في زمن الحرب .. الدواء في اليمن : تهريب وجنون أسعار !!
الحديدة نيوز / صفية مهدي
في ظل الوضع المعيشي الم�دهور للمواطنين ومع انتشار الأوبئة والأمراض، يمثل توفير الدواء تحدياً يشكوه المرضى مع ارتفاع الأسعار وانعدام العديد من الأصناف وانتشار أدوية مهربة أو مزورة، تعبث بصحة المرضى وتهدد حياتهم، ما دفع بأطباء ومعنيين لتوجيه دعوة إلى التوقيع على ميثاق شرفٍ في صنعاء الشهر المقبل يسعى لوقف التدهور والفساد والفوضى على مستويات مختلفة في سوق الدواء.
وأكد رئيس نقابة ملاك صيدليات المجتمع، الدكتور عبد الملك أبو دنيا، (للحديدة نيوز) أن الزيادة في أسعار الدواء «وصلت إلى 200 في المئة لبعض الأدوية مقارنة بأسعارها السابقة، بالإضافة إلى اختفاء الكثير من الأصناف من الصيدليات نتيجة توقف العديد من الشركات المستوردة وضعف الانتاج المحلي عن العمل ما أضاف عبئاً جديداً على المرضى، لا سيما أصحاب الأمراض المزمنة، كأمراض الضغظ والسكري والسرطانات المختلفة»، كإحدى تبعات حصار وقصف «التحالف» أو «العدوان الغاشم»، وفق تعبير أبو دنيا.
فوضى ومهزلة
وأشار أبو دنيا إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية ساهم أيضاً في تفاقم أزمة الدواء في اليمن، حيث «أصبح أغلب أبناء الشعب الفقراء والأشد فقراً خاصة بعد انقطاع الرواتب وضعف الموارد معرضين للخطر أمام عجزهم عن توفير الأدوية». وقال إن «الزيادات المتكررة في أسعار الدواء حتى وصل الحال ببعض الشركات أنها ترفع أسعار أدويتها في الثلاثة أشهر مرتين إلى ثلاث مرات دون رحمة أو عطف بالمواطن المسكين المغلوب، وهذا ينتج عنه اختلاف أسعارها من صيدلية إلى أخرى».
وأضاف أن «انتشار الفوضى في أسعار الأدوية والتي يعاني منها المواطنون بالدرجة الأولى وارتفاعات خيالية وجنونية للأغلب من شركات الأدوية المحلية والمستوردة وسط غياب تام لأجهزة الرقابة الصحية من قبل الجهات المختصة والمكلفة بذلك، حيث بلغت نسبة الزيادة في الأسعار أكثر من 200 في المئة لبعض الأدوية مقارنة بالأسعار السابقة، فيما شملت هذه الزيادة تقريباً جميع الأدوية العلاجية بما فيها المنقذة للحياة»، واعتبر أن «ما يحدث الآن في سوق الدواء اليمني مهزلة، كما أنه جريمة يحاسب عليها القانون، كون هذا التلاعب يتسبب في إلحاق الضرر بالمرضى وموت البعض منهم، وأحمل الجهات المتخصصة بالأدوية مسؤولية ذلك».
وكانت أزمة أسعار الأدوية تصاعدت منذ الأشهر الأولى للحرب في 2015، لكنها وصلت في الفترة الأخيرة إلى مرحلة غير مسبوقة، يشتكي معها المرضى، ولفت أبو دنيا إلى أن «هنالك المئات من المرضى في مختلف المدن اليمنية غير قادرين على شراء الأدوية»، وهناك حالات «تموت يومياً في منازلها أو في المستشفيات لن تجد قيمة الدواء»، كما «نتج عن هذه الفوضى زيادة أعداد الفقراء الذين باتوا يتجمعون في الأسواق المكتظة وأمام الصيدليات، يطلبون من المشترين دفع فاتورة الدواء أو المساهمة فيها بعد عجزهم عن توفير قيمته التي تضاعفت بشكل كبير».
غياب الرقابة
وكشف رئيس نقابة ملاك الصيدليات عن وجود حالة من الاستغلال للوضع ونتيجة لضغط الرقابة المكلفة والمخولة بضبط المتلاعبين، وذلك من «بعض الوكلاء المستوردين والمصنعين المحليين والصيدليات في رفع أسعار الأدوية، فمثلاً كل صيدلية تضع تسعيرات خاصة بها، في حين لا يلتزم آخرون بالسعر المدون على عبوات الدواء بحجة الزيادة في سعر الدواء جراء ارتفاع الدولار وأن هذه الأسعار قديمة وأن أصحاب الشركات رفعت أسعارها»، وزاد أن «غياب الرقابة الدوائية ساهم في ارتفاع أسعار الدواء في الصيدليات، يتبع ذلك تدهور كبير من الحالات المرضية، كما أن البعض اتجه للجوء إلى الحصول على الأدوية البديلة المهربة والمغشوشة المنتشرة في السوق المحلية والتي عرضت كثيراً من الحالات لانتكاسات طبية».
تهريب الأدوية مستمر
وأشار إلى أنه رغم الحرب والحظر البحري والبري والجوي، فإن «تجارة تهريب الدواء وخاصة التركية كما يشاع عنها، كما أني أجزم أنها غير تركية وإنما مزورة ومطبوعة داخل اليمن وفي بعض الدول الأفريقية المجاورة نشطت مؤخراً»، محذراً من أن «ارتفاع حجم الدواء المهرب في اليمن إلى أكثر من 80 في المئة من حجم سوق الدواء، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 60 في المئة أواخر 2014، بحسب إحصائيات لمنظمات طبية غير حكومية، يشكل خطراً كبيراً، ومؤشر يهدد حياة وصحة المواطنين».
ميثاق شرف
ونتيجة للفوضى الحاصلة في سوق الدواء، بين ارتفاع الأسعار والأدوية المهربة والمزورة وانعدام العديد من الأصناف، انطلقت مبادرة للتوقيع على «ميثاق شرف»، إذ أشار أبو دنيا إلى إنه «على الرغم من أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يقومون بأداء مهامهم العلمية والعملية بجد ونزاهة وتكامل مهني، فإن هناك مؤشرات وأدلة لانتشار الفساد في كافة أنواع قطاعات الأدوية بأشكالها المتعددة والتي تتصف بالتحايل والارتشاء في الخدمات على اتساعها وشمولها وتتراوح هذه ما بين التحايلات الصغيرة والمحدودة وعمليات الابتزار إلى الانحرافات الهائلة للسياسات والتمويل المالي وإلى رشاوي المسؤولين».
ويلفت رئيس النقابة، في حديثه ، إلى أنه نتيجة لذلك، تبنت النقابة دعوة لحضور فعاليات «الندوة الأولى لبناء ميثاق شرف لحفظ حقوق المرضى وأخلاقيات بيع وترويج الدواء (مشروع عين على المريض)»، برعاية نقابة ملاك صيدليات المجتمع وبالتنسيق مع الهيئة العليا للأدوية، ومن المقرر أن تُقام في 14 مارس المقبل، في قاعة مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء، حيث «يتوافق عليها الموقعون جميعاً لتضبط ممارسات جميع الأطراف التي تعمل في مجال إنتاج واستيراد وتسويق ووصف وصرف الأدوية، كما ينص هذا الميثاق على الأطر التنظيمية التي تضمن احترام الأصول العلمية والأخلاقية والقانونية في تداول الأدوية، خدمةً للمريض ولمهنتي الطب والصيدلة في اليمن».
وتشمل الجهات المعنية بالتوقيع: المكاتب العلمية لشركات الأدوية، وممثلين عن مستوردي الأدوية، الاتحاد العام لمصنعي الأدوية المحلية، نقابة الأطباء، نقابة أطباء الأسنان، نقابة الصيادلة، نقابة ملاك صيدليات المجتمع، نقابة المستشفيات الخاصة، تجار الجملة. ويهدف الميثاق، بحسب رئيس النقابة، إلى «تحفيز الاستعمال الرشيد للدواء وردع الممارسات التي لا تتناسب مع المبادئ العلمية والأخلاقيات المهنية عبر توفير مرجع لممارسات التسويق يكون صالحاً للمساءلة وفق آلية واضحة للمراجعة، ويطبق على الأطراف كافة التي تعمل في مجال إنتاج واستيراد وتسويق ووصف وصرف الأدوية»، كما أن «الموقعين على هذا الميثاق يعلنون التزامهم الكامل به، كما يلتزمون خارج نطاق هذا الميثاق بالنصوص والمعايير الدولية المتعارف عليها. وذلك انطلاقاً من أن تسويق الدواء، بالإضافة إلى ما يتطلبه من استقامة في تعاطي العمل التجاري ومراعاة أصول التنافس العادل، فهو يحتم أيضاً اعتماد المعايير الأخلاقية المرتبطة بمهنتي الطب والصيدلة وذلك بهدف تأمين مصلحة المرضى عبر توفير الدواء الآمن والاستخدام السليم والتزام المنافسة المهنية». .