اللجنة الدائمة لهذا الحزب في جميع دورات الحزب ، وفي عام 1416هـ/1995م ، انتخب عضواً في اللجنة العامة لحزب المؤتمر .
وفي المجال الثقافي والأدبي:
فقد كان أديباً وشاعراً ثوريًّا ، وله ديوان شعري بعنوان (رعد وبرق) طبع بعد وفاته ، وكان من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، ونقابة الصحفيين ، وانتخب رئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب في مؤتمره السابع ، عام 1993م / 1413ه .
وأعيد انتخابه في نفس المنصب ، عام 1997م / 1418ه ، واستمر رئيساً للاتحاد حتى توفاه الله سنة 2000م / 1421ه .
مشاركاته وتمثيله لليمن في الوفود الرسمية :
لقد شارك ومثل اليمن في وفود رسمية عضواً ورئيساً لعدد من الوفود البرلمانية إلى دول شقيقة وصديقة ، ومنها:
– المشاركة في أعمال الدورة الثالثة للهيئة العليا لمجلس التعاون العربي ، بالمملكة الأردنية الهاشمي سنة 1990م / 1410ه .
– المشاركة في بحث المستجدات الراهنة على الساحة العربية والقضايا التي تهم البلدين وأمتنا العربية والإسلامية ، في السعودية عام 1990م / 1410ه .
– مرافقته لرئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح في سفره إلى عدن لتوقيع اتفاق إعادة الوحدة في الثلاثين من نوفمبر ، سنة 1989م ، الموافق الثاني من جماد الأولى ، سنة 1410ه ، وحينها صاح قائلاً : «لقد عملها اليمانيون» أثناء التوقيع ومن ثم الإعلان عن قيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م ، الموافق 27 من شوال ، سنة 1410ه .
فقد كان همه الأكبر أن لا تغمض عيناه قبل أن يرى الوحدة حقيقية ماثلة وواقعاً مجسداً ، بعد أن انتصرت الثورة في كل مواقع النضال .
مرضه وفاته – رحمه الله:
ظل حياته مناضلا حرا ، لم يلوث اسمه ما لوث أسماء الكثير من رفاق نضاله وغيرهم ، عاشها وهمُّ الوطن وحبُّه وأهله يسكن داخله ، عاش حياته منافحا عن الحق ، يتقدم الصفوف الأولى دوما للدفاع عن قضايا الإنسان ، وحقوقه ، وحريته ، وأمنه ، ومعيشته ، إلى أن مرض بالقلب ، الذي تسددت بعض شرايينه ، جراء قهره وغبنه على وطنه ، وما يحل به ظلم ، وتسلط ، واستبداد ، واستئثار بالمال ، والسلطة من قبل فئات من الناس المتنفذين ، دون النظر إلى حال الكادحين .
فأجريت له عملية جراحية في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية لإذابة الدهون التي سددت الشرايين ، ثم عاد إلى صنعاء لمتابعة العلاج بمستشفى آزال ، فكانت وفاته بصنعاء ، يوم السبت 17 من جماد الآخرة سنة 1421ه ، الموافق 16 سبتمبر سنة 2000م ، وتم نقل جثمانه إلى مسقط راسه الحديدة ، لمواراته إلى مثواه الأخير في مقبرة بني المطهر تنفيذا لوصيته بدفنه فيها .
وشيعت جنازته في موكب جنائزي مهيب ، شارك فيه جموع غفيرة من الناس البسطاء ، والشرفاء ، والمواطنين المحبين له ، وأصدقائه ، ومن رفاقه ومحبيه العسكريين والأمنيين ، والأدباء والشعراء والكتاب ، يتقدمهم محافظ الحديدة آنذاك وكافة مسئولي الدولة بالمحافظة ، فضلا عمن نزلوا من صنعاء للمشاركة في تشييعه – رحمه الله .
وقبيل وفاته بأيام قال يعاتب نفسه ويحاسبها:
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
بَعْدَ عُمْرٍ يَفِيْضُ بِالْأَوْزَارِ
اَلْوَدَاعَ الْوَدَاعَ يَا ابْنَ الشَّحَارِيْ
فَتَرَجَّلْ عَنْ صَهْوَةِ الْأَسْفَارِ
وَلْتُوَاجِهْ مَا جِئْتَهُ مِنْ شُرُوْرٍ
نَتِنَاتٍ فَاقَتْ عَلَى كُلِّ عَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَمْعَنْتُ فِيْهَا
فِيْ جُمُوْحْ الْبُرْكَانِ وَالْإِعْصَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَقْذَرُ جُرْمٍ
أَنْ تَعِيْهِ بَعْدَ انْطِفَاءِ الْأُوَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأَعْرِفُ أَنِّيْ
ذُقْتُ مِنْهَا الْأَشْهَى مِنَ الْأَوْطَارِ
جِئْتُهَا وَاعِياً وَأُدْرِكُ أَنِّيْ
قَدْ تَصَيَّدْتُهَا بِكُلِّ اخْتِيَارِ
فَلْتُوَاجِهْ حَقِيْقَةَ الْأَمْرِ وَاقْرَأْ
مَا يَضُمُّ الْكِتَابُ مِنْ آثَارِ
لَيْسَ فِيْهِ غَيْرُ الْحَقِيْقَةِ قَالَتْ
وَاضِحَ الْفِعْلِ خَافِيَ الْأَسْرَارِ
حَسْبُ رُوْحِيْ أَنِّيْ أُوَضِّحُ أَمْرِيْ
وَأُزِيْحُ السِّتَارَ عَنْ بَعْضِ عَارِ
كُلُّ مَا جِئْتُهُ أَعِيْهِ وَأَنِّيْ
قَدْ تَخَيَّرْتُ مَقْعَدِيْ فِي النَّارِ
يَا إِلَهِيْ وَأَنْتَ أَدْرَى بِأَمْرِيْ
فَارْحَمِ الرُّوْحَ مِنْ لَظَى الْأَوْزَارِ
لَيْسَ لِيْ غَيْرُ رَحْمَةٍ مِنْكَ تَمْحُوْ
كُلَّ جُرْمٍ أَتَيْتُهُ بِاخْتِيَارِيْ
* * * * *
نماذج من شعره الخالد:
القصيدة التي ألقاها أمام السفير السعودي بصنعاء ، في السبعينات بحضور الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي :
قُلْ لِلسَّفِيْرِ ابْنِ الْأَمِيْرِ
أَخْطَأْتَ تَقْدِيْرِ الْأُمُوْرِ
مَاذَا تُرِيْدُ ؟ أَتَشْتَرِيْ
بِالْمَالِ أَقْدَاسَ الشُّعُوْرِ ؟
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
جِيَفِ الزِّبَالَةِ وَالْقُشُوْرِ
اَلْمَالُ لَا يَشْرِيْ سِوَى
الْمُتَعَفِّنِيْنَ مِنَ الْجُذُوْرِ
جَوْعَى نَعَمْ وجَوْعَى وَلَكِنْ
فِيْ صُمُوْدٍ كَالصُّخُوْرِ
مَرْضَى نَعَمْ مَرْضَى وَلَكِنْ
فِيْ شُمُوْخٍ كَالنُّسُوْرِ
هَذِي الْحَقِيْقَةُ لَيْتَهَا
تَحْظَى بِقُرْبَى لِلْأَمِيْرِ
قوله:
يُعْرَفُ الْمَرْءُ بِالضَّمِيْرِ فَإِمَّا
كَانَ خَيِّراً فِي الْحُكْمِ أَوْ شَيْطَانَا
أَوْ عَظِيْماً يَسْمُوْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ
أَوْ حَقِيْراً يُلَوِّثُ الْأَكْوَانَا
قوله:
شَرَفُ الْمَرْءِ أَنْ يَعِيْشَ أَبِيًّا
رَافِعَ الرَّأْسِ طَيِّبَ الْوُجْدَانِ
قوله:
بَاقُوْنَ رَغْمَ شَرَاسَةِ الْإِرْهَابِ
وَخِيَانَةِ الْكُتَّابِ وَالْأَقْطَابِ
قوله:
أَبُوْحُ بِآرَائِيْ بِغَيْرِ تَوَجُّسِ
فَلَا خَوْفُ يُؤْذِيْ مُهْجَتِيْ أَوْ تَوَقُّعُ
قوله:
قَدِّسُوا اللهَ فِي الضَّمَائِرِ كَيْمَا
تَنْعَمُوْا مِنْهُ بِالرِّضَى وَالْجِنَانِ
وَاخْدُمُوا اللهَ خِدْمَةً لَيْسَ فِيْهَا
مَآرِبٌ غَيْرَ مَطْلَبِ الْغُفْرَانِ
قوله:
إِنَّ مَنْ يُقْتَلُ فِيْهِ حِسُّهُ
مَارَسَ الْإِثْمَ وَعَافَ الْقِيَمَا
قوله:
بِاسْمِ شَعْبِيْ تَحْلُو الْمَنَايَا وَيَحْلُو
السِّجْنُ دَاراً وَتُسْتَطَابُ الْقُيُوْدُ
لَنْ أُدَارِيْ مَا دُمْتُ أَشْعُرُ أَنِّيْ
يَمَنِيٌّ بِأَرْضِهِ مَشْدُوْدُ
يَمَنِيٌّ يَهْوَى الْحَيَاةَ صِرَاعاً
وَعِرَاكاً يَشِعُّ مِنْهُ الْجَدِيْدُ
قوله في قصيدته (اللصوص):
يَا لُصُوْصاً بِقَرَارِ
شَنَقُوْا حُلْمَ النَّهَارِ
فَقـَؤُوْا وَمْضَ الْأَمَانِيْ
الْزَغْرَدَتْ فِيْ كُلِّ دَارِ
فَقَرَأْنَـا مِنْ جَدِيـْدٍ
صَفَحَاتِ الْإِنْهِيَارِ
وَرَأَيْنَا مِنْ جَدِيـْدٍ
أَمْسَنَا الْمَطْعُوْنَ عَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ سَقَطْتُمْ
جَهْرَةً بَيْنَ الْمَجَارِيْ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
اللَّيْلَ يَلْهُوْ بِالنَّهَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَهُمْ فَوْقَ الْحِمَارِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ رَأَيْنَا
بَعْضَكُمْ دُمْيَةَ شَارِ
نَسِيَ الْمَاضِيْ عَرِيْقاً
كَقَضِيْبٍ مِنْ نُضـَارِ
قوله:
مَنْ يَرُمْ فِي الْحَيَاةِ عَيْشاً نَبِيْلاً
وَاحْتِرَاماً وَعِزَّةً فِي الزَّمَانِ
فَلْيَدُسْ بِالْإِبَاءِ لَحْنَ رِيَالٍ
سَافِلٍ لَمْ يَجْنِ غَيْرَ الْهَوَانِ
قوله عندما نشط المناوئون في محاربة الثورة ومعهم القوى الاستعمارية وحلفائها:
قَتَلُوْهَا وَأَمْعَنُوْا فِي الْبُكَاءِ
وَأَحَالُوا الرَّبِيْعَ فَصْلَ شِتَاءِ
قوله في وصف العملاء:
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
يَا لِلْخَسَاسَةِ وَالنَّذَالَةْ
يَتَزَاحَمُوْنَ عَلَى الْعَمَالَةْ
مِثْلَ الذُّبَابِ عَلَى الزِّبَالَةْ
وقوله فيهم أيضا:
ذَلَّ مَنْ قَيَّدَ الضَّمِيْرَ وَقَضَّى
عُمْرَهُ يَرْشُفُ الْمَخَازِيْ دِنَانَا
وقوله فيهم:
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي التَّقَارِيْرِ يَقْتُلُوْنَ النَّهَارَا
وَطَنِيُّوْنَ فِي الْمَتَاكِيْ كِلَابٌ
فِي الْحِرَاسَاتِ لَا يَصُوْنُوْنَ عَارَا
قوله للسجن والسجان:
