جدل سياسي يصاحب زيارة هولاند إلى الجزائر
أحزاب سياسية توقع على لائحة تطالبه بالاعتذار عن جرائم الاستعمار
الحديدة نيوز- متابعات
يحل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الأربعاء 19 ديسمبر، في زيارة رسمية إلى الجزائر في جو ملغوم بين البلدين، أخطر ألغامه ملفات "الذاكرة والاعتذار"، التي ترفض باريس أن تراها، بينما تصر الجزائر عليها كونها قضية "شرف".
ويحمِل الرئيس الفرنسي الجديد "مغريات" اقتصادية للطرف الجزائري، منها إنشاء مشروع مصنع لسيارات "رونو" بالجزائر، وهو المشروع الذي يوشك البلدان على وضع آخر اللمسات عليه.
وتراهن الجزائر على هذا المشروع لتوظيف يد عاملة شابة عاطلة عن العمل من جهة، كما تراهن عليه لاختراق سوق السيارات في إفريقيا من جهة أخرى ومنافسة المملكة المغربية التي قطعت أشواطا في الشراكة مع الفرنسيين في المشروع نفسه.
وينتظر أيضا أن تعرض فرنسا على المسؤولين في الجزائر شراء حصص في مشروع سيارات "بيجو"، لتحريك عجلة الاقتصاد والتشغيل في الجزائر وفي فرنسا أيضا بشكل أكبر، حيث يعاني الاقتصاد الفرنسي ركودا يهدد الكثير من الشركات بالإفلاس.
ويذهب الرأي العام في الجزائر إلى أن زيارة هولاند تأتي لصالح فرنسا أكثر منها لصالح الجزائر، وأن الرئيس الفرنسي "هرول" إلى الجزائر من أجل إنقاذ بلاده من كارثة اقتصادية بدأت تضر بأوروبا من جنوبها وتهدد فرنسا بالمصير ذاته.
وتحضر هنا مقولة تاريخية مفادها "الجزائر هي مطمورة أوروبا"، وتعني أن الجزائر بخيراتها هي الخزّان الذي لطالما أنقذ فرنسا والقارة الأوروبية بأكملها من الجوع ومن المهالك الاقتصادية التي عاشاها، أيام كانت مستعمرة فرنسية، ولا يزال الجزائريون يؤمنون بأن "حياة فرنسيا الاقتصادية رهينة بخيرات الجزائر".
وزير جزائري أسبق: "علاقتنا بفرنسا علاقة استحلاب"
وفي هذا الصدد، يقول وزير الإعلام الجزائري الأسبق، محي الدين عميمور لـ"العربية نت" إن "الشراكة بين الجزائر وفرنسا في القطاع الاقتصادي كانت علاقة استحلاب فقط. فرنسا كانت دوما تحلب من الجزائر أموالا دون أن تنال الجزائر فوائد حقيقية، والرابح الأكبر كان دوما الشركات الفرنسية".
ورغم أن ملف الاعتذار غير مدرج في قائمة الملفات التي سيبحثها الرئيسان، إلا أن وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، يقول إن هذا الملف هو "الغائب الحاضر"، إذ "لا يمكن تجاهله، وسيكون مطروحا"، على حد تعبير الوزير.
ويؤكّد وزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، الدكتور محي الدين عميمور، على أن المطلب الجزائري بضرورة اعتذار فرنسا للجزائر عن قرن و32 سنة من الاستعمار والقتل والتعذيب والمسخ لا يزال قائما، ولن يسقط بالتقادم حتى لو بقي في الجزائر رجل واحد.
ويشدّد عميمور في حديثه للعربية نت، بقوله: "نحن لا نريد اعتذارا ذليلا كما قد يفهمه الفرنسيون.. نحن نريد اعتذار الرجال.. نريد مصالحة تاريخية واعتذارا على غرار ديغول مع أديناور ألمانيا، ولا نريد اعتذارا ومصالحة على شاكلة هتلر والجنرال بيتان".
ويواصل عميمور مستنكرا: "غير معقول أن تعترف فرنسا بالمجازر التي ارتكبها الأتراك في حق الأرمن، ولا تعترف بمجازرها في حق الجزائريين! لقد استعمرت فرنسا الجزائر ووجدت فيها 90 بالمائة متعلمين، وخرجت منها وقد خلفت وراءها 92 بالمائة من الأميين! لابد من فتح هذا الملف التاريخي على رحابته ومعالجته بما يليق به".
وقال وزير الإعلام الأسبق إنه "إذا ثبت للجزائريين أن فرنسا صادقة في الانفتاح على الجزائريين في كل الملفات بما لا يتعارض مع معطيات السيادة الوطنية، فإن الجزائريين سيبادرون بالمثل"، واسترسل "لكن الجزائريين لن يقبلوا أن تبقى العلاقة علاقة استحلاب على حساب التاريخ والشرف".
زيارة بلا جدوى
سياسيا، صعّد 14 حزبا جزائريا في البرلمان من خطابهم ضد زيارة هولاند للجزائر، وعبّر هؤلاء في بيان قبل أسبوع عن رفضهم لهذه الزيارة ووصفوها بـ"عديمة الجدوى".
ويتقدّم قائمة الأحزاب المعارضة للزيارة أحزاب التحالف الإسلامي الثلاث المسمى "تكتل الجزائر الخضراء"، الذين طالبوا هولاند بالاعتراف أولا بالجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري من 1830 إلى 1962 وتعويض الجزائريين عنها، قبل الحديث عن شراكة استراتيجية في كل المجالات.
وقال معارضو الزيارة في بيان "إن أي مسعى لتطوير العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى مستوى الصداقة يجب حتما أن يمر عبر بوابة الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم فرنسا ضد الإنسانية في الجزائر وكل علاقة أو اتفاقية توقع في هذا الإطار مع الطرف الجزائري هي في حكم الملغاة".
وخاطب أصحاب البيان الرئيس هولاند قائلين: "إن جرائم بلدكم في الجزائر لا يطالها النسيان ولا التقادم ولا يمكن القفز عليها وممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، ورغم ترحيبنا بضيوفنا عملا بقيمنا وأصالتنا، إلا أن زيارتكم لا معنى لها بدون التقديم لها بالاعتراف والاعتذار الرسمي على الأقل من طرفكم".
ومما طالب به هؤلاء رفض طرح ملف الحركى (هم خونة الثورة الجزائرية الذين عملوا لصالح فرنسا) نهائيا أو تعويضهم، مثلما تطالب بذلك فرنسا، حيث تقول فرنسا إن هؤلاء كانت لهم أملاك في الجزائر وإنهم تعرّضوا للقتل والذبح من جبهة التحرير الوطني، ووصف معارضو الزيارة طرح ملف كهذا بـ"العمل المستفِزّ".
[Pin It]