جرائم الحرب في اليمن !!

‏  7 دقائق للقراءة        1317    كلمة

 

بقلم / أ . عبدالباري طاهر 

بُحَّتْ أصوات اليمنيين شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وتعالت استغاثاتهم حد البكاء؛ فقد دمّرت الحرب الإجرامية بلادهم. الرأي العام الدولي: المنظمات الإنسانية، ووكالات الأنباء، والصحف والإعلام، وتقارير المراقبين الدوليين تصف الحالة اليمنية كأسوأ كارثة على وجه الأرض.
البلد الفقير الذي تتجاوز فيه الأمية الأبجدية الـ 50%، والأمية المعرفية التقنية تغمر الغالبية العظمى. الأمراض الفتاكة تطال الملايين وتقتل مئات الآلاف. المجاعة تطحن غالبية السكان؛ فأكثر من مليون طفل بحاجة للغذاء، وأكثر من مليونين خارج المدارس، ويُدفعون إلى محارق الحرب. المشردون داخل مدنهم وقراهم ملايين، وملايين مشردون داخل وطنهم المنكوب آخرهم أصحاب تهامة.
القتلى يعدون بعشرات الآلاف. جرائم الحرب وضد الإنسانية سمة عامة ومشتركة بين كل أطراف الحرب؛ ومن هنا يأتي التوافق على عدم القبول بتشكيل لجنة دولية نزيهة محايدة ومستقلة تحقق في كل جرائم الحرب.
الحرب الداخلية أطرافها كلهم ضالعون في جرائم حرب، وهي أدوات – في نفس الوقت- للأطراف الإقليمية الوارطة والداعمة للحرب.
«التحالف الاثنا عشري» هو القوة الأكثر فتكاً ومقدرةً على اقتراف جرائم الحرب وضد الإنسانية، ولهذا الطرف ارتباطات غير خافية بالأمريكان والأوروبيين، وتجار السلاح في العالم والذين لهم مصلحة في تشغيل مصانع السلاح التي تعود بالمليارات على هذه التجارة، وإذا كانت الثروة قد أكلت الثورة العربية، فإن الحرب تأكل كل شيء.
ربما لا يكون مفيداً تكرار الحديث عمن بدأ الحرب، ولا إلقاء التهم وإثارة الشكوك؛ فنحن أمام عدوان كامل الأركان يشترك فيه الجميع.
نحن أمام حرب مهلكة: داخلية، وخارجية تترافد، ويعطي كل منهما المبرر والذرائع لاستمرار الحرب وتصعيدها ومدها إلى مختلف مناطق اليمن، كما يحصل اليوم في الساحل التهامي، وقد تصل هذه الحرب إلى كل بقعة في الأرض اليمنية.
المأساة أن الحرب المجنونة التي تعم اليمن كلها وتتشارك فيها القوى الإقليمية وتحالف اثنا عشري لا يوجد رصد وتوثيق لجرائمها التي لا تسقط بالتقادم، ولا تقبل أطرافها الفاعلة فيها بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائمها.
في سبتمبر الماضي أوصى المفوض السامي لحقوق الإنسان بإنشاء آلية دولية مستقلة ومحايدة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في اليمن، وأصدر مستشار الأمم المتحدة الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، والمستشار الخاص للأمم المتحدة حول مسئولية الحماية- بياناً مشتركاً أيدا فيه استنتاج المفوض السامي، وشددا على أن هناك حاجة ملحة لإجراء تحقيقات مستقلة وذات مصداقية لمحاسبة الجناة، وتأمين التعويض للضحايا.