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ أَسْرَارُهُ
وَنَحْنُ الْأَلْحَانُ وَالْقِيْثَارُ
نَحْنُ رُوْحُ التَّارِيْخِ مَهْمَا فَعَلْتُمْ
نَحْنُ مَضْمُوْنُهُ وَنَحْنُ الْإِطَارُ
قوله في حفل تخرج دفعة ضباط الأمن عام 1962م:
كَيْفَ يَحْلُوْ عَلَى الشِّفَاهِ النَّشِيْدُ
وَطَنِيْ وَالْجِرَاحَاتُ مِنْكَ لُحُوْدُ
وَالْقَدَاسَاتُ لِلْمَبَادِئِ أَضْحَتْ
مِزَقاً دَاسَهَا هُنَا رِعْدِيْدُ
قوله في اللجنة الثلاثية التي شكلها مؤتمر الخرطوم سنة 1967م:
وَكَتَبْنَا مَصِيْرَنَا يَوْمَ ثُرْنَا
وَسَنَحْمِيْ مَصِيْرَنَا بِالدِّمَاءِ
وَمِنَ الْعَارِ وَالنَّذَالَةِ أَنَّا
نَنْحَنِيْ لِلْوَسِيْطِ وَالْوُسَطَاءِ
نَحْنُ شَعْبٌ يَأْبَى الْوَسَاطَةَ حَتَّى
لَوْ أَتَتْ مِنْ أَحِبَّةٍ أَوْفِيَاءِ
قوله:
وَلَيْسَ وَحْدِي الَّذِيْ يَمُوْتْ
اَلْكُلُّ فِيْ تُرَابِ (ذُوْ يَزَنْ) يَمُوْتْ
فَبَعْضُنَا فِيْ خِسَّةِ السُّكُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذَيْلِ بَنْكَنُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذِلَّةِ الْقَوَافِلِ
الَّتِيْ تَشُقُّ مُهْجَةَ الْخُبُوْتْ
قالوا عنه:
١) وصف المؤرخ المفتي زبارة الضابط يوسف محمد الشحاري أنه: (من الضباط الأحرار ، وأمثاله قد جمعوا الدنيا ، وهو عفيف نزيه ، لم يجمع شيئاً ، وهو أديب ، شاعر ، خفيف المؤنة ، متواضع ، انتخبته الحديدة بأغلبية ساحقة مراراً لمجلس الشورى والشعب)
٢) قال شيخنا العلامة القاضي أحمد بن عثمان مطير – مفتي الحديدة عنه: (… وهو رجل غيور على دينه ووطنه ، وله جملة قصائد حماسية ، شجاع لا يخاف في الله ووطنه لومة لائم)
٣) ذكر الأصبحي في مذكراته أنه من الأحرار القدامى فقال: (وزملاء الإذاعة منهم الأستاذ القدير يوسف الشحاري ، الذي كان مديرا للإذاعة ، والأستاذ الشحاري من ضباط كلية الشرطة ، ومعلم ، وشاعر ، إلى جانب أنه يعتبر من الأحرار القدامى ، ولا يزال شريفاً نظيفاً ، تولى عدة مناصب ، وسافرت معه مرتين: مرة عندما كان وكيلاً لمجلس الشورى أولاً ، وأخرى عندما صار وكيلاً لمجلس الشعب التأسيسي ، لم أجد مثله أحداً في أخلاقه في سفره)
الألقاب التشريفية التي لقب بها في حياته وبعد وفاته:
لم يجتمع لمناضل وحدوي من مناضلي ثورة سبتمبر ما اجتمع له من الألقاب ، رغم بساطته ، فقد لقب بعدد كبير من الألقاب ، التي تدل على مكانة الرجل العليا وقدره الرفيع ، ومن تلك الألقاب ما يلي:
١- (حكيم الأدباء) لأنه سخر أدبه ونضاله لصالح الإنسان ، وقضاياه ، وهمومه ، وآماله ، وطموحاته .
٢- (آخر نجم اهتدى به اتحاد أدباء اليمن)
٣- (آخر العمالقة الراحلين)
٤- (رمز الطهارة)
٥- (العاشق الفريد للأرض والحرية)
٦- (ضمير الفلاسفة ، وفيلسوف الضمير)
٧- (أبو ذر الشحاري)
٨- (آخر الرجال المثاليين)
٩- (صوت الشعب)
١٠- (رجل بلا حدود) لأنه أعطى بلا حدود ، ولم يأخذ شيئا ، وكان صادقا ، ووطنيا ، ومخلصا بلا حدود .
١١- (صاحب أعظم مشروع وطني في تاريخ اليمن)
١٢- (الإنسان والقصيدة المتحركة)
١٣- (الأجمل والأشجع في كل الأزمنة القبيحة)
١٤- (أعظم الرجال ، وأروع الوحدويين)
١٥- (الرجل الذي لم ولن يتكرر)
١٦- (أمة في رجل ، وأمة وحده في شعره وتواضعه وشجاعته وبساطته ونزاهته واستقامته)
١٧- (الرجل الذي ترجل ، والهامة التي لم تنحن)
١٨- (الإنسان الاستثنائي بكل المقاييس)
١٩- (القامة الوطنية الشامخة)
٢٠- (الجسد الذي مات ، والمدرسة الباقية)
٢١- (ضمير الأمة النابض)
٢٢- (فقيد الثورة والإبداع)
٢٣- (يوسف الطيب ، ويوسف الصديق ، ويوسف الزاهد)
٢٤- (الأخير في الكنانة)
٢٥- (دوحة الوطن)
٢٦- (قميص العفة)
٢٧- (آخر الأقيال)
٢٨- (أمير القوافي)
٢٩- (الاسم الكبير)
٣٠- (رجل غير قابل للقسمة)
٣١- (داعية العدل والمساواة)
٣٢- (شاعر القول والفعل)
ورغم ذلك قال عن نفسه لأمته:
نَسِيْتُ أَنَّنِي اكْتَوَيْتُ وَذُقْتُ أَقْذَرَ الْكُؤُوْسْ
وَذُبْتُ فِيْ حَرَائِقِ الْأَنِيْنِ وَتَحْتَ زَحْمَةِ الْفُؤُوْسْ
نَسِيْتُ أَنَّ نَظْرَتِيْ تَقَيَّأَتْ بِأَنْتَنِ الصَّدِيْدْ
وَأَنَّ خَطْوَتِيْ تُعَاقِرُ الْقُنُوْطَ وَالْحَدِيْدْ
ومنها:
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ الشُّعُوْرُ بِالْأَسَى وَقَسْوَةِ التَّهَتُّكِ الْعَظِيْمْ
وَيُقْبَلُ اعْتِرَافٌ وَيَرْأَفُ التَّارِيْخُ حِيْنَ يُنْشَرُ الْغَسِيْلْ
يَا لَيْتَ يَشْفَعُ اعْتِرَافٌ بِأَنَّنِيْ الْبَرِيْءُ وَالْمُدَانُ ، وأَنَّنِيْ الشُّجَاعُ وَالْجَبَانُ
يَا شَعْبِيَ الْعَظِيْمْ ًبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سيرة حياة الأستاذ والمناضل الكبير اللواء يوسف الشحاري – رحمه الله:
جمع وإعداد: أحمد حسن عياش يعقوب
نسبه:
هو: الأستاذ القدير والأديب الكبير والمناضل الجريء اللواء يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن حسن الشحاري ، من بيت علم كبير ، اشتهر أهله في الحديدة بالعلم ، وقول الحق ، وكانوا ممن لا يخافون أحداً من أرباب الدولة فمن دونهم ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فقد كان جده أحمد بن محمد الشحاري المتوفى – رحمه الله – سنة 1328ه / 1910م من كبار مشايخ العلم في مدينة الحديدة ، ممن يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وهو ما ورثه الأستاذ يوسف عنهم .
ميلاده ونشأته:
ولد – الأستاذ يوسف – سنة 1932م /1351ه ، ونشأ ، وترعرع في كنف والديه ، ثم توفيت والدته وهو في الثانية عشر من عمره ، وهي زوجة أبيه الثانية ، فقد تزوج قبلها بامرأة وأنجب منها ولده الأكبر ، وكانت وفاتها – رحمها الله – بعد ولادتها بحسن شقيق الأستاذ يوسف الأصغر .
عاش الأستاذ يوسف طفولته في حارة السور من مدينة الحديدة حيث كان والده الحاج محمد الشحاري بسيط الحال ، يعمل محاسباً لدى أحد تجار الحديدة وهو الحاج هاشم شريف الرفاعي ، ولايزال السكن الذي عاش فيه قائما ، وجزء من الممتلكات والدكاكين والمحلات في السوق القديم هناك ، التى كانت تملكها عمته ، وبعد وفاتها زهد يوسف في تلك الثروة ، وتركها لأخيه الأكبر ، فقد كان شغله الشاغل العلم والدراسة ، وكان شديد الاطلاع يقرأ كثيراً من مختلف الكتب ، والمعارف الدينية ، والأدبية ، والتاريخية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية منذ صغره .
دراسته الأولية ومشايخه:
تلقى دراسته الأوليّة على يد والده ، حيث تولى والده رعايته ورعاية أخيه الأصغر حسن ، فتعلما منه القرآن وأصول الفقه والدين كما تلقاه هو عن والده العلامة أحمد بن محمد الشحاري ، ذلك العلامة الفذ الذي تتلمذ علي يديه العديد من كبار علماء تهامة .
كما تتلمذ الأستاذ يوسف أيضا على السيد العلامة أحمد محمد الوزير – رحمه الله .
التحاقه بالمدرسة السيئة الحكومية وكبار مدرسيه وأساتذته فيها:
ألحقه والده بالمدرسة الحكومية الوحيدة التى كانت بالحديدة وهي المدرسة السيفية ، التي سميت بعد الثورة السبتمبرية بمدرسة الوعي التربوي ، وتعرف اليوم بمدرسة خولة بنت الأزور للبنات ، فأكمل بها دراسته ، حتى تخرج منها سنة 1954م / 1373ه .
وكان من أساتذته ومدرسيه في هذه المدرسة أستاذ الأجيال الكبير والمربي القدير العزي بن سعيد البريدي ، والذي يعرف بالعزي مصوعي ، والأستاذ إبراهيم صادق ، والأستاذ محمود الكثري ، والفقيه عايش بن حسن مدني ، والأستاذ الكبير صغير بن
سليمان بن حميد حكمي ، والأستاذ أحمد لقمان ، والأستاذ حسن الكنجوني ، إضافة إلى ثلة من المدرسين المصريين الذين كان لهم الأثر في تربيته وتنشئته ، وصقل موهبته ، فضلاً عن أساتذته في توجهه السياسي .
ترشيحه للدراسة العسكرية في كلية الشرطة بتعز:
وقد تخرج من المدرسة بامتياز ، وعرف عنه الذكاء والنبوغ المبكر ، ولذلك كان محل اهتمام أساتذته وحبهم وتقديرهم له ولجهوده ، ولذلك تم ترشيحه من قبل البعثة المصرية بقيادة الرائد عبد الله حامد ضمن مئة طالب ، لتمثيل تهامة في المؤسسة الأمنية والعسكرية ، في سنة تخرجه من المدرسة 1954م ، فتم ابتعاثه للدراسة في كليه الشرطة بلواء تعز ، فالتحق بها ، وتخرج منها سنة 1956م / 1379ه ، برتبة ملازم وبتقدير امتياز ، وكان ترتيبه الثاني علي دفعته بسبب تعرضه لحادث كسر في يديه أثناء التدريبات العسكرية في فتره الامتحانات .