كيف تساعد بوليوود الملايين في الهند في تعلم القراءة؟
الحديدة نيوز/خــــــــــــــاص
أكثر من ربع سكان الهند لا يعرفون القراءة والكتابة، وقد اقترحت مؤسسة “بلانيت ريد” حلا جديدا للقضاء على الأمية، يتمثل في عرض كلمات الأغاني في برامج التلفزيون بالتزامن مع نطقها، بنفس طريقة الغناء على أنغام الموسيقى المسجلة أو “الكاريوكي”.
تصعد ياشودا لاكشمان كيني، التي تسكن في إحدى قرى الهند، إلى الحافلة التي تقلها إلى قرية مجاورة لزيارة أقاربها.
ومنذ ثلاث سنوات، ربما لم تكن كيني تعرف كيف تصل إلى ذويها عن طريق المواصلات، لأنها لم يكن بمقدروها قراءة اللافتات.
فهي لم تلتحق بمدرسة، كحال الكثيرات من سكان قريتها. ومنذ بضع سنوات، عندما بلغت 42 عاما، التحقت كيني بفصول محو الأمية في قريتها، كالامبوسر، غربي ولاية مهاراشترا، حيث تعلمت حروف الهجاء والأرقام بلغتها الأم، الماراثية.
وبخلاف الكلمات البسيطة التي كانت تجتهد لقراءتها، لم تمارس كيني القراءة إلا فيما ندر. ولكنها الآن تستطيع قراءة التعليمات المكتوبة في موقف الحافلات.
فكيف استطاعت كيني أن تنمي مهاراتها في القراءة على هذا النحو؟ ربما تندهش حين تعرف أنها طورت مهاراتها من خلال مشاهدة التلفاز لفترات طويلة.
وساعدها في ذلك برنامج يربط بين تقنية تتبع حركة العين وبين كلمات الأغاني التي تظهر على الشاشة بنفس اللغة المنطوقة، بطريقة شبيهة بأغاني “الكاريوكي”، لمساعدة الناس على تعلم الكلمات بذات السرعة التي تُنطق بها سواء في الحوارات أو في الأغاني. وربما تستعين الدول بهذه الطريقة لتخفيض نسبة الأمية في العالم.
وفي عام 2011، وصل عدد المتعلمين في الهند إلى 780 مليون شخص، ما يعادل 74 في المئة من السكان. لكن مؤسسة “بلانيت ريد”، وهي مؤسسة هندية غير حكومية، أشارت في أحد تقاريرها إلى أن 400 مليون هندي على الأقل، وأغلبهم في القرى والمناطق شبه الحضرية، وصفوا بأنهم “متعلمون”، في حين أنهم لا يستطيعون قراءة النصوص البسيطة في الحياة اليومية.
وفي الوقت نفسه، يشاهد 780 مليون هندي التلفاز لما يزيد على ثلاث ساعات يوميا في المتوسط.
وتقضي كيني، كشأن الكثيرين من الهنود الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، ساعات طويلة من وقتها في مشاهدة الأفلام باللغة الماراثية، على قناة “زي توكيز”، إحدى القنوات الهندية الخاصة.
وتستمتع بقراءة كلمات الأغاني التي تعرض على الشاشة بالتزامن مع بثها. ومع الوقت، زادت معرفتها بالقراءة.
وتقول كيني: “ساعدتني هذه الطريقة على تعلم قراءة مفردات صعبة”.
وفي قرية فادود، أقصى غربي ولاية غوجارات الهندية، لم تكن شايابين سوندا، البالغة من العمر 22 عاما، تعرف سوى اللغة الغوجاراتية، التي يتحدث بها سكان الإقليم، إلى أن تابعت برنامج “رانغولي” الأسبوعي الذي يعرض أغاني الأفلام الشهيرة في السينما الهندية “بوليوود” باللغة الهندية، وهي اللغة الرسمية في الهند.
ورغم أن سوندا كانت أكثر إلماما بالقراءة من كيني، فإن النصوص المتخصصة، مثل استمارات البنوك، كانت كلها مكتوبة باللغة الهندية.
ويُبث برنامج “رانغولي” في جميع أنحاء الهند، وأتاح البرنامج الفرصة لسوندا لممارسة اللغة الهندية التي لم تكن تجيد التحدث بها. وتقول سوندا: “ساعدتني قراءة كلمات الأغاني في فهم كيفية استخدام حروف العلة في اللغة الهندية”. وقد أصبح بإمكان سوندا الآن تعبئة الاستمارات لفتح حساب في البنك.
وتقترح مؤسسة “بلانيت ريد” توظيف التلفاز في تعليم نحو 400 مليون أُميّ القراءة والكتابة في بلد يعد واحدا من البلدان الأسرع نموا في العالم. ويمثل الإلمام بالقراءة والكتابة، في الهند وغيرها من البلدان النامية في العالم، أحد أهم روافد الانتعاش الاقتصادي.
وبعض المواطنين في الهند لا يستطيعون مساعدة أولادهم في إنجاز الواجبات المنزلية، ولا يمكنهم قراءة الوصفات الطبية التي يكتبها لهم الأطباء، ولا يفهمون أنظمة الرعاية والإعانات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، ولا يستطيعون البحث عن فرص عمل، ولا قراءة الصحف. ولا يوجد إلا القليل من الفرص لتحسين مهارات القراءة لدى هؤلاء بخلاف المدارس.
ومن أجل مساعدة القراء المبتدئين في إتقان مهارات القراءة، توصلت مؤسسة “بلانيت ريد” إلى فكرة بسيطة تتلخص في عرض كلمات أغاني الأفلام على الشاشة بنفس اللغة التي تغنى بها وبالتزامن مع نطقها، ليتعلم منها الشعب الهندي، المولع بالأفلام السينمائية.
وهذه الطريقة تشبه الطريقة المتبعة في الغناء على أنغام الموسيقى المسجلة “الكاريوكي”، إذ تعرض كلمات الأغنية على الشاشة وتُظلل كل كلمة في الوقت الذي تنطق فيه. ويقرأ المشاهدون الكلمات بنفس اللغة المسموعة. وتوفر الشركة هذه الخدمة بعشرة لغات من اللغات الرسمية في الهند.
ولأن أغلب أغاني الأفلام الهندية تتضمن مفردات مكررة، سيتدرب المشاهدون على قراءة نفس المفردات مرارا وتكراراقول بريج كوثاري، مؤسس “بلانيت ريد”: “إن المشاهد لا يحاول عن قصد قراءة الكلمات مع الأغنية، ولكنه سينهمك في القراءة لأن الدماغ تسجل تلقائيا الروابط المتكررة بين الصوت والنص”.
وقد أشار باحثون إيطاليون إلى أن عرض الكلمات بالتزامن مع نطقها يساعدنا في فهم العناصر السمعية والبصرية بصورة أفضل. وتزعم مؤسسة “بلانيت ريد”، استنادا إلى الدراسات التي أجرتها باستخدام تقنية تعقب العينين، أن عرض الكلمات بالتزامن مع نطقها يلفت نظر المشاهد ويجبره على القراءة تلقائيا.
ووفقا لدراسة أجريت بجامعة نوتنغهام، فإن الكلمات إذا عرضت بالتزامن مع الحوار في برنامج تليفزيوني، من المرجح أن يقرأها الناس. وقد أوضحت دراسة أخرى عام 2013 على مهارات استيعاب طلاب المدارس الثانوية في مدينة كانوهي، بولاية هاواي، أن الطلاب الذين شاهدوا مقاطع موسيقية ظهرت فيها الكلمات بالتزامن مع نطقها، أحرزوا نتائج أعلى بفارق ملحوظ من نظرائهم الذين لم يشاهدوها.
وفي عام 1996، زار كوثاري القرى ومحطات القطارات والأزقة في ولاية غوجارات برفقة فريقه، وكانوا يحملون شاشتين لعرض الأغاني على الناس، كانت الأغاني في إحداهما مصحوبة بالكلمات، في حين لم تكن الأغاني في الأخرى مصحوبة بالكلمات. وكان الهدف من الزيارة معرفة الطريقة التي يفضلها الجمهور في عرض الأغاني.
ويقول كوثاري: “كان إقبال الناس على الأغاني التي ظهرت فيها الكلمات بالتزامن مع نطقها مدهشا. ثم تنفسنا الصعداء عندما رأينا أن العقبة الكبرى أزيلت من طريقنا”.
وقد طُرح مشروع عرض كلمات الأغاني بنفس اللغة التي تغنى بها في عام 1999. وفي عام 2002، عرض التليفزيون الوطني الهندي كلمات الأغاني الهندية الشهيرة بالتزامن مع نطقها وباللغة التي تغنى بها في برامج أسبوعية مدتها 30 دقيقة.
وبعض هذه البرامج كانت تبث 10 مرات أسبوعيا، وتتكرر الحلقة الواحدة مرتين أحيانا، مما يتيح للمشاهد الفرصة لمشاهدة الأفلام التي عُرضت كلمات أغانيها على الشاشة 30 مرة في الأسبوع، وهذا التكرار بالطبع يساعد في تعلم الكلمات.
يقول كوراثي: “زاد عدد قراء الصحف من بين مشاهدي البرامج التي تعرض كلمات الأغاني بالتزامن مع نطقها، من 34 في المئة إلى نحو 70 في المئة”.
وقد نشر كوراثي دراسة عن نتائج الدراسات التي توصل إليها في استعراض دولي للتعليم. وأظهرت نتائج الدراسة أن القارئ المبتدئ الذي يشاهد الأغاني المصحوبة بعرض الكلمات نصف ساعة أسبوعيا سيتمكن من قراءة الصحف في غضون 3 إلى 5 سوات.
هذا بالإضافة إلى أن تنفيذ المشروع الذي اقترحته مؤسسة “بلانيت ريد” غير مكلف. ففي حال إقتناع الحكومة بالفكرة، لن تتجاوز تكاليف عرض البرامج والأغاني مصحوبة بالكلمات في 50 برنامجا تليفزيونيا أسبوعيا مليون دولار سنويا، وهذا يشمل عرض البرامج بجميع اللغات الرسمية الهندية البالغ عددها 22 لغة.
ولو وضعنا في الاعتبار أن عدد المستفيدين من هذا المشروع، الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، 400 مليون مواطن، فإن تكلفة تعليم كل شخص من هؤلاء ستكون أقل من سنت واحد.
ويقول مايكل تروكانو، كبير خبراء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسياسة التعليم بالبنك الدولي: “يتميز مشروع “بلانيت ريد” عن غيره من المبادرات الأخرى في الهند التي تهدف إلى محو الأمية، بأنه يوظف البرامج التليفزيونية الموجودة بالفعل والتجارب التي اعتاد عليها الجمهور من أجل تحقيق هدفه”.