جرحى الحرب ( تجربة الموت مرتين)
الحديدة نيوز- – منال قائد
لم تترك الحرب لليمنين منفذا للهرب فما يحدث للجرحى هُنا قد لا يخطر في أسوء الخيالات الكئيبة واكثرها تشاؤما.
وعلى سبيل المثال لا الحصر في هذه المدينة الصغيرة ( الحديده ) مر الكثيرين بشظايا ساكنة في أجسادهم وبأطراف مبتورة ، مروا وغادروا بدون ان يكون هناك دور انساني تؤديه الجهات المتسببة في هذه الحرب.
وهذا بالطبع ليس غريبا فمن يتسبب بهذه الحرب الهمجية و يبرر وجودها لن يجيد شيئا سوى استخدام الضحايا كمنتج اعلامي لهذه الحرب.
المؤلم جدا و اللاإنساني هو ما تقوم به بعض المستشفيات تجاه هؤلاء الجرحى.
في أحد المستشفيات الخاصة لم تمكث الضحية الصغيرة (ضحية قصف جوي) في غرفة العناية المركزة اكثر من ست ساعات لتموت تاركة في قلب ذويها حسرة كبيرة، المفزع هو ما روته والدتها حول احتجاز جثة الفتاة حتى تسديد فاتورة المستشفى والذي تم بتدخل فاعلين خير و كل ما لدى العائلة من مدخرات ( حدث هذا في الاشهر الاولى للحرب).
تنظر المستشفيات للضحية كسلعة يجب الأخذ والتعاطي معها وفقا لمعطيات الحرب الطاحنة ( و هذا يحدث ببرود تام وبدون أدنى أثر للحرج ).
في مستشفى خاص آخر قامت الادارة بإيقاف خدماتها حتى يقوم أهل الضحية ( ضحية لغم ) بتسديد جزء من الفواتير ( الايقاف كان بالمعنى الحرفي للكلمة – ايقاف الدواء – ونقل الدم – والفحوصات اللازمة).
في المشافي الحكومية يبدو الامر اقل ارباكا وفزعا ، لكن مقابل المكوث المجاني فانه يتوجب على اهالي الضحية أن يقوموا بشراء الادوية التي لا توفرها المستشفى وهذه الادوية تكون عادة باهظة التكاليف.
كما ان المكوث هناك يعني البقاء في غرفة مشتركة بغض النظر عن سوء الحالة التي يمر بها الضحية واثر ذلك عليه وعلى ذويه.
في احد المرات كان الضحية صياد (قصف جوي) اختارت الشظايا أن تسكن الجزء الاسفل من ظهره وتمتد لأبعد من ذلك ، في أوقات الجراحة كان عدد من ذويه يقفون عند الباب ليمنعوا أي أحد من الدخول الى الغرفة المشتركة.
وما فهمته من سخطهم ان المستشفى رفض تقديم غرفة خاصة للضحية رغم سوء حالته الصحية والنفسية.
في نفس المستشفى كانت هناك سيدة مسنة فقدت زوجها وعشتها واغنامها وملامح وجهها ( ضحية قصف جوي).
بعد مرور شهر على وجودها هناك ذهبت للمستشفى ومررت بحذر بجانب غرفة الرقود المشترك و(كما رأيتها اول مرة كانت هي) لا أثر يذكر للفروق غير رفيقات الغرفة المتعاطفين مع المها وما تهذي به من كلمات.
الاكثر وجعا كانت قدم الفتاة ذات ١٧ ربيعا وهي (ضحية لغم) ا كانت رائحة جراحها مؤشرا خطرا لحالتها التي ستسوء في ما بعد وتؤدي للبتر بعد نقلها المتأخر للعاصمة صنعاء.
لم يكن تشخيص الامر صعبا حتى على المرضى المقيمين في نفس الغرفة ولا على الذباب الحائم فيها.
في كل هذه الحالات البائسة هناك دائما حاجة ماسة الى بذل مجهود جبار للفت انتباه المنظمات والمؤسسات الخيرية للقيام بدورها الذي تعلن عنه.
الغريب هو ما يفرضونه بحزم كالشروط المتعلقة في كثير من الاحيان بالعمر او نوع المستشفى الذي يقدم الخدمة ( حكومي أو خاص ).
لأدراك حجم المأساة حاول أن تتخيل هذا المشهد المخيف:
( تصطادك الحرب بصاروخ أو بقذيفة أو لغم وقبل ان تستوعب حجم الكارثة وتدرك من مات حولك ومن اصيب ولماذا يحدث كل هذا تجد نفسك في مستشفى كئيب يساومك على ثمن بقائك على قيد الحياة).
أنها غلطتك اذا .. لماذا لم تمت ؟!