وقد أشارت «هيومن رايتس ووتش» إلى انتهاكاتٍ عديدة لقوانين الحرب من جميع أطراف الحرب، وهي انتهاكات لم يتم التحقيق فيها، ولم تؤدِ لأي انتصاف لضحايا الهجمات.
قدمت هولندا مشروعاً يدعو إلى تشكيل لجنة دولية محايدة تحقق في الانتهاكات؛ فقامت السعودية بتقديم مشروع منافس عن المجموعة العربية بما فيها اليمن تطلب فيها المساعدة الفنية، وقد اعتُمد مشروع نص المجموعة العربية، ولكن الباب بقي موارباً للضغط لتشكيل هذه اللجنة.
مهمتنا الأساس- كيمنيين- إدانة الحرب وتجريمها، وتصعيد المقاومة السلمية، وحشد الناس ضد جرائمها؛ فالانحياز لأي طرف من أطراف الحرب لا يعني إلا تشجيع استمرار الحرب.
القوى السياسية الضعيفة غائبة، والقوى المستبدة مليشيات مسلحة تتوزع اليمن وتتقاسمها، وتعطي الولاء للصراع الإقليمي وللممولين والضالعين في الحرب أكثر من ولائهم لوطنهم أو للشعب والأمة.
هذه المليشيات التي تتسيد المشهد أسهمت كلها في تدمير عدن. كان صالح في إبان الصراع مع الاشتراكي يتهدد ويتوعد بـ«ترييف» عدن. والواقع أن قوى الحرب كلها في الجنوب والشمال قد تشاركت في «ترييف» عدن، و«ملشنتها»، وأسهم الجميع في تدمير مدينة المدن اليمنية تعز، وتمزيق أوصالها ومحاصرتها من الداخل والخارج في آن واحد.
في مدينة التمدن والحضارة والتعدد والتنوع عدن ومحيطها يجري اغتيال خطباء وأئمة المساجد، ويتم فيها اغتيال الأكاديميين والأستاذة والناشطين الشباب، وتكمم الأفواه، وتتحدث الأنباء عن وجود سجون سرية تابعة للإمارات العربية المتحدة في عدن تزري بـ«جونتنامو»في كوبا، و«أبو غريب» في العراق، و«باجرام» في أفغانستان.
تعز المحاصرة من الخارج بمليشيات أنصار الله تحاصر أيضاً من الداخل بمليشيات الإسلام السياسي والخارجين على القانون، وتجري فيها الاعتقالات والاغتيالات؛ فلأكثر من عام يُختطف المكافح أيوب الصالحي أحد أبطال الثورة الشعبية السلمية، ورفيقاه أكرم حميد و حكيم البركاني؛ فقد أخفوا قسراً، ورغم أن القيادات السياسية عارفة بالمختطفين لكنها لا تحرك ساكناً.
إيقاف الحرب وكشف كل جرائمها والضالعين فيها، والإصرار على المطالبة بتشكيل لجنة دولية تحقق في هذه الجرائم التي تفقأ العين، وتخز الضمير، وتدمي القلب، وتؤرق الضمير الإنساني – واجب ملحّ.
كل اليمن يرزح تحت مقصلة الحروب المتسلسلة والمتناسلة؛ فهو يشهد جرائم حرب وضد الإنسانية؛فالسجون معبأة بالآلاف، وهناك الجوع ينهش بطون الملايين من الغالبية العظمى من المواطنين، وكذلك الاغتيالات، والاختفاء القسري، وتجنيد الأطفال، وإغلاق المدارس، وقصف تحالف الحرب الأحياء السكنية، والأسواق الشعبية، والقرى، وصالات الأعراس والعزاء.
يلاحظ أن الحرب الداخلية والخارجية جعلت هدفها الأساس تدمير المدن، وتخريب الحضارة، وتهديم البنية التحتية الهشة والضعيفة، وإفقار اليمن حد التجويع، وحرمانه من التعليم والتمدن، والقضاء على ما أنجزه الإنسان اليمني خلال مئات وآلاف السنين، وهو نفس ما عملته هذه القوى المعادية للعروبة والقومية العربية والديمقراطية والعدل في العراق وسوريا وليبيا.
صعدة مدينة الصنائع تاريخياً تعيش تحت الحرب والقصف لبضعة أعوام، ومارب، والبيضاء، وذمار، وحجة، وشبوة، والمكلا، والمهرة، وسقطرة كلها تحت تهديد الحرب والإرهاب.
غزوة الساحل لا تختلف كثيراً عما جرى ويجري في أرياف تعز والبيضاء ونهم وصرواح والجوف؛ فهدفها تدمير الحديدة، وتمزيق اليمن وتفكيكها، وتأبيد الحرب فيها وعليها هو النهج والأسلوب المتبع من قبل أطراف الحرب- كل أطراف الحرب-.
كمواطنين يمنيين ودعاة سلام همنا الأساس رفض الحرب وزبانيتها ودعاتها، ولسنا في وادي التعصب مع طرف ضد طرف آخر؛ فجميع الأطراف المتشاركة في الحرب ضالعة في الجرائم.
لعل تقرير نقابة الصحفيين للنصف الأول من العام 2018 يؤكد صحة ما ذهبنا إليه من انخراط المتحاربين في هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

تقرير نقابة الصحفيين المضاف إلى تقاريرها للأعوام السابقة يشهد ويؤكد تشارك كل الأطراف في جرائم الحرب وضد الإنسانية، والتقارير كلها تؤكد أن جميع أطراف الحرب تتسابق على من يكون الأسوأ في قمع ومصادرة الحرية، وقتل وترويع وإخراس شهود جرائم الحرب.
تشير التقارير إلى استمرار الحرب الممنهجة على وسائل الإعلام وحرية الصحافة بشكل عدائي وعنيف من قبل كافة الأطراف التي تتعمد الزج بالصحافة والصحفيين في الصراعات بسعيها لتغييب الحقيقة.
رصدت النقابة100حالة انتهاك قتل، واعتداء، وتهديد، ومصادرة، وتعذيب، وشروع في القتل، وحجب المواقع الإخبارية، ومحاكمة الصحفيين وترويعهم، ومصادرة مقتنياتهم.
ارتكبت الحكومة بتشكيلاتها المختلفة 47 حالة انتهاك، فيما ارتكب الحوثيون 39 حالة انتهاك، و يتقاسم التحالف وجهات مجهولة بقايا الانتهاكات.
إننا بأخذنا حالة الصحافة ندلل على أن الجرائم قاسم أعظم ومشترك بين جميع الأطراف. تقارير المنظمات الدولية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تؤكد أن 60 % من الجرائم المرتكبة تعود إلى التحالف الاثنا عشري كلي القدرة والفائق التدمير والذي كثيراً ما يصيب حتى الوحدات العسكرية التابعة للشرعية، كما حدث في العبر والعروس ونهم وأخيراً في التحيتا.
كما تؤكد التقارير الدولية الموثقة أن القتلى في صفوف المدنيين تتجاوز الـ60% أيضاً. جرائم المليشيات المحسوبة على الشرعية المعترف بها دولياً- كشأن دول التحالف- سوف تكون موضع مساءلة أيضا، وهي تتحمل مع غيرها من الأطراف مسئولية التعويضات عن الجرائم.؛ ومن هنا يأتي رفضها تشكيل لجنة دولية تحقق في هذه الجرائم.
نهج التوثيق والرصد لكل جرائم الحرب مسئولية حقوقية وسياسية ووطنية لا بد وأن يتصدى لها المحامون، ونقابات الرأي، ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، وناشطون حقوقيون، وهيئات تدريس، وأحزاب سياسية، كما يفعل الآن زملاؤهم الصحفيون.
الأستاذ الجليل والأديب والناشط الحقوقي أحمد ناجي النبهاني، من قيادة اتحاد الأدباء، وبالتفاهم مع الأستاذة هدى أبلان الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- شفاها الله- مهتمان بدعوة أعضاء الاتحاد لتدوين الانتهاكات في صفوف الأدباء، وحملات التكفير والتخوين، ومصادرة الرأي، والحض على الكراهية والعنف.

عن gamdan

شاهد أيضاً

نتنياهو واستراتيجية الديماغوجيا .. 

‏‏  2 دقائق للقراءة        335    كلمة الحديدة نيوز – كتب – بشير القاز في أول تصريح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *