سعادة والوجع ٤ ذ

‏  10 دقائق للقراءة        1801    كلمة
 
الحديدة نيوز- ياسمين الصلوي 
الوجع نصيب الكثير من أطفال هذا الوطن ، وجع طفولة لم تتعرف على ملامحها بعد ، كيف وجد الوجع طريقه اليك ايتها السعادة ؟! سعادة التي رحلت سعادتها  منها الى حيث لا هي ولا أوجاعها .
حين يفقد الطفل الحب يصبح بلا هوية لان هوية الطفل الحب ، وحين تتوفى أمه فأنه مواطن بلا وطن فلا وطن بعد حضن الأم ، سعادة مات وطنها وفقدت الحب فأصبحت تبحر في بحر الضياع ، تتوجع بصمت ، يدوي وجعها في أروقت الموجوعين ….
بعد وفاة والدتها ، تلقت سعادة ضربة من التشرد ، فقدت والدتها ، وبقى والدها التي حرمت من وجوده ،  رغم وجوده معها في نفس الحياة ، ذرفت سعاده دموعها وهي تتساءل ،  تحدثني :- أين يوجد أبي الحقيقي في هذا الكون ؟! أحتاجه جدا ؟! فاجدني متلعثمة محاولة تهدأتها بكلمات محشوة بنوع من الأمل في واقع مظلم. 
الأب سند الفتاة، ووجوده بجانبها نعمة لا يعرف حجمها الا فتاة عاشت بعيدة عن أبيها ، حرمت من عطره يوم الجمعة ، وضحكته في اروقة البيت كل يوم  ،  وتقبيل رأسها صباح العيد وعطاء يديه كل ماضاقت عليها الدنيا ، من صدره كل ما خيم عليها الحزن ذهبت ونامت عليه طويلا ، محظوظة من عاشت سعيده بقرب والدها ، من وجدت كل الحب والأهتمام منه .
كانت سعادة تذهب بلحافها لذلك الغيل الذي يفصل جبل الصلو عن جبل قدس ، سائله تنحدر من جبال الصلو نحو أودية قدس الطويلة ، كانت تغسل لحافها ثم تنام حين تشعر بحنان دافئ ترسله تلك الشمس التي يتهمها البشر بقسوة اشعتها الذهبية، بينما هي أحن من قسوتهم التي تشبه صقيع الشتاء تارة وزمهرير جهنم تارة اخرى ، كانت في ذلك الغيل شجرة “تولقة “_ كبيرة_  تنشر نساء القرية ملابسهن بعد غسلها فوق أغصانها الكثيرة المتفرقة ،بغية تجفيفها بخيوط الشمس ، كانت سعاد تفرش لحافها فوق أغصان تلك الشجرة وتعود لتنتظر تحت حجرة كبيرة بجانب الغيل، تنتظر متى يجفف لحافها الذي هددتها خالتها إن لم تعود به مغسولا بعد ان تبولت عليه ستكرر العقاب المعتاد الذي مارسته كثيرا بحقها ، تعود سعادة للمنزل ، ووجهها يشح حمرة ، تتضور جوعا ،ثم تجد أوامر أمراءة بقلب من حجر ، لم تكن سعادة تشحذ حين أتهمتها ، كانت في ذلك الغيل ، نامت تحت صخرة شعرت بدفئ الشمس في شتاء يشبه بقسوته بعض البشر ،عادت فوجدت عصا خالتها مثل كل مرة ، وهي التي لطالما نامت على قبر أمها كل ما اشتاقت لها، او نامت بالقرب من تلك الصخرة في ذلك الغيل ، ثم تعود لتجد ماتتعرض له دائما لكنها أصبحت لاتكترث لما سيحصل لها إن عادت . حين عادت وبيدها لحافها  أمرتها خالتها بالذهاب لقريتها البعيدة عن قرية سعادة ، طلبت منها أن تأتي بسلة من هناك من أهلها ، كانت الساعة الثانية بعد الظهر والطريق الى هناك يحتاج وقتا ليس بالقليل ، رفضت سعادة فهددتها بالضرب إن لم تذهب ، أتى والدها الذي كان أشد قسوة من زوجته ، أجبرها على الذهاب وطلب منها أن تنام هناك وتعود صباحا ، لم يكن أمام سعاده الا أن تمتثل لأمرهما وتذهب ، أغضب ذلك جدتهت التي تسكن أحدى المدن ، كان قد وصلها الخبر من أحدى نساء القرية ، كنت تلك المراءة تحزن لوضع سعادة وعلى تواصل بجدتها وأخبارها لكل ماتتعرض له سعادة من وجع ، غضبت جدتها وفي أتصال هددت والدها بأنها ستكفلها مثل شقيقاتها اللاتي أخذتهن خفية بسبب سوء تعاملة وقسوته عليهن ، أخبرته بأنه يفتقد للمسؤولية ، كيف لأب يقبل أن تنام أبنته في أسرة لا يعرف عنها الا أمراءة خبيثة دله عليها مار امام بيتها .
 
الطريق الى قرية خالتها تتخللها مخاطر كثيرة ، أودية وطرق خلاء ومناطق خالية من السكان ،أتهمت  سعادة بأنها تشكي لجدتها فحين عادت أدخلتها غرفة مظلمة بجانب ماعز وأغلقت عليها يوما كاملا عقابا لها ع ما لم تفعل .
عاشت سعادة سنوات من الضياع والتشرد ، على تلك الوتيرة ظلت تتعرض لضرب والحرمان والظلم من ابيها وزوجته ، عاشت سعادة مثل محمد الذي سردت حكايته في قصتي (الطفولة المقهورة) التي لم أنشرها بعد ، سعاده ومحمد من نفس القرية ومن نفس الأسرة وتعرضا  لنفس الوجع .
 ماتت والدة سعادة وتشردت بعدها سعادة وضاعت كثيرا ، توفت والدة محمد بعد أن تطلقا وظل مشردا بين نيران جده الذي رفض أن يبقى مع أمه  في البيت ، وبين نيران ابيه الذي كان يغضب كل ما ذهب محمد لأمه بغية البقاء معها رغما عن جده، وبسبب ماتعرض له اصيب بمرض نفسي جعلته يفترش نائما  ارصفة تعز المدينة ويلتحف السماء ، محمد وسعادة وجعان في قرية وأحدة وتشردا لنفس السبب .
كانت سعادة تحب العمل مع الأخرين دون أن تنتظر اي جزاء ، تحب الخير ، تخدم المحتاج ، وتبتسم رغم وجعها ، كانت محبوبة من نساء القرية لا تأذي طفلا ، ولا تحرق وردا ، ولا تسرق شيئا كما يفعل بعض الأطفال الأشقياء ، سعادة طفلة هادئة الطباع ، مسالمة تبكي حين تشعر بوجع الحياة وقسوتها .
كانت قلة من نساء القرية يتهمنها بالكذابة ، حين تفضح احيانا بخطأ زوجة أبيها ، والحقيقة أنها كانت محقة كل مرة ،كان يستهزئ بها كثير من أطفال القرية ، يشمتون من رأئحتها وثيابها المتسخة وسُمّعت والدها وفقره ، الأ ان سعادة هي بطلة هذه الحياة ،الحياة في قريتها قصة وهي بطلتها التي تدور كل الأحداث عليها .
اصبحت سعادة تتبول على نفسها يوميا فسوء المعاملة زادت وتيرتها وكذلك الضرب من ابيها وزوجته بدون ادنى سبب ، ذات صباح استيقضت سعادة مريضة ،كانت حرارتها مرتفعة وتعاني من سعال شديد ، ذأت يوم لم تستيقظ سعادة باكرا ، ذهبت شقيقتها الكبرى والتي تبلغ من العمر عشرة اعوام ، طلبت منها ان تنهض وتذهب معها للعب ، كانت سعادة تئن ، ذهبت أختها لغرفة خالتها ، أخبرتها أن سعادة مريضة ، ذهبت لباب الغرفة ونظرت لها وذهبت دون أن تحرك ساكنا ، أخبرت أختها بغضب:- أني بخليها تتعافا الأن روحي نادي عبود اخوك وتعالي  ، والله بالت واني كم قد هددتها الكلبة !. 
ذهبت ونادت اخيها وحين عادا وجدا خالتهما تسخن الة حادة على الجمر وقفا الأثنان ينظران ماذا تفعل أخرجت سعادة لساحة المنزل المفتوحة وأغلقت الباب وأجبر اخويها الأثنين على الإمساك بها ، لتغيب الأنسانية ويموت الضمير ، وضعت تلك المراءة الخبيثة تلك الألة التي صارت جمرا على جزء من جسدها هددتها مرارا بوضع الة حادة عليه إن  لم تتوقف عن التبول على ملابسها ، صرخة سعادة قشعر لها الجبال ، من تلك الحظة هاجرت الطيور ، حلت لعنة على ضمير الأنسانية في تلك القرية ، ماتت الرحمة في قلوب أهل القرية كيف لأناس يسكتون لتعسف أمراءة بحق طفلة في عمرها التاسع ، مذ توفت والدتها وهي في الثامنة من العمر تتعرض للاستبداد من ابيها وزوجته دون رادع ، اين أنسانية سكان القرية لكل مايحدث لسعادة ؟وماتتعرض له ، سقطت سعادة مرمية على الأرض ، رمت خالتها بتلك الالة بعيدا وتوعدت شقيقيها بالعقاب إن تبولوا على أنفسهما او خالفا أوامرها وذهبت ، حاولا سحبها الى فراشها المبلول وهما يذرفان دموع الخوف والضياع ، تركا سعادة مرمية على نصف فراشها وذهبا رعبا لما حدث فقد أجبرتهم على الأمساك بها رغما عنهما وامتلئت قلوبهما رعبا من قسوتها توحشها وما شاهدا من وجع وحرق ينزف دما. 
أيعقل أن تحدث هذه القصة في مجتمع يتمتع بالإنصاف ؟! كيف لا وسعادة تنزف وجعا وسط القرية .
ظلت سعادة طريحة الفراش لأسابيع ، تنزف وجرحها يزيد توسعا فلا نظافة ولا مجارحة ولا علاج ، أهمال وعدم إكتراث لحالتها ، يذكرونها حين تقدم تلك المائدة الفقيرة من الغذاء الغنية بسوء التغذية ، خبزا يابس وعصيدة يفضلها الكثير من أهل القرية ، كانت سعادة إن غمرها النوم نامت وإن شعرت بالجوع خرجت تحبو لتلك المائدة حبوا ، وسخرية ابيها وزوجته لها لا تتوقف ، يتهمانها بالتمثيل ، كان والدها يقول كلما رأها تحبو في المنزل :- هو حرق صغير ..مسوية نفسك معاقة … قومي كلي ياكذابة .
الحياة صعبة حين تكون قاسية ،  يعيش الشخص بصعوبة ، تلك هي حياة سعادة الحسناء الموجوعة .
مرت أيام وزادت حالة سعادة  تسوء ، توسع حرقها ، ملئ جراثيم ، قيح شديد  فلا إهتمام  ولا يحزنون ، لحسن حظها ، يوما ما دخلت خالة نظيرة المنزل تبحث عن سعادة فهي منذ أسبوع ونصف لم تراها في القرية ، تلك الأرملة التي حرمت من الفتيات ، كانت تحن لسعادة كلما غابت عن اعينها ، هي من نظفت لسعادة شعرها حين سكنته القمل وقيح وصارت رائحته كريهة ، استخدمت ادوية وغسول ونظفت لسعاده رأسها قبل ان يسكنه الديدان ويأثر على صحتها ، خالة نظيرة كانت تغيث سعادة في لحظات أخيرة الا وفاة حياة  لم تلحق إعطائها الحقن الا بعد أن خط القدر رحيلها بعيدا عن هذه الحياة القاسية .
في ذلك اليوم كانت خالتها قد غادرت المنزل وذهبت قرية أهلها ، ووالد سعادة يعمل منذ الصباح في قرية أخرى ، لا يوجد الأ سعادة مرمية على فراشها وأخوتها يلعبان في ساحة المنزل المفتوحة ، دخلت تنادي بعيون بأحثة  وتتلفت لأبواب الغرف :-  سعادة …بنتي سعادة …يابنت . أنين سعادة دلها أين تكون ، وجدتها غارقة في الوجع والبول ، صرخت مرددة توقظ سعادة :- حسبي الله ونعم الوكيل …مالك …ادور بعدك مالك حس في القرية . بينما هي تتحدث ، أتت من خلفها أختها تتحدث ببرأءة طفولة :- ياخالة نظيرة شوفي خالتي كيف حرقت سعادة . وذهبت ترفع الغطاء لتجد خالة نظيرة أن خالتها نفذت ماكانت تتوعد فعلة ، أغرورقت عينيها بالدموع تردد بوجع :- حسبي الله ونعم الوكيل ، الله يحرق قلبها ، يعني هذه الفعل بيمنعها من التبول ، اي خرفات هذه . 
ذهبت مسرعة الى منزلها وأتت بأدوات جراحية ومعقم لتجد خالة سعادة قد أتت وهي تتوعد سعادة وأخوانها الثلاثة بالعقاب وخصوصا من أخبر خالة نظيرة بأمر سعادة ، كانوا يبكون وكل واحد يبرأ نفسه بأنه لم يخبرها وهي مصرة من منهم أخبرها ، من على الباب صرخت غاضبة :- عرفت من نفسي ياخالية من الرحمة يامجرمة ، والله لأفضحك عند الصغير الكبير وأعاقبك على فعلتك . مرت بجانبها ولكزتها بيدها تبعدها لتمر مرددة:- الله ينتقم منك وعلى فعلتك حسبي اللة عليك . دخلت وأخرجت سعادة الى غرفة أخرى وبدات تنظف لها ، كانت خالتها مسمرة في مكانها تارة وتهدد خالة نظيرة من  تدخلها وأنها ستخبر والد سعادة ليتصرف معها في تدخلها في شوؤن سعادة وأخوانها . 
يبقى الوجع مستمرا إن غاب الإنصاف فلا وجع في حضرة العدالة ولا ظلم في وجودها 
سعادة ووجع وللقصة بقية ….

عن arafat

شاهد أيضاً

“اليمن : قصة مأساوية لحياة الطفولة المهدورة وجرائم العنف القاتلة”

‏‏  3 دقائق للقراءة        550    كلمة الحديدة نيوز // اشراق الصبري صنعاء – اليمن  في بلد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *