كيف تخدعنا ملصقات الأغذية بمعلومات زائفة؟

‏  5 دقائق للقراءة        982    كلمة

كيف تخدعنا ملصقات الأغذية بمعلومات زائفة؟

خاص/
الحديدة نيوز
ما هو الماء “فائق الجودة”؟ وما السبب وراء تهافت الناس على الملصقات الغذائية التي تحمل عبارة “هذا المنتج خال من الغلوتين” أو “هذا المنتج خال من العناصر المعدلة وراثيا”؟
أفضى الهوس بالملصقات الغذائية والاهتمام غير المسبوق الذي أولته الصحف لمخاطر الغلوتين والمواد المعدلة وراثيا، والهرمونات، إلى المغالاة في وضع معلومات لا طائل منها على الملصقات.
إذ يمكنك الآن شراء ماء معبأ “فائق الجودة”، لأنه ببساطة ليس خاليا من العناصر المعدلة وراثيا والغلوتين فحسب، بل مطابق أيضا للشريعة اليهودية، وعضوي. لكن فاتنا أن نأخذ في الاعتبار أنه لا توجد قطرة ماء واحدة على وجه الأرض قد تحتوي على الغلوتين، أو العناصر المعدلة وراثيا، ولا يمكن أن تعدل بأي شكل لتطابق الشريعة اليهودية، أو لتكون عضوية.
وبينما توفر لنا بعض الملصقات معلومات مفيدة عن المنتج، لا يمكن أن يكتشفها المستهلك من دون قراءة هذه الملصقات، فإن ثمة ملصقات أخرى تحتوي على مزاعم مضللة تستغل قلة معلومات المستهلكين واستعدادهم لدفع مبالغ إضافية للحصول على المنتجات التي تحمل هذه الملصقات.
فقد يكون من المفيد على سبيل المثال، إضافة معلومات عن بلد المنشأ، لكنّ وصف زجاجة مياه بأنها “خالية من الغلوتين” و”غير معدلة وراثيا” لن يفيد المستهلك كثيرا.
وقد تأكدت، من خلال عملي كخبير اقتصادي في مجال الأطعمة، أن هذه المعلومات التي تضعها الشركات، من باب الشفافية الزائفة، لا تكشف للمستهلك أي شيء عن طبيعة الأطعمة، وإنما في الواقع، قد تثقل كاهله عندما يكون الغرض منها زيادة سعر المنتج.
الفجوة المعرفية بين المستهلك والبائع:
ظلت معرفة المستهلكين بالمحتوى الغذائي للأطعمة الجاهزة التي يشترونها محدودة للغاية حتى أواخر الستينات من القرن الماضي.
لكن الزيادة الهائلة في إنتاج الأطعمة المعالجة ترافقت مع زيادة في المعلومات، وأدت إلى ظهور نظام لوضع الملصقات الغذائية، سواء إجباريا أو اختياريا، في مطلع السبعينات.
وبعدما اتضحت لنا العلاقة بين النظام الغذائي والصحة، سعى الكونغرس الأمريكي إلى توفير المزيد من المعلومات للمستهلك من خلال إصدار قانون البطاقات والتوعية الغذائية لعام 1990، الذي يمنح إدارة الأطعمة والأغذية صلاحية إلزام الشركات بإضافة معلومات عن العناصر الغذائية وغيرها على عبوات الأطعمة.
ومنذ ذلك الحين، زادت المعلومات على البطاقات الغذائية إلى حد يثير الالتباس والغموض. وبينما تخضع بعض الملصقات، مثل تلك التي تحمل وصفا للمنتج بأنه “عضوي”، للوائح الفيدرالية الأمريكية الصارمة، فإن البعض الآخر منها يتعذر تنظيمه والتأكد من صحته بشكل كامل، مثل تلك التي تحمل كلمة “طبيعي”.
وتقرأ على البيض مثلا، أن مصدره دجاج “لم يُحبس داخل أقفاص”، رغم أن هذا لا يخضع لرقابة معينة، أو مصدره دجاج “يترك في الهواء الطلق أحيانا”.
وقد يأتي الحليب من بقر “تغذى على العشب”، رغم عدم وجود معايير محددة لضبط ذلك الأمر، أو قد يكون الحليب “خاليا من الهرمونات”، وهذا يتطلب إثباتا علميا.
وقد ظهرت كل هذه الملصقات تلبية لرغبة المستهلك في معرفة الطريقة التي اُنتج بها الطعام، واستعداده لدفع المزيد مقابل مزاعم الشركات، سواء كانت حقيقية أم زائفة.
مميزات المنتج:
ولكي نفهم كيف تؤثر البطاقات الغذائية على سلوك المستهلك، سنسلط الضوء على العوامل الاقتصادية المتعلقة بهذا الأمر.
يرى كيفين لانكستر، الخبير الاقتصادي، أن المستهلك لا يحصل على السعادة من مجرد شراء المنتج، بل من مواصفاته.
فعندما تنوي شراء سيارة على سبيل المثال، ستجذبك مواصفاتها، مثل لونها، أو نوعها، أو حجمها، أو سعرها، أو مدى كفاءتها في استهلاك الوقود. ويمكنك أيضا تحديد نطاق البحث عبر الإنترنت بإدخال هذه المواصفات.
وفي حين أن بعض المواصفات يمكنك أن تراها وتتحقق منها بنفسك قبل الشراء، مثل اللون والحجم، فإن البعض الآخر، مثل كفاءة السيارة في استهلاك الوقود، لن تتأكد منها إلا بعد توقيع العقد واستلام المفاتيح.
وهذا يعني أن المعلومات التي تعرفها الشركة عن السيارة أكثر من تلك التي يعرفها المشتري، وهذا ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد، “تفاوت المعلومات”، وقد نال جورج أكرلوف جائزة نوبل عن عمله في مجال تباين المعلومات بين طرفي المعاملة وتبعاته السلبية على السوق.
ولو طبقنا هذا على الطعام، سنجد أن هناك مواصفات للأطعمة لا يمكن ملاحظتها إلا بعد الشراء. إذ يمكنك أن تفحص التفاحة وتتأكد من خلوها من العيوب الظاهرية، ولكنك لا تعرف طعمها، ولن تعرف عدد السعرات الحرارية التي تحتوي عليها، ولا حتى بعد استهلاكها، وفي هذه الحالة ستفيدنا الملصقات الغذائية.
استغلال الفجوة المعرفية:
وبما أننا لن نستطيع القضاء على مشكلة التفاوت في المعلومات، ولن يتمكن المستهلك من الحصول على القدر الذي يرضيه من المعلومات عند الشراء، فإن إلزام الشركات بوضع الملصقات الغذائية ساهم في تقليص هذه الفجوة المعرفية بين البائع والمستهلك، خاصة عندما تساعد المعلومات الإضافية في الحفاظ على الصحة، مثل عدد السعرات الحرارية، أو الحصة اليومية الموصى بها من فيتامين ج.
إلا أن بعض الشركات تستخدم الملصقات الغذائية لاستغلال مخاوف المستهلك من وجود عنصر معين في الطعام، لكي تجمع المزيد من الأموال، أو تزيد حصتها في السوق.
وتعد مثل هذه الشفافية “الزائفة” واحدة من الطرق التي تتبعها الشركات لتحقيق مرادها، كأن تضع الشركة ملصقات تصف المنتج بأنه خال من عنصر بعينه، في حين أن هذا العنصر لا يمكن بأي حال أن يكون موجودا في هذا المنتج من الأساس.
وبينما يعد الماء الذي ذكرته في البداية مثالا صارخا لاستغلال الشركات لمخاوف المستهلك، فإن هناك أيضا أمثلة أخرى، ولكنك ستحتاج بعض الخبرة لتكتشف مدى عبثيتها.
وإذا كانت اللوائح التنظيمية الفيدرالية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تحظر استخدام الهرمونات في تربية الخنازير والدواجن، فإن كتابة عبارة “خالية من الهرمونات” على صدور الدجاج، لا طائل منها.
غير أن هذه العبارة تتيح للشركة وضع سعر أعلى من السعر الحقيقي، أو تساعدها في إبراز منتجاتها ومدى تميزها عن سائر المنتجات ذات الملصقات المتواضعة.
ومع ذلك، تجيز هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية استخدام هذه العبارة، طالما تلتها عبارة: “اللوائح الفيدرالية تحظر استخدام الهرمونات” على البطاقة.

عن gamdan

شاهد أيضاً

قحيمان .. استفاد الوطن ولم تخسر الحديدة .. 

‏‏  4 دقائق للقراءة        792    كلمة                     أول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